163، 164 رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
( 27) باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين
163 – حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عنا في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا
فوائد الباب
1- قوله (باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين) أي وجوب غسلهما. وقال النسائي ” إيجاب غسل الرجلين”
2- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سبق في الباب الثالث وفي الباب الثلاثين من كتاب العلم وذكرنا الكثير الطيب من فوائده هناك.
3-فقوله ويل للأعقاب من النار وعيد لايجوز أن يستحق إلا بترك المفروض فهذا يوجب استيعاب الرجل بالغسل وفي الغاية أما وظيفة الرجلين ففيهما أربعة مذاهب الأول هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل السنة والجماعة أن وظيفتهما الغسل ولا يعتد بخلاف من خالف ذلك الثاني مذهب الإمامية من الشيعة أن الفرض مسحهما الثالث هو مذهب الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري وأبي علي الجبائي أنه مخير بين المسح والغسل الرابع مذهب أهل الظاهر وهو رواية عن الحسن أن الواجب الجمع بينهما
قاله العينى في عمدة القاري شرح صحيح البخاري
4- تنبيه : هناك رسالة بعنوان رأي الطبري في فرض الرجلين منوهلال تفسيره( جامع البيان ) نقل الباحث كلام الطبري الذي يدل أنه يوافق الجمهور في وجوب غسل القدمين
قال الطبري:
والصَّوابُ مِنَ القَوْلِ عِنْدَنا فِي ذَلِكَ، أنَّ اللَّهَ أمَرَ بِعُمُومِ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ بِالماءِ فِي الوُضُوءِ، كَما أمَرَ بِعُمُومِ مَسْحِ الوَجْهِ بِالتُّرابِ فِي التَّيَمُّمِ، وإذا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِما المُتَوَضِّئُ كانَ مُسْتَحِقًّا اسْمَ ماسِحٍ غاسِلٍ، لِأنَّ غُسْلَهُما إمْرارُ الماءِ عَلَيْهِما أوْ إصابَتُهُما بِالماءِ. ومَسْحُهُما: إمْرارُ اليَدِ أوْ ما قامَ مَقامَ اليَدِ عَلَيْهِما. فَإذا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِما فاعِلٌ فَهُوَ غاسِلٌ ماسِحٌ …
فَوَجْهُ صَوابِ قِراءَةِ مَن قَرَأ ذَلِكَ نَصَبًا لِما فِي ذَلِكَ مِن مَعْنى عُمُومِهِما بِإمْرارِ الماءِ عَلَيْهِما. ووَجْهُ صَوابِ قِراءَةِ مَن قَرَأهُ خَفْضًا لِما فِي ذَلِكَ مِن إمْرارِ اليَدِ عَلَيْهِما، أوْ ما قامَ مَقامَ اليَدِ مَسْحًا بِهِما. غَيْرَ أنَّ ذَلِكَ وإنْ كانَ كَذَلِكَ وكانَتِ القِراءَتانِ كِلْتاهُما حَسَنًا صَوابًا، فَأعْجَبُ القِراءَتَيْنِ إلَيَّ أنْ أقْرَأها قِراءَةُ مَن قَرَأ ذَلِكَ خَفْضًا لِما وصَفْتُ مِن جَمْعِ المَسْحِ المَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وصَفْتُ، ولِأنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ فالعَطْفُ بِهِ عَلى الرُّءُوسِ مَعَ قُرْبِهِ مِنهُ أوْلى مِنَ العَطْفِ بِهِ عَلى الأيْدِي، وقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَها بِقَوْلِهِ: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾. فَإنْ قالَ قائِلٌ: وما الدَّلِيلُ عَلى أنَّ المُرادَ بِالمَسْحِ فِي الرِّجْلَيْنِ العُمُومُ دُونَ أنْ يَكُونَ خُصُوصًا نَظِيرَ قَوْلِكَ فِي المَسْحِ بِالرَّأْسِ؟ قِيلَ: الدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ تَظاهُرُ الأخْبارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ويْلٌ لِلْأعْقابِ وبُطُونِ الأقْدامِ مِنَ النّارِ»، ولَوْ كانَ مَسْحُ بَعْضِ القَدَمِ مُجْزِيًا عَنْ عُمُومِها بِذَلِكَ لَما كانَ لَها الوَيْلُ بِتَرْكِ ما تُرِكَ مَسْحُهُ مِنها بِالماءِ بَعْدَ أنْ يَمْسَحَ بَعْضَها، لِأنَّ مَن أدّى فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيما لَزِمَهُ غُسْلَهُ مِنها لَمْ يَسْتَحِقَّ الوَيْلَ، بَلْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ لَهُ الثَّوابُ الجَزِيلُ، فَوُجُوبُ الوَيْلِ لِعَقِبِ تارِكِ غُسْلِ عَقِبِهِ فِي وضُوئِهِ، أوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلى وُجُوبِ فَرْضِ العُمُومِ بِمَسْحِ جَمِيعِ القَدَمِ بِالماءِ، وصِحَّةِ ما قُلْنا فِي ذَلِكَ وفَسادِ ما خالَفَهُ . انتهى
5 -ثم نقل الباحث عن الأئمة أنهم اختلفوا في فهم مراد الطبري فبعضهم ظن أن مراده المسح وبعضهم ظن أن مراده التخيير. وبعضهم وفقه الله لفهم مراد الطبري ؛ بأنه يقول بالغسل وتزيد القدم بإمرار اليد على عموم القدم منهم ابن عطية وابن كثير وابن القيم والألوسي والشنقيطي
6- قال الشنقيطي :
وجَمَعَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بَيْنَ قِراءَةِ النَّصْبِ والجَرِّ بِأنَّ قِراءَةَ النَّصْبِ يُرادُ بِها غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، لِأنَّ العَطْفَ فِيها عَلى الوُجُوهِ والأيْدِي إلى المَرافِقِ، وهُما مِنَ المَغْسُولاتِ بِلا نِزاعٍ، وأنَّ قِراءَةَ الخَفْضِ يُرادُ بِها المَسْحُ مَعَ الغَسْلِ، يَعْنِي الدَّلْكَ بِاليَدِ أوْ غَيْرِها.
والظّاهِرُ أنَّ حِكْمَةَ هَذا فِي الرِّجْلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِما؛ أنَّ الرِّجْلَيْنِ هُما أقْرَبُ أعْضاءِ الإنْسانِ إلى مُلابَسَةِ الأقْذارِ لِمُباشَرَتِهِما الأرْضَ فَناسَبَ ذَلِكَ أنْ يُجْمَعَ لَهُما بَيْنَ الغَسْلِ بِالماءِ والمَسْحِ أيِ الدَّلْكِ بِاليَدِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ.
وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: المُرادُ بِقِراءَةِ الجَرِّ: المَسْحُ، ولَكِنَّ النَّبِيَّ – ﷺ – بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا عَلى الخُفِّ.
7 – قوله: (ويل للأعقاب من النار) وعيد في ترك استيعاب الرجل غسلا وفيه بيان بطلان قول من تأول من الروافض الآية على المسح إذا قرئت بكسر اللام. من قوله: {وأرجلكم إلى الكعبين}. قاله الخطابي في أعلام الحديث. وقاله أيضا ابن عبدالبر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
8- وعند مسلم من طريق أبي يحيى قبل قوله ” ويل للأعقاب من النار” قال الصحابي ” وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء” ثم زاد ” أسبغوا الوضوء.
9- قوله: «ويل للأعقاب من النار» أي: لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82]، أي: أهل القرية.وقيل: أراد أن العقب يخص بالعذاب إذا قصر في غسلها، والعقب: ما أصاب الأرض من مؤخر الرجل إلى موضع الشراك. قاله البغوي في شرح السنة.
10- نقل غير واحد من أهل العلم وجوب غسل القدمين في تبويباتهم وشروحاتهم.
11- ذكر الكتاني “غسل الرجلين” في النظم المتناثر من الحديث المتواتر ، ونقل عن الهمام بن الكمال أن أحاديث غسل الرجلين متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
12- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور قاله الحافظ في الفتح وكذلك السيوطي في الدر المنثور. وقال مغلطاي كما في شرح سنن ابن ماجه ” وقد لقى عبد الرحمن مائة وعشرين صحابيَا”. وقال الشيخ ابن مفلح في المبدع شرح المقنع سنده حسن
13- نقل ابن حجر أن المسح قال به علي بن أبي طالب وابن عباس وأنس وأنهم رجعوا عنه .
14- ويمكن أن لفظة المسح الوارده في النصوص والآثار على معنى الغسل
15 – عن أبي الجحاف، عن الحكم، قال: سمعته يقول: «مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، يعني، بغسل القدمين»
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 191 قال حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن أبي الجحاف فذكره
16- مطابقة الحديث للترجمة تفهم من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم مسحهم على أرجلهم، لأنه ما أنكر عليهم بالوعيد إلا لكونهم لم يستوفوا غسل الرجلين.
قاله العينى في عمدة القاري شرح صحيح البخاري
17-قوله: “ورجليه إلى الكعبين” أي: يمسح برجليه إلى الكعبين، فهذا أو أمثاله من الاثار الدالة على مسح الرجلين في الوضوء من غير خف منسوخة بالأحاديث الواردة بغسلهما، وقال الطحاوي: فذكر عبد الله بن عَمْرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله- عليه السلام- وإسباغ الوضوء وخوفهم فقال:” ويل للأعقاب من النار ” فدل ذلك على أن حكم المسح الذي قد كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا، يعني: من الأحاديث التي وردت بالغسل.
قاله العينى في شرح سنن أبي داود
18- قال الخطابي:
فيه من الفقه أن المسح لا يجوز على النعلين وأنه لا يجوز ترك شيء من القدم وغيره من أعضاء الوضوء لم يمسه الماء قلَّ ذلك أو كُثُر لأنه صلى الله عليه وسلم لا يتوعد على ما ليس بواجب
[معالم السنن 1/ 46]
19- قال ابن بطال:
هذا الحديث تفسير لقوله: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [المائدة: 6] ، والمراد منه غسل الأرجل لا مسحها
قال الطحاوى: وقد ذهب قوم من السلف إلى خلاف هذا، وقالوا: الفرض فى الرجلين هو المسح لا الغسل…
وروى أشهب، عن مالك أنه سئل عن قراءة من قرأ: وأرجلكم – بالخفض؟ فقال: هو الغسل…
قال الطحاوى: وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وهو قول مالك، والثورى، وأبى حنيفة، وأصحابه، والشافعى وغيرهم، واحتجوا بحديث هذا الباب، وقالوا: لما توعدهم النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، على مسح أرجلهم علم أن الوعيد لا يكون إلا فى ترك مفروض عليهم، وأن المسح الذى كانوا يفعلونه لو كان هو المراد بالآية، على ما قال الشعبى لكان منسوخا بقوله: ويل للأعقاب من النار – ويدل على صحة هذا أن كل من روى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) صفة الوضوء روى أنه غسل رجليه، لا أنه مسحهما، وقد روى عنه (صلى الله عليه وسلم) ما يدل على أن حكمهما الغسل.
روى مالك عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه -. فهذا يدل على أن الرجلين فرضهما الغسل، لأن فرضهما لو كان المسح لم يكن فى غسلهما ثواب، ألا ترى أن الرأس الذى فرضه المسح لا ثواب فى غسله…
[شرح صحيح البخارى لابن بطال 1/ 255]
20- قال القاضي عياض:
وقوله: ” ويل للأعقاب من النار ” أى أنها المعذبة التى تصيبها النار، أو أن بسبب تركها يعذب صاحبها، أو تعذب هى من جملة الرجل المغسولة، وأن مواضع الوضوء لا يمسه النار كما جاء فى أثر السجود أنه يحرم على النار. وإلى هذا ذهب أحمد بن نصر.
وجاء فى هذه الأحاديث ذكر الغسل للأعضاء وهو يشعر بمر اليد مع الماء. وقد فرقت العرب بين الغسل والغمس والمسح والصب والنضح، [وذلك] شرط عندنا فى مشهور مذهبنا خلاف ما ذهب إليه أبو الفرج ومحمد بن عبد الحكم ورواه الطاطرى عن مالك فى سقوط وجوب الدلك، وحكى الطبرى أن الغسل يقع على ما لم تمر عليه اليد، وهو مذهب الشافعى وغيره .
[إكمال المعلم بفوائد مسلم 2/ 34]
21 -وعن عبد الله بن عمرو قال : رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء ” .
رواه مسلم
22 -وفي المسند: 9265من حديث أبي هريرة، رأى رجلا مبقع الرجلين، فقال: أحسنوا الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ويل للأعقاب من النار ”
قال محققو المسند إسناده صحيح على شرط مسلم
23 -وفي المسند أيضاً: 14392من حديث جابر، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون، فلم يمس أعقابهم الماء، فقال: ” ويل للأعقاب من النار ”
قال محققو المسند حديث صحيح، وهذا إسناد قوي على شرط مسلم.
24-وفيه: وجوب غسل الرجلين، وأنه يجب غسل جميع أجزاء الأعضاء، حتى لو بقي جزء لطيف من عضو لم يصحَّ وضوؤه .
قاله النووي في الإيجاز في شرح سنن أبي داود .
25-وقد استدل به: على أَنَّ العقب في الرِّجْل محلٌّ للتطهير بالغَسْل؛ للتوعُّد بالنَّار على تركه، عند رؤيته يلوح من غير غسل.
قاله ابن العطار في العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام
26-وجوب استيعاب غسل الرجلين، وأن المسح غير كاف ولا يجب مع الغسل المسح، وهو إجماع من يعتد به . قاله ابن الملقن
27- قال الأتيوبي:
وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح، وجعل القراءتين كالروايتين، قال النحاس: ومن أحسن ما قيل فيه: إن المسح والغسل واجبان جميعا، فالمسح واجب على قراءة من قرأ بالخفض والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب، والقراءتان بمنزلة آيتين.
وقال ابن عطية: وذهب قوم ممن يقرأ بالكسر إلى أن المسح في الرجلين هو الغسل
قلت ـ [ يعني القرطبي]: هو الصحيح، فإن لفظ المسح مشترك يطلق بمعنى المسح، ويطلق بمعنى الغسل، قال الهروي: أخبرنا الأزهري، أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الداري، عن أبي حاتم، عن أبي زيد الأنصاري، قال: المسح في كلام العرب يكون غسلا، ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه: قد تمسح، ويقال: مسح الله ما بك: إذا غسلك، وطهرك من الذنوب.
فهذا ثبت بالنقل عن العرب أن المسح يكون بمعنى الغسل، فترجح قول من قال: إن المراد بقراءة الخفض الغسل، وبقراءة النصب التي لا احتمال فيها، وبكثرة الأحاديث الثابتة بالغسل، والتوعد على ترك غسلها في أخبار صحاح لا تحصى كثرة أخرجها الأئمة…
وقال العلامة ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: ما نصه: قوله (ثم غسل كلتا رجليه) صريح في الرد على الروافض في – قولهم- أن واجب الرجلين المسح، وقد تبين هذا من حديث عثمان، وجماعة وصفوا وضوء رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومن أحسن ما جاء فيه حديث عمرو بن عبسة، بفتح العين والباء، “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال “ما منكم من أحد يقرب وضوءه” إلى أن قال: “ثم يغسل رجليه كما أمره الله عز وجل” فمن هذا الحديث انضم القول إلى الفعل، وتبين أن المأمور به الغسل في الرجلين. اهـ
أقول: اختلف الناس في الواجب في الرجلين على أربعة أقوال، وهي الاحتمالات المتعقلة التي تعقل في المسألة: الغسل، والمسح، والجمع، والتخيير: فالأكثر على الغسل، وذهبت الرافضة إلى أنه المسح، وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين. وذهب بعض
الظاهرية إلى وجوب الجمع بين المسح والغسل، وذهب ابن جرير الطبري وآخرون إلى التخيير بين الأمرين، كخصال الكفارة…
قال الجامع عفا الله عنه: فتحصل من هذا كله أن الراجح هو مذهب الجمهور، فالواجب في الرجلين الغسل، ولا يجوز المسح إلا لمن لبس الخفين، والله أعلم
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 3/ 43]
28- قال ابن العثيمين في التعليق على البخاري:
وفي هذا الحديث دليل على أن المسح لا يجزئ عن الغسل ,
والصحيح لو غسل الممسوح لا يجزئ عن المسح لأنه خلاف أمر الله ورسوله، خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام , لكن لو جمع بين الغسل والمسح غسله ومسحه بيده , فهل يجزئ ؟ .
يجزئ لكن مع الكراهة ؛ لأن أقل ما نقول فيه أن فيه تنطعا حيث جعل المسح مقرونا بغسل .
29- وقد بوب الأئمة تبويبات تدل على اختيارهم وجوب غسل القدمين . وإليك تبوبات من صرح بالوجوب: –
-إيجاب غسل الرجلين
قاله النسائي في السنن الصغرى والكبرى
-باب التغليظ في ترك غسل العقبين في الوضوء. والدليل على أن الفرض غسل القدمين، لا مسحهما، إذا كانتا باديتين غير مغطيتين بالخف أو ما يقوم مقام الخف، لا على ما زعمت الروافض أن الفرض مسح القدمين لا غسلهما، إذ لو كان الماسح على القدمين مؤديا للفرض، لما جاز أن يقال لتارك فضيلة: ويل له. وقال – صلى الله عليه وسلم -: “ويل للأعقاب من النار”، إذا ترك المتوضئ غسل عقبيه
قاله ابن خزيمة في صحيحه.
-إثبات غسل الرجلين حتى تنقيا، وإبطال المسح عليهما، والدليل على أن المتوضئ إذا ترك غسل بعض أعضاء الوضوء رجع في وضوئه فأعاده، وأنه لا يجزيه إن مسحه ببلل وضوئه والتشديد في السهو في إسباغ الوضوء، وأنه يجب عليه أن ينقيه حتى يستيقن أنه قد نقاه، وإباحة الوضوء من المطهرة
قاله أبو عوانة في مستخرجه
-باب وجوب غسل القدمين والعقبين.
قاله الدارقطني في سننه
-باب الدليل على أن فرض الرجلين الغسل وأن مسحهما لا يجزي.
قاله البيهقي في السنن الكبرى
-باب وجوب غسل الرجلين.
قاله البغوي في شرح السنة
-بَابُ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ وَوُجُوبُ ذَلِكَ مَعَ الْعَقِبَيْنِ.
قاله القاسم بن سلاّم في الطهور .
-باب التغليظ في المسح على الرجلين، وترك غسلهما في الوضوء «والدليل على أن الماسح للقدمين التارك لغسلهما مستوجب للعقاب بالنار، إلا أن يعفو الله ويصفح، نعوذ بالله من عقابه»
قاله ابن خزيمة في صحيحه.
– باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما قاله النووي في شرحه لمسلم .
تنبيه: بعض الأئمة بوب باب إسباغ الوضوء أو غير ذلك لكنهم يوردون النصوص الدالة على وجوب غسل القدمين لكننا اقتصرنا على من صرح بالوجوب
30-تعليم الجاهل وإرشاده.
31 -أن الجسد يعذب، وهو مذهب أهل السنة
الفائدتان ذكرهما ابن الملقن في توضيحه
32- فيه رفع الصوت بالإنكار
33- فيه تكرار المسألة لتفهم عنه .
الفائدتان ذكرهما الحافظ في الفتح
34 – قال ابن هبيرة:
في هذا الحديث من الفقه: الحث على تفقد الأماكن التي لا يصل إليها الماء غالبا إلا بالتفقد؛ فإن العقب لكونه من وراء الإنسان قد ربما لا يشمله الماء، ولا يرى المتوضئ ذلك، وعلى هذا يقاس المفصل الذي بين اللحية والأذن، وكذلك المرفقان
[الإفصاح عن معاني الصحاح 7/ 196]
35- قال ابن العثيمين في التعليق على البخاري:
وفي الحديث أيضا دليل على جواز تبعض العقوبة , يعني أنها تلحق بعض البدن دون بعض , فتلحق ما فيه المخالفة لقوله : ( ويل للأعقاب من النار) فجعل العقوبة على ما حصلت فيها المخالفة وهو الأعقاب.
اهـ
=====
=====
قال البخاري في كتاب الوضوء من صحيحه:
(28) باب المضمضة في الوضوء قاله ابن عباس وعبد الله بن زيد رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم
164 – حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل كل رجل ثلاثا ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا وقال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه
فوائد الباب:
1. قوله (قاله ابن عباس) وصله البخاري 140 وفيه ” أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق”.
2. (وعبد الله بن زيد) وصله البخاري 185 وفيه ” ثم مضمض واستنثر ثلاثا. وكلا الحديثين قام الصحابي بالوضوء قائلا بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
3. حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه سبق في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا حديث 159 وقد ذكرنا فوائده هناك.
4. موضع الشاهد قوله ( ثم تمضمض واستنشق واستنثر) وهذا يفيد الاستحباب وليس صريحا في الوجوب ولا يقال بأن مداومة النبي صلى الله عليه وسلم هو كالتفسير لغسل الوجه لأن المخالف قد يقول الواجب غسل ظاهر الوجه وداخل الفم ليس منه، ومداومة النبي صلى الله عليه وسلم تفيد الاستحباب فقط.
5. “وقال الإمام أحمد يعيد في الاستنشاق خاصة ولا يعيد من ترك المضمضة وبه قال أبو عبيد وأبو ثور وقال أبو حنيفة والثوري يعيد إن تركها في الجنابة ولا يعيد في الوضوء وقال ابن المنذر وبقول أحمد أقول وقال ابن حزم هذا هو الحق لأن المضمضة ليست فرضا وإن تركها فوضوءه تام وصلاته تامة عمدا تركها أو نسيانا لأنه لم يصح فيها عن النبي عليه الصلاة والسلام أمر إنما هي فعل فعله رسول الله وأفعاله ليست فرضا وإنما فيها الائتساء به عليه الصلاة والسلام قلت وفيه نظر لأن الأمر بالمضمضة صحيح على شرطه أخرجه أبو داود بسند احتج ابن حزم برجاله وبأصل الحديث” قاله العيني في عمدة القارى.
6. جاء الأمر بالمضمضة في بعض الأحاديث منها حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فمضمض. أخرجه أبو داود 144 – ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 237 – حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه به وصححه الألباني وكذلك أورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 1096 وقال حديث صحيح.
تابعه سفيان -هو الثوري -عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط به بلفظ ” “إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما” أخرجه الدُّولابي في “جُزءٍ من أحاديث سفيان” حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به ذكره أبو الحسن ابن القطان في بيان الوهم والإيهام وصححه،
7- وأخرج الفاكهي في أخبار مكة 549 عن عطاء سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: ” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا، وَإِذَا اسْتَنْثَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ وِتْرًا، وَإِذَا مَضْمَضَ فَلْيَتَمَضْمَضْ وِتْرًا” قال حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ الْحَكَمِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جُعْشُمٍ قَالَ: أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ فذكره .
قلت محمد بن شرحبيل بن جعشم أورده البخاري في التاريخ الكبير وقال “حديثه معروف” ، وقال ابن أبي حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل له روى عنه رجاء بن مرجى الحافظ المروزى رفيق أبى وأبى مسعود أحمد بن الفرات وقال سمعت أبي يقول ذلك قلت وأورده ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث وقال أيضا روى عنه أهل اليمن ،وقال الدارقطني كما في العلل له لم يكن بالحافظ، وقال الذهبي في الميزان ضعفه الدارقطني. وأما شيخ الفاكهي فلم أجد ترجمة له.
8- وأخرجه أبو يعلى في مسنده 6370 والدارقطني في سننه 347 عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ ” «إذا توضأ أحدكم فليتمضمض وليستنثر، والأذنان من الرأس»” أخرجاه من طريق إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن أبي هريرة به وإسماعيل ضعيف قال الدارقطني لا يصح.
9 – قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (١/ ١٧٩ – ١٨٠):
(….وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الاستنشاق بالأمر، لا لأنه أولى بالتطهير من الفم، كيف والفم أشرف لأنه محل الذكر والقراءة، وتغيره بالخلوف أكثر؟ لكن يشبه -والله أعلم- أن الفم لما شرع له التطهير بالسواك وأوكد أمره، وكان غسله بعد الطعام مشروعا، وقبل الطعام على قول، علم اعتناء الشارع بتطهيره بخلاف الأنف فإنه ذكر لبيان حكمه خشية أن يهمل اهـ.
10- قوله (ثم غسل كل رجل ثلاثا) وفي نسخة ” كل رجله” قال الحافظ في الفتح وكذا العيني في عمدة القارئ تفيد تعميم كل رجل بالغسل.
11- تنبيه : زيادة ( إذا توضأت فمضمض) . فشاذة فقد تفرد بها أبو عاصم النبيل وخالفه من هو أوثق منه . وراجع فتح العلام شرح بلوغ المرام وتخريج البلوغ ط الآثار .
وقد رد الحافظ في التلخيص ما أعل به حديث لقيط من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال: ليس بشيء لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذي والبغوي وابن القطان وقال النووي: هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة.
وممن صححه ابن القطان والحاكم ولم يتعقبه الذهبي وقال ابن الملقن رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن كثير المكي والا عاصم بن لقيط ثم نقل كلام الأئمة في توثيقهما . وقال الزيلعي : هو أمثل الاحاديث الواردة في ذلك يعني في تخليل الأصابع .
أما الإمام أحمد سأل عن هذا الحديث أنثبته ؟ قال : عاصم بن لقيط لم نسمع عنه حديثا كذا – يعني لم نسمع عنه بكثير رواية. …. مسائل أبي داود منهج الإمام أحمد في إعلال الحديث ص 97
قال ابن كثير في البداية والنهاية : هذا حديث غريب جدا وألفاظه في بعضها نكارة.
وأعل ابن المديني طريق قيس بن الربيع كما في تهذيب الكمال قال : قيس بن الربيع لم يسمع من إسماعيل بن كثير.
المهم أن كلام ابن تيمية قوي في وجوب المضمضة. انتهى من (جامع الأجوبة الفقهية جمع ناصر الريسي وسيف بن دورة )