170 ،171 ،173 ،174 ، 175 رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب الوضوء من صحيحه:
باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان وكان عطاء لا يرى به بأسا أن يتخذ منها الخيوط والحبال وسؤر الكلاب وممرها في المسجد وقال الزهري إذا ولغ في إناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به وقال سفيان هذا الفقه بعينه يقول الله تعالى{فلم تجدوا ماء فتيمموا}وهذا ماء وفي النفس منه شيء يتوضأ به ويتيمم
170 – حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا إسرائيل عن عاصم عن ابن سيرين قال قلت لعبيدة عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس فقال لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها
171 – حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال أخبرنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن ابن عون عن ابن سيرين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره
172 – حدثنا عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا
173 – حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار سمعت أبي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
: (أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة)
174 – وقال أحمد بن شبيب حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني حمزة بن عبد الله عن أبيه قال كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرشون شيئا من ذلك
175 – حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر قال فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر
فوائد الباب :
1- قوله (الماء الذي يغسل به شعر الإنسان) أي حكم ذلك الماء قال الحافظ ابن حجر في الفتح ” أشار المصنف إلى أن حكمه الطهارة لأن المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره، فلو كان نجسا لتنجس الماء بملاقاته، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله، بل كان يخلل أصول شعره وذلك يفضي غالبا إلى تناثر بعضه فدل على طهارته”.
2- ذكر الاخبار الدالة على طهارة شعور بني آدم قاله ابن المنذر.
3- قوله (وكان عطاء لا يرى به بأسا أن يتخذ منها الخيوط والحبال) قال الكرماني كما في الكواكب الدراري ” والفرق بين الخيط والحبل بالرقة والغلظ ” انتهى، وأخرج الفاكهي (ت 275ه) في أخبار مكة: 2569 حدثنا حسين بن حسن قال ثنا هشيم بن بشير عن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بمنى قال الحافظ ابن حجر في الفتح سنده صحيح.
4- قد اختلف اهل العلم في شعور بني آدم فكان عطاء بن ابي رباح لا يري باسا ان ينتفع بشعور الناس التي تحلق بمنى قاله ابن المنذر. وقال ابن حزم كما في المحلى بالآثار له ” روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمي عن عطاء بن أبي رباح: لا بأس بأن يستمتع بشعور الناس، كان الناس يفعلونه.”.
5- “قال المهلب : هذه الترجمة أراد بها البخاري رد قول الشافعي أن شعر الإنسان إذا فارق الجسد نجس ، وإذا وقع في الماء نجسه “ز نقله ابن بطال في شرحه . قال ابن الملقن في التوضيح ” الحكاية عن الشافعي بتنجيس شعر الآدمي المنفصل مرجوع عنه”.
6- أخرج ابن عبد البر في الاستذكار وفي التمهيد أيضا من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي وعبد الرحمن بن نمر أنهما سمعا بن شهاب الزهري يقول في إناء قوم ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره قال يتوضأ به، قال الوليد فذكرته لسفيان فقال هذا والله الفقه – يقول الله تعالى (فلم تجدوا ماء) وهذا ماء وفي النفس منه شيء فأرى أن يتوضأ به ويتيمم….. قال الوليد وقلت لمالك بن أنس والأوزاعي في كلب ولغ في إناء ماء فقالا لا يتوضأ به فقلت لهما إني لم أجد غيره فقالا لي توضأ به إذا لم تجد غيره قال الحافظ في الفتح سنده صحيح وعزاه أيضا للوليد بن مسلم في مصنفه.
7- قوله ( وسؤر الكلاب وممرها في المسجد) أي وحكم سؤر الكلاب، والسؤر البقيه قاله الحافظ في الفتح وأضاف ” والظاهر من تصرف المصنف أنه يقول بطهارته” انتهى
8- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الأول انفرد بإخراجه البخاري.
9- حديث أنس بن مالك الثاني أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي مطولا ومختصرا وفي بعضها التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع
10- فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق قاله النووي ونقله الحافظ في الفتح.
11- فيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور وهو الصحيح عندنا قاله النووي ونقله الحافظ في الفتح. قال ابن الملقن في التوضيح :” لما جاز اتخاذ شعر النبي – صلى الله عليه وسلم – والتبرك به فهو طاهر”
12- فيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه قاله النووي ونقله الحافظ في الفتح..
13- فيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية. قاله النووي ونقله الحافظ في الفتح..
14- فيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره قاله النووي ونقله الحافظ في الفتح..
15- هذا الحديث يدل على قوة إيمان القوم في التبرك بالنبي – صلى الله عليه وسلم – قاله ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح.
16- فيه منقبة لأبي طلحة رضي الله عنه.
17- حديث أنس الأول- أو أهل أنس على الشك في الرواية- انفرد بإخراجه البخاري
18- قوله ( عن عاصم) قال البيهقي كما في الخلافيات هو الأحول
19- قوله ( عن عاصم) تابعه ابن عون في أثر عبيدة كما عند البيهقي في الخلافيات 112 ولفظه ” أن محمدا كان يقول: ذكر عند عبيدة شعر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: لأن يكون عندي شعرة منه أحب إلي من كل صفراء وبيضاء”. تابعه أيوب، وهشام، عن محمد يعني ابن سيرين في أثر عبيدة أخرجه الإمام أحمد في مسنده 13685 وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى من طريق هشام بن حسان وحده
20- قال الذهبي كما في سير اعلام النبلاء:” هَذَا القَوْلُ مِنْ عَبِيْدَةَ هُوَ مِعْيَارُ كَمَالِ الحُبِّ، وَهُوَ أَنْ يُؤْثِرَ شَعْرَةً نَبَوِيَّةً عَلَى كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِأَيْدِي النَّاسِ. وَمِثْلُ هَذَا يَقُوْلُهُ هَذَا الإِمَامُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِيْنَ سَنَةً، فَمَا الَّذِي نَقُوْلُهُ نَحْنُ فِي وَقْتِنَا لَوْ وَجَدْنَا بَعْضَ شَعْرِهِ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ أَوْ شِسْعَ نَعْلٍ كَانَ لَهُ أَوْ قُلاَمَةَ ظُفْرٍ أَوْ شَقَفَةً مِنْ إِنَاءٍ شَرِبَ فِيْهِ فَلَوْ بَذَلَ الغَنِيُّ مُعْظَمَ أَمْوَالِهِ فِي تَحْصِيْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَكُنْتَ تَعُدُّهُ مُبَذِّراً أَوْ سَفِيْهاً كَلا”.
21- حديث أنس الثاني لفظه عند مسلم 1305 ” ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال احلق فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال أقسمه بين الناس”
22- قوله ( حدثنا عباد) هو ابن العوام صرح به أبو عوانة في مستخرجه
23- “عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال أرسلني أهلي إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبه فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرا” رواه البخاري 5896 واخرج البخاري 5897 وابن ماجه 3623 من طريق سلام – هو ابن أبي مطيع- عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوبا زاد ابن ماجه والإمام أحمد 26535 و26539 “بالحناء والكتم” ثم قال البخاري عقبه وقال لنا أبو نعيم حدثنا نصير بن أبي الأشعث عن ابن موهب أن أم سلمة أرته شعر النبي صلى الله عليه وسلم أحمر
24- قوله (وقال أحمد بن شبيب) صورته صورة التعليق، وهو من شيوخ البخاري في الصحيح قاله عنه بصيغة الجزم وقال أبو نعيم الأصبهاني رواه البخاري بلا سماع انتهى قلت أي بلا تصريح بالسماع ، ووصله أبو نعيم الأصبهاني أيضا من طريق موسى بن سعيد – كما نقله ابن الملقن في التوضيح -، وكذا البيهقي في السنن الكبرى1197 و4416 من طريق أبي عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ قالا حدثنا أحمد بن شبيب به مطولا، تابعه العباس بن الفضل الأسفاطي حدثنا أحمد بن شبيب به أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4414، وأخرجه أبو داود في سننه 382 ، وابن حبان في صحيحه 1656 ،وأبو بكر الإسماعيلي كما نقله ابن الملقن في التوضيح – من طرق عن عبد الله بن وهب أخبرني يونس به مطولا، تابعه أيوب بن سويد أخبرنا يونس بن يزيد به أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 300 وقال ابن خزيمة عقبه «يعني تبول خارج المسجد، وتقبل وتدبر في المسجد بعدما بالت» وكذلك قال ابن حبان في صحيحه.
25- قوله ( وقال أحمد بن شبيب) قال ابن الملقن في التوضيح ” وأحمد بن شبيب شيخ البخاري، ولم يخرج له غيره”
26- وقال أبو بكر الإسماعيلي في معنى الخبر: أن المسجد لم يكن يغلق عليها، وكانت تتردد فيه، وعساها كانت تبول، إلا أن علم بولها فيه لم يكن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ولا عند الراوي أي موضع هو، ومن حيث أمر في بول الأعرابي بما أمر دل ذلك على أن بول ما سواه في حكم النجاسة واحد ، وإن اختلف غلظ نجاستها. نقله البيهقي في السنن الكبرى 4417 قال أخبرنا أبو عمرو الأديب قال قال أبو بكر الإسماعيلي فذكره.
27- قال البيهقي عقبه ” ووجوب الرش على بول الآدمي فكيف الكلب فكأن ذلك كان قبل أمره بقتل الكلاب وغسل الإناء من ولوغه، أو كأن علم مكان بولها يخفى عليهم فمن علمه وجب عليه غسله”. انتهى قلت الثاني هو الأرجح وقد ترجم عليه أبو داود في سننه فقال ” باب طهور الأرض إذا يبست”، ثم توجيه ابن خزيمة وابن حبان بقولهما يعني تبول خارج المسجد يقويه.
28- فيه الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه، وهذا في الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله، ولا يناقض هذا ما أمرنا بقتله أو أبيح قتله، فإن ذلك إنما شرع لمصلحة راجحة، ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة قاله ابن الملقن في التوضيح.
29- وفيه أيضا: حرمة الإساءة إليه، وإثم فاعله، فإنه ضد الإحسان المؤجر عليه، وقد دخلت تلك المرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت قاله ابن الملقن في التوضيح.
30- وفيه أيضا: وجوب نفقة البهائم المملوكة على مالكها وهو إجماع. قاله ابن الملقن في التوضيح.
31- حديث عدي بن حاتم فيه جواز الاصطياد بالكلب المعلم، ولا نعلم فيه خلافا، ولم يذكر حكم غير المعلم؛ لأنه لم يسأله عدي عنه وإن كان يوجد من تقييده – صلى الله عليه وسلم – بالمعلم نفي الحكم عن غيره. قاله ابن الملقن في التوضيح.
32- أجمع المسلمون على إباحة الاصطياد للاكتساب والحاجة والانتفاع به بالأكل وغيره قاله ابن الملقن في التوضيح
33- قال المهلب : وأما حديث الذى سقى الكلب ، فغفر له ، ففيه دليل على طهارة سؤره ، لأن الرجل ملأ خفه وسقاه به ، ولا شك أن سؤره بقى فيه واستباح لباسه في الصلاة وغيرها نقله ابن بطال في شرحه
34- وفى حديث حمزة – أي عن ابن عمر- أن الكلب طاهر، لأن إقبالها وإدبارها فى الأغلب أن تجر فيه أنوفها وتلحس فيه الماء وفتات الطعام، لأنه كان مبيت الغرباء والوفود ، وكانوا يأكلون فيه ، وكان مسكن أهل الصفة ، ولو كان الكلب نجسا لمنع من دخول المسجد لاتفاق المسلمين أن الأنجاس تجنب المساجد قاله ابن بطال في شرحه.
35- فيه أن المشقة تجلب التيسير.
36- أما حديث عدى ، فهو أدل شيء على طهارة الكلب ولعابه وقد احتج مالك على طهارته بقوله تعالى : ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) [ المائدة : 4 ] ، ومعلوم أنه إذا أمسك علينا فلابد من وصول لعابه مع أسنانه إلى جسم الصيد قاله ابن بطال
37 – وقفت على بحث بعنوان الفوائد العِذاب فيما جاء في الكلاب . وذكر أحاديث غسل الإناء من ولوغ الكلب وقال :
فوائد الأحاديث:
– نجاسة ما ولغ فيه الكلب، لأنَّ إراقة الماء إضاعة له، وهو قول جماهير العلماء.
– لا فرق بين أنْ يكون في الإناء ماءٌ أو لبنٌ أو زيتٌ أو طعامٌ لعموم قوله: (فليُرِقْه) وعموم قوله (طُهُورُ إِنَاءِ) وعليه فتفريق المالكية بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبداً مما لا دليل عليه.
– تنجس الإناء، ووجوب تطهيره، لعموم قوله (طُهُورُ إِنَاءِ …).
– الأمر بالإراقة لما في الإناء.
وقد تكلم بعض العلماء – كالنسائي وحمزة الكناني وابن عبد البر وابن مندة. انظر: فتح الباري [1/ 365]- على زيادة (فليُرِقْه) عند مسلم، وحكموا عليها بالشذوذ، ولا داعي لهذا فالمعنى فيها صحيح، إذ الحكم بنجاسة الإناء يستلزم الإراقة، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: (طُهُورُ إِنَاءِ…) وراوي هذه الزيادة هو: (علي بن مُسهِر) عن الأعمش وهو ثقةٌ احتج به البخاري ومسلم، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغيرهم فلا يضر تفرُّده.
قلنا : الراجح شذوذها، ومعناها كما ذكر الباحث صحيح.
– اقتصار هذا الحكم على الولوغ والشرب، دون الصيد والأكل وإدخال الرأس.
– اقتصار الحكم على الولوغ والشرب بالفم دون باقي أجزائه أو أعضائه. فلو أصاب عضوٌ من أعضائه شيئاً طاهراً -سواء في حال الرطوبة أو عدمها – لا يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، إذا قلنا بنجاسة الكلب وإذا قلنا بطهارته -كما هو الراجح- لم يجب الغسل أصلاً.
ومثله يقال في بول الكلب وروثه، فإنهما وإنْ كانا نجسين إلا أنهما ليس لهما الحكم نفسه-قال النووي: وقيل: يكفي غسله في غير الولوغ -كالبول والروث- مرة كسائر النجاسات، حكاه المتولي والرافعي وغيرهما، وهذا الوجه متجه وقوي من حيث الدليل. ا.هـ المجموع [2/ 604]-.
– العموم في الكلاب، لعموم اللفظ، فيشمل المأذون باتخاذه والمنهي عنه.
وادّعى بعض المالكية -كابن عبد البر- في التمهيد [1/ 336] أنَّ المأمور بالغسل من ولوغه هو: الكلب المنهي عن اتخاذه، دون الكلب المأذون فيه.
والرد على هذا من وجوه: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
أ- يحتاج هذا الأمر إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل.
ب- ويحتاج إلى قرينة تدل على أنَّ المراد ما لم يؤذن في اتخاذه.
جـ- أنَّ الظاهر من (اللام) في قوله (الكلب) أنها للجنس أو لتعريف الماهية، فيحتاج المدّعي أنها للعهد إلى دليل.ا. هـ (الفتح [1/ 367]).
وقال الإمام النووي:
د- ويدلُّ لإبطال هذا القول رواية عبد الله بن مغفل قال: أمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الكِلاَبِ ثُمَّ قال: (مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الكِلاَبِ) ثُمَّ رَخَّصَ في كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الغَنَمِ، وقال: (إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) -شرح مسلم [3/ 83] وقد قاس ابن عبد البر سؤر الكلب على سؤر الهرة، وقال: إنَّ الجامع بينهما أنهما من الطوافين علينا!! وهذا إنْ كان صحيحاً فإن النصَّ قد أخرج (الكلب) فبقيت العلة في غيره-.
– إذا ولغ كلبان أو أكثر، أو ولغ كلب واحد مرات، فالصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مراتٍ أولاهنَّ بالتراب.
– ما هو الإناء الذي يراق ما فيه من ولوغ الكلب؟
قال ابن القيم:
وإذا كان لابد لهم مِن تقييد الحديث وتخصيصه ومخالفة ظاهره: كان أسعد الناس به: مَن حمله على الولوغ المعتاد في الآنية المعتادة التي يمكن إراقتها – قلت: وهو يشبه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ. رواه البخاري [10/ 306]، والمراد: الإناء المعتاد. والله أعلم- وهو ولوغٌ متتابعٌ في آنيةٍ صغارٍ يتحلل مِن فم الكلب في كلِّ مرَّةٍ ريقٌ ولعابٌ نجسٌ يخالط الماء، ولا يخالف لونُه لونَه فيظهر فيه التغير، فتكون أعيان النجاسة قائمة بالماء وإن لم تُر. فأمر بإراقته وغسل الإناء، فهذا المعنى أقرب إلى الحديث وألصق به، وليس في حمله عليه ما يخالف ظاهره، بل الظاهر أنَّه أراد الآنية المعتادة التي تتخذ للاستعمال فيلغ فيها الكلاب. ا.هـ (تهذيب سنن أبي داود [1/ 69]).
-قال الباحث :
فلماذا أمر بغسل ما ولغ به، ولم يأمر بغسل ما أمسكه مع أن عليه لعابه؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لعاب الكلب إذا أصاب الصيدَ لم يجب غسله، في أظهر قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، لأنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر أحداً بغسل ذلك، فقد عُفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدلَّ على أنَّ الشارع راعى مصلحة الخلق، وحاجتهم. ا. هـ
(مجموع الفتاوى [21/ 620]. وانظر [19/ 25 – 26]).
وقال الشيخ ابن عثيمين:
الرسولُ – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِذَا وَلَغَ»، ولم يقل: «إذا عضَّ»، فقد يخرج مِن معدته عند الشرب أشياء، لا تخرج عند العضِّ. وظاهر حالِ الصحابةِ أنَّهم لا يغسلون اللحمَ سبعَ مرَّاتٍ، إحداها بالتراب، وإذا كان معفوّاً عنه شرعاً؛ زال ضرَرُه قَدَراً، فمثلاً: الميتةُ نجسةٌ، ومحرَّمةٌ، وإذا اضطر الإنسان إلى أكلها: لم يتضرر، والحمار قبل أن يُحرَّم: طيب الأكل، ولما حُرِّم صار خبيثاً نجساً.
فالصحيح: أنَّه لا يجب غسل ما أصابه فم الكلب عند صيده؛ لما تقدم؛ ولأنَّ صيد الكلب مبنيٌّ على التيسير. ا. هـ (الشرح الممتع [1/ 357]).
قال الحافظ:
واستُدلَّ به على طهارة سؤر كلب الصيد دون غيره مِن الكلاب، للإذن في الأكل مِن الموضع الذي أكل منه، ولم يذكر الغسل، ولو كان واجباً؛ لبيَّنه؛ لأنَّه وقت الحاجة إلى البيان.
وقال بعض العلماء: يعفى عن مَعضِّ الكلب، ولو كان نجساً، لهذا الحديث.
وأجاب مَن قال بنجاسته: بأنَّ وجوب الغسل كان قد اشتُهر عندهم، وعُلم، فاستُغني عن ذكره.
وفيه نظرٌ؛ وقد يتقوَّى القول بالعفو، لأنَّه بشدة الجري يجف ريقه، فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العضِّ. ا. هـ (الفتح [9/ 752]).
بقي أن نقول :
– ما معنى حديث ابن عمر:كَانَتِ الكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ في المَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرشُّونَ شَيْئاً مِنْ ذلكَ. رواه البخاري [1/ 369].
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
أشكل هذا الحديث على العلماء -رحمهم الله- واختلفوا في تخريجه:
فقال أبو داود: إنَّ الأرض إذا يَبِست طَهُرت واستدل بهذا الحديث وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام فإنَّه ذكر أنَّ الأرض تطهر بالشمس والريح، واستدل بهذا الحديث.
وذهب بعض العلماء إلى أنَّ قوله: (وَتَبُولُ) يعني: في غير المسجد وأنَّ الذي في المسجد إنما هو الإقبال والإدبار. لكنَّ هذا التخريجَ ضعيفٌ، لأنها لو كانت لا تبول في المسجد لم يكن فائدة في قوله: (وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئاً مِنْ ذلكَ).
وقال ابن حجر في فتح الباري: والأقرب أنْ يقال أنَّ ذلك في أول الأمر قبل أنْ يؤمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها. والذي يظهر لي: أنَّ كلام شيخ الإسلام هو الصحيح وأنَّ الأرض إذا أصابتْها النجاسة فيبست حتى زال أثرها فإنها تطهر لأنَّ الحكم يدور مع علته، فإذا لم يبق للنجاسة أثرٌ صارت معدومة فتطهر الأرض بذلك. ا. هـ- انظر “مجموع فتاوى ابن عثيمين” [ص247]
– وجوب التسبيع، إذ لا صارف للأمر عن الوجوب وهو قول الشافعي ومالك وأحمد وابن المنذر. (المغني [1/ 45]، (المجموع [2/ 580]).
وعليه: فمن قال بالاستحباب -كأبي حنيفة كما في (بدائع الصنائع [1/ 87]) – فقد أخطأ.
ويرى أبو حنيفة أنَّ الغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، واحتج له أصحابه بما يلي:
أ- عن أبي هريرة موقوفاً: أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات-وانظر المحلى [1/ 124] ففيه ردٌّ وافٍ أيضاً-.
قالوا: وأبو هريرة هو الراوي للغسل من الولوغ سبعاً، فالعبرة بما رأى لا بما روى تحسيناً للظن عن مخالفة النص.
قلت: الأثر رواه الدارقطني [1/ 66]، وقال: هذا موقوفٌ، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء، والله أعلم. ا.هـ.
وقال البيهقي [1/ 242]: وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث. وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات. ا.هـ.
وقال الحافظ: … فالموافقة- أي: موافقة رأي أبي هريرة لما رواه من السبع – وَرَدَتْ من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة: فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير. ا. هـ (الفتح [1/ 367]). وانظر (المجموع [2/ 599 – 600]).
– وأما قولهم (العبرة بما رأى لا بما روى) فباطلٌ لأنَّه:
أولاً: غيرُ ثابتٍ أنَّه رضي الله عنه خالف ما روى.
وثانياً:
قال ابن حزم:
لكن السنَّة الثابتة لا يحل خلافها، وما نبالي بخلاف ابن عباس [أي: في بيع أمهات الأولاد]، فقد يخالفها متأوِّلاً أنَّه خصوصٌ، أو قد ينسى ما روى، وما كلَّفَنا الله تعالى أنْ نراعي أقوال القائلين، إنما أَمرنا بقبول رواية النافرين ليتفقهوا في الدين، المنذرين لمن خلفهم من المؤمنين، بما بلغهم وصحَّ عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ا. هـ – انظر “الإحكام في أصول الأحكام” [4/ 161 – 162]-.
وقال ابن القيم:
والذي نَدينُ الله به، ولا يَسَعُنا غيره، وهو القصد في هذا الباب: بأنَّ الحديثَ إذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصحَّ عنه حديثٌ آخر ينسخه أنَّ الفرض علينا وعلى الأمَّة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحدٍ من الناس كائناً من كان لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أنْ ينسى الراوي الحديث، أو لايحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة أو يتأول فيه تأويلاً مرجوحاً، أو يقوم في ظنِّه ما يعارضه ولا يكون معارضاً في نفس الأمر أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنَّه أعلم منه، أو أنَّه إنما خالفه لما هو أقوى منه.
ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله -ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه- لم يكن الراوي معصوماً، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاتُه حسناتِه، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له حجة. ا. هـ.- انظر “إعلام الموقعين” [3/ 52]-.
وقال الشوكاني:
وترجيح رأي الصحابي على روايته عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورواية غيره: من الغرائب التي لا يُدرَى ما الحامل عليها. ا. هـ.- انظر “نيل الأوطار” [1/ 21].
ب- واحتجوا لأبي حنيفة أيضاً بأنه جاء في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعاً: في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً.
قلت: الرواية في الدارقطني [1/ 66] وهي روايةٌ ضعيفةٌ جدّاً، لأنَّ فيها (عبد الوهاب ابن الضحاك) وهو متروك -كما قال الدارقطني نفسه بعد تلك الرواية- وفيها (إسماعيل ابن عياش) وروايته عن الحجازيين ضعيفةٌ وهي هنا عن واحدٍ منهم وهو هشام بن عروة.-وانظر المجموع [2/ 599] ففيه تفصيلٌ لما أجملناه من سبب ضعف الحديث-.
جـ- وقال الأحناف: إنَّ الحديثَ محمولٌ على حالة الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ ذلك.
قلت: وهذا مردودٌ لأنَّ النسخ لا يثبت بالحدس والرأي. بل ظاهر سياق حديث عبد الله بن مغفل عند مسلم: أمره بالتسبيع من ولوغها بعد النهي عن قتلها، فإنه قال فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال: (مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الكِلاَبِ؟) ثم رخص في كلب الصيد والغنم وقال: (إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ).
يؤيده: أنَّ الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخرٌ جدّاً لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل. وقد ذكر ابن مغفل أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبعٍ كأبي هريرة.
د- واستدل بعضهم بفعل البغيِّ التي سقت الكلبَ بخفِّها؟
قال ابن حزم: وهذا عجبٌ جدّاً، لأنَّ ذلك الخبر كان في غيرنا، ولا تلزمنا شريعة مَن قبلَنا. وأيضاً: فمن أين لهم أنَّ ذلك الخف شُرب فيه ما بعد ذلك، وأنه لم يغسل، وأنَّ تلك البغي عرفتْ سنَّةَ غسل الإناء من ولوغ الكلب؟ ولم تكن تلك البغي نَبيَّةً فيحتج بفعلها. وهذا كله دفعٌ بالراح، وخبطٌ يجب أن يُستحى منه. ا.هـ (المحلى [1/ 125]).
هـ- واستدل بعضهم: بأنَّ العذرة أشد في النجاسة مِن سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك مِن باب الأولى.
قال الحافظ ابن حجر:
لا يلزم مِن كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم. وبأنَّه قياسٌ في مقابلة النَّص وهو فاسد الاعتبار. (الفتح [1/ 367]).
– وجوب التتريب في الغسل – أي استعمال التراب- وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور والطبري وأكثر الظاهرية.
ومَن لم يقُلْ به -كبعض المالكية- فليس له حجةٌ إلا عدم ذكر التراب في الرواية الأولى (سَبْعَ مِرَارٍ) و (سَبْعاً) ويرد عليه بثبوت (أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ) و (عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) وكلاهما في “مسلم” وعن أبي هريرة.
– لا يقوم الصابون والأشنان -والأشنان: شجر يدق ويكون حبيبات كحبيبات السكر تغسل به الثياب وهو منظفٌ ومزيلٌ-وما أشبههما مقام التراب، إذ الأمر تعبدي.
– كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) وقوله: (إِحْدَاهُنَّ) وقوله: (عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) ورابعة (السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ)؟.
قال الحافظ ابن حجر:
فطريق الجمع أنْ يقال: (إِحْدَاهُنَّ) -وهذا على فرض صحتها، وإلا فهي ضعيفةٌ، لأنَّ في إسنادها الجارود بن يزيد وهو متروكٌ. وانظر:سبل السلام [1/ 53]- مبهمةٌ. و (أُولاَهُنَّ) و (السَّابِعَةَ) معينة. و (أَوْ) إنْ كانتْ في نفس الخبر فهي للتخيير، فمقتضى حمل المطلق على المقيد: أنْ يحمل على أحدهما لأنَّ فيه زيادة على الرواية المعينة… وإنْ كانتْ شكّاً من الراوي، فرواية مَن عيّن ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك. فيبقى النظر في الترجيح بين رواية (أُولاَهُنَّ) ورواية (السَّابِعَةَ)، ورواية (أُولاَهُنَّ): أرجح مِن حيث الأحفظية والأكثرية ومِن حيث المعنى. لأنَّ في تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه. ا. هـ (الفتح [1/ 36]).
وقال ابن حزم: وكل ذلك لا يختلف معناه، لأنَّ الأُولى: هي بلا شك إحدى الغسلات وفي لفظة (الأولى) بيان أيتهن هي فمن جعل التراب في (أُولاَهُنَّ) فقد جعله في (إِحْدَاهُنَّ) بلا شك واستعمل اللفظتين معاً. ومن جعله في غير أولاهن فقد خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنْ يكون ذلك في (أُولاَهُنَّ) وهذا لا يحل. ولا شك ندري أنَّ تعفيره بالتراب في أولاهن تطهيرٌ ثامنٌ إلى السبع غسلات وأنَّ تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعهن، وبهذا تصح الطاعة لجميع ألفاظه عليه السلام في هذا الخبر. ا.هـ (المحلى [1/ 121 – 122]).
– من لم يجد إلا ماء مولوغاً فيه، هل يتوضأ به أم يتيمم؟.
قال شيخ الإسلام:
وأما التوضأ بماء الولوغ: فلا يجوز عند جماهير العلماء، بل يعدل عنه إلى التيمم. ا.هـ
(مجموع الفتاوى [21/ 80]). وانظر (فتح الباري [1/ 368]).-قلت: ويَستدل بعضهم بطهارة سؤر السباع بحديث جابر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه سئل أيُتوضأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال: نعم وبما أفضلت السباع.
والحديثُ ضعيفٌ فيه: الحصين والد داود وهو ضعيف. وفيه: الإبراهيمان: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وإبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة. وقد ضعّفه البغوي وابن الجوزي والنووي. انظر:شرح السنة [2/ 71] و التحقيق [1/ 67] و المجموع [1/ 226]-.
– أدخل كلب رأسه في إناء وأخرجه ولم يُعلم هل ولغ فيه أو لا، فما حكم الماء؟.
قال النووي رحمه الله:
قال صاحب الحاوي وغيره: إنْ كان فمه يابساً، فالماء طاهرٌ بلا خلاف، وإنْ كان رطباً: فوجهان: (أحدهما) يحكم بنجاسة الماء لأنَّ الرطوبة دليلٌ ظاهرٌ في ولوغه، فصار كالحيوان إذا بال في ماءٍ ثم وجده متغيراً، حكم بنجاسته بناءً على هذا السبب المعين.
(وأصحهما) أنَّ الماء باقٍ على طهارته. لأنَّ الطهارةَ يقينٌ والنجاسةَ مشكوكٌ فيها.
ويحتمل كون الرطوبة من لعابه، وليس كمسألة بول الحيوان، لأنَّا هناك تيَقنَّا حصول النجاسة وهو سبب ظاهر في تغير الماء بخلاف هذا. ا. هـ (المجموع [1/ 233]).
– لو وقع كلب في ماء -بئر أو غيره- فمات، فما حكم الماء؟
قال ابن المنذر رحمه الله:
أجمع أهل العلم أنَّ الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيّرتْ النجاسةُ الماءَ طعماً أو لوناً أو ريحاً: أنه نجس مادام الماء كذلك ولا يجزئ الوضوء والاغتسال به. ا. هـ (الأوسط [1/ 260]).
فأما إذا لم تُغيِّر النجاسةُ لوناً أو طعماً أو ريحاً فهو طاهر وهو الذي رجّحه ابن المنذر وهو قول: ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي-انظر الأوسط [1/ 273 – 276] و التمهيد [1/ 327]-.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
أيُّ بئرٍ وقع فيه شيءٌ مما ذكر -أي: كلبٌ أو خنزيرٌ أو جملٌ أو بقرةٌ أو شاةٌ أو غيره- إنْ كان الماء لم يتغير بالنجاسة فهو طاهرٌ، فإنْ كانت عينُ النجاسة باقيةً: نُزحت منه وأُلقيت، وسائر الماء طاهر وشعر الكلب والخنزير إذا بقي في الماء لم يضره ذلك في أصح قولي العلماء، فإنه طاهرٌ في أحد أقوالهم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وهذا القول أظهر في الدليل، فإنَّ جميع الشعر والريش والوبر والصوف طاهر، سواء كان على جلد ما يؤكل لحمه أو جلد ما لا يؤكل لحمه. وسواء كان على حيٍّ أو ميِّتٍ.
وهذا أظهر الأقوال للعلماء، وهو إحدى الروايات عن أحمد. وأما إن كان الماء قد تغير بالنجاسة، فإنه ينزح منه حتى يَطيبَ، وإن لم يتغير الماء لم ينزح منه شيء. ا. هـ (مجموع الفتاوى [21/ 38 – 39]).
– قال الشيخ العباد :
قال الزهري :(إذا ولغ في إناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به)
وهذا فيه نظر لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-أمر بإراقته كما عند مسلم،ولكن إذا ولغ في الماء الكثير فإنه لايؤثر وإذا لم يجد ماء غيره فإنه يعدل إلى التيمم.
شرح صحيح البخاري.