*مختارات من كتاب معاملة الحكام للشيخ عبد السلام بن برجس – رحمه الله – {(3)}
{من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا}
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
تلخيص مجموعة من الطلاب: سيف النعيمي، وعبدالله البلوشي، ومحمد رحيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{حكم الإمامة، والحكمة منها، وبيان مقاصدها}
أولاً: حكم الإمامة:
نصب الإمام فرض واجب على المسلمين، وهذا باتفاق الأئمة والأمة، لا ينازع في ذلك إلا مبطل أصم عن نصوص الكتاب والسنة.
ومن الأدلة على وجوب نصبه:
1 – أن الشرع المطهر علق أحكاماً كثيرة بالإمام منها قوله- تعالي – ? {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.
2 – ومنها قوله-?-: (من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية)،فكيف يأمر – تعالي –بطاعة الإمام وليس وجوده واجباً؟
وكيف يموت –من يموت وليس في عنقه بيعة – ميتة جاهلية، والإمام ليس واجباً وجوده؟
3 – قال أبو داود في (سننه): باب في القوم يسافرون، يؤمرون أحدهم، وأخرج فيه عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه -، أن رسول الله?-قال: {إذا خرج ثلاثة في سفر، فليُؤَمِّرُوا أحدهم}.
قلت: سيف النعيمي. صححه الألباني في (صحيح أبي داود) – الأم (7/ 363 ح2347) وقال: [إسناده حسن صحيح. وأخرجه أبو عوانة في (صحيحه)، والضياء المقدسي في (المختارة)].
*قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله:
وقد دل هذا الحديث على وجوب الإمامة من جهة أنه أوجب على الثلاثة تأمير أحدهم إذا سافروا مع قلة عددهم، وقصر مدة بقائهم فكان نصب الإمامة في الحضر أولي.
-الحسبة (ص (11))
قال الشيخ ابن برجس رحمه الله:
وبناء على هذه الأدلة الشرعية ونحوها، فإن تولي الإمامة فرض كفاية، إذا قام به من يكفي، سقط عن الباقين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً: الحكمة من الإمامة:
1 – طُبع بنُو آدم –إلا الأنْبِيَاءَ والمُرسَلينَ– على حُبِّ الاستئثار وعدم الإنصاف، فلو لم يكن عليهم سلطان يسوس أمورهم لكانوا كوحوش الغابة، وحيتان البحر؛ يأكل القوي الضعيف.
وأن شئت أن تري هذه الحقيقة نُصب عينيك؛ فانظر في هذا الزمن – مثلاً – إلي {إشارات المرور} كيف تُنظم هذه {الإشارات} سير الناس بسيَّاراتهم، فإذا حصل عَطَلٌ فيها رأيتَ شريعة الغاب ترفعُ أعلامها، فلا تسأل عن المقاحمات الشديدة بين قائدي السيارات، كُلٌّ منهم يريد أن ينفذ الأول، لا فرق بين متعلمهم ومثقفهم وبين جاهلهم وسُوقِيِّهم، حتى إذا أصبحت السيارات – جميعها – ككتلة واحدة، بدأ السِّباب والشتام، وقد يرتقي إلى الضرب ونحوه، حتى يجيءَ شُرطيُّ المرور، فيحتاج وقتاً لتنظيم هذا السير، وفك هذا الاختناق.
فما بالك بالبلد التي لا سلطان فيها يُحْكِمُ أمرها فَيَمنعُ المظالم ويُنْصِفُ أصحابَ الحقوق، ويُنَظِّمُ أحوالَ الناس في معاشهم .. ؟
لا ريب أنها ستكون مسرح فوضى، وفلاة سباع.
2 – كل بني آدم لا تتم مصلحتهم– لا في الدنيا ولا في الآخرة – إلا بالاجتماع والتعاون، والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم.
ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع.
فإذا اجتمعوا، فلابد لهم من أمور يفعلونها، يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد، والناهي عن تلك المفاسد.
فجميع بني آدم لابد له من طاعة … آمِرٍ وَنَاهٍ … إلخ.
اهـ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الحسبة))
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً ً مقاصد الإمامة:
جماع مقاصد الإمامة والولاية على المسلمين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال المولي – عز وجل -: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي -:
(المقصود والواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم) اهـ.
-مجموع الفتاوى {(28) / (262)}
فأفاد – رحمه الله – أن مقاصد الإمامة، تتمثل في مقصدين عظيمين:
الأول: القيام بدين الله – عز وجل -.
والثاني: القيام بما يصلح الدنيا وفق ما جاء به الشرع المطهر وأباحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال العلامة ابن جماعة الكناني – رحمه الله في كتابه تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام.
{للسلطان أو للخليفة على الأمة عشرة حقوق، ولهم عليه عشرة
حقوق}
*أما حقوق السلطان العشرة:
فالحق الأول:
بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كل ما يأمر به أو ينهي عنه إلا أن يكون معصية، قال الله – تعالي – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}
وأولو الأمر هم: الإمام ونوابه – عند الأكثرين –وقيل: هم العلماء.
وقال النبي-? {السمع والطاعة على المسلم فيما أحب – أو كره – ما لم يؤمر بمعصية}?
الحق الثاني:
بذل النصيحة له سراً وعلانية.
قال رسول الله?: {الدين النصيحة}، قالوا: لمن؟
قال: {لله، ولرسوله، ولكتابه ولأئمته المسلمين، وعامتهم}.
الحق الثالث:
القيام بنصرتهم باطناً وظاهراً ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين وكف أيدي المعتدين.
الحق الرابع:
أن يعرف له حقه وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله – تعالي – له من الأعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم، وعدم الطمع فيما لديهم وما يفعله بعض المنتسبين إلي الزهد من قلة الأدب معهم، فليس من السنة.
الحق الخامس:
إيقاظه عند غفلته، وإرشاده عند هفوته، شفقة عليه، وحفظاً لدينه وعرضه، وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه.
الحق السادس:
تحذيره من عدو يقصده بسوء، وحاسد يرومه بأذى أو خارجي يخاف عليه منه، ومن كل شيء يخاف عليه منه – على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه –؛ فإن ذلك من آكَدِ حُقُوقِهِ وأوجَبِهَا.
الحق السابع:
إعلامُهُ بسيرة عُمَّاله الذين هو مطالب بهم ومشغُولُ الذمة بسببهم، لينظر لنفسه في خلاص ذمته، وللأمة في مصالح مُلْكِهِ ورعيَّته.
الحق الثامن:
إعانَتُهُ على ما تحمَّلَهُ من أعباء الأمة، ومساعدتُهُ على ذلك بقدر المُكْنَةِ، قال الله – تعالي – {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى}، وأحق من أعين على ذلك ولاة الأمور.
الحق التاسع:
رَدُّ القلوب النافرة عنه إليه، وجَمْعُ محبَّة الناس عليه؛ لِماَ في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أُمور المِلَّة
الحق العاشر:
الذبُّ عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن والسر والعلانية.
وإذا وفت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة، وأحسنت القيام بمجامعها، والمراعاة لمواقعها، صفت القلوب وأخلصت واجتمعت الكلمة وانتصرت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{وأما حقوق الرعيةِ العشرةُ على السلطان}
فالأول:
حمايةُ بيضة الإسلام، والذب عنها إما في كل إقليم – إن كان خليفة – أو في القُطْرِ المختص به إن كان مفوضاً إليه، فيقوم بجهاد المشركين، ودفع المحاربين والباغين وتدبير الجيوش و تجنيد الجنود وتحصين الثغور بالعُدَّة المانعة، والعُدَّة الدافعة، وبالنظر في ترتيب الأجناد في الجهات على حسب الحاجات وتقدير إقطاعهم، وأرزاقهم، وصلاح أحوالهم.
الحق الثاني:
حفظ الدين على أصوله المقررة، وقواعده المحررة، ورد البدع والمبتدعين، وإيضاح حجج الدين، ونشر العلوم الشرعية، وتعظيم العلم وأهله، ورفع مناره ومحله، ومخالطة العلماء الأعلام، النصحاء لدين الإسلام ومشاورتهم في موارد الأحكام، ومصادر النقض والإبرام.
قال الله – تعالي – لنبيه {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}
قال الحسن: {كان – والله – غنياً عن المشاورة ولكن أراد أن يستن لهم}.
الحق الثالث:
إقامة شعائر الإسلام كفروض الصلوات والجمع والجماعات …
الحق الرابع:
فصل القضايا والأحكام بتقليد الولاة والحكام لقطع المنازعات بين الخصوم ..
قال رسول الله -?- {وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ}?الحق الخامس:
إقامة فرض الجهاد بنفسه وبجيوشه أو سراياه وبعوثه ..
الحق السادس:
إقامة الحدود الشرعية على الشروط المرعية، صيانة لمحارم الله عن التجرؤ عليها، ولحقوق العباد عن التخطي إليها ويسوى في الحدود بين القوي والضعيف والوضيع والشريف، قال رسول الله:? {إنما أهلك من كان قبلكم: أنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع ويتركون الشريف، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها}.
الحق السابع:
جباية الزكوات والجزية من أهلها، وأموال الفيء والخراج عند محلها وصرف ذلك في مصارفه الشرعية وجهاته المرضية، وضبط جهات ذلك إلي الثقات من العمال.
الحق الثامن:
النظر في أوقاف البر والقربات وصرفها فيما هي له من الجهات وعمارة القناطر وتسهيل سبل الخيرات.
الحق التاسع:
النظر في قسم الغنائم وتقسيمها، وصرف أخماسها إلي مستحقيها.
الحق العاشر:
العدل في سلطانه وسلوك موارده في جميع شأنه، قال – تعالي -: {أن الله يأمر بالعدل، والإحسان}