*مختلف الحديث رقم (46)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
وجمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
ومشاركة أحمد بن علي؛ سيف بن غدير النعيمي
———————-
كيف التوفيق بين حديث جرير: (من سن سنة حسنة فعمل بها، كان له أجرها، ومثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئا. … )
رواه مسلم (2348) و (2349)
هذا الحديث فيه ثبوت الأجر ولو كان مع عدم النية؟
وبين الحديث المتفق عليه (إنما الأعمال بالنيات)
———————-
جواب سيف بن دورة الكعبي:
مختلف الحديث 46:
الأصل أن الأعمال بالنية وقد سأل بعض لجان الفتوى سؤال برقم 69960 – مفاده:
هل تؤجر المرأة على عملها في البيت ولو لم تنو الاحتساب؟
قالت السائلة: هل إذا عملت المرأة في بيتها دون احتساب نية أجر العمل عند الله تؤجر على عملها أم لا يحسب لها؟.
الحمد لله عمل المرأة في بيتها عمل عظيم تساهم به في نشر المودة والرحمة في بيتها، ولها اليد الطولى في المساهمة في تربية أولادها، وهي مُعينة لزوجها على عمله وعلى دعوته وطلبه للعلم.
وهذا العمل – شأنه في ذلك شأن سائر الأعمال – لا تثاب عليها المرأة إلا إذا أخلصت فيه النية لله تعالى.
وهذه بعض النصوص المؤيدة لهذا مع نقل طائفة من أقوال أهل العلم:
1. ذكر البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان باباً عدَّد فيه
واجبات شرعية، وذكر فيه احتساب الأجر على فعله.
قال البخاري رحمه الله:
بَاب مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ،
وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) عَلَى نِيَّتِهِ، نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ).
“صحيح البخاري” (1/ 29) “كتاب الإيمان”.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله: ” باب ما جاء ” أي: باب بيان ما ورد دالاًّ على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة.
“فتح الباري” (1/ 135، 136).
2. عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة). رواه البخاري (55) ومسلم (1002).
فنفقة الرجل على زوجته وأولاده واجب شرعي، ولا يثاب عليها إلا إن قصد الاحتساب.
قال القرطبي:
أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة , وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر , لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة.”فتح الباري” (1/ 136).
وقال ابن حجر:
ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقرونا بالنية. . .
وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب , والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده , ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة , بل هي
أفضل من صدقة التطوع. “فتح الباري” (9/ 498).
وقال النووي رحمه الله: (يحتسبها) معناه: أراد بها وجه الله تعالى، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلا (أي غفل عن النية، ولم ينو الاحتساب) , ولكن يدخل المحتسب. وطريقه في الاحتساب: أن ينفق بنية أداء ما أمر به من النفقة والإحسان.
“شرح مسلم” (7/ 88، 89) باختصار وتصرف.
3. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها حتى ما تجعل
في فم امرأتك) رواه البخاري (56) ومسلم (1628).
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله:
وينبغي له أن لا يخلي نفسه من أن يلقم زوجته اللقمة واللقمتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى اللقمة يضعها في فم امرأته) فقد حصل له الثواب مع أن وضع اللقمة في فم امرأته له فيها استمتاع، وينبغي له أن يحتسب في ذلك كله أعني: إحضار الطعام والإطعام.”المدخل” (1/ 224) باختصار.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وإنك لن تنفق نفق تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها) علق حصول الأجر بذلك (أي بابتغاء وجه الله) وهو المعتبر.
“فتح الباري” (5/ 367).
والخلاصة:
أن عمل المرأة في بيتها تثاب عليه إذا احتسبت ثواب ذلك عند الله
تعالى، وأخلصت النية.
والله أعلم.
وقالوا:
المقصود من النية هو مجرد ابتغاء وجه الله، وإذا قبل الله طاعتك فستجد -إن شاء الله- كل ما ورد مما أعده الله لذلك. وعليه، فليس من المشترط لحصول أجر الصدقة مثلاً أن ينوي صاحبها إطفاء غضب الرب وابتغاء أن يكون ممن يظلهم الله في ظله، والشفاء، ونيل البر، وأن تكون برهاناً، بل يكفي من ذلك جميعاً أن يخرجها ابتغاء مرضاة الله، ثم الفرق بين الاحتساب وبين النية هو أن الاحتساب أخص من النية، لأن النية قد لا يستحضر صاحبها طلب الأجر، وأما الاحتساب فهو كما قال الحافظ ابن حجر وغيره أنه طلب الثواب من الله تعالى، واحتساب العمل يكون قبل القيام به أو أثناء ذلك، لا بعد القيام به.
والله أعلم.
وفي سؤال موجه لبعض لجان الفتوى: هل يؤجر من تسبب في توبة غيره دون أن يدري؟
فأجابوا:
فمما لا إشكال فيه أن الدال على الخير والداعي إليه له مثل أجر فاعله، كما سبق بيانه في الفتويين: 60180، 28202 لأنه باشر السبب وقصد حصول نتيجته، قال السعدي: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، {وَآثَارَهُمْ} وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، ومنه حديث من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك. اهـ.
ومن ذلك قول ابن حجر في حق السيدة خديجة رضي الله عنها: وَمِمَّا اِخْتَصَّتْ بِهِ سَبْقهَا نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة إِلَى الْإِيمَان, فَسَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدهَا, فَيَكُون لَهَا مِثْل أَجْرهنَّ, لِمَا ثَبَتَ أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّة حَسَنَة، وَقَدْ شَارَكَهَا فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَال, وَلَا يُعْرَف قَدْر مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الثَّوَاب بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. اهـ.
ويظهر هذا أيضا بالقياس العكسي، فكما أن من تسبب في الحرام وقع عليه شيء من وزره، فكذلك من تسبب في الطاعات والحسنات، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: و في بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا. رواه مسلم
—————————
جواب سيف بن غدير النعيمي:
قال الشيخ محمد ابن الشيخ العلامة علي بن آدم الاثيوبي:
في فوائد حديث (من سن سنة حسنة … )
5 – ومنها: أن ظاهر هذا الحديث يدل على أنه يحصل هذا الأجر للبادئ، ولو لم ينو أن يتبعه أحد فيها، ففيه ثبوت الأجر مع عدم النية، فيكون مخصصا للحديث المتفق عليه (إنما الأعمال بالنيات)،فتنبه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
– كتاب مشارق الأنوار الوهاجه ومطالع الأسرار البهاجه في شرح سنن ابن ماجه (4/ 236)
—————
جواب احمد بن علي: مختلف الحديث 46
قال الطالب: إنه لعجيب حقًا أن نُسأل عن شيئ لم نفعله، ولم نأمر احدًا أن يفعله، ولم نُرد أن يفعله، بل لم يخطر ببالنا أنه سيفعله. أليست الأعمال بالنيات؟.
– قال المربي: ألم تتدبر هذا التعبير القرآني الحكيم: – {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ} يس (12)؟. ألاترى كيف جمع إلى الفعل المباشر آثاره كلها، ولم يشترط فيها أن تكون ارادية، أو لاشعورية؟. ذلك أننا متى توجهت نيتنا الى عملنا المباشر، ثم باشرناه عمدًا وقصدًا، ونحن عالمون بما فيه من البر او الإثم، فقد تمت أركان مسؤوليتنا، ولو لم نعرف مدى ما يتولد عنه من الأصداء والآثار، وما مقدار ما يترتب عليه من الأجزية والنتائج.
المسئولية عن فعل الغير (أُذيع في 10/ 3/1957 م)
وفي سؤال لابن عثيمين عن:
وقوع الأجر لمن فعل فعلاً متعدياً بغير نية
السؤال: هل يثاب المسلم إذا عمل أعمالاً بغير نية، كإماطة الأذى عن الطريق، وكالمصافحة وحضور مجالس الذكر من غير نية يطلب الأجر من الله تعالى؟
الجواب
الأعمال الصالحة قسمان: النوع الأول: أعمال لازمة لا يتعدى نفعها للغير، فهذه إن عملها الإنسان بنية أثيب ولو بنية القيام بالواجب؛ يعني: ولو لم ينو الاحتساب لكنه نوى القيام بالواجب فإنه يثاب.
والنوع الثاني: عبادات متعدية ينتفع بها الغير، فهذه يؤجر على انتفاع الغير بها، وإن لم يكن له نية عند فعلها، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من زرع زرعاً أو غرس شجرة فأصاب منها حيوان أو سرق منها؛ فإن له بذلك أجراً، مع أنه ربما يغرس ولا ينوي هذه النية، ولكن ما دام فيه انتفاع للناس فله أجر به، ويدل على هذا قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] وهذا إذا فعله الإنسان ولو لمجرد الإصلاح بدون قصد الثواب ففيه خير، ثم قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] وهذا أمر زائد على الخير الذي ذكره الله في أول الآية.
فإماطة الأذى عن الطريق نفعها متعدٍ؛ فيثاب الإنسان عليه، وإن لم يكن له نية على هذه الإماطة.
اللقاء المفتوح للعثيمين