*مختلف الحديث رقم: (56)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
كيف التوفيق بين حديث قبيصة رضى الله عنه، مرفوعا، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت)).
رواه أبو داود (3907) وأحمد (5/ 60) (20622) , وابن حبان (13/ 502) , والطبراني (18/ 396) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/ 139) , والحديث سكت عنه أبو داود.
وبين ما صح ((عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن نبي من الأنبياء يخط، فقال: من وافق خطه، فذاك))
رواه مسلم (537).
————–
جواب سيف بن دورة الكعبي (مختلف الحديث 56):
ذكرنا في شرحنا لمسلم أننا نقلنا في قوله صلى الله عليه وسلم (كان نبيٌّ من الأنبياء يَخُط فمن وافق خطه فذاك) عن بعض الباحثين أنه قال:
واستدلال بعضهم بأن إدريس عليه السلام يخط كخطوطهم هذا من أبطل الباطل، لأن كتبهم مليئة بالكفريات والأكاذيب التي يتنزه من له مسكة عقل أن يتفوه بها، ثم إن هذه معجزة لذاك النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل الزجر، وأنه لا يستطيع أحد ذلك. انتهى ملخصا كلام ابن تيميه والخطابي بمعناه
بل قال ابن تيمية: إن هؤلاء جمعوا من الكذب أكثر من كذب اليهود والنصارى، ونحن مأمورون بالحذر من تحريفاتهم، فما ظنك بهؤلاء الأفاكين الدجالين. انتهى باختصار وتصرف.
تنبيه 1:سيأتي في أجوبة الإخوة أن إدريس اول من خط بالقلم، وهذا نقله ابن كثير في البداية والنهاية من قول ابن إسحاق. وورد مرفوعا عن أبي ذر (اول الرسل آدم وآخرهم محمد … وأول من خط بالقلم إدريس) وقال الألباني في ضعيف الجامع ضعيف جداً، وراجع الضعيفه 1910 و 6090و5638، وهناك بحث بين الباحث أن كل طرقه ضعيفه وبعضها مطول كما عند ابن حبان.
تنبيه 2: وكذلك ما نقلوه عن ابن عباس أنه قال هو الخط الذي يخطه الخازي. فهذا إنما نقله ابوالعباس ثعلب عن ابن الأعرابي عن ابن عباس، بل ذكره الخطابي في غريبه عن ابن الأعرابي من قوله، ولم أجده مسندا، إنما نقله القرطبي في تفسيره، وبعض شراح الحديث وأهل الغريب.
———————
جواب حسين البلوشي وعبدالحميد البلوشي (مختلف الحديث 56):
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية:
الكهنة والذين يخطون ويدعون علم الغيب من أن الخط كان عند ا?نبياء فيرد عليهم بهاتين الجهتين:
– ا?ول: أنه آية وآية النبي عليهم الصلاة والسلام ? يمكن ?حد أن يدركها.
– الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أحال على مستحيل قال «فمن وافق خطه فذاك»، وهـذا ? يمكن ?حد أن يدركه.
لهذا الخط في الرمل والضرب بالحصى والخشب وأنواع ذلك هـذه من الصور القديمة وهـي موجودة ا?ن في بعض الب?د، وهـي كلها من وسائل الكهان ومن نحا نحوهـم.
—————
جواب احمد بن علي (مختلف الحديث 56):
قال العثيمين في القول المفيد على كتاب التوحيد:
فإن قيل: قد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن نبيا من الأنبياء يخط; وقال: ” من وافق خطه; فذاك ” 1 قلنا: يجاب عنه بجوابين:
الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم علقه بأمر لا يتحقق الوصول إليه; لأنه قال: فمن وافق خطه فذاك، وما يدرينا هل وافق خطه أم لا؟
الثاني: أنه إذا كان الخط بالوحي من الله تعالى كما في حال هذا النبي صلى الله عليه وسلم ; فلا بأس به; لأن الله يجعل له علامة ينزل الوحي بها بخطوط يعلمه إياها. أما هذه الخطوط السحرية; فهي من الوحي الشيطاني، فإن قيل: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسد الأبواب جميعا خاصة في موضوع الشرك; فلماذا لم يقطع ويسد هذا الباب؟
فالجواب: كأن هذا والله أعلم أمر معلوم، وهو أن فيه نبيا من الأنبياء يخط; فلا بد أن يجيب عنه الرسول صلى الله عليه وسلم
……………………..
العلم الذي تعلمه إدريس عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم علم الرمل في الإسلام، قيل إنه نزل به الملك جبريل على سيدنا إدريس وأنه علم شريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد ما يسمى بالخط في الرمل لكشف ما هو غيبي فهذا منهي عنه شرعا لأنه نوع من الكهانة، وهو مما فسر به الطَرق الذي ورد ذمه في الحديث الصحيح، وقد سبق ذكره بالفتوى رقم: 59528. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 36540.
وأما هل هو من العلم الذي أنزل على إدريس عليه السلام فقد ورد في صحيح ابن حبان قول النبي صلى الله عليه وسلم عن إدريس عليه السلام: أول من خط بالقلم.
قال المناوي في فيض القدير: أ ي كتب ونظر في علم النجوم والحساب. اهـ.
ولكن ينبغي أن يعلم أن علم النجوم على نوعين، فمنه المشروع ومنه الممنوع، قال شمس الحق أبادي في عون المعبود: قال الخطابي: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدل عليه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع كمجيء الأمطار وتغير الأسعار، وأما ما يعلم به أوقات الصلاة وجهة القبلة فغير داخل فيما نهي عنه. اهـ.
فقد يكون هذا العلم الذي تعلمه إدريس عليه السلام من هذا النوع المشروع، وقد يكون من النوع الآخر الممنوع ولكنه قد كان جائزا في شرعه منهي عنه في شرعنا.
وثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: اختلف العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح. والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وافق خطه فذاك ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429
قال القاضي عياض في إكمال المعلم:
وقوله حين قال: ومنا رجال يخطون: ” كان نبى من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك “: أى أصاب، وقال ابن عباس فى تفسير هذا الحديث: هو الخط الذى يخطه الحازى وهو علم قد تركه الناس. قال: يأتى صاحب الحاجة إلى الحازى فيعطيه حلوانا، فيقول: اقعد حتى أخط لك وبين يدى الحازى غلام معه ميل، ثم يأتى إلى أرض رخوة فيخط الأستاذ خطوطا معجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهل خطين خطين، فإن بقى خطان فهو علامة النجح وإن بقى خط فهو علامة الخيبة، والعرب تسميه: الأسحم وهو مشؤوم عندهم.
قال القاضى: وجدت فى المعلم فى هذا الموضع اختلالا أصلحته من الأصول التى كان النقل فيه منها لا شك من الخطابى والهروى وحكى مكى فى تفسيره أنه روى أن هذا النبى كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى فى الرمل، ثم يزجر قال: وقوله: ” فمن وافق خطه فذاك ” يحتمل الزجر عن هذا إذ كان ذلك علما لنبوته، وقد انقطعت فنهينا عن التعاطى لذلك.
قال القاضى: الأظهر من اللفظ خلاف هذا، وتصويب خط من وافق خطه، وذلك الذى يجدون إصابته، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم، وعليه يدل ظاهر قول ابن عباس، ويحتمل أن هذا نسخ فى شرعنا.
وراجع أيضاً كلام المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح حيث نقل كلام النووي
—————
جواب حمد الكعبي:
نقل أحد الباحثين عن ابن حجر الهيتمي أنه قال:
” تعلم الرمل وتعليمه حرام شديد التحريم، وكذا فعله؛ لما فيه من إبهام العوام أن فاعله يشارك الله في غيبه وما استأثر بمعرفته … والحديث المذكور في مسلم يجب أن يحل على ما يطابق القرآن، وما اتفق عليه إجماع أهل السنة، وذلك بأن يحمل على الإنكار، لا الإخبار؛ لأن الحديث خرج جواباً على سؤال من اعتقد علم الخط على ما اعتقدت العرب، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك من خواص علوم الأنبياء بما يقتضي الإنكار على من يتشبه به من الناس، إذ هو من خصوصياتهم، ومعجزاته الدالة على النبوة، فهو كلام ظاهره الخبر، والمراد به الإنكار، ومثله في القرآن والسنة كثير.
أو يحمل على أنه علَّق الحل بالموافقة بخط ذلك النبي، وهي غير واقعة في ظن الفاعل، إذ لا دليل عليها إلا بخبر معصوم، وذلك لم يوجد، فبقى النهي على حاله؛ لأنه علق الحل بشرط، ولم يوجد، وهذا أولى من الأول.
أو يحمل على أنه أراد: فمن وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم، وهذا يدل على أنه ليس على ظاهره، وإلا لوجب لمن وافق خطه أن يعلم علم المغيبات التي كان يعلمها ذلك النبي، وأمر بها في خطه من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم، وحينئذ يلزم مساواته له في النبوة، فلما بطل حمله له على ظاهره لزم تأويله، وعلم أن الله تعالى خص ذلك النبي عليه السلام بالخط، وجعله علامة لما يأمره به وينهاه عنه، كما جعل لنوح عليه السلام من فور التنور علامة الغرق لقومه، وفقد الحوت علامة لموسى على لقاء الخضر عليه السلام، وما في سورة الفتح علامة لنبينا صلى الله عليه وسلم على حضور أجله، ومثله كثير. ” الفتاوى الحديثية ” (ص 117، 118).اهـ