مختلف الحديث رقم (32)
كيف التوفيق بين هذا الحديث:
عن سليمان بن يسار قال: سألتُ عائشةَ عن المَنِيِّ يُصيبُ الثوبَ فقالتْ: (كنتُ أغسلُهُ مِن ثوبِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلم فيخرُجُ إلى الصلاة، وأثرُ الغسلِ في ثوبهِ: بُقَعُ الماءِ). أخرجه البخاري 229،ومسلم 289
وحديث عائشة رضي الله عنها (كنتُ أفرُكُهُ، من ثوبِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيصلي فيه) أخرجه مسلم 288، وفي لفظ له (كنت أحكه يابساً بظفري من ثوبه) أخرجه مسلم 290
==============
جواب أبي سيف علي النقبي:
التوفيق يكون بالتالي:
إن كان رطبا فيكون ازالته أو تطهيره لمن يرى نجاسته بالغسل.
و ان كان يابسا فبالفرك.
—————————
جواب سيف بن دورة الكعبي:
الحديث الثاني دليل قوي للقائلين بطهارة المني، ولو كان نجساً لما اكتفى بذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في دم الحيض (تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه)، والأصل في الأشياء الطهارة، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله مع عموم البلوى، ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم من هديه المبادرة لغسل النجاسة كما فعل في بول الغلام.
أما ما ورد في حديث عائشة من غسل المني فهو كما يغسل المخاط والطين. وستأتي آثار تؤيد هذا المعنى في جواب الأخ أحمد بن علي.
وقال ابن حجر: وليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني؛ لأن غسلها فعل، وهو لا يدل على الوجوب بمجرده.
وهناك أدلة أخرى للقائلين بنجاسة المني راجع في الجواب عنها فتح العلام شرح بلوغ المرام ص112، واختار القول بطهارته ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين (وراجع مجموع الفتاوى 21/ 587 – 607، والشرح الممتع 1/ 388)
وهناك بحث يدلل فيه صاحبه بنجاسة المني: عنوانه (القطف الجني ببيان نجاسة المني ومن أدلته:
-أمر النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – بغسل البدن من المني.
-مداومة النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – على غسله و لم يثبت غيره.
-نهي النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – عن الصلاة في ثوب فيه مني.
-ترك النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – الصلاة في ثوب يرى فيه المني.
-وصف المني بالنجاسة.
-عمل الصحابة و فتواهم. و فيهم أمهات المؤمنين و هن أولى من ابن عباس 1 – رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ – في هذا!
أما أثر ابن عباس ففيه روايتان؛
الأولى يشبه فيها المني بالمخاط، و الأخرى يقول فيها بقول العامة من الصحابة.
و هذه أولى من غيرها.
لأن الرواية الأولى:
-مخالفة للسنة الثابتة عن رسول الله
-و مخالفة لعمل الصحابة
-و هي اجتهاد منه برأيه، و هذا ظاهر من استعماله القياس.
وهذه مناظرة بين صاحب الكتاب وباحث آخره لخصة أدلتهم أو مناظره بين من يقول بنجاسة المني وهو صاحب الكتاب ومن يقول بطهارته:
أولاً أدلة القول بالنجاسة:
•بيان أمر النبي صلى الله عليه و سلم بغسل المني، و إبطال حجة من يتمسك بالبراءة الأصلية:
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
«ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: توضأ واغسل ذكرك ثم نم»
أخرجه البخاري (286) و مسلم (730).
– عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد أن ينام و هو جنب غسل فرجه و توضأ للصلاة».
رواه البخاري (284) و مسلم (305)
-حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
«سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصلي في الثوب الذي آتى فيه أهلي؟ قال: نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله».
رواه أحمد (20959) و ابن ماجة (542)
و مثله عن معاوية بن أبى سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبى – صلى الله عليه وسلم – هل كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي فى الثوب الذى يجامعها فيه؟ فقالت: «نعم إذا لم ير فيه أذى».
رواه أبوداود (366) و ابن خزيمة (776) و ابن حبان (2331)
-و قد ورد في السنة وصف النجاسة بالأذى في أحاديث كثيرة منها – على سبيل المثال -قوله صلى الله عليه و سلم:
” إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور “. أخرجه أبو داود (385)،
و من الأدلة على أن المني أذى نجس:
-ما رواه ابن خزيمة في صحيحه (280) بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت:
” تتخذ المرأة الخرقة فإذا فرغ زوجها ناولته فيمسح عنه الأذى ومسحت عنها ثم صليا في ثوبيهما “.
ففي صحيح البخاري (228) عن سليمان بن يسار قال: سألت عائشة عن المني يصيب الثوب؟ فقالت:
«كنت أغسله من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيخرج إلى الصلاة و أثر الغسل في ثوبه بقع الماء».
و في صحيح مسلم (698) عن عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب ثوب الرجل أيغسله أم يغسل الثوب؟ فقال:
أخبرتنى عائشة «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة فى ذلك الثوب و أنا أنظر إلى بقع الماء … )
ثانيا:
•بيان معنى الفرك الذي ورد في حديث عائشة رضي الله عنه:
والحديث «ضاف عائشة ضيف فأرسلت إليه تدعوه فقالوا لها إنه أصابته جنابة فذهب يغسل ثوبه فقالت عائشة: ولم غسله؟ إني كنت لأفرك المني من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -».
اما روايه (بأمرنا بحته) فمنكر
وأيضا حديث: «كنت أفركه و هو يصلي» حديث منكر رواه ابن حبان عن محمد بن علان – و هو لا يعرف – عن لوين. و الخطأ ليس من لوين فقد رواه عنه الأشناني بلفظ الرواة عن حماد و تابع حمادا الرواة عن هشام بن حسان.
– و كذلك حديث محارب بن دثار: «أنها كانت تحت المني من ثوبه و هو يصلي» لعلة الإنقطاع. فهو ضعيف لا تقوم به حجة و لا يثبت بمثله حكم. ثم رأيت الألباني رحمه الله يعله بالمخالفة في ” صحيحته ” (3172).
ولو ثبت فاهتمام عائشة رضي الله عنها بمعالجة إزالته و حرصها على ذلك و النبي صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة و مقام المناجاة، لهو دليل على نجاسته.
و قولها: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا كان يابساً، و أغسله إذا كان رطباً». قالوا: هذا التقابل بين الفرك و الغسل يقتضي اختلافهما.
و قد مر أنه أعل بالإرسال. و الدليل على ضعفه أنه لم ينقل عن أحد ممن روى عن عائشة رضي الله عنها مثله. بل هو مخالف لقولها الذي كانت تفتي به، و سيأتي ذكره قريبا إن شاء الله تعالى.
و الإشكال عند هؤلاء؛ أنهم يأخذون رواية الفرك بمعزل عن سياقها. و أحاديث عائشة رضي الله عنها مخرجها واحد، و لا يمكن لمثلها أن يقع لها هذا التناقض و التضارب، فإن وقع، فإنما هو من قصورنا.
ذلك أن ” الفرك ” ورد مع ” الغسل ” كما في رواية الأسود و علقمة و التي فيها:
«إنما كان يجزئك إن رأيتَه أن تغسل مكانه، فإن لم ترَ نضحتَ حوله. و لقد رأيتنى أفركه من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فركا فيصلى فيه»
أو أرادت بالفرك؛ اليسيرَ من المني الذي يعفى عنه.
كما كانت تفرك الشيء اليسير من دم الحيض. ففي صحيح البخاري (306): «ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها
وعلى ذلك يحمل حديث عمرة – على تقدير صلاحه – الذي فيه غسل الرطب و فرك اليابس. صعته بظفرها» وعلى هذا يحمل ما نقل عن ابن عمر وسعد بن ابي وقاص
-وفتوى عائشة: عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المني إذا أصاب الثوب: ” إذا رأيته فاغسله، و إن لم تره فانضحه “.تدل على نجاسته
– وأثر « … أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب فيهم عمرو بن العاص فعرس قريبا من بعض المياه، فاحتلم فاستيقظ و قد أصبح فلم يجد في الركب ماء، فركب – وكان الرفع – حتى جاء الماء فجلس على الماء يغسل ما في ثوبه من الإحتلام، فلما أسفر قال له عمرو بن العاص: أصبحت دع ثوبك يغسل والبس بعض ثيابنا؟ فقال: واعجبا لك يا عمرو! لئن كنت تجد الثياب أفكل المسلمين يجدون الثياب؟! فوالله لو فعلتها لكانت سنة! بل اغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر!».
عن أبي حازم، قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: «الرجل يكون مع أهله ثم يحتلم في الثوب؟ فقال ابن عمر: إن رأيتم فيه شيئا فاغسلوه وإن لم تروا فيه شيئا فانضحوا فيه بالماء»
-ورد عن ابن عباس الامر باماطته وانه بمنزلة المخاط
و الأصل في الأمر الوجوب. و أما تشبيهه إياه بالنخامة فيعود إلى صفته، أي أنه لزج كالنخامة، وليس إلى حكمه كما فهمه بعضٌ.
و الثاني: رواه ابن أبي شيبة (902) حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:” إذا أجنب الرجل في ثوبه فرأى فيه أثرا فليغسله، وإن لم ير فيه أثرا فلينضحه “.
قال الدارقطني: سماك بن حرب إذا حدث عنه شعبة والثوري وأبو الأحوص، فأحاديثهم عنه سليمة. اهـ
قلت: الرواية الثانية من حديث أبي الأحوص، و هي ليست من المرفوع، و لا هي من التفسير، فهي مقبولة و لله الحمد.
و كأن ابن عباس رضي الله عنهما – و الله أعلم – رجع عن قوله الأول إلى قول العامة. و قد حصل له مثل هذا في مسائل كثيرة.
التعقيب من المناظر:
قال المتعقب:
-أمره صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر، وما شابهه من الآثار إنما هو للجنابه. ولا يسلم له أن غسله صلى الله عليه وسلم ذلك منه لنجاسة المني بل يقال إنما غسله من باب التطيب والتطهر مما يستقذر وإن لم يكن نجسا في نفسه
-أما رواية “يغسل ما اصابه من المرأة … “ليس في صحيح البخاري، واللفظ المشهور عند الشيخين هو “يغسل ذكره” و”يغسل ما مس المرأة منه” وحينئذ فيكون الدليل أخص من الدعوى، أرأيت لو أن رجلا أولج ثم أخرج ولم ينزل منه ولا منها شيء ولا علق منها بذلك منه شيئ أترى أنه لا يغسل ذكره؟
-الأذى في اللسان يعني ما تعافه النفس وتكرهه وتستقذره، ولم يقل أحد من اهل العربية أن الاذى هو النجس
فأتى الأذى بمعنى حلق الرأس ومنه قوله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)
-أما حديث: (أصلي في الثوب الذي آتى فيه أهلي؟ قال: نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله».ومثله حديث أم حبيبه
جوابه: من وجهين:
الاول من حيث الرواية، قال أحمد هذا الحديث لا يرفع عن عبد الملك بن عمير, وقضى الحافظان ابن ابي حاتم والدارقطني بصحة وقفه وتخطئة من رفعه.
الثاني من حيث الدراية: لانسلم أنه أمره بغسل الثوب من المني، بل قد يكون ذلك بسبب رطوبة فرج المرأة أو ما يكون من المذي.
-أما الحديث الذي في صحيح البخاري (228) عن سليمان بن يسار قال: سألت عائشة عن المني يصيب الثوب؟ فقالت:
«كنت أغسله من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيخرج إلى الصلاة و أثر الغسل في ثوبه بقع الماء».
و في صحيح مسلم (698) عن عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب ثوب الرجل أيغسله أم يغسل الثوب؟ فقال:
أخبرتنى عائشة «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة فى ذلك الثوب و أنا أنظر إلى أثر الغسل فيه».
جوابه: رواية قد نص الحفاظ على أن سليمان بن يسار تفرد برواية الغسل عن عائشة والباقون رووا عنها الفرك.
دراية: جوابه ما تقدم من احتمال غسله لمذي ونحوه، ويقال أيضا إنه غسله تقذرا لا تطهرا، وهذه عائشة تنكر على من يرى وجوب غسل المني من الثوب، وتؤثر عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – أنه كان يكتفي بسلته وحكه وفركه.
-وقوله في رواية:
«إن كنت لأفرك المني من ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ثم يصلى فيه».
و قوله: ” ثم يصلي فيه ” أخطأ فيها شريك و خالف الرواة عن منصور فهي شاذة أو منكرة.
جوابه:
أقول: لا ادري ما وجه شذوذها او نكارتها، واللفظة محفوظة من رواية الثقات الاثبات، على ان شريكا لم يتفرد بذكر هذه اللفظة عن منصور إذ قد تابعه اسرائيل عن منصور كما في الاوسط للطبراني و هو في مستخرج ابي نعيم.
-أما حديث الضيف الذي نزل على عائشه واستفهامها:
جوابه: أنه استفهام انكار، يدل عليه ما جاء في لفظ رواية الترمذي وفيها (لم افسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه ان يفركه)
-أما ما ذكرت من أن حديث عمرة عن عائشه الراجح فيه الإرسال.
جوابه: إنما أسنده الحميدي ـ وهو من هو ـ وقد كان البخاري إذا وجد الحديث عنده لم يجاوزه الى غيره ,ولذلك قواه الذهبي ووقال بصحة اسناده غير واحد ومن المعاصرين الشيخان شعيب والالباني. فالحديث مما يصلح دليلا لمذهب القائلين بطهارة المني.
على انك زعمت أن النووي قد ضعفه في المجموع وذكرت الصفحة والجزء، ولم أجد ذلك في المجموع!
ثم أخبرنا عن نفسك، ماذا كنت فاعلا لو تيقنت تنجس ثوبك ببول وخفي عليك موضعه، هل كنت تكتفي برشه ونضحه؟ أم كنت تغسله كله؟ والثاني هو الامر في الطهارة. فلو كان المني نجسا كنجاسة البول لأمرته أن يغسله على كل حال.
خالف ابن العربي تأويل حديث الضيف الذي نزل على عائشه النووي فقال في ” العارضة ” (1/ 16) فقال: و هذا الرجل الذي أصبح يغسل ثوبه لم يكن رأى فيه شيئا، إنما شك هل احتلم أم لا كما قد بيناه من رواية عبد الله بن شهاب الخولاني و لذلك أنكرت عليه الغسل ثم أخبرته أنه إنما يجزيه الغسل إذا رَأَىهُ. اهـجواب أحمد بن علي:
قال الشوكاني: يغسل الثوب من المني إذا كان رطبا ويفرك إذا كان يابسا
1 – عن عائشة قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يذهب فيصلي فيه)
– رواه الجماعة إلا البخاري ولأحمد: (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه). وفي لفظ متفق عليه: (كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء) وللدارقطني عنها: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا) قلت: فقد بان من مجموع النصوص جواز الأمرين
2 – وعن إسحاق بن يوسف قال حدثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال: (سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن المني يصيب الثوب فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بأذخرة)
– رواه الدارقطني وقال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك. قلت: وهذا لا يضر لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين فيقبل رفعه وزيادته
– حديث عائشة لم يسنده البخاري وإنما ذكره في ترجمة باب
ولفظ أبي داود: (ثم يصلي فيه) ولفظ الترمذي: (ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي) وفي رواية (وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم يابسا بظفري) وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والدارقطني عن عائشة: (أنها كانت تحت المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي)
وأخرج أبو عوانة في صحيحه وأبو بكر البزار من حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا) كحديث الباب وأعله البزار بالإرسال
قال الحافظ: وقد ورد الأمر بفركه من طريق صحيحة رواها ابن الجارود في المنتقى عن محمد بن يحيى عن أبي حذيفة عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام عن ابن الحارث قال: (كان عند عائشة ضيف فأجنب فجعل يغسل ما أصابه فقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بحته) قال: وأما الأمر بغسله فلا أصل له
وحديث ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي والطحاوي مرفوعا وأخرجه أيضا البيهقي موقوفا على ابن عباس وقال: الموقوف هو الصحيح
نيل الاوطار
قال ابن عبدالبر:
– وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال: «لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس»، فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس
وليس في حديثي سليمان بن يسار أنه غسل من ثوبه ما رأى فيه الاحتلام ونضح ما لم ير وذلك في حديثي هشام بن عروة
ففي غسل عمر الاحتلام من ثوبه دليل على نجاسته لأنه لم يكن ليشتغل مع شغل السفر بشيء طاهر
ولم يختلف العلماء فيما عدا المني من كل ما يخرج من الذكر أنه نجس، وفي إجماعهم على ذلك ما يدل على نجاسة المني المختلف فيه ولو لم تكن له علة جامعة بين ذلك إلا خروجه مع البول والمذي والودي مخرجا واحدا لكفى
وأما الرواية المرفوعة فيه فروى عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى همام بن الحارث والأسود عن عائشة كنت أفركه من ثوب رسول الله
وحديث همام بن الحارث والأسود أثبت من جهة الإسناد
ولا حجة في غسله؛ لأنه جائز غسل المني وفركه عند من رآه طاهرا كما يجوز غسل الطين الطري وفركه إذا يبس
وأما اختلاف السلف والخلف في نجاسة المني فروي عن عمر بن الخطاب وجابر بن سمرة أنهم غسلوه من ثيابهم وأمروا بغسله
ومثله عن بن عمر وعائشة اختلاف عنهما
وروينا عن جبير بن نفير أنه أرسل إلى عائشة يسألها عن المني في الثوب فقالت إن شئت فاغسله وإن شئت فاحككه
وروي عن سعيد بن المسيب أنه أمر بغسله وروي عنه أنه قال إذا صلى فيه لم يعد
وقال مالك غسل الاحتلام من الثوب أمر واجب مجتمع عليه عندنا
وعن الأوزاعي نحوه
ولا يجزئ عند مالك وأصحابه في المني ولا في سائر النجاسات إلا الغسل بالماء ولا يجزئ فيه عنده الفرك وأنكره ولم يعرفه
وأما أبو حنيفة وأصحابه فالمني عندهم نجس ويجزئ فيه الفرك على أصلهم في النجاسة أنه يطهرها كل ما أزال عينها من الماء وغير الماء
وقال الثوري يفرك فإن لم يفركه أجزته صلاته
وقال الحسن بن حي لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كثر وتعاد من المني في الجسد وإن قل
وكان يفتى مع ذلك بفركه من الثوب إذا كان يابسا وبغسله إذا كان رطبا
وقال الليث بن سعد هو نجس ويعيد منه في الوقت ولا يعيد بعده ويفركه من ثوبه بالتراب قبل أن يصلي
وقال الشافعي المني طاهر ويفركه من ثوبه إذا كان يابسا وإن لم يفركه فلا بأس به
وأما النجاسات فلا يطهرها عنده إلا الغسل بالماء كقول مالك سواء
والمني عند أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود طاهر كقول الشافعي ويستحبون غسله رطبا وفركه يابسا
وهو قول سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس كان سعد يفرك المني من ثوبه وقال بن عباس هو كالنجاسة أمطه عنك بإذخرة وامسحه بخرقة
وكذلك التابعون مختلفون بالحجاز والعراق على هذين القولين منهم من يرى فركه ومنهم من لا يرى إلا غسله ويطول الكتاب بذكرهم
الاستذكار
قال ابن حجر:
قوله: “باب غسل المني وفركه” لم يخرج البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته، لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره. وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا، وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا، لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك، ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة ” كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه: “فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين، وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة ” لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري ” وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت: “لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي”.
فتح الباري
نعتذر على طول البحث لخصت المناظرة من صفحات كثيرة