*مختلف الحديث: رقـ (9) ــم
بحوث لمجموعة من المشايخ وطلاب العلم (جمعه؛ وأحمد بن علي وسيف الكعبي)
بإشراف الأخ سيف النعيمي
بالتعاون مع الأخوة في مجموعات السلام والمدارسة والاستفادة والتخريج رقم 1
-كيف التوفيق بين ما جاء في ذكر الحج في بعض الأحاديث كحديث بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ]
_وبين ما جاء في حديث وَفْدَ عبدِ القَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم …… وفي الحديث أنه أمرهم بأربعٍ، ونهاهم عن أربعٍ، …………………..
أمرهم: بالإيمانِ باللهِ وحدَه، قال: أَتَدْرُونَ ما الإيمانُ باللهِ وحدَه. قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: شهادةُ أن لا إله إلا اللهُ وأن مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاةِ، وصيامُ رمضانَ، وأن تُعْطُوا من المَغْنَمِ الخُمُسَ …… الحديث
بطوله.
*الشاهد من هذا الحديث أنه لم يذكر لهم الحج!
الجواب:
عقد ابن تيمية فصلا طويلا في كتاب الإيمان الأوسط في هذا المبحث اقتطعت منه هذا الجزء:
فلما كان في بعض الأحاديث ذكر بعض الأركان دون بعض أشكل ذلك على بعض الناس. فأجاب بعض الناس بأن سبب هذا أن الرواة اختصر بعضهم الحديث الذي رواه؛ وليس الأمر كذلك؛ فإن هذا طعن في الرواة ونسبة لهم إلى الكذب إذ هذا الذي ذكره إنما يقع في الحديث الواحد مثل حديث وفد عبد القيس حيث ذكر بعضهم الصيام وبعضهم لم يذكره، وحديث ضمام حيث ذكر بعضهم الخمس وبعضهم لم يذكره، وحديث النعمان بن قوقل حيث ذكر بعضهم فيه الصيام، وبعضهم لم يذكره فبهذا يعلم أن أحد الراويين اختصر البعض أو غلط في الزيادة. فأما الحديثان المنفصلان فليس الأمر فيهما كذلك لا سيما والأحاديث قد تواترت بكون الأجوبة كانت مختلفة وفيهما ما بين قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا تارة وبهذا تارة والقرآن يصدق ذلك فإن الله علق الأخوة الإيمانية في بعض الآيات بالصلاة والزكاة فقط كما في قوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} كما أنه علق ترك القتال على ذلك في قوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقد تقدم حديث ابن عمر الذي في الصحيحين موافقا لهذه الآية و ” أيضا ” فإن في حديث وفد عبد القيس ذكر خمس المغنم لأنهم كانوا طائفة ممتنعة يقاتلون ومثل هذا لا يذكر جواب سؤال سائل بما يجب عليه في حق نفسه ولكن عن هذا ” جوابان “: (أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بحسب نزول الفرائض وأول ما فرض الله الشهادتين ثم الصلاة فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي؛ بل قد ثبت {في الصحيح أن أول ما أنزل عليه: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} {خلق الإنسان من علق} – إلى قوله – {علم الإنسان ما لم يعلم} ثم أنزل عليه بعد ذلك {يا أيها المدثر} {قم فأنذر}} فهذا الخطاب إرسال له إلى الناس والإرسال بعد الإنباء؛ فإن الخطاب الأول ليس فيه إرسال وآخر سورة اقرأ {واسجد واقترب}.
فأول السورة أمر بالقراءة وآخرها أمر بالسجود والصلاة مؤلفة من أقوال وأعمال فأفضل أقوالها القراءة وأفضل أعمالها السجود والقراءة أول أقوالها المقصودة وما بعده تبع له. وقد روي أن الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ثم فرضت الخمس ليلة المعراج وكانت ركعتين ركعتين؛ فلما هاجر أقرت صلاة السفر؛ وزيد في
صلاة الحضر وكانت الصلاة تكمل شيئا بعد شيء فكانوا أولا يتكلمون في الصلاة ولم يكن فيها تشهد ثم أمروا بالتشهد؛ وحرم عليهم الكلام؛ وكذلك لم يكن بمكة لهم أذان. وإنما شرع الأذان بالمدينة بعد الهجرة؛ وكذلك صلاة الجمعة والعيد؛ والكسوف؛ والاستسقاء وقيام رمضان وغير ذلك. إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة. وأمروا بالزكاة؛ والإحسان في مكة أيضا؛ ولكن فرائض الزكاة ونصبها إنما شرعت بالمدينة. وأما ” صوم شهر رمضان ” فهو إنما فرض في السنة الثانية من الهجرة وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات. وأما ” الحج ” فقد تنازع الناس في وجوبه؛ فقالت طائفة فرض سنة ست من الهجرة عام الحديبية باتفاق الناس قالوا: وهذه الآية تدل على وجوب الحج ووجوب العمرة أيضا لأن الأمر بالإتمام يتضمن الأمر بابتداء الفعل وإتمامه. وقال الأكثرون: إنما وجب الحج متأخرا قيل سنة تسع؛ وقيل سنة عشر وهذا هو الصحيح؛ فإن آية الإيجاب إنما هي قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت} وهذه الآية في آل عمران في سياق مخاطبته لأهل الكتاب، وصدر آل عمران وما فيها من مخاطبة أهل الكتاب نزل لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران النصارى وناظروه في أمر المسيح؛ وهم أول من أدى الجزية من أهل الكتاب وكان ذلك بعد إنزال سورة براءة التي شرع فيها الجزية وأمر فيها بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وغزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك التي غزا فيها النصارى لما أمر الله بذلك في قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} ولهذا لم يذكر وجوب الحج في عامة الأحاديث وإنما جاء في الأحاديث المتأخرة.
وقد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس وكان قدومهم قبل فتح مكة على الصحيح كما قد بيناه وقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر يعنون بذلك أهل نجد: من تميم وأسد وغطفان لأنهم بين البحرين وبين المدينة وعبد القيس هم من ربيعة ليسوا من مضر ولما فتحت مكة زال هذا الخوف ولما قدم عليه وفد عبد القيس أمرهم بالصلاة والزكاة؛ وصيام رمضان؛ وخمس المغنم؛ ولم يأمرهم بالحج وحديث ضمام قد تقدم أن البخاري لم يذكر فيه الحج كما لم يذكره في حديث طلحة وأبي هريرة وغيرهما مع قولهم: إن هذه الأحاديث هي من قصة ضمام وهذا ممكن؛ مع أن تاريخ قدوم ضمام هذا ليس متيقنا. وأما قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} فليس في هذه الآية إلا الأمر بإتمام ذلك وذلك يوجب إتمام ذلك على من دخل فيه فنزل الأمر بذلك لما أحرموا بالعمرة عام الحديبية ثم أحصروا فأمروا بالإتمام وبين لهم حكم الإحصار ولم يكن حينئذ قد وجب عليهم لا عمرة ولا حج. (الجواب الثاني: أنه كان يذكر في كل مقام ما يناسبه فيذكر تارة الفرائض الظاهرة التي تقاتل على تركها الطائفة الممتنعة كالصلاة والزكاة ويذكر تارة ما يجب على السائل فمن أجابه بالصلاة والصيام لم يكن عليه زكاة يؤديها ومن أجابه بالصلاة والزكاة والصيام: فإما أن يكون قبل فرض الحج وهذا هو الواجب في مثل حديث عبد القيس ونحوه وإما أن يكون السائل ممن لا حج عليه. وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض؛ ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما؛ لأنهما عبادتان؛ بخلاف الصوم فإنه أمر باطن وهو مما ائتمن عليه الناس فهو من جنس الوضوء والاغتسال من الجنابة ونحو ذلك مما يؤتمن عليه العبد؛ فإن الإنسان يمكنه ألا ينوي الصوم وأن يأكل سرا كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته وأما الصلاة والزكاة فأمر ظاهر لا يمكن الإنسان بين المؤمنين أن يمتنع من ذلك.
وهو صلى الله عليه وسلم يذكر في الإسلام الأعمال الظاهرة التي يقاتل عليها الناس ويصيرون مسلمين بفعلها؛ فلهذا علق ذلك بالصلاة والزكاة دون الصيام وإن كان الصوم واجبا كما في آيتي براءة فإن براءة نزلت بعد فرض الصيام باتفاق الناس. وكذلك {لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم؛ فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} أخرجاه في الصحيحين. ومعاذ أرسله إلى اليمن في آخر الأمر بعد فرض الصيام؛ بل بعد فتح مكة بل بعد تبوك وبعد فرض الحج والجزية فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات ومعاذ باليمن وإنما قدم المدينة بعد موته؛ ولم يذكر في هذا الحديث الصيام لأنه تبع وهو باطن ولا ذكر الحج؛ لأن وجوبه خاص ليس بعام وهو لا يجب في العمر إلا مرة.
قال القسطلاني:
وقد وقع هنا الجهاد بعد الإيمان. وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم البر ثمّ الجهاد، وفي الحديث السابق ذكر السلامة من اليد واللسان وكلها في الصحيح. وقد أجيب بأن اختلاف الأجوبة في ذلك لاختلاف الأحوال والأشخاص، ومن ثم لم يذكر الصلاة والزكاة والصيام في حديث هذا الباب. وقد يقال: خير الأشياء كذا ولا يراد أنه خير من جميع الوجوه في جميع الأحوال والأشخاص، بل في حال دون حال، وإنما قدم الجهاد على الحج للاحتياج إليه أول الإسلام، وتعريف الجهاد باللام دون الإيمان والحج إما لأن المعرف بلام الجنس كالنكرة في المعنى على أنه وقع في مسند الحرث بن أبي أسامة ثم جهاد بالتنكير هذا من جهة النحو، وأما من جهة المعنى فلأن الإيمان والحج لا يتكرر وجوبهما فنوّنا للإفراد والجهاد قد يتكَرر فعرف والتعريف للكمال. وفي إسناد هذا الحديث أربعة كلهم مدنيون وفيه شيخان للمؤلف والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي والترمذي باختلاف بينهم في ألفاظه.
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري
قال العيني:
ومنها ما قيل: إنه لم يذكر الحج في هذا الحديث. وأجيب: بأنه لم يفرض حينئذ أو لأن الرجل سأل عن حاله حيث قال: هل علي غيرها؟ فاجاب عليه السلام بما عرف من حاله، ولعله ممن لم يكن الحج واجبا عليه. وقيل: لم يأت في هذا الحديث بالحج كما لم يذكر في بعضها الصوم وفي بعضها الزكاة، وقد ذكر في بعضها صلة الرحم وفي بعضها أداء الخمس، فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصانا، وسبب ذلك تفاوت الرواة في الحفظ والضبط، فمنهم من إقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا اثبات، وذلك لا يمنع من ايراد الجميع في الصحيح، لما عرفت أن زيادة الثقة مقبولة، والقاعدة الأصولية فيها أن الحديث إذا رواه راويان، واشتملت إحدى الروايتين على زيادة، فإن لم تكن مغيرة لإعراب الباقي قبلت، وحمل ذلك على نسيان الراوي أو ذهوله أو اقتصاره بالمقصود منه في صورة الاستشهاد، وإن كانت مغيرة تعارضت الروايتان وتعين طلب الترجيح، فافهم.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعيني
قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث بن مسعود بدا بالصلاة ثم البر ثم الجهاد وفي الحديث المتقدم ذكر السلامه من اليد واللسان قال العلماء اختلاف الاجوبه في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لم يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه ويمكن أن يقال أن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من اعقلهم ومنه حديث خيركم خيركم لأهله ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس فإن قيل لم قدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن فالجواب أن نفع الحج قاصر غالبا ونفع الجهاد متعد غالبا أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين ووقوعه فرض عين إذ ذاك متكرر فكان أهم منه فقدم والله أعلم!!
فتح الباري
في التيسير للمناوي: لم يذكر الحج لكون الخطاب وقع لمن يعرفه وغالب أهل الحجاز يحجون كل عام أو لأنه لم يكن فرض.
وفي عون المعبود: لم يذكر الحج لشهرته عندهم أو لكونه على التراخي والتفصيل في الفتح. انتهى
قلت في الفتح ذكر ما تقدم، وذكر: أن الراوي أختصره ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنف – البخاري – في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات.
وقال مره:
وماذكره الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرِ الْحَجَّ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى قِدَمِ إِسْلَامِهِمْ لَكِنْ جَزَمَ الْقَاضِي بِأَنَّ قُدُومَهُمْ كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ تَبِعَ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ سَنَةَ سِتٍّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَخْتَارُ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ سنة تسع حَتَّى لايرد عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ اه وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ لِكَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي بِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَلَمْ يَحُجَّ إِلَّا فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَلَى التَّرَاخِي لَا يَمْنَعُ مِنَ الْأَمْرِ بِهِ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ذَكَرَهُ لَهُمْ أَشْهَرُ مِنْهُ عِنْدَهُمْ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ تَرْكَ ذِكْرِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ مِنْ أَجْلِ كُفَّارِ مُضَرَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَالِ تَرْكُ الْإِخْبَارِ بِهِ لِيُعْمَلَ بِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْآيَةِ بَلْ دَعْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْحَجِّ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يَامَنُونَ فِيهَا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ بِبَعْضِ الْأَوَامِرِ لِكَوْنِهِمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمَا يَدْخُلُونَ بِفِعْلِهِ الْجَنَّةَ فَاقْتَصَرَ لَهُمْ عَلَى مَا يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَقْصِدْ إِعْلَامَهُمْ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِعْلًا وَتَرْكًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اقْتِصَارُهُ فِي الْمَنَاهِي عَلَى الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ مَعَ أَنَّ فِي الْمَنَاهِي مَا هُوَ أَشَدُّ فِي التَّحْرِيمِ مِنَ الِانْتِبَاذِ لَكِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَعَاطِيهِمْ لَهَا وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنَ السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْهَرَوِيِّ عَنْ قُرَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ زِيَادَةِ ذِكْرِ الْحَجِّ وَلَفْظُهُ وَتَحُجُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَدٍ فَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَمَنِ اسْتَخْرَجَ عَلَيْهِمَا وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ قُرَّةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْحَجَّ وَأَبُو قِلَابَةَ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ فَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا حَدَّثَ بِهِ فِي التَّغَيُّرِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي جَمْرَةَ وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْحَجِّ أَيْضًا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبَانَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاس فِي قصَّة وَفد عبد الْقَيْس وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْحَجِّ فِيهِ مَحْفُوظًا فَيُجْمَعُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ
فَيُقَالُ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعِ مَا عَدَا الشَّهَادَتَيْنِ وأداء الخمس. انتهى.
وقال ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم:
وقد قيل إنما لم يذكر الحج في هذا الحديث لكونه لم يكن قد فرض حينئذ والله أعلم.
ومره قال: ثمَّ انه يشكل على غير اليقظ المتأمل أَنه ذكر فِي تَفْسِير الْإِسْلَام فِي هَذَا الحَدِيث الصَّلَوَات الْخمس وَالصَّوْم وَالزَّكَاة فَحسب دون سَائِر مَا ذكر فِي تَفْسِير الْإِسْلَام فِي حَدِيث جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ لم يذكر الْحَج فِي حَدِيث جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة وَهَكَذَا احاديث أخر فِي هَذَا الصَّحِيح وَغَيره تفَاوت فِي عدد الْخِصَال زِيَادَة ونقصا والمفسر وَاحِد
فَأَقُول وَالله الْمُوفق إِن ذَلِك لَيْسَ باخْتلَاف صادر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل ذَلِك ناشاء من تفَاوت الروَاة فِي الْحِفْظ والضبط فَمنهمْ من قصر فاقتصر على مَا حفظه فأداه وَلم يتَعَرَّض لما زَاده غَيره بِنَفْي وَلَا إِثْبَات وَإِن كَانَ اقْتِصَاره على مَا ذكره يشْعر بِأَن ذَلِك هُوَ الْكل فقد بَان بِمَا أَتَى بِهِ غَيره من الثِّقَات إِن ذَلِك لَيْسَ بِالْكُلِّ وَإِن
اقْتِصَاره عَلَيْهِ لقُصُور حفظه عَن تَمَامه
أَلا ترى حَدِيث النُّعْمَان بن قوقل الَّاتِي ذكره فِي الْكتاب قَرِيبا اخْتلفت الرِّوَايَات فِي خصاله بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان مَعَ أَن رَاوِي الْجَمِيع راو وَاحِد وَهُوَ جَابر فِي قَضِيَّة وَاحِدَة
ثمَّ إِن البُخَارِيّ روى فِي صَحِيحه فِي حَدِيث طَلْحَة الْمَذْكُور بِعَيْنِه فِي رِوَايَة لَهُ فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشرائع الْإِسْلَام فَقَالَ وَالَّذِي أكرمك لَا أتطوع شَيْئا وَلَا أنقص مِمَّا فرض الله عَليّ شَيْئا فَبَان بِهَذَا صِحَة مَا ذَكرْنَاهُ وللفظ هَذِه الرِّوَايَة أعرضنا عَن قَول من قَالَ فِي قَوْله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص إِنَّه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه لَا يتَنَفَّل بل مَعْنَاهُ لَا يزِيد فِي المفترض بِأَن يفترض على نَفسه مَا لم يفترضه الله عز وَجل كَمَا فعله أهل الْكتاب وَالله أعلم
ثمَّ إِن ذَلِك لَا يمْنَع من إِيرَاد الْجَمِيع فِي الصَّحِيح لما عرف فِي مَسْأَلَة زِيَادَة الثِّقَة من أننا نقبلها وَلَا ننعطف على من لم يذكرها بقدح والله أعلم