*مختلف الحديث رقم: (58)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
كيف التوفيق بين حديث ((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر – فسئل عنه فقال: الرياء))
رواه الطبراني (4/ 253) (4301).
راجع الصحيحة 951، وتخريجنا لمسند أحمد 23636 حيث قلنا ان إسناد الطبري على شرط كتابنا الذيل على الصحيح المسند
من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 225): رجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن شبيب بن خالد، وهو ثقة.
وبين حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، فقال أبو موسى: أكنت تستمع لي يا رسول الله؟
قال: نعم، قال: لو أعلم أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً)
رواه البخاري و مسلم.
—————–
جواب سيف بن غدير النعيمي:
قال ابن الجوزي في كشف المشكل 1/ 269: ولا يقال إن زيادة التجويد في ذلك رياء لأجل الخلق إذا كان المقصود اجتذاب نفعهم فأما الألحان التي يصنعها قراء هذا الزمان فمكروهة عند العلماء لأنها مأخوذة من طرائق الغناء .. إلخ
قال الإمام أبو بكر الآجُرِّي – رحمه الله -:
ينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله قد خصه بخير عظيم؛ فليعرف قدر ما خصه الله به، وليقرأ لله، لا للمخلوقين، وليحذر من الميل إلى أن يستمع منه ليحظى به عند السامعين رغبة في الدنيا، والميل إلى حسن الثناء والجاه عند أبناء الدنيا، والصلات بالملوك، دون الصلات بعوام الناس؛ فمن مالت نفسه إلى ما نهيته عنه: خفت أن يكون حسن صوته فتنة عليه، وإنما ينفعه حسن صوته إذا خشي الله عز وجل في السر والعلانية، وكان مراده أن يستمع منه القرآن لينتبه أهل الغفلة عن غفلتهم، فيرغبوا فيما رغبهم الله عز وجل، وينتهوا عما نهاهم؛ فمن كانت هذه صفته انتفع بحسن صوته، وانتفع به الناس.
” أخلاق أهل القرآن ” (ص 161).
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
عن أمام قال: أنا أحسن من الصوت وإطالة القراءة حتى يخيل إليَّ أني أفعل ذلك من أجل إشعار الناس أني أهل للإمامة، ما حكم ذلك؟.
فأجاب:
عليك – يا أخي – أن تستمر في عملك هذا، مع سؤال الله التوفيق للإخلاص، والحرص على التعوذ بالله من الرياء، وأبشر بالخير، ودع عنك الوساوس التي يمليها الشيطان بأنك تقصد الرياء وتحسين صوتك لأجل مدح الناس أو ليقولوا: إنك أهل للإمامة، دع عنك هذه الوساوس، وأبشر بالخير، وأنت مأمور بتحسين الصوت في القراءة حتى ينتفع بك المأمومون، ولا عليك شيء مما يخطر من الوساوس بل حاربها، حاربها بالتعوذ بالله من الشيطان، وسؤال الله التوفيق والهداية والإعانة على الخير، وأنت على خير عظيم، واستمر في الإمامة، وأحسن إلى إخوانك، واجتهد في تحسين الصوت، فقد جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال (ليس منا من لم يتغن بالقرآن – يجهر به -) يعني: يحسِّن صوته بالقراءة، فتحسين الصوت بالقراءة من أعظم الأسباب للتدبر والتعقل، وفهم المعنى، والتلذذ بسماع القرآن، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبيٍّ حسن الصوت بالقرآن يجهر به) – رواه البخاري – يعني: ما استمع الله سبحانه لشيء كاستماعه لنبي، وهو استماع يليق بالله لا يشابهه صفات المخلوقين؛ فإن صفات الله سبحانه تليق به لا يشابهه أحد من خلقه جل وعلا، كما قال سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى/ 11، ولكن يدلنا هذا على أن الله سبحانه يحب تحسين الصوت بالقراءة، ويحب أن القراء يجتهدون في تحسين أصواتهم حتى ينتفعوا وحتى ينتفع من يستمع لقراءتهم، وما يخطر ببالك من الرياء: فهو من الشيطان، فلا تلتفت إلى ذلك، وحارب عدو الله بالاستعاذة بالله منه، والاستمرار بتحسين صوتك، والإحسان في قراءتك، مع الخشوع في ركوعك وسجودك وسائر أحوال الصلاة، وأنت على خير إن شاء الله، نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات على الحق.
” مجموع فتاوى الشيخ ابن باز “. (30/ 129 – 131)
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قال العلماء: وفي هذا دليل على أن الإنسان لو حسَّن صوتَه بالقرآن لأجل أن يتلذذ السامع ويسر به: فإن ذلك لا بأس به، ولا يعدُّ من الرياء، بل هذا مما يدعو إلى الاستماع لكلام الله عز وجل حتى يسر الناس به.
” شرح رياض الصالحين ” (4/ 662).
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -:
فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه، وقد كان أبو موسى كما قال عليه السلام قد أعطي صوتاً حسناً، مع خشية تامة ورقة أهل اليمن الموصوفة، فدل على أن هذا من الأمور الشرعية.
” تفسير ابن كثير ” (1/ 63).
—————-
جواب سيف بن دورة الكعبي:
أجابة بعض المشايخ الأفاضل لسؤال ورد عليه مفاده:
أنا مؤذن في أحد المساجد، وفي بعض الأوقات أصلي بالناس، ولكن يأتيني شعور وأنا إمام بأني أصلي لأحسن صوتي ويعجب به المصلون، ويداخلني شعور بأن فعلي مراءاة للناس، فما نصيحتكم لي؟ علماً أن هذا الشك يستمر معي حتى في الأذان. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فتحسين الصوت بالقرآن مستحب؛ لما روى البخاري (5045) عن قتادة قال: سألت أنساً – رضي الله عنه- عن قراءة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فقال: كان يمد مداً إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمدّ بالرحمن، ويمدّ بالرحيم …
وأجازت طائفة رفع الصوت بالقرآن والتطريب به؛ وذلك لأنه إذا حسن الصوت به كان أوقع في النفوس، وأسمع في القلوب، واحتجوا بقوله عليه السلام: “زينوا القرآن بأصواتكم” من حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه-، أخرجه أبو داود (1468)، والنسائي (1015، 1016)، وبقوله عليه الصلاة والسلام: “ليس منَّا من لم يتغن بالقرآن” أخرجه البخاري (7527) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وبقول أبي موسى – رضي الله عنه- للنبي – صلى الله عليه وسلم-: (لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيراً) أخرجه ابن حبان (16/ 170)، والحاكم (3/ 529) (5966)، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-، وبما رواه عبد الله بن مغفّل – رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرجَّع في قراءته. انظر تفسير القرطبي (1/ 11)، وابن كثير (4/ 435) وغيرهما.
إلا أن يخرج القراءة التي هي التلاوة عن حدها، فيكره، أو إذا كان القصد التغني فحسب، لما روي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك – رضي الله عنه- فقيل له: اقرأ، فرفع صوته وطرب، وكان رفيع الصوت، فكشف أنس- رضي الله عنه- عن وجهه، وكان على وجهه خرقة سوداء، فقال: يا هذا: ما هكذا كانوا يفعلون، وروي عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرهون رفع الصوت ثم الذكر) انظر تفسير القرطبي (1/ 10)، ويدخل في ذلك مراءاة الناس.
وقد قيل إن الأمر بالتزيين اكتساب القراءات وتزينها بأصواتنا وتقدير ذلك، أي زينوا القراءة بأصواتكم فيكون القرآن بمعنى القراءة، كما قال تعالى: “وقرآن الفجر” أي قراءة الفجر، وقوله: “فإذا قرأناه فاتبع قرآنه” أي قراءته.
فعليك أن تخلص نيتك، وأن تدافع نفسك وتدفع المراءاة، وهذا التخوّف ما دمت تجده في نفسك، فهذا صريح الإيمان والحمد لله.
وكذلك نفس السؤال وجه لشيخ آخر: فاستدل بحديث (ما إذن الله لشئ كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن) أخرجه البخاري 5023،ومسلم 792 أي ما استمع الله كاستماعه لمن يجهر بالقرآن ويحسن صوته به، فلا تتهم نفسك بالرياء، فهذا من وسوسة الشيطان لتترك تحسين صوتك. انتهى باختصار