مختلف الحديث رقم (43)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
وجمع وإختصار سيف بن دورة الكعبي
كيف التوفيق بين حديث أبي هريرة رضي الله عنه- ( …. مُرَّ على النَّبيِّ – صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ – بجنازةٍ، فأُثْنيَ عليها خيرًا …. ثمَّ مرُّوا عليهِ بأخرى، فأُثْنيَ عليها شرًّا في مَناقبِ الشَّرِّ، فقالَ: وجبَت … )
-الصحيح المسند برقم (1313)
-وبين ما جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟ مثل: عن عائشة قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا أي وصلوا إلى ما قدموا» من الأعمال (رواه البخاري)
———————-
مختلف الحديث 43
جواب احمد بن علي وشاركه ناصر المرزوقي في نقله من إكمال المعلم:
قيل: لأنه قد يكون هذا فيمن غلب عليه الشر، وكان فى حياته فاسقا معلنا فلا غيبة فيه فى حياته فكذلك بعد موته، بخلاف إذا كان الأغلب عليه الخير، وقيل: يحتمل أن يكون هذا الذكر الذى سوغه النبى – عليه السلام – بعد الموت وقبل الدفن ليتعظ فساق الأحياء بما ينتشر عنه من سوء الذكر، وربما عساه يزهد كثيرا من الناس عن حضور الصلاة عليه، فإذا دفن وجب الإمساك عنه فيجمع بين الحديثين على هذا، وهذه الأحاديث كلها فى المسلمين.
قال القاضى: وليس فى هذين الفرقين تبيين لأن النهى عن سب الأموات عموم فيمن قبر ومن لم يقبر، وممن فيه الغيبة حال الحياة، ومن لا غيبة فيه.
والذى يظهر لى فى الجمع بين الحديثين. أن يكون قوله – عليه السلام -: ” وجبت وجبت ” فى الذى أثنى عليه بشر، وقطعه عليه بالنار، ومحتمل أنه فيمن أخبر عنه بإبطان النفاق وحدث عنه بما كان يضمره من ذلك، وتظهر عليه دلائله؛ فلذلك قال – عليه السلام -: ” وجبت له النار “، إذ لا تجب ويقطع بها للمذنبين، بل هم فى مشيئة الله، وقد يكون نهيه – عليه السلام – عن سب الموتى بعد هذا، والله أعلم.
إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم
قال الصنعاني: حديث «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا أي وصلوا إلى ما قدموا» من الأعمال (رواه البخاري)
الحديث دليل على تحريم سب الأموات وظاهره العموم للمسلم والكافر وفي الشرح الظاهر أنه مخصص بجواز سب الكافر لما حكاه الله من ذم الكفار في كتابه العزيز كعاد وثمود وأشباههم (قلت): لكن قوله ” قد أفضوا إلى ما قدموا علة عامة للفريقين معناها أنه لا فائدة تحت سبهم والتفكه بأعراضهم وأما ذكره تعالى للأمم الخالية بما كانوا فيه من الضلال فليس المقصود ذمهم بل تحذيرا للأمة من تلك الأفعال التي أفضت بفعلها إلى الوبال وبيان محرمات ارتكبوها. وذكر الفاجر بخصال فجوره لغرض جائز وليس من السب المنهي عنه فلا تخصيص بالكفار.
نعم الحديث مخصص ببعض المؤمنين كما في الحديث «أنه مر عليه – صلى الله عليه وسلم – بجنازة فأثنوا عليها شرا الحديث وأقرهم – صلى الله عليه وسلم – على ذلك بل قال: وجبت أي النار ثم قال: أنتم شهداء الله» ولا يقال: إن الذي أثنوا عليه شرا ليس بمؤمن؛ لأنه قد أخرج الحاكم في ذمه: ” بئس المرء كان لقد كان فظا غليظا ” والظاهر أنه مسلم إذ لو كان كافرا لما تعرضوا لذمه بغير كفره وقد أجاب القرطبي عن سبهم له وإقراره – صلى الله عليه وسلم – لهم بأنه يحتمل أنه كان مستظهرا بالشر ليكون من باب لا غيبة لفاسق أو بأنه يحمل النهي عن سب الأموات على ما بعد الدفن (قلت): وهو الذي يناسب التعليل بإفضائهم إلى ما قدموا فإن الإفضاء الحقيقي بعد الدفن.
سبل السلام
فتوى:
ما أصل كلمة لا تجوز على الميت إلا الرحمة، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي العبارة غموض، ولكن إن كان المقصود بها أن من مات يجب الكف عنه وعدم ذكر مساوئه مطلقاً, ولا يجوز ذكره إلا بالخير كالترحم عليه ونحوه، فالجواب عنه: أن هذا المعنى له أدلة تقرره وتشهد له, وإن كانت ليست على إطلاقها وعمومها
وقد جمع الشوكاني رحمه الله تعالى طرفاً من ذلك في نيل الأوطار فقال: باب الكف عن ذكر مساوئ الأموات: وذكر فيه حديثين أحدهما: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. رواه أحمد والبخاري والنسائي. والثاني: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا. رواه أحمد والنسائي … ثم علق عليهما مبيناً معناهما فقال: قوله: لا تسبوا الأموات. ظاهره النهي عن سب الأموات على العموم, وقد خصص هذا العموم بما تقدم في حديث أنس وغيره أنه قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير والشر: وجبت، أنتم شهداء الله في أرضه. ولم ينكر عليهم. ونص حديث أنس المشار إليه هو قوله: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض. رواه البخاري. وقيل: إن اللام في الأموات عهدية والمراد بهم المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله عز وجل بسبهم.
ويدل على ذلك قوله في حديث ابن عباس المذكور: لا تسبوا أمواتنا …
وقال القرطبي في الكلام على حديث وجبت أنه يحتمل أجوبة، الأول: أن الذي كان يحدث عنه بالسر كان مستظهراً به فيكون من باب لا غيبة بفاسق أو كان منافقاً، أو يحمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه, أو يكون هذا النهي العام متأخراً فيكون ناسخاً، قال الحافظ: وهذا ضعيف. وقال ابن رشيد ما محصله: أن السب يكون في حق الكافر وفي حق المسلم، أما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه، وقد يجب في بعض المواضع وقد تكون مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ مالا بشهادة زور ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب. انتهى.
والوجه تبقية الحديث على عمومه إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر, وجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً لإجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم، قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقاً معلنا فلا غيبة له وكذلك الميت. انتهى.
والخلاصة أن الأصل هو الإمساك عن سب الموتى، وذكرهم بما يسوؤهم ويؤذي الأحياء إلا إذا كان لمصلحة، قال المناوي في فيض القدير: نهي عن سب الأموات لما فيه من المفاسد التي منها أنه يؤذي الأحياء, ومحله في غير كافر ومتظاهر بفسق أو بدعة, فلا يحرم سب هؤلاء ولا ذكرهم بشر بقصد التحذير من طريقتهم والاقتداء بآثارهم كما يدل عليه عدة أحاديث مرت.
وقال الإمام محمد بن حزم في المحلى: ولا يحل سب الأموات على القصد بالأذى، وأما تحذير من كفر أو من عمل فاسد فمباح.
وبهذا يتم الجمع بين الآثار والواردة في هذا الباب والجمع أولى من الترجيح، كما يقول أهل العلم فلا يذكر الميت بسوء، وإنما يثنى عليه بما علم من عمله الخير إن وجد, وترجى له المغفرة, ويدعى له بالرحمة, ولا يعدل عن ذلك إلا لمصلحة راجحة, كتحذير من عمله السيء ليلا يغتر الجاهل به ونحو ذلك مما بيناه سابقاً لاعلى سبيل التفكه والتندر أو بقصد إيذاء الأحياء فذلك لا يجوز.
والله أعلم.
بعض لجان الفتوى
——————
مختلف الحديث 43
جواب سيف بن دورة الكعبي: من التعليق على الصحيح المسند 1313:
وسأل أعضاء الجنة الدائمة عن الغيبة فقالوا:
فقالوا بعد أن ذكروا تحريم الغيبة وأنها تجوز لمصلحة: وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال: الذم ليس بغيبة في ستة … متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن … طلب الإعانة في إزالة منكر
أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة.
وأما السؤال عن لفظ: «لا غيبة لفاسق» هل هو حديث أو لا؟ فقد قال الإمام أحمد: منكر، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب: باطل.
ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية وذكروا هذا الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري
وأما إذا كان المرء من المجاهرين بالمعاصي فيعملها أمام الناس ويحدث بها تبجحاً فإنها لا تموت معه وإنما يذكره الناس بها بعد موته وربما شهدوا عليه بالسوء فيدخل النار
قال الشوكاني: وقيل: إن اللام في الأموات عهدية والمراد بهم المسلمون؛ لأن الكفار مما يتقرب إلى الله عزوجل بسبهم
ثم نقل قول القرطبي وغيرهم
وقال بعد أن نقل قول:
ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقاً معلنا فلا غيبة له وكذلك الميت. انتهى.
ويتعقب بِأَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ بِمَا فِيهِ حَالَ حَيَاتِهِ قَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ زَجْرِهِ وَرَدْعِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَوْ لِقَصْدِ تَحْذِيرِ النَّاسِ مِنْهُ وَتَنْفِيرِهِمْ وَبَعْدَ مَوْتِهِ قَدْ أَفْضَى إلَى مَا قَدَّمَ فَلَا سَوَاءَ، وَقَدْ عَمِلَتْ عَائِشَةُ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ مِنْ اسْتَحَقَّ عِنْدَهَا اللَّعْنَ فَكَانَتْ تَلْعَنُهُ وَهُوَ حَيٌّ، فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَتْ ذَلِكَ وَنَهَتْ عَنْ لَعْنِهِ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ عَنْهَا عُمَرُ بْنَ شَبَّةَ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ وَصَحَّحَهُ، وَالْمُتَحَرِّي لِدِينِهِ فِي اشْتِغَالِهِ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ نَشْرِ مَثَالِبِ الْأَمْوَاتِ، وَسَبِّ مَنْ لَا يَدْرِي كَيْفَ حَالُهُ عِنْدَ بَارِئِ الْبَرِّيَّاتِ …
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا) أَيْ وَصَلُوا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَالرَّبْطُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ مُقْتَضِيَاتِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ: (فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ) أَيْ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ سَبِّهِمْ أَذِيَّةُ الْأَحْيَاءِ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ، وَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى جَوَازِ سَبِّ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ عَدَمِ تَأَذِّي الْأَحْيَاءِ كَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ أَوْ كَانُوا وَلَكِنْ لَا يَبْلُغُهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَّ الْأَمْوَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ الْغِيبَةِ الَّتِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِتَحْرِيمِهَا، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِأَذِيَّةِ الْأَحْيَاءِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا مِنْ جِهَتَيْنِ وَإِلَّا كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ جِهَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ أَمْوَاتِكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» وَفِي إسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: حَدِيثُهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ انتهى كلام الشوكاني باختصار بعض الدعوات التي دعاها بالمغفرة للزلات