1151 – 1150 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
وشارك حسين البلوشي ونورس الهاشمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-
باب ما يكره من التشديد في العبادة
1150 – حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد»
1151 – حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هذه؟» قلت: فلانة لا تنام بالليل، فذكر من صلاتها، فقال: «مه عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا»
——-
مشاركة أبي صالح :
فوائد الباب:
1- قول البخاري ( باب ما يكره من التشديد في العبادة) ذكر الحكم وعمم ولم يخص الصلاة، استنباطا منه رحمه الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في ثاني حديثي الباب (عليكم ما تطيقون من الأعمال).
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا : ” لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّة وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ أفلح، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَك” أخرجه الإمام أحمد وذكره الشيخ مقبل في الصحيح المسند برقم 802.
قلت سيف : وفي رواية لحديث عبدالله بن عمرو ( فمن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك ) رواه أحمد 6539 قال محققو المسند : صحيح لغيره
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن للإسلام شره وإن لكل شرة فترة فإن كان صاحبها سدد وقارب فارجوه. وإن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه ) الصحيحة 2850
تنبيه : حديث عبدالله بن عمرو أعله أبوحاتم بالإرسال كما في العلل 1927 . لكن ورد بمعناه في الصحيح المسند 1486 وعزاه لأحمد 5/409 من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة لبني عبدالمطلب فقال : إنها تقوم الليل وتصوم النهار فقال صلى الله عليه وسلم. : لكني أنا انام واصلي واصوم وافطر فمن اقتدى بي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني. إن لكل عمل شره ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل. ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى .
3- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة. رواه البخاري.
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُشَدِّدوا على أنفسكم ؛ فإنّما هلك من قبلَكم بتشدِيدِهم على أنفسهم ، وستَجِدُونَ بقاياهُم في الصوامع والدِّيارات أخرجه البخاري في التاريخ الكبير من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه وله شاهد في سنن أبي داود، والحديث أورده الألباني في الصحيحة برقم 3124.
5- حديث أنس أخرجه أحمد في مسنده والستة إلا الترمذي وهو عند أحمد ثلاثي.قال ابن الملقن أغرب الحميدي فذكره في أفراد البخاري.قلت وكذلك لم يعزه ابن الأثير لمسلم في جامع الأصول فكأنه لم يذكر في بعض النسخ.
6- الْأَمْرِ بِالتَّنَفُّلِ لِلْمَرْءِ عِنْدَ وُجُودِ النَّشَاطِ وَتَرْكِهِ عِنْدَ عَدَمِه ترجم عليه ابن حبان بذلك في صحيحه.
7- إزالة المنكر باليد واللسان للقادر أي ولا يضمن.
8- جواز تنفل النساء في المسجد إذا أمنت الفتنة.
9- إنما يكره التشديد فى العبادة خشية الفتور وخوف الملل… وقد قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) قاله ابن بطال في شرحه.
10- في المسجد النبوي عدة سواري ، ذكر في هذا الحديث ساريتين.
11- حرص السلف رجالا ونساءا على التطوع، وكانت هممهم عالية.
12- قوله (حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو التميمي المنقري تابعه شيبان بن فروخ عند مسلم وتابعهما عمران بن موسى عند النسائي في الصغرى والكبرى وابن ماجه.
13- قوله (حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد صرح به ابن ماجه، تابعه إسماعيل بن علية عند مسلم وأحمد وأبي داود والنسائي في السنن الكبرى،
14- قوله (دخل النبي) زاد مسلم والبيهقي أيضا في السنن الكبرى من طريق شيخ البخاري (المسجد) والمقصود المسجد النبوي ، وكانت حجر نسائه حوله.
15- قوله (قالوا هذا حبل لزينب) كأن الذي أجاب بعض أزواجه.
16- قوله (لزينب) ولم يقل أي الزيانب إما للعلم بها والحديث عن إحدى نسائه، وقيل زينب بنت جحش أم المؤمنين ويؤيده إحدى روايتي أبي داود (حمنة بنت جحش تصلي) وهي أختها وقيل بل ميمونة بنت الحارث أخرجها ابن خزيمة في صحيحه عقب رواية الباب وقال بشذوذها الحافظ ابن حجر في الفتح.
قال حسين : قال الألباني كونها حمنة منكر.( تخريج سنن أبي داود 1185 ) .
17- قوله (فإذا فتر فليقعد ) أي يقعد ويستريح حتى يذهب عنه النعاس أو لينام هذا هو الراجح. ومن طريق حميد عن أنس (خشيت أن تغلب فلتنم) وهي نص في موضع النزاع وهذا حين ينعس الشخص.
قلت سيف : وورد في حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا : ( إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ) أخرجه البخاري 212 . ومسلم
18- قوله (حدثنا عبد العزيز بن صهيب) تابعه حميد أخرجه عبد بن حميد وغيره.
فوائد حديث عائشة:
1- قوله (قال عبد الله بن مسلمة) أي القعنبي هو شيخه والبخاري ليس مدلسا فقوله (قال) كقوله (عن) وهي تحمل على الاتصال من غير المدلس، وقد رواه القعنبي في الموطأ. مع أن بعض نسخ البخاري فيها لفظ التحديث.
قال ابن عبد البر: تفرد القعنبي بروايته عن مالك في الموطأ دون بقية رواته فإنهم اقتصروا منه على طرف مختصر أه
2- قوله (عن مالك) تابعه يحيى بن سعيد القطان عند الشيخين وغيرهما، وتابعهما عبد الله بن نمير وأبو أسامة كما عند مسلم، وعلي بن مسهر عند أبي نعيم في مستخرجه على مسلم، وتابعهم أنس بن عياض عند البيهقي في السنن الكبرى.
3- قوله (عن هشام بن عروة) تابعه الزهري عند مسلم.
4- قوله (عن أبيه) وعند النسائي أخبرني أبي.
5- قولها (كانت عندي امرأة) عند أحمد (حسنة الهيئة).
6- قولها (من بني أسد) ورد في مسلم من طريق الزهري أنها الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى.
7- قولها ( فلانة لا تنام الليل) أي معظمه
8- قوله (فذكر من صلاتها) وفي رواية فذكرت من صلاتها.
9- إن الأولى في العبادةالقصد والملازمة،لا المبالغة المفضية إلى الترك.
10- قوله (مه) كلمة تفيد الكراهية للفعل وعند مسلم (لا تنام الليل؟) أي سؤال استنكاري. وفي حديث آخر من طريق هشام بهذا الإسناد (أَنَّ أَنَاسًا كَانُوا يَتَعَبَّدُونَ عِبَادَةً شَدِيدَةً، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) أخرجه عبد بن حميد.
11- قوله (فإن الله لا يمل حتى تملوا) وفي رواية لمسلم (لا يسأم حتى تسأموا).
12- زاد مسلم (وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه).
وأفردها البخاري من طريق قتيبة عن مالك بلفظ (كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه)، وهذه الطريق المختصرة تؤكد أن القعنبي حفظ حديث مالك والله أعلم
13- العمل من الإيمان .
14- يسر الشريعة، ومراعاتها لحاجات اﻹنسان وطاقته.
========
مشاركة أحمد بن علي:
رياح المسك
حديث 1150
الحديث متفق عليه
بوب أبو داود في سننه:
باب النعاس فى الصلاة
بوب ابن ماجه :
باب ما جاء في المصلي إذا نعس
بوب ابن حبان في صحيحه:
ذكر الأمر بالتنفل للمرء عند وجود النشاط وتركه عند عدمه
بوب ابن خزيمة في صحيحه:
باب الأمر بالاقتصاد في صلاة التطوع و كراهة الحمل على النفس ما لا تطيقه من التطوع
بوب النووي: باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن، أو الذكر بأن يرقد، أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك
قال النووي في شرح مسلم:
وفيه الحث على الإقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور ، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه ، وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها . اهـ
قال القاضي عياض في إكمال المعلم:
تقدم من كراهيته التكلف لما فيه المشقة من العبادة، وقد اختلف السلف فى جواز مثل كذا من التعلق بالحبال وشبهها فى الصلاة لطول النوافل وتكلف القيام، فنهى عن ذلك أبو بكر وكرهه وقطعها لمن فعلها. وقال حذيفة: إنما يفعل ذلك اليهود، ورخص فى ذلك آخرون، وأما الاتكاء على العصى لطول القيام فى النوافل فما أعلم أنه اختلف فى جوازه والعمل به، إلا ما روى عن ابن سيرين فى كراهة ذلك، وقول مجاهد: ينقص من أجره بقدر ذلك، هو من باب قوله: ” صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم “، واختلف فيه فى الفرائض لغير ضرورة، فمذهب مالك وجمهور العلماء: أنه لا يجوز، وأنه لا يجزى من القيام ومن اعتمد على عصى أو حائط اعتمادا لو زال سقط فسدت صلاته وكأنه لم يقم فيها. وأجاز ذلك جماعة من الصحابة والسلف منهم أبو سعيد الخدرى وأبو ذر، وغيرهم، وأما لضرورة وعند العجز عن القيام فيجوز، وهو أولى من الصلاة جالسا، قاله مالك وغيره. اهـ
حديث 1151
بوب أبو داود:
باب ما يؤمر به من القصد فى الصلاة
بوب النووي:
باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره
قال ابن الملقن في التوضيح:
– هذه المرأة هي الحولاء كما سلف، وهي -بحاء مهملة والمد- بنت تويت بتائين مثناتين من فوق مصغر، وهى امرأة صالحة مهاجرة عابدة.
– – بيان شفقته ورأفته بأمته – صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة؛ لأن النفس تكون فيه أنشط، والقلب منشرح، فتستمر العبادة، ويحصل مقصود الأعمال، وهو الخضوع فيها واستلذاذها، والدوام عليها، بخلاف من تعاطى من الأعمال ما لا يمكنه الدوام، وما يشق عليه، فإنه معرض لأن يتركه كله أو بعضه، أو يفعله بكلفة أو بغير انشراح القلب فيفوته الخير العظيم.
– كراهة قيام جميع الليل، وهو مذهبنا ومذهب الأكثرين، وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به . اهـ
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذا الحديث، هل يفهم منه أن الله يوصف بالملل؟
قال: جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: “فإن الله لا يمل حتى تملوا” فمن العلماء من قال إن هذا دليل على إثباث الملل لله، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق، إذ أن ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري فيه كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا.
ومن العلماء من يقول إن قوله: “لا يمل حتى تملوا” يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل فإن الله يجازيك عليه فاعمل ما بدا لك فإن الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقا؛ لأن قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني وهنا أيضا “لا يمل حتى تملوا” لا يستلزم ثبوت الملل لله -عز وجل-.
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أن الله -تعالى- منزه عن كل صفة نقص من الملل وغيره وإذا ثبت أن هذا الحديث دليل على الملل فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق.
انظر: “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” 1/ 174 – 175.
قال في فيض الباري:
وهذا الباب إيضا يشكل جمعه على من لا يرزق فهما سليما.
واعلم أن وراء ذلك سرا، وهو أن الله تعالى خلق الناس على طبائع مختلفة: فمنهم: من يكون قوي الهمة قوي العمل، فيعمل بأخذ العزائم ويعرض عن الرخص، يحب أن يستغرق أوقاته كلها في طاعة الله عز وجل، وينفق ماله حتى يقوم وما عنده شيء ويغازي في سبيله حتى يفقد نفسه وماله. لكن هؤلاء قليلون لو شئت لعددتهم على الأصابع.
ومنهم من هو دون ذلك، فلا يستطيع أن يسير سيره فيطلب في الدين فسحة ورخصة، وعلى قدر كل منهم جاءت الأحكام. غير أن عامة الناس كما قد سيرت يضعفون عن الأحكام الصعبة، فجاءت عامة أحكام الشرع أيضا تبنى على اليسر. ففرض عليهم في اليوم والليلة خمس صلوات فحسب. وأبيح لهم جمع قنطار من الأموال بعد أداء الزكاة، وجعل لأنفسهم وأعينهم وزوارهم حق، فلم يرغبوا إلا بصوم داود.
ولما كان خير الأعمال ما ديم عليه نهوا عن الإكثار في العبادة والاجتهاد في العمل فوق ما يطيقون، لئلا يفتروا، فإن إثر كل شرة فترة. كيف وقد كان معلما للأجلاف والأعراب، فشرع لهم من الدين ما تيسر لهم، ولم يكلفهم إلا بما يطيقون، ولم يرغبهم إلا بما ترجى الإدامة منهم عليه، فقال: «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه». أو كما قال – أي كأن في الدين أحكاما لو شاء الرجل أن يأخذ بكلها عجز، فسددوا وقاربوا، فكان هذا ضربا من التعليم، ونحوا من البيان، ولا يريد به الذم على من جعل نفسه لله وجعل دنياه وراء ظهره. اهـ
أما مسألة الصلاة الاتكاء على الجدار والعصا :
قال الشوكاني : (2/284) :
” الحديث يدل على جواز الاعتماد في الصلاة على العمود والعصا ونحوهما ، لكنْ
مقيداً بالعذر المذكور ؛ وهو الكبر وكثرة اللحم ، ويلحق بهما الضعف ، والمرض ،
ونحوهما ، وقد ذكر جماعة من العلماء أن من احتاج في قيامه إلى أن يتكئ على عصا ،
أو عكاز ، أو يسند إلى حائط ، أو يميل على أحد جنبيه من الألم ؛ جاز له ذلك . وجزم
جماعة من أصحاب الشافعي باللزوم ، وعدم جواز القعود مع إمكان القيام مع
الاعتماد ” . ا هـ .
وممن نص على جواز الاعتماد في الصلاة : الإمام مالك ؛ فقال :
” إن شاء ؛ اعتمد ، وإن شاء ؛ لم يعتمد . وكان لا يكره الاعتماد ، وقال : ذلك على
قدر ما يرتفق به ، فلينظر ما هو أرفق به ؛ فليصنعه ” . كذا في ” المدونة ” (1/74) .
والظاهر أنه يريد بذلك النافلة ، ولو بدون ضرورة . وقد قال القاضي عياض – كما في
” المجموع ” (3/264 – 265) – :
” وأما الاتكاء على العصي ؛ فجائز في النوافل باتفاقهم ، إلا ما نقل عن ابن سيرين
من كراهته ، وأما في الفرائض ؛ فمنعه مالك والجمهور وقالوا : من اعتمد على عصا أو
حائط ونحوه بحيث يسقط لو زال ؛ [ لم تصح صلاته ] (*) … ” إلخ .
وقد روى البيهقي عن الحجاج عن عطاء قال :
كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتكئون على العصي في الصلاة .
والحجاج هذا – هو : ابن أرطاة – ، وهو مدلس ، وقد عنعنه .
__________
(*) استدراك من ” المجموع ” .
-‘——‘——‘——
مشاركة سيف :
ورد في الصحيح المسند :
1396- قال الإمام النسائي عن أبي هريرة قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تزلع يعني تشقق قدماه.
وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1645)
وعند البزار (9638) من طريق عمرو بن علي : ” فقيل له في ذلك فقال ألا أكون عبدا شكورا”.
وورد بنحوه في البخاري (1130) ومسلم (2819) من حديث المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا»
قال الحافظ في الفتح (4/110) : والفاء في قوله ” أفلا أكون ” للسببية ، وهي عن محذوف تقديره أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا ، والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف أتركه .
قال ابن بطال : في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه ، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار . انتهى . ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال ، لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال ، فكان لا يمل من عبادة ربه وإن أضر ذلك ببدنه ، بل صح أنه قال ” وجعلت قرة عيني في الصلاة ” كما أخرجه النسائي من حديث أنس ، فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه ، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم ” خذوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ” . .
وعلى هذا يحمل ما نقل عن بعض السلف كعثمان بن عفان من كثرة التعبد أنهم يشعرون بارتياح في العبادة.
——-
– ورد في استعمال العصا عن السائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال : وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام.
– فيه الجمع بين الإنكار باليد واللسان وهو أعلى مراتب الإنكار.
– بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم .
– من مداخل الشيطان على العبد الغلو في العبادة ، وربما شغله بالنوافل عن الفرائض وعن طلب العلم.
– ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم)) .
وورد من حديث أنس بن مالك وفيه ( اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، والعجز، والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال) .
قال ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأنَّهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله، وحقوق نفسه، وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده، وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل، والإجمال في الطلب، ولا يكون عالةً، ولا عيالًا على غيره، ما متِّع بصحة جوارحه وعقله) .
وقال الكلاباذي: (… قال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38]. والهرم: فتور من ضعف يحل بالإنسان، فلا يكون به نهوض، ففتور الهرم فتور عجز، وفتور الكسل فتور تثبيط وتأخير، فاستعاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الفتور في أداء الحقوق، والقيام بواجب الحق من الوجهين جميعًا، من جهة عجز ضرورة، وحرمان منها، مع الإمكان) .انتهى
وورد أن الكسل عن الطاعات من صفات المنافقين
ووضح ابن تيمية معنى الفترة : (إنَّ من الناس من يكون له شدة، ونشاط، وحدة، واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.
وهم في الفترة نوعان: منهم: من يلزم السنة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهي عنه، بل يلزم عبادة الله إلى الممات، ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه، أو فجور في دنياه، حتى يشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدًا في الدين ثم صار كذا وكذا، فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية ولهذا قال أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود : اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة ) راجع مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى .
– فيه التحذير من الغلو ومنه حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) .
قال المباركفوري: (قيل: معنى قوله: ((كان يقوم الليل)). أي: غالبه أو كله. …. بل خذ فيه التوسط والقصد أي: لأنَّ التشديد في العبادة قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم. وقال في اللمعات: فيه تنبيه على منعه من كثرة قيام الليل والإفراط فيه، بحيث يورث الملالة والسآمة) .
– فيه معنى حديث الثلاثة الرهط الذين تقالُّوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم.
– فيه السؤال عن المخطأ إذا وجد مقصد شرعي.
– فيه أن أكثر نصائح النبي صلى الله عليه وسلم بالإجمال . إلا إذا احتاج للتعيين.
– فيه معنى حديث لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الاخبثان.
– فيه معنى حديث عائشة في البخاري 5861 ومسلم 782 لما كانوا يصلون بصلاته ثلاثة أيام . ثم لم يخرج إليهم وقال : ياأيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قلَّ . وكان آل محمد اذا عملوا عملا أثبتوه.
– ذم خلق الفتور والملال عن الطاعة أما الفتور عن المعاصي فممدوح. بمعناه عن الكلاباذي
– فيه جواز قطع النافلة بعد الدخول فيها . قرره ابن حجر ورد على العيني
====
ومسألة الصلاة في حال النعاس :
قال صاحبنا نورس الهاشمي :
ذكر ابن المنذر في الأوسط : ذكر الخبر الدال على أن النعاس لا يفسد الصلاة
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ( ج ١ / ١٨٣ ) :
فإذا كان قد حرم الله الصلاة مع السكر والشرب الذي لم يحرم حتى يعلموا ما يقولون، علم أن ذلك يوجب أن لا يصلي أحد حتى يعلم ما يقول. فمن لم يعلم ما يقول لم تحل له الصلاة، وإن كان عقله قد زال بسبب غير محرم، ولهذا اتفق العلماء على أنه لا تصح صلاة من زال عقله بأي سبب زال.
قال الحافظ العراقي في طرح التثريب :
*فإن كان النعاس خفيفا بحيث يعلم المصلي الناعس أنه أتى بواجبات الصلاة فإن صلاته صحيحة فلا يجب عليه الخروج منها وإن كان بحيث لا يعلم ما أتى به من الواجبات فصلاته غير صحيحة فيجب الخروج منها* ثم إن ذهب عنه النوم بأمر آخر غير الاضطجاع من تبرد بماء أو غير ذلك فلا شك أنه لا يجب ذلك لأنه وسيلة إلى ذهاب النوم وقد ذهب فإذا حصل المقصد سقطت الوسائل وإن لم يذهب ذلك إلا بالاضطجاع وجب عليه لأنه مقدمة للواجب وقال القاضي عياض إن من اعتراه ذلك في الفريضة وكان في وقت سعة لزمه أن يفعل مثل ذلك وينام حتى يتفرغ للصلاة انتهى فحمل الأمر في ذلك على الوجوب انتهى كلام والدي – رحمه الله – والظاهر حمل الأمر في ذلك على الاستحباب مطلقا وما دام النعاس خفيفا فلا وجه للوجوب وإذا اشتد النعاس انقطعت الصلاة لشدته فلا يحتاج إلى إيجاب القطع لأنه يحصل بغير اختيار المصلي والله أعلم.
فائدة : وفيه حث على الإقبال على الصلاة بخشوع، وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل، في الليل والنهار، وهذا مذهب الجمهور، لكن لا يخرج فريضة عن وقتها. قال القاضي: وحمله مالك وجماعة على نفل الليل؛ لأنها محل النوم غالبا. شرح ابي دَاوُدَ للعيني
=====
وهذا بحث لصاحبنا حسين عن صفة الملال :
سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ((مجموعة دروس وفتاوى الحرم)) 1/152 :
هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى ؟ فأجاب: ((جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قولـه : ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا))
فمن العلماء من قال : إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله ، لكن ؛ ملل الله ليس كملل المخلوق ؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص ؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء ، أما ملل الله ؛ فهو كمال وليس فيه نقص ، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً
ومن العلماء من يقول : إنَّ قولـه : ((لا يَمَلُّ حتى تملوا)) ؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل ؛ فإنَّ الله يجازيك عليه ؛ فاعمل ما بدا لك ؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل ، وعلى هذا ، فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال : إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً ؛ لأنَّ قول القائل : لا أقوم حتى تقوم ؛ لا يستلزم قيام الثاني ، وهذا أيضاً : ((لا يمل حتى تملوا)) ؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ.
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره ، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل ؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق))اهـ
أولا _ من أثبت الصفة لله عز وجل وهي من الصفات الفعلية:
1- قال ابن عبد البر في (التمهيد):
وقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف فإن في ذلك الهلاك لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره وقد بلغني عن ابن القاسم أنه لم ير بأسا برواية الحديث أن الله ضحك وذلك لأن الضحك من الله والتنزل والملالة والتعجب منه ليس على جهة ما يكون من عباده اهـ.
– قال صاحبنا أبو صالح : وقال ابن عبد البر رحمه الله معناه عند أهل العلم إن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم
قال بعضهم أن الإمام ابن منده أثبت هذه الصفة في كتابه التوحيد إلا أني لم أبحث عنه فمن وجده فليذكره وفقه الله
2- قال الشيخ محمد بن إبراهيم في ((الفتاوى والرسائل)) (1/209 : فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا : من نصوص الصفات ، وهذا على وجه يليق بالباري ، لا نقص فيه ؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر.اهـ.
3- قال الشيخ عبد العزيز الراجحي عندما كان يتكلم عن الصفات الفعلية (شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري) :
وما ذُكر في الحديث صفات فعلية تليق بالله -تعالى- لا نعلم كيفيتها، فنثبت أن الله يذكر العبد إذا ذكره، وأن الله تعالى يتقرب إلى من تقرب إليه، وأنه -سبحانه- يأتي من أتى إليه، وهذه الصفات الفعلية توصف بها نفس الله عز وجل.
ومثل هذا الحديث ، حديث: إن الله لا يمل حتى تملوا هذه صفة لله -عز وجل-، فهو -سبحانه- أثبت أنه لا يمل حتى يمل العبد. وهي صفة ليس فيها نقص، مثل ملل المخلوق، لكن من ثمراتها أن الله -تعالى- يقطع الثواب إذا قطع الإنسان العمل. وأهل التأويل يقولون في قوله: (إن الله لا يمل حتى تملوا) يقولون: المعنى أن الله -تعالى- يقطع الثواب إذا قطع العبد العمل، والصواب أن هذا من ثمرات، وآثار الصفة، وليست هي الصفة.
تنبيه: جعل الراجحي قول النووي وغيره تأويل لصفة الملل فقال في الفتاوى:
وإن الله لا يمل حتى تملوا ” قال معناها: إن الله لا يقطع الثواب، حتى يقطع العبد العمل.هذا تأويل، هذا من أثر الصفة، والصواب أن الملل والهرولة وصف يليق بالله، لكن لا يلزمه النقص، ولا يشابه المخلوقين في شيء من صفاته، لكن من أثره أن الله أسرع بالخير من العبد، وأن الله لا يقطع الثواب عن العبد، حتى يقطع العبد العمل، هذا من أثر الصفة. وهو شيء يليق بجلال الله وعظمته، لا يشابه المخلوقين في شيء من صفاته. اهـ.
وقال في الفتاوى:
.. مثل: ” إن الله لا يمل حتى تملوا ” هذا شيء يليق بالله، لا يشابه بملل المخلوق، ملل المخلوق فيه ضعف، أما ملل الخالق وصف يليق به، ليس فيه نقص ولا ضعف، قال بعضهم: إن هذا من باب المقابلة. ” إن الله لا يمل حتى تملوا ” في لفظ آخر: ” إن الله لا يسأم حتى تسأموا ”
ومن قوله: { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } ومن قوله: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } .
والنووي فسر هذا قال: ” إن الله لا يمل حتى تملوا ” إن الله لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العمل. وهذا غلط، هذا تفسير بأثر الصفة، قطع الثواب عند قطع العمل، هذا أثر من آثار الصفة، ليس هو الصفة.
والأشاعرة يفسرون الصفة بأثر الصفة، مثل تفسيرهم الغضب بالانتقام، صفة غضب الله قالوا: انتقم الله منه. هذا غلط؛ الغضب غير الانتقام: الغضب صفة تليق بجلاله، ومن أثر الغضب الانتقام، الانتقام أثر من آثار صفة الغضب. يفسرون الرضا بالثواب، وهذا غلط؛ لأن الثواب أثر من آثار الرضا. اهـ.
4- اللجنة الدائمة سئلت عن هذا الحديث في (402/2) سئلت عن الحديث فقالت:
ج : الواجب هو إمرار هذا الحديث كما جاء ، مع الإيمان بالصفة ، وأنها حق على الوجه الذي يليق بالله ، من غير مشابهة لخلقه ولا تكييف ،كالمكر والخداع والكيد الواردة في كتاب الله عز وجل ، وكلها صفات حق تليق بالله سبحانه وتعالى على حد قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … الرئيس
صالح الفوزان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ثانيا : من لم يثبت الصفة:
1_ قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
وقد كان ينهى عن قطع العمل وتركه ، كما قال لعبد الله بن عمرو ” لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل ” . وقوله ” إن الله لا يمل حتى تملوا ” . وفي رواية : ” لا يسأم حتى تسأموا ” .
الملل والسآمة للعمل يوجب قطعه وتركه ، فإذا سأم العبد من العمل ومله قطعه وتركه فقطع الله عنه ثواب ذلك العمل ؛ فإن العبد إنما يجازى بعمله ، فمن ترك عمله انقطع عنه ثوابه وأجره إذا كان قطعه لغير عذر من مرض أو سفر أو هرم .
كما قال الحسن : إن دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر فإذا فتر العبد انقطع الملك عن البناء فتقول له الملائكة : ما شأنك يا فلان ؟ فيقول : إن صاحبي فتر ، قال الحسن : أمدوهم – رحمكم الله – بالنفقة . وأيضا – فإن دوام العمل وإيصاله ربما حصل للعبد به في عمله الماضي ما لا يحصل له فيه عند قطعه ؛ فإن الله يحب مواصلة العمل ومداومته ، ويجزي على دوامه ما لا يجزي على المنقطع منه .
وقد صح هذا المعنى في الدعاء وأن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول : قد دعوت فلم يستجب لي ، فيدع الدعاء ، فدل هذا على أن العبد إذا أدام الدعاء وألح فيه أجيب وإن قطعه واستحسر منع إجابته
وسمي هذا المنع من الله مللا وسآمة مقابلة للعبد على ملله وسآمته ، كما قال تعالى { نسوا الله فنسيهم } [ التوبة : 67 ] فسمى إهمالهم وتركهم نسيانا مقابلة لنسيانهم له . هذا أظهر ما قيل في هذا .
ويشهد له : أنه قد روي من حديث عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” اكلفوا من العمل ما تطيقون ؛ فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل ” . خرجه بقي بن مخلد ؛ وفي إسناده : موسى بن عبيدة . وقد قيل : إن ” حتى ” هاهنا بمعنى واو العطف ؛ ولكن لا يصح دعوى كون ” حتى ” عاطفة ؛ لأنها إنما تعطف المفردات لا الجمل ، هذا هو المعروف عند النحويين ، وخالف فيه بعضهم . وقيل : إن ” حتى ” فيه بمعنى ” حين ” ، وهذا غير معروف . وزعم ابن قتيبة أن المعنى : ” لا يمل إذا مللتم ” ، وزعم أن هذا الاستعمال معروف في كلام العرب ، وقد يقال : إن ” حتى ” بمعنى لام التعليل ، وأن المراد أن الله لا يمل لكي تملوا أنتم من العمل . وفيه بعد – أيضا . ولو كان كذلك لقال : حتى لا تملوا ، ويكون التعليل – حينئذ – بإعلامهم بأن الله لا يمل من العطاء ، فيكون إخبارهم بذلك مقتضيا ( 203 – ب / ف ) لمدوامتهم على العمل وعدم مللهم وسآمتهم .
و قد يقال : إنما يدل هذا الكلام على نسبة الملل والسآمة إلى الله بطريق مفهوم الغاية . و من يقول : إنه لا مفهوم لها فإنه يمنع من دلالة الكلام على ذلك بالكلية . ومن يقول ذلك بالمفهوم فإنه يقول : متى دل الدليل على انتفائه لم يكن مرادا من الكلام . وقد دلت الأدلة عل انتفاء النقائص والعيوب عن الله تعالى ، ومن جملة ذلك : لحوق السآمة والملل له .
ولكن بعض أصحابنا ذكر أن دلالة مفهوم الغاية كالمنطوق ؛ بمعنى أنه لا يجوز أن يكون ما يعد الغاية موافقا لما قبلها بمفهوم الموافقة أو غيره . فعلى قوله يتعين في هذا الحديث أحد الأجوبة المتقدمة ، والله سبحانه وتعالى أعلم . اهـ. (الفتح لابن رجب)
2_ قال ابن قتيبة:قالوا رويتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا فجعلتم الله تعالى يمل إذا ملوا والله تعالى لا يمل على كل حال ولا يكل
قال أبو محمد ونحن نقول إن التأويل لو كان على ما ذهبوا إليه كان عظيما من الخطأ فاحشا ولكنه أراد فإن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم ومثال هذا قولك في الكلام هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل لا تريد بذلك أنه يفتر إذا فترت ولو كان هذا هو المراد ما كان له فضل عليها لأنه يفتر معها فأية فضيلة له وإنما تريد أنه لا يفتر إذا افترت وكذلك تقول في الرجل البليغ في كلامه والمكثار الغزير فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه تريد أنه لا ينقطع إذا انقطعوا ولو أردت أنه ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له في هذا القول فضل على غيره ولا وجبت له به به مدحة وقد جاء مثل هذا بعينه في الشعر المنسوب إلى بن أخت تأبط شرا ويقال إنه لخلف الأحمر … صليت مني هذيل بخرق … لا يمل الشر حتى يملوا … لم يرد أنه يمل الشر إذا ملوه ولو أراد ذلك ما كان فيه مدح له لأنه بمنزلتهم وإنما أراد أنهم يملون الشر وهو لا يمله اهـ. (تأويل مختلف الحديث)
—-