رياح المسك العطرة اول كتاب الإيمان
بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
صحيح البخاري
كتاب الإيمان
بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»
وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا [ص:11] الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ ” وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: «إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لاَ يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» سَبِيلًا وَسُنَّةً
——-
فوائد الباب:
1- قوله (كتاب الإيمان) فيه رد على المرجئة وهي فرقة أخرجت الأعمال من الإيمان كما أشار البخاري في ضمن ذلك إلى الرد على الطائفة المقابلة لهم وهي الخوارج والمعتزلة القائلين بأن مرتكب الكبيرة خالد مخلد في النار إن لم يتب منها قبل موته.
2- ختم البخاري كتاب بدء الوحي السابق بحديث أبي سفيان في إشارة إلى زيادة الإيمان والذي له تعلق بهذا الكتاب كتاب الإيمان أيضا.
3- قوله ( كتاب الإيمان) هذا كتاب الإيمان المشتمل على كونه شرعا اعتقاد بالجنان ،وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، وأجملها في هذا الباب ، وفصلها في أبواب الكتاب ، وأسهب في الاستدلال على دخول الأعمال في الإيمان وذلك لوجود طوائف من الناس دخلت عليها هذه الشبهة وهي إخراج الأعمال من الإيمان.
وقد أفرد بعض العلماء مسائل الإيمان بتصنيف مستقل كأبي عبيد القاسم بن سلام، والإمام أحمد ، وابن أبي شيبة، والعدني.
4- قوله (قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ) علقه هنا ووصله في الباب الذي يليه ، ويأتي شرحه هناك بإذن الله تعالى، وترجم لبعض تلك المباني بباب مستقل وسيأتي بإذن الله تعالى، قال أبو سليمان الخطابي في أعلام الحديث هذا ” يبين لك أن الإسلام من الإيمان، وأن العمل غير خارج عن هذا الاسم”.
5- قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري “: مذهب جماعة أهل السُّنَّة من سَلَف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصانه ما أورده البخارى من كتاب الله من ذكر الزيادة فى الإيمان وبيان ذلك أنه من لم تحصل له بذلك الزيادة، فإيمانه أنقص من إيمان من حصلت له”.
6- قال المهلب بن أبي صفرة ” إن التصديق وإن كان يسمى إيمانًا فى اللغة، فإن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان من كمال إيمانه، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص” قاله ابن بطال في شرحه.
7- إن “مجرد تصديق القلب واللسان مع البغض والاستكبار لا يكون إيمانا – باتفاق المؤمنين – حتى يقترن بالتصديق عمل”. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
8- قوله (وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ) قال الشافعي:” الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص” أخرجه الحاكم في مناقب الشافعي بسند صحيح، وقال أبو الحسن الأشعري كما في كتاب الإبانة له ونؤمن ” أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص”. و”ذكر أبو عمر الطلمنكي إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ونية وإصابة السنة”، ” وَالْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ قاله شيخ الإسلام في كتاب الإيمان الأوسط له.
9- ” وَأَصْلِ نِزَاعِ هَذِهِ الْفِرَقِ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ والجهمية وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا إذَا زَالَ بَعْضُهُ زَالَ جَمِيعُهُ وَإِذَا ثَبَتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ جَمِيعُهُ فَلَمْ يَقُولُوا بِذَهَابِ بَعْضِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ } قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الأوسط له .
10- أَمَّا قَوْلُهُ : { الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ } فَأَنْ تُوَحِّدَهُ وَتُصَدِّقَ بِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَتَخْضَعَ لَهُ وَلِأَمْرِهِ بِإِعْطَاءِ الْعَزْمِ لِلْأَدَاءِ لِمَا أَمَرَ مُجَانِبًا لِلِاسْتِنْكَاب وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْمُعَانَدَةِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ لَزِمْت مُحَابَّهُ وَاجْتَنَبْت مساخطه . قاله محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة .
11- قوله (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) قال: إن الله جلّ ثناؤه بعث نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدّقوا بها زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، ثم أكمل لهم دينهم، فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) قال ابن عباس: فأوثق إيمان أهل الأرض وأهل السموات وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله. أخرجه الطبري في تفسيره والطبراني في المعجم الكبير 13028 من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس به ، وعلي لم يسمع من ابن عباس.
12- قوله ({وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]) قال الطبري في تفسيره ” وزدناهم إلى إيمانهم بربهم إيمانا، وبصيرة بدينهم، حتى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه، إلى خشونة المكث في كهف الجبل.
13- قوله ( {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]) قال الإمام الطبري ويزيد الله من سلك قصد المحجة… هدى بما يتجدّد له من الإيمان بالفرائض التي يفرضها عليه، ويقرّ بلزوم فرضها إياه، ويعمل بها، فذلك زيادة من الله في اهتدائه بآياته هدى على هداه، وذلك نظير قوله (وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) .
14- قوله ({وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]) قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري له ” تلا البخاري الآيات التي ذكر فيها زيادة الهدى، فإن المراد بالهدى هنا: فعل الطاعات كما قال تعالى بعد وصف المتقين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم وبالإيمان بما أنزل إلى محمد وإلى من قبله وباليقين بالآخرة ثم قال {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [البقرة: 5] ، فسمى ذلك كله هدى، فمن زادت طاعته فقد زاد هداه.
15- قوله (وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ) ” عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أحب لله و أبغض لله و أعطى لله و منع لله فقد استكمل الإيمان ” رواه أبو داود وحسن إسناده الألباني كما في السلسلة الصحيحة 380
16- قوله (وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ..) وصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان له 135 وفي مصنفه أيضا 30444 والخلال في كتاب السنة له 1553 وابن بطة في الإبانة الكبرى 1166 واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1572 والبيهقي في شعب الإيمان 59 وابن عساكر في تاريخ دمشق 45/203 من طريق جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم قال: حدثني عدي بن عدي قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز – وَهُوَ أي عدي – يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى أَرْمِينِيَّة- ” سلام عليك أما بعد فذكره قال الحافظ في تغليق التعليق “وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح وَرِجَاله ثِقَات”، وأخرجه قوام السنة في الحجة في بيان المحجة 89 من طريق أبي نعيم عن سفيان عن رجل قد سماه لي قال قال عمر بن عبد العزيز فذكره.
17- وموضع الشاهد منه قوله (فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ) أي يدخل في الإيمان أداء الفرائض والسنن واجتناب حدود الله أي محارمه وما نهى عنه.
18- قوله (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يشير إلى قوله تعالى ( قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)، “عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يَقُولُ:إِنَّكَ تُجِيبُنِي إِذَا دَعَوْتُكَ، وَتُعْطِيَنِي إِذَا سَأَلْتُكَ” اخرجه الطبري في تفسيره 5986 وابن أبي حاتم في تفسيره 2696 والبيهقي في الأسماء والصفات 1073 ، وعَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قلبي قال: ليوقن. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره 5976وابن أبي حاتم في تفسيره 2697 ذَكَرَ عِنْدَه المزني تلميذ الشافعي حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَمْ يَشُكِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ علَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا شَكَّا أَنْ يُجِيبَهُمَا إِلَى مَا سَأَلَا ” أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 1072
19- عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ: {بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] قَالَ: لِيَزْدَادَ يَعْنِي إِيمَانًا ” أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة له 79 والخلال في السنة له 1123 ، وأبو إسحق البغدادي الهاشمي في الجزء الأول من أماليه 139ولآجري في الشريعة 250 وابن بطة في الإبانة الكبرى 1133، أبو الهيثم المرادي قال أبو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه جمع من الثقات. فالإسناد صحيح إلى سعيد بن جبير.
20- قال الإمام مالك بن أنس ” قَالَ إِبْرَاهِيمُ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] فَطُمَأْنِينَةُ قَلْبِهِ زِيَادَةٌ فِي إِيمَانِهِ ” أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1743
21- قال محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة:” فَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَ وَأَرَادَ أَنْ يَزْدَادَ تَصْدِيقًا وَبَصِيرَةً وَيَقِينًا لِيَزْدَادَ قَلْبُهُ طُمَأْنِينَةً، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ ازْدَادَ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ كَانَ مِنْهُ بِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ»” . ووجه الاستدلال يؤخذ أيضا من الحديث الذي في الصحيح ” نحن أحق بالشك من إبراهيم” أي فهذا من شريعتنا.
22- قوله (وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً) وزاد بعضهم يعني نذكر الله ، وعند بعضهم ” فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه”
رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في الإيمان 20 وابن أبي شيبة في الإيمان 105 و107وعبد الله بن أحمد في السنة له 796 والخلال في السنة له 1548 وابن بطة في الإبانة الكبرى 1135 ووصله الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق وعزاه للإمام أحمد في كتاب الإيمان له ولابن أبي شيبة في الإيمان وقال الحافظ هذا موقوف صحيح ،وصحح إسناده الألباني على شرط الشيخين.
23- قوله (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ») وأوله ” الصبر نصف الإيمان” رواه الخلال في السنة له 1509 والحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من طريق سفيان ، وسعيد بن منصور في سننه 1928 والطبراني في المعجم الكبير 8544 من طريق أبي معاوية ، والبيهقي في شعب الإيمان 47 من طريق وكيع ، والحافظ عبد الرحمن بن رستة في كتاب الإيمان له – قاله ابن الملقن في التوضيح- ومن طريقه الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من طريق أبي زُهَيْرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِغْرَاءَ وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير 5896 من طريق عبد الواحد بن زياد كلهم عن الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَة عن عبد الله به. قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
قال ابن حجر ” أَبُو ظبْيَان اسْمه حُصَيْن بن جُنْدُب مُتَّفق على الِاحْتِجَاج بِهِ وَهَذَا مَوْقُوف صَحِيح… وَفِي الْجُمْلَة رفع الحَدِيث – أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ”.قلت وأورد الألباني المرفوع في السلسلة الضعيفة برقم 499 وقال البيهقي كما في الآداب له 757 وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ: «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ» وقال البيهقي بعد أن رواه بإسناده مرفوعا تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوبُ، عَنِ الْمَخْزُومِيِّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ”
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3666من طريق جرير عن الأعمش وفيه زيادة قال أبو ظبيان كُنَّا نَعْرِضُ الْمَصَاحِفَ عِنْدَ عَلْقَمَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُوقِنِينَ» فَقَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5] قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» وقال الحاكم هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي.
و عنِ الشعبي, قال: الشكر نصف الإيمان, والصبر نصف الإيمان, واليقين الإيمان كله, وقرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}, و {آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}. أخرجه سعيد بن منصور في سننه 1927 وهذا لفظه ، ومسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة وعنده الشكر ثلثا الإيمان- من طريقين عن مغيرة, عنِ الشعبي فذكره.
وعن عبد الله بن عكيم قَالَ: سمعت ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا
رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة له 797 وأبو بكر الخلال في السنة له 1120 وابن بطة في الإبانة الكبرى 1132 واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1704 من طريق شَرِيكٍ , عَنْ هِلَالِ بْنِ حُمَيْدٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ به. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح قلت فيه شريك فيه ضعف من قبل حفظه ويصلح في الشواهد والمتابعات كما هنا.
24- قوله (َقَالَ ابْن عمر ((لَا يبلغ العبد حَقِيقَة التَّقْوَى حَتَّى يدع مَا حاك فِي الصَّدْر)) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي كما في فتح الباري له ”
قال ابن رجب : هذا الأثر لم أقف عليه إلى الآن في غير كتاب البخاري ،قال الحافظ في التغليق :”لم أَقف عَلَيْهِ وَفِي التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث عَطِيَّة السَّعْدِيّ معنى هَذَا مَرْفُوعا وَلَفظه ((لَا يبلغ العَبْد أَن يكون من الْمُتَّقِينَ حَتَّى يدع مَا لَا بَأْس بِهِ حذرا لما بِهِ بَأْس))”.
25- قوله (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا» ، عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ووصاك بِهِ وأنبياءه دينا وَاحِدًا قال الحافظ في التغليق رواه عبد بن حميد في تفسيره ورَوَاهُ الْفرْيَابِيّ فِي التَّفْسِير عَن وَرْقَاء به وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح.
26- قوله ( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» سَبِيلًا وَسُنَّةً ) وصله الحافظ في تغليق التعليق من طريق سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ التَّمِيمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [48 الْمَائِدَة] قَالَ سَبِيلا وَسُنَّةً وقال هَذَا حَدِيث صَحِيح، وقال:” رواه عبد الرزاق وعبد بن حميد في تفسيريهما والتميمي اسْمه أربدة وَقد روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق كثيرا وَهُوَ رَاوِي التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس وروى عَنهُ أَيْضا الْمنْهَال بن عَمْرو وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَأخرج لَهُ أَبُو دَاوُد أَحَادِيث وَسكت عَلَيْهِ”.
27- فائدة قال الحافظ ابن حجر “وتفاسير الصَّحَابَة عِنْد جُمْهُور الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين على مَا نَقله الْحَاكِم أَبُو عبد الله مَحْمُولَة على الرّفْع ، وَبَعض الْمُحَقِّقين حمل ذَلِك على مَا يتَعَلَّق بِأَسْبَاب النُّزُول وَمَا أشبههَا وَهُوَ وَاضح وَالله أعلم”.
28- قوله (دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ ) لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ}
ورد هذا التفسير في بعض نسخ البخاري هنا وفي بعضها في الباب الذي يليه وصله الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره 15505 واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة من طريق عَلِيٍّ هُوَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [88 الْفرْقَان] يَقُولُ لَوْلا إِيمَانُكُمْ أَخْبَرَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الإِيمَانَ كَمَا حببه إِلَى الْمُؤمنِينَ . وفيه انقطاع وعزاه السيوطي لابن المنذر وابن أبي حاتم
29- وعَنْ كَعْبٍ – أي كعب الأحبار – قَالَ: مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَسَمِعَ وَأَطَاعَ فَقَدْ تَوَسَّطَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان 128 وفي مصنفه 30437 ، والخلال في السنة له 1546، وابن بطة في الإبانة الكبرى 848 و 850 وأبو نعيم في الحلية 6/31 وحسنه الألباني ووهم رحمه الله تعالى فظنه كعب بن مالك الصحابي أو أنه سبق قلم
30- “قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أَوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي بَعْضُهَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ وَبَعْضُهَا بِاللِّسَانِ وَبَعْضُهَا بِهِمَا وَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَبَعْضُهَا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَبِالْمَالِ، وَفِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرُهُ، وَأَخْبَرَ بِزِيَادَةِ إِيمَانِهِمْ بِتِلَاوَةِ آيَاتِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَمَا نَبَّهَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ جَوَامِعِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَإِذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ قَبِلَ النُّقْصَانَ، وَبهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَجْمَعُ الطَّاعَاتِ فَرْضهَا وَنَفْلهَا” قاله البيهقي في كتاب الاعتقاد له.
31 – قال شيخ الإسلام لا يجوز أن يدعي أنه يكون في القلب إيمان ينافي الكفر بدون أمور ظاهرة، لا قول ولا عمل وهو المطلوب- وذلك تصديق – وذلك لأن القلب إذا تحقق ما فيه أثر في الظاهر ضرورة، لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر، فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور، فإذا كان في القلب حب الله ورسوله ثابتا استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه….. فهذا التلازم ضروري…. غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامة بدون الفعل.
مجموع الفتاوى٧/ ٦٤٥-٦٤٦
32 – وقال مرة : أهل السنة والحديث يقولون جميع الأعمال الحسنة واجبها ومستحبها من الإيمان، أي من الإيمان الكامل بالمستحبات، ليست من الإيمان الواجب، ويفرق بين الإيمان الواجب وبين الإيمان الكامل بالمستحبات……. ولفظ الكمال قد يراد به الكمال الواجب، وقد يراد به الكمال المستحب……… أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب، وحيث عطفت عليه الأعمال فإنه أريد أنه لا يكتفى بإيمان القلب بل لا بد معه من الأعمال الصالحة
الإيمان الكبير ص١٠٤ من الشاملة
33 – قال ابن رجب كما في فتح الباري له معلقا على
أثر ابن مسعود رضي الله عنه
“اليقين الإيمان كله”
قال هذا مما يتعلق به من يقول إن الإيمان مجرد التصديق، حيث جعل اليقين الإيمان كله، فحصره في اليقين،
ولكن لم يرد ابن مسعود أن ينفي الأعمال من الإيمان إنما مراده أن اليقين هو أصل الإيمان كله، فإذا أيقن القلب بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، انبعثت الجوارح كلها للاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة، فنشأ ذلك كله عن اليقين
====
نقولات أخرى لأهل العلم :
34 – قال ابن كثير في تفسيره :
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) }
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ” ولهذا قال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } .
35 . قال النووي في شرح مسلم 1/146 :
ولذلك توقف مالك رحمه الله في بعض الروايات عن القول بالنقصان إذ لا يجوز نقصان التصديق لأنه إذا نقص صار شكا وخرج عن اسم الإيمان وقال بعضهم إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب وقد قال مالك بنقصان الإيمان مثل قول جماعة أهل السنة قال عبد الرزاق سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمر والأوزاعي ومعمر بن راشد وبن جريح وسفيان بن عيينة يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وهذا قول بن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمنا بالإطلاق وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى لقوله عز وجل إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا فأخبرنا سبحانه وتعالى أن المؤمن من كانت هذه صفته. اهــ
36 – قال ا بن حجر في الفتح 1/66 :
وقد نقل محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة عن جماعة من الأئمة نحو ذلك وما نقل عن السلف صرح به عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وبن جريج ومعمر وغيرهم وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم وكذا نقله أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم من الأئمة وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.
وأطنب بن أبي حاتم واللالكائي في نقل ذلك بالأسانيد عن جمع كثير من الصحابة والتابعين وكل من يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين وحكاه فضيل بن عياض ووكيع عن أهل السنة والجماعة وقال الحاكم في مناقب الشافعي حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال سمعت الشافعي يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحليه من وجه آخر عن الربيع وزاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ثم تلا ويزداد الذين آمنوا ايمانا الآية ثم شرع المصنف يستدل لذلك بايات من القرآن مصرحه بالزياده وبثبوتها يثبت المقابل فإن كل قابل للزياده قابل للنقصان ضرورة . اهــ
37 – جاء في أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل : … والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) … اهــ
38 – جاء في شرح السنة للبربهاري: والإيمان بأن الإيمان قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء. اهــ
39 – قال العثيمين:
جميع الأعمال مبنية على الإيمان فإذا لم يكن إيمان لم ينفعه عمل.
القول يكون بالقلب واللسان والفعل كذلك ، ذلك أن الإيمان مركب من أربعة أشياء : عقيدة القلب وعمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح ، كل هذه إيمان.
الإيمان هو عقيدة القلب ودليله قوله عليه الصلاة والسلام “الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ”
هذه عقيدة وتسمى قول القلب .
وأما عمل القلب فقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” الحياء من الإيمان” والحياء من أعمال القلوب.
ومن أعمال القلوب: الخوف والرجاء وما أشبه ذلك ، وقد قال الله تعالى: ” فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنينن”
والخوف محله القلب فهو من عمل القلب وسماه الله إيمانا .
أما قول اللسان فقد قال عليه الصلاة والسلام ” الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله …” فجعل القول من الإيمان .
وعمل الجوارح قال الله تعالى: “وما كان الله ليضيع إيمانكم” فسرها أهل العلم بأنها صلاتهم إلى بيت المقدس ، وقال عليه الصلاة والسلام ” الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” والإماطة فعل جوارح .
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة. اهــ
40 – جاء في شرح الأربعين للعباد:
الدليل على نقصان الإيمان
السؤال
توقف بعض أهل العلم في القول بنقص الإيمان، وحجته: أن أدلة زيادة الإيمان واضحة وبينة، لكن لم يأت دليل صريح على نقص الإيمان، فهل هناك دليل؟
الجواب
نعم، أولاً: من حيث المعنى: فإن ما يقبل الزيادة يقبل النقص.
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين) الحديث، وناقص الدين هو ناقص الإيمان، وهذا حديث واضح في هذا الأمر؛ فإن نقص الدين هو نفسه المقابل للزيادة، وأيضاً ما يقبل الزيادة يقبل النقص، ومن الأدلة حديث: (وذلك أضعف الإيمان). اهــ
====
====
41 – تلخيص لكتاب الشيخ عبدالرزاق البدر :زيادة الإيمان ونقصانة ، اقتصرت فقط بأدلة الكتاب والسنة مع بيان وجه الدلالة ومع اختيار بعض النقولات.
أدلة زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب
تنبيه على نقطة هامة قبل الشروع وهي:أن كل دليل دلّ على زيادة الإيمان فهو يدل على نقصانه، وكذا العكس.
قال ابن حجر في شرحه لهذا الباب:”.. ثم شرع المصنف يستدل لذلك بآيات من القرآن مصرحة بالزيادة، وبثبوتها يثبت المقابل، فإن كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة”.
وقال الكرماني مجيباً على ما قد يستشكل من:
استدلال البخاري بالآيات على الزيادة والنقصان معاً مع أنها نص في الزيادة فقط:”.. فإن قلت: هذه الآيات دلّت على الزيادة فقط، والمقصود بيان الزيادة والنقصان كليهما، قلت: كل ما قبل الزيادة لا بد وأن يكون قابلاً للنقصان ضرورة”.
أما النقول عن أهل العلم في هذا فكثيرة.
قال الإمام أحمد رحمه الله:”إن كان قبل زيادته- أي الإيمان- تاماً فكما يزيد كذا ينقص”.
وقال أبو محمد بن حزم في فِصَله: (فإذ قد وضح وجود الزيادة في الإيمان … فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد، لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد، وإذا كان ذلك فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة
وقال البيهقي بعد أن ذكر جملة من الآيات المصرحة بزيادة الإيمان:”فثبت بهذه الآيات أن الإيمان قابل للزيادة، وإذا كان قابلاً للزيادة فعدمت الزيادة كان عدمها نقصاناً”.
وجاء أيضا عن أبي الفضل التميمي في رسالته التي أملاها في ذكر معتقد الإمام أحمد.
وفيما يلي أسوق بعض ما جاء في كتاب الله من أدلة على زيادة الإيمان ونقصانه مع بيانها، وبيان وجه دلالتها على المقصود، وهي على أنواع:
أولاً- آيات فيها التصريح بزيادة الإيمان:
جاء في كتاب الله في ستة مواضع منه، التصريح بزيادة الإيمان، وذلك في قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ، وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ، وقوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} ، وقوله: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} ، وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} ، وقوله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} .
فهذه ستة مواضع من كتاب الله عز وجل صرح فيها سبحانه بزيادة الإيمان، وهذا من أوضح الأدلة وأظهرها على زيادة الإيمان، بل لا أدل منه على ذلك.
وقد استدل بهذه الآيات على زيادة الإيمان ونقصانه علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة.
قيل لسفيان بن عيينة الإيمان يزيد وينقص قال: أليس تقرأون: {فزادهم إيماناً} ، {وزدناهم هدى} في غير موضع، قيل: فينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص.
وعقد البخاري في صحيحه باباً في زيادة الإيمان ونقصانه أورد فيه بعض هذه الآيات.
قال ابن بطال عند شرحها:”مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصانه ما أورده البخاري من الآيات أي المصرحة بزيادة الإيمان ثم قال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص”.
وراجع ماجاء عن ابن كثير عند تفسيره للآية الثانية من سورة الأنفال:”..
وممن استدل بهذه الآيات من أهل العلم الآجري في الشريعة حيث عقد باباً في ذكر ما دل على زيادة الإيمان ونقصانه أورد فيه جملة من الأحاديث والآثار الدالة على ذلك ثم قال:”كل هذه الآثار تدل على
زيادة الإيمان ونقصه…
وعقد اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة باباً في سياق ما جاء في القرآن والسنة من أدلة على زيادة الإيمان ونقصانه أورد فيه جملة من هذه الآيات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:”والزيادة قد نطق بها القرآن في عدة آيات، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}
وقال ابن سعدي عند تفسيره لقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً}، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه كما قاله السلف الصالح ويدل عليه قوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} ، {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} ، ويدل عليه أيضاً الواقع فإن الإيمان قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور أعظم تفاوت”
وقال الألوسي عند تفسيره لقوله تعالى: {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} ،”وهذا أحد أدلة من ذهب إلى أن الإيمان يزيد وينقص…
ثانياً- آيات فيها التصريح بزيادة الهدى:
والهدى من الإيمان وقد جاء ذلك في القرآن في ثلاثة مواضع، وهي:
قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً} . وقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} ، وقوله في أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} .
فهذه الآيات فيها تصريح الحق سبحانه بزيادة الهدى، والهدى من الإيمان كما دل على ذلك كتاب الله في نحو قوله سبحانه: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} ، وقوله: {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ}، وقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} 1 وغيرها من الآيات.
ولهذا استدل أهل العلم بهذه الآيات على زيادة الإيمان ونقصانه. كما قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}:”واستدل بهذه الآية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله وأنه يزيد وينقص”.
وأيضا يرجع الى ما قاله ابن جرير الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً}
ثالثاً- إخباره سبحانه بزيادة الخشوع:
وذلك في موضع واحد من كتابه، وهو قوله تعالى في وصف الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}.
فإخباره سبحانه بزيادة الخشوع دليل على زيادة الإيمان، لأن الخشوع من الإيمان كما دلّ عليه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، وقوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أعمال القلوب مثل محبة الله ورسوله، وخشية الله تعالى ورجاؤه، ونحو ذلك، هي كلها من الإيمان، كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق السلف، وهذا يتفاضل الناس فيه تفاضلاً عظيماً”.
قال ابن جرير في بيان معنى {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} “أي: ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعاً، يعني خضوعاً لأمر الله وطاعته، واستكانة له”.
وقال ابن كثير:”أي: إيماناً وتسليماً كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} “.
رابعاً- إخباره سبحانه بتفضيله بعض المؤمنين على بعض:
كما في قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} ، وقوله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ، وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} ، وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ، ونحوها من الآيات.
فهذه من أوضح الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهله فيه فبعضهم أقوى إيماناً من بعض، وتفضيل الله لهم وتمييزه بينهم إنما هو بإيمانهم وطاعتهم له لا بحسن صورهم أو كثرة أموالهم أو غير ذلك مما قد يكون معياراً للتفضيل عند الناس.
راجع كلام عظيم لابن بطة رحمه الله في إبانته بعد أن ذكر بعض هذه الآيات:
وقال أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين:”ومن قول أهل السنة أن الإيمان درجات ومنازل يتم ويزيد وينقص، ولولا ذلك استوى الناس فيه ولم يكن للسابق فضل على المسبوق، وبرحمة الله وبتمام الإيمان يدخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة يتفاضلون في الدرجات: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} 2، ومثل هذا في القرآن كثير”.
قال ابن عبد البر: (الإيمان مراتب بعضها فوق بعض، فليس الناقص فيه كالكامل)
خامساً- إخباره سبحانه بتفاضل درجات المؤمنين في الجنة:
فهذا مما يدل على زيادة الإيمان، فتفاضلهم في درجات الجنة سببه تفاضلهم في الإيمان، فمن كان إيمانه أشد وأقوى كان أعلى درجة وأرفع من غيره، قال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، وقال: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} ، وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ، وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وذكر بعض أوصافهما، ثم قال: {َمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ، وذكر بعض أوصافهما، وذكر سبحانه نحو هذا في سورة الواقعة، وجاء في السنة نحو هذا كثير، فهذا وأشباهه من أعظم الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه، وقد ميز الله بين درجات الجنة، وجعلها درجات بعضها أرفع من بعض، لأن المؤمنين ليسوا سواء في إيمانهم بالله، بل بعضهم أعظم وأشد وأقوى إيماناً من بعض .
قال ابن حبان رحمه الله:”فمن أتى بالإقرار الذي هو أعلى شعب الإيمان، ولم يدرك العمل ثم مات أدخل الجنة، ومن أتى بعد الإقرار من الأعمال قل أو كثر أدخل الجنة، جنة فوق تلك الجنة، لأن من كثر عمله علت درجاته وارتفعت، لا أن الكل من المسلمين يدخلون جنة واحدة، وإن تفاوتت أعمالهم وتباينت، لأنها
جنان كثيرة، لا جنة واحدة”.
وقال شيخ الإسلام:”فدرجة المؤمن القوي في الجنة أعلى وإن كان كل منهم كمَّل ما وجب عليه”.
وللشيخ حافظ حكمي في معارج القبول كلام جميل فليرجع اليه.
سادساً- إخباره سبحانه بإكمال الدين:
وذلك في قوله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}.
فهذه الآية تعد دليلاً واضحاً على زيادة الإيمان ونقصانه، وذلك لأن فيها التنصيص على إكمال الدين، وترك شيء من الكمال يعد نقصاً، وإذا ثبت النقص، فالنقص يستلزم حصول الزيادة..
وممن استدل بهذه الآية على زيادة الإيمان ونقصانه البخاري في صحيحه حيث عقد رحمه الله باباً في زيادة الأيمان ونقصانه أورد تحته ثلاث آيات منها هذه الآية، ثم أعقبها بقوله:”فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص”.
قال ابن حجر:”.. وأما الكمال فليس نصاً في الزيادة، بل هو مستلزم للنقص فقط، واستلزامه للنقص يستدعي قبوله للزيادة” وبهذا يظهر وجه استدلال البخاري بها.
واستدل بهذه الآية أيضاً أبو عبيد في كتاب الإيمان فقال:”فذكر الله جل ثناؤه إكمال الدين في هذه الآية، وإنما نزلت فيما يروى قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى وثمانين ليلة.. فلو كان الإيمان كاملاً بالإقرار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أول النبوة.. ما كان للكمال معنى، وكيف يكمل شيئاً قد استوعبه وأتى على آخره”.
وقال محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة بعد أن ذكر هذه الآية:”فأخبر الله تبارك أنه أكمل للمؤمنين دينهم في ذلك اليوم، ولو كان قبل ذلك اليوم مكملاً تاماً لم يكن لإكمال ما كمل وتم معنى”.
قال ابن بطال:”هذه الآية حجة في زيادة الإيمان ونقصانه: لأنها نزلت يوم كملت الفرائض والسنن واستقر الدين، وأراد الله عز وجل قبض نبيه فدلت هذه الآية أن كمال الدين إنما يحصل بتمام الشريعة فتصور كماله يقتضي تصور نقصانه”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:”فأكمل الله الدين بإيجابه لما أوجبه من الواجبات التي آخرها الحج، وتحريمه للمحرمات المذكورة في هذه الآية، هذا من جهة شرعه، ومن جهة الفعل الذي هو تقويته وإعانته ونصره، يئس الذين كفروا من ديننا، وحج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الإسلام، فلما أكملوا الدين قال عقب ذلك: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} إلى قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 1 فكان إحلاله الطيبات يوم أكمل الدين، فأكمله تحريماً وتحليلاً لمَّا أكملوه امتثالاً”.
وظاهر كلام شيخ الإسلام يدل على أنه يرى أن الآية دليل على تفاضل الإيمان في قلوب المؤمنين، يظهر هذا من قوله:”فلما أكملوا الدين”وقوله:”لما أكملوه امتثالاً”، والإكمال كما هو معلوم لا يكون إلا عن نقص، والنقص يقتضي قبول الزيادة.
وقال في شرحه للعقيدة الأصفهانية:”إن الإيمان الذي أوجبه الله تعالى يزيد شيئاً فشيئاً كما إن القرآن كان ينزل شيئاً فشيئاً، والدين يظهر شيئاً فشيئاً حتى أنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ … }.
فالآية ظاهرة الدلالة على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهله فيه، وقد اعترض على استدلال البخاري المتقدم بهذه الآية بأنه يلزم منه أن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان إيمانه ناقصاً.
فأجاب عن هذا الاعتراض القاضي أبو بكر ابن العربي، ونقله عنه الحافظ ابن حجر: (بأن النقص أمر نسبي، لكن منه ما يترتب عليه الذم ومنه ما لا يترتب، فالأول ما نقصه بالاختيار كمن علم وظائف الدين ثم تركها عمداً، والثاني ما نقصه بغير اختيار كمن لم يعلم أو لم يكلف، فهذا لا يذم بل يحمد من جهة إن كان قلبه مطمئناً بأنه لو زيد لقبل ولو كلف لعمل وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض”.
قال ابن حجر:”ومحصله أن النقص بالنسبة إليهم صوري نسبي، ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا نظير قول من يقول إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب التي قبله، ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملاً، وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكملية أمر نسبي كما تقرر”
سابعاً- إخباره عن طلب نبيه إبراهيم عليه السلام اطمئنان القلب:
وهذا زيادة في الإيمان، وذلك في قوله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي … }.
قال ابن بطة رحمه الله:”يريد لازداد إيماناًً إلى إيماني، بذلك جاء التفسير”.
قال سعيد بن جبير: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} :”ليزداد إيماني”.
وفي رواية:”أي: ازداد إيماناً مع إيماني”وفي رواية:”أي ليزداد يقيني”وهي ألفاظ متقاربة المعنى.
وقال مجاهد في تفسيرها:”أي: أزداد إيماناً إلى إيماني”وروى ابن جرير رحمه الله نحو هذا التفسير للآية عن جماعة من السلف منهم: الضحاك، وقتادة، والربيع بن أنس، وإبراهيم النخعي.
ولهذا احتج البخاري بها في صحيحه على زيادة الإيمان ونقصانه، فأوردها في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:”بني الإسلام على خمس” وهو قول وعمل ويزيد وينقص.
وقال الحليمي في المنهاج مبيناً وجه دلالة الآية على زيادة الإيمان ونقصانه:”ومعلوم أن طمأنينة القلب بصدق وعْد الله، أو بقدرته على ما أخبر أنه فاعله إيمان فإنما يسأل الله تعالى ما يزيده إيماناً على إيمان، فثبت بذلك أن الإيمان قابل للزيادة”.
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (وأما قوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى … } فمن أعظم الأدلة على تفاوت الإيمان ومراتبه حتى الأنبياء فهذا طلب الطمأنينة مع كونه مؤمناً، فإذا كان محتاجاً إلى الأدلة التي توجب له الطمأنينة فكيف بغيره”.
ثامناً- أمره سبحانه المؤمنين بالإيمان:
كما في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ … } الآية.
وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ … } الآية.
فهذا ظاهر في الدلالة على أن الإيمان يزيد، فالله سبحانه أمرهم بالإيمان بعد أن وصفهم به، ومراده سبحانه بذلك أن يستكثروا من الأعمال الصالحة ويزدادوا إيماناً وإخلاصاً ويقيناً.
قال ابن بطة في إبانته بعد أن أورد الآية دليلاً على زيادة الإيمان ونقصانه:”فلو لم يكونوا مؤمنين لما قال لهم يا أيها الذين آمنوا، وإنما أراد بقوله دوموا على أيمانكم وازدادوا إيماناً بالله وطاعته واستكثروا من الأعمال الصالحة التي تزيد في إيمانكم وازدادوا يقيناً وبصيرة ومعرفة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وقد يقول الناس بعضهم لبعض مثل ذلك في كل فعل يمتد ويحتمل الازدياد فيه، كقولك لرجل يأكل: كل ؛ تريد زد أكلك، ولرجل يمشي: امش ؛ تريد أسرع في مشيك، ولرجل يصلي أو يقرأ: صل أو أقرأ ؛ تريد زد في صلاتك.
ولما كان الإيمان له بداية بغير نهاية، والأعمال الصالحة والأقوال الخالصة تزيد المؤمن إيماناً جاز أن يقال: يا أيها المؤمن آمن، أي: ازدد في إيمانك، ولا يجوز أن يقال ذلك في الأفعال المتناهية التي لا زيادة على نهايتها، كما لا تقول للقائم قم، ولا لرجل رأيته جالساً اجلس، لأن ذلك فعل قد تناهى فلا مستزاد فيه فهذا يدل على زيادة الإيمان لأنه كلما ازداد بالله علماً وله طاعة ومنه خوفاً كان ذلك زائداً في إيمانه”:
وقال أبو عبيد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ … }:”فلولا أن هناك موضع مزيد، ما كان لأمره بالإيمان معنى”.
وقال ابن كثير في تفسيره:”يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه كما يقول المؤمن في كل صلاة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه”.
قلت: وهذا يوضح ما جاء عن السلف قولهم:”تعالوا بنا نؤمن ساعة”أي: نزدد إيماناً، وسيأتي قريباً إن شاء الله.
تاسعاً- تقسيمه سبحانه المؤمنين إلى ثلاث طبقات:
وذلك في قوله سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} ، ثم أخبر أنهم جميعاً في الجنة فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
فهذا فيه دلالة ظاهرة على زيادة الإيمان ونقصانه، قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدى رحمه الله:”ومن زيادته ونقصانه. أي: الإيمان: أن قسم المؤمنين إلى ثلاث طبقات: سابقون بالخيرات، وهم الذين أدوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات فهؤلاء هم المقربون، ومقتصدون وهم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات وظالمون لأنفسهم وهم الذين تجرأوا على بعض المحرمات وقصروا في بعض الواجبات مع بقاء أصل الإيمان معهم فهذا منا أكبر البراهين على زيادة الإيمان ونقصه، فما أعظم التفاوت بين! هؤلاء الطبقات”4.
وقال شارح العقيدة الواسطية:”ومن الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه أن الله قسم المؤمنين ثلاث طبقات……
عاشراً- أمره سبحانه بامتحان المؤمنات المهاجرات:
وذلك في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الآية.
استدل بهذه الآية على زيادة الإيمان ونقصانه أبو عبيد في كتابه الإيمان، فقال: ومما يبين لك تفاضله في القلب قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} .
ألست ترى أن ها هنا منزلاً دون منزل {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}.
حادي عشر- إثباته سبحانه في القرآن إسلاماً بلا إيمان:
وذلك في قوله: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
فهؤلاء الأعراب مسلمون، إلا أنهم لم يصلوا إلى درجة ما ادعوه وهو الإيمان، فلهذا نفاه الله عنهم وأثبت لهم الإسلام وحده.
قال شيخ الإسلام:”لم يأتوا بالإيمان الواجب، فنفى عنهم لذلك وإن كانوا مسلمين، معهم من الإيمان ما يثابون عليه”.
وقال ابن رجب:”وأما إذا نفي الإيمان عن أحد وأثبت له الإسلام كالأعراب الذين أخبر الله عنهم، فإنه ينتفي رسوخ الإيمان في القلب، وتثبت لهم المشاركة في أعمال الإسلام الظاهرة مع نوع إيمان يصحح لهم العمل، إذ لولا هذا القدر من الإيمان لم يكونوا مسلمين، وإنما نفى عنهم الإيمان لانتفاء ذوق حقائقه ونقص بعض واجباته وهذا مبني على أن التصديق القائم بالقلوب يتفاضل وهذا هو الصحيح … “.
ثاني عشر- إخباره سبحانه بأن الذنوب تذهب الإيمان شيئاً فشيئاً حتى يطبع على القلب ويختم عليه من كثرة الذنوب.
كما في قوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وبهذا جاء التفسير لهذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها قلبه، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال الله عز وجل: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وقد جاء تفسير الآية بذلك عن جمع من السلف: منهم حذيفة بن اليمان، وابن عمر، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم التيمي، وقتادة، وغيرهم.
——
أدلة زيادة الإيمان ونقصانه من السنة
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة فيها دلالة ظاهرة على زيادة الإيمان ونقصانه، بل إن بعضها فيه التصريح بذلك.
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن).
فالمراد بهذا الحديث نفي كمال الإيمان الواجب عمن اقترف هذه المعاصي وأنه”لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة، ومما يدل على هذا التأويل حديث أبي ذر وغيره:”من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق” ، وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على ألا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا، إلى آخره، ثم قال:”فمن وفى فأجره على الله ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته، ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه”.
فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصوا الإيمان إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولاً، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة”.
قال ابن عبد البر بعد أن ذكر حديث أبي هريرة:”لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن” وبين أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وهو مؤمن: أي مستكمل الإيمان، قال:”ولم يرد نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك، بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر إذا صلوا للقبلة وانتحلوا دعوة الإسلام من قرابتهم المؤمنين الذين آمنوا بتلك الأحوال.
ودلالة الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه ظاهرة مما- تقدم، فالمؤمن قد يرتكب هذه المعاصي فينقص إيمانه فيكون مؤمناً ناقص الإيمان، معه مطلق الإيمان وانتفى عنه الإيمان المطلق، فإذا تاب وأقلع عن هذه المعاصي زاد إيمانه. وقد احتج جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه، منهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله.
قال إسحاق بن إبراهيم: سألت أبا عبد الله عن الإيمان ونقصانه
قال: نقصانه قول النبي صلى الله عليه وسلم “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق وهو مؤمن” .
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:.”الإيمان قول وعمل يزبد وينقص وقال: الزيادة من العمل، وذكر النقصان إذا زنى وسرق.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي رحمه الله وسئل عن الإرجاء فقال: نحن نقول الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص إذا زنى وشرب الخمر نقص إيمانه.
وممن احتج به أبو داود فقد خرّجه في سننه في باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه وقال ابن القيم رحمه الله في تهذيبه للسنن بعد أن أضاف إلى هذا الحديث جملة من الأحاديث الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه:”وكل هذه النصوص صحيحة صريحة لا تحتمل التأويل في أن نفس الإيمان القائم بالقلب يقبل الزيادة والنقصان”.
واحتج به البيهقي فقد أخرجه في باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهل الإيمان في إيمانهم من كتابه الشعب ثم قال بعده:”وإنما أراد- والله تعالى أعلم-“وهو مؤمن”مطلق الإيمان، لكنه ناقص الإيمان بما ارتكب من الكبيرة، وترك الانزجار عنها، ولا يوجب ذلك تكفيراً بالله عز وجل..”واحتج به الخلال والآجري وابن بطة وابن مندةوغيرهم من أهل العلم.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.
ففي هذا الحديث”بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء، له أعلى وأدنى…
وقد استدل به الترمذي على زيادة الإيمان ونقصانه، فخرجه في باب”ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه”، من سننه.
وبوب له ابن حبان في صحيحه بقوله:”ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص” ثم ذكر حديث أبي هريرة.
وقال ابن مندة بعد ذكره لحديث الشعب في كتابه الإيمان:” والعباد يتفاضلون في الإيمان على قدر تعظيم الله في القلوب والإجلال له والمراقبة لله في السر والعلانية، وترك اعتقاد المعاصي، فمنها قيل الإيمان يزيد وينقص”.
وقال الخطابي:”وفي هذا الباب إثبات التفاضل في الإيمان، وتباين المؤمنين في درجاته”.
وقال صديق حسن خان بعد أن ذكر حديث الشعب:”وفي هذا دليل على أن الإيمان فيه أعلى وأدنى وإذا كان كذلك كان قابلاً للزيادة والنقصان”.
3- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لا إيمان لمن لا أمانة له” .
فهذا الحديث دليل على أن من لا أمانة له، فقد نقص فيه شيء من واجبات هذا الدين، فيذهب عنه كمال الإيمان الواجب وتمامه، ويكون بذلك مؤمناً ناقص الإيمان.
يوضح الاستدلال بهذا الحديث ويبينه ما جاء عن عروة بن الزبير رحمه الله أنه قال:”ما نقصت أمانة عبد قط إلا نقص إيمانه”، فنقص الأمانة في العبد دليل على نقص الإيمان وضعفه فيه.
ولهذا لما سئل الإمام أحمد رحمه الله مرة عن نقصان الإيمان احتج بهذا، قال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله وسئل عن نقص الإيمان فقال: حدثنا وكيع عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال:”ما انتقصت أمانة رجل إلا نقص إيمانه”.
4- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير وبخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير”.
فهذا الحديث، ومثله حديث الشفاعة الطويل ونحوهما من الأحاديث الدالة على أن القائلين”لا إله إلا الله”متفاوتون في إيمانهم، وأن منهم من يدخل النار بتفريطه وتقصيره في الطاعة إلا أنه لا يخلد فيها لوجود أصل الإيمان معه، فيها دلالة واضحة على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهل الإيمان فيه.
فلا يسوى في الإيمان بين من منعه إيمانه من دخول النار كلية، وبين من لم يمنعه إيمانه من دخولها لتفريطه وكثرة معاصيه، وكذلك لا يسوى بين من استوجبت له معاصيه أن يمكث فترة قصيرة في النار، وبين من استوجبت له أن يمكث فترة أطول.
فالحديث من أظهر الأدلة وأوضحها على زيادة الإيمان ونقصانه، وهو أحد أدلة أهل السنة والجماعة الكثيرة على زيادة الإيمان ونقصانه.
قال أبو بكر الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فنقول الإيمان يزيد وينقص فقال:”حديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك قوله”أخرجوا من في قلبه كذا، أخرجوا من كان في قلبه”فهذا يدل على ذلك”.
وقد احتج البخاري في جامعه الصحيح بهذا الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه، فخرجه في”باب زيادة الإيمان ونقصانه من كتاب الإيمان.
وكذلك احتج به ابن خزيمة في كتابه التوحيد ,ثم أورد بعض الأحاديث في الباب، منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقال البيهقي بعد أن ذكر الحديث وغيره محتجاً بها على زيادة الإيمان ونقصانه:”والأحاديث في … أن الإيمان يزيد وينقص سوى ما ذكرنا كثيرة”.
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:” … وأما الصحابة وأهل السنة والحديث فقالوا: إنه يزيد وينقص، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:”يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان”.
واحتج به الذهبي في السير وابن القيم كما في تهذيبه لسنن أبي داود.
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم بعد هذا الحديث:”وفي هذا الحديث دلالة لمذهب السلف وأهل السنة ومن وافقهم من المتكلمين في أن الإيمان يزيد وينقص، ونظائره في الكتاب والسنة كثيرة”.
5- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً”.
فهذا الحديث فيه دلالة على أن حسن الخلق من الإيمان، وأن المسلم كلما ازداد منه زاد إيمانه وارتقى إلى الكمال، وأن النقص منه نقص من الإيمان، فهو يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بحسن الخلق وينقص بنقصه، كما أنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
قال ابن عبد البر:”ومعلوم أنه لا يكون هذا أكمل، حتى يكون غيره أنقص”.
وقد احتج بهذا الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه أبو داود، فخرجه في”باب زيادة الإيمان ونقصانه”. والترمذي فخرجه في”باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه”، من سننهما.
وقال الحليمي:”فدل هذا القول على أن حسن الخلق إيمان، وأن عدمه نقصان إيمان، وأن المؤمنين متفاوتون في إيمانهم، فبعضهم أكمل إيماناً من بعض”.
وقال شيخ الإسلام:”والإيمان عندهم- أي أهل السنة- يتفاضل،لأن الترك هنا تكليف، وإن كانت مع ذلك توصف بنقص الدين.
7- حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:”مَن أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان”.
فالحديث بهذا من أوضح الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه، لتفاوت الناس في عمل القلب وعمل الجوارح المذكورين في الحديث تفاوتاً عظيماً، بل إن الفرد المسلم تختلف أحواله من وقت لآخر من جهة القيام بهذه الأعمال.
ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:”فقد استكمل الإيمان” ظاهر الدلالة على زيادة الإيمان ونقصانه، لأن الاستكمال لا يكون إلا عن نقص، وإذا ثبت النقص فإنه مستلزم للزيادة. فالإيمان يزيد حتى يصل إلى درجة الكمال، وينقص حتى لا يبقى منه شيء.
وقد احتج أبو داود في سننه بهذا الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه فخرجه في”باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه”، وكذا البيهقي في كتاب الاعتقاد ثم قال بعد أن ذكره مع غيره من الأحاديث الدالة على ذلك:”والأحاديث في … أن الإيمان يزيد وينقص سوى ما ذكرنا كثيرة، وفيما ذكرنا هنا كفاية).
8- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول: (إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)
فقد أفاد هذا الحديث أن الناس متفاضلون في معرفة الله وتقواه وهما من أعظم أعمال الإيمان، وأن أفضل الناس وأتقاهم لله عز وجل وأعظمهم معرفة به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودلالة الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه واضحة، لأن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وتقوى له ازداد إيماناً.
قال ابن حجر في شرحه للحديث:”وفيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: “أنا أعلمكم بالله” ظاهر في أن العلم بالله درجات، وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض، وأن النبي صلى الله عليه وسلم منه في أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلق بذلك فهذا هو الإيمان حقاً”.
وقد بوب البخاري لهذا الحديث في كتاب الإيمان من صحيحه بـ”باب قول النبي صلى الله عليه وسلم”وأنا أعلمكم بالله”وأن المعرفة فعل القلب”.
واستدل لذلك بقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ، ومراده من هذا أن يبرهن على أن الإيمان لا يتم بالقول وحده، بل لا بد من ضم الاعتقاد إليه، والإعتقاد فعل القلب.
ومثل هذا الحديث في الدلالة حديث أبي ذر رضي لله عنه القدسي الطويل وفيه قال الله تعالى “يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً”…. الحديث.
9- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.
بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مراتب إنكار المنكر، وأنه حسب الاستطاعة فإما أن يغير باليد أو باللسان أو بالقلب، بمعنى يكرهه بقلبه، وهذه المراتب الثلاث للإنكار يقوم بها المكلف على قدر استطاعته، ولا شك أن المرتبة الأخيرة باستطاعة جميع المكلفين، فمن رأى المنكر ولم يكرهه بقلبه وهو يعلم أنه منكر فإن هذا يكون علامة على ضعف إيمانه.
وما من شك في أن المكلفين متفاضلون في القيام بهذه المراتب، فمنهم من ينكر بيده، ومنهم من ينكر بلسانه، ومنهم من ينكر بقلبه، فمن أنكر بيده فهو أفضل ممن أنكر بلسانه، ومن أنكر بلسانه فهو أفضل ممن أنكر بقلبه فقط.
وقد احتج بهذا الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهله فيه النسائيُ في سننه فبوب له بـ”باب تفاضل أهل الإيمان”. وابن منده في كتابه الإيمان فقال:”ذكر خبر يدل على أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالأركان يزيد وينقص” ثم ذكر حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
وبوب له النووي في شرحه لمسلم بـ”باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص … “.
ومثل هذا الحديث في الدلالة حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”.
تنبيه : قلت سيف : هذا الحديث أنكره الإمام أحمد .
فدلالة هذا الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه ظاهرة كسابقه، إذ فيه ذكر مراتب الإنكار الثلاث، وأن أضعفها مرتبة الإنكار بالقلب التي ليس وراءها من الإيمان حبة خردل.
قال ابن منده:”ذكر خبر يدل على أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى في قلب العبد مثقال حبة خردل، وأن المجاهدة بالقلب واللسان واليد من الإيمان”2 ثم ذكر هذا الحديث.
وفي الحديث فائدتان ليستا في الذي قبله: إحداهما: تصريحه بأن هذه المراتب الثلاث للإنكار من الإيمان، والثانية: إخباره بأنه ليس وراء المرتبة الأخيرة من الإنكار حبة خردل من إيمان.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم “وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل” المراد به أنه لم يبق بعد هذه المراتب الثلاث للإنكار ما يكون داخلاً في مسمى الإيمان حتى يقوم به المؤمن، بل إن الإنكار القلبي هو آخر حدود الإيمان، وليس المراد نفى أصل الإيمان عن من لم ينكر المنكر، ولهذا قال في الحديث “ليس وراء ذلك”؛”أي: ليس وراء هذه الثلاث ما هو من الإيمان، ولا قدر حبة خردل. والمعنى: هذا آخر حدود الإيمان، ما بقي بعد هذا من الإيمان شيء، ليس مراده أنه من لم يفعل ذلك لم يبق معه من الإيمان شيء”.
10- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من اقتنى كلباً إلا كلب حاشية أو ضارياً1 نقص من عمله كل يوم قيراطان”.
فهذا الحديث فيه دلالة على نقص العمل بارتكاب المعاصي، فاقتناء الكلب لغير ما جاء في الشرع جواز اقتنائه له معصية تنقص الأجر، ومن ثم تضعف الإيمان.
قال ابن حجر:”وفي الحديث الحث على تكثير الأعمال الصالحة، والتحذير من العمل بما ينقصها، والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها، لتجتنب أو ترتكب … “.
فالحديث دلالته ظاهرة على زيادة الإيمان ونقصانه، وأن الإيمان يزيد بالأعمال الصالحة، وينقص بالمعاصي.
ولهذا احتج به ابن أبي زمنين على ذلك فخرجه في”باب زيادة الإيمان ونقصانه”من كتابه أصول السنة.
11- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض على عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله قال: الدين”.
فالحديث يدل على أن الناس يتفاوتون في الدين، قوة وضعفاً، زيادة ونقصاً.
وقد خرج البخاري الحديث في صحيحه في”باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال”قال ابن حجر مبيناً مطابقة الحديث للترجمة:”ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القميص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون في لبسها فدل على أنهم متفاضلون في الإيمان”.
وخرجه النسائي في”باب زيادة الإيمان” من سننه، ومطابقته للترجمة ظاهرة مما تقدم، والله أعلم.
12- حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه قال:”أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس فترك رجلاً هو أعجبهم إليَّ فقلت: يارسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً. فقال أو مسلماً، فسكت قليلاً، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي فقلت: مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال: أو مسلماً، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه خشية أن يكبه الله في النار”.
قال ابن رجب:”وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما قال له”لم تعط فلاناً وهو مؤمن”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم”أو مسلم”يشير إلى أنه لم يتحقق مقام الإيمان فإنما هو مقام الإسلام الظاهر، ولا ريب أنه متى ضعف الإيمان الباطن لزم منه ضعف أعمال الجوارح الظاهرة أيضاً”.
فدل الحديث على أن الدين مراتب متفاوتة ومقامات مختلفة وأن الناس متفاضلون فيه، فمنهم المؤمن ومنهم المسلم، وما هذا التفاضل بينهم فيه إلا لأنه يزيد وينقص.
وقد خرّج أبو داود هذا الحديث في سننه في”باب زيادة الإيمان ونقصانه” محتجاً به، ودلالته على الترجمة ظاهرة لما دلّ عليه من التفاوت في مراتب الدين، وكل هذا يرجع إلى زيادة الإيمان ونقصانه، وقوته وضعفه.
13- حديث علي وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”ملىء عمار إيماناً إلى مشاشه”.
فوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لعمار بأنه ملىء إيماناً، يدل على أن الإيمان يزيد حتى يمتلىء المسلم به، ويدل أيضاً على أن المؤمنين يتفاضلون في الإيمان فمن امتلأ بالإيمان خير ممن كان إيمانه ناقصاً ضعيفاً …
فالحديث فيه حجة لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، في أن في الإيمان يزيد وبنقص، وأن أهله متفاضلون فيه.
وقد احتج به النسائي في سننه على تفاضل المؤمنين فأخرجه في”باب تفاضل أهل الإيمان”ومطابقته للترجمة ظاهرة مما تقدم.
14- حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، قالوا: من هم يا رسول الله، قال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون”.
هذا الحديث دليل قوي لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة في الإيمان أنه يزيد وينقص. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:” … وفي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة كفاية فإنه من أعظم الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه، لأنه وصفهم بقوة الإيمان وزيادته في تلك الخصال التي تدل على قوة إيمانهم وتوكلهم على الله في أمورهم كلها”.
15- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان”.
قال النووي:”والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها ونحو ذلك.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:”وفي كلى خير” فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات” فمن قام بأوامر الله وامتثلها، وكمّل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وكمل غيره بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فهو المؤمن القوي الذي حاز أعلى مراتب الإيمان، ومن لم يصل إلى هذه المرتبة فهو المؤمن الضعيف.
16- حديث حنظلة الأسدي رضي الله عنه قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال: أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات”.
فقول حنظلة رضي الله عنه”نافق حنظلة”لا يلزم منه وقوع النفاق فيه، لأن ذلك وقع منه على سبيل المبالغة والورع والتقوى وقوة المراقبة وشدة الخوف، كما هو شأن باقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي مليكة رحمه الله:”أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل”.
17- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” .
فقد أطلق الشارع الحكيم هنا على قتال المسلم كفراً، مع أن الاقتتال بين المسلمين لا يخرج من الملة، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا … }، وقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}.
ففي الآية الأولى وصف الله الطائفتين بالإيمان حال اقتتالهما، وسمى في الآية الثانية القاتل أخاً للمقتول والمراد الأخوة الإيمانية، فدل ذلك على أن القتل وإن سماه الشارع كفراً فإنه لا يخرج من الملة، فهو كفر دون كفر.
وما من شك في أن القاتل لأخيه قد ارتكب إثماً عظيماً، وعرض نفسه لوعيد شديد، بيّنه الله في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
فإذا تبين عظم هذا الذنب وشدة خطره، ثم هو مع ذلك لا يخرج فاعله من الدين، تبين أن فاعله قد نقص أجره بهذا العمل وضعف دينه فأصبح بذلك مؤمناً ناقص الإيمان، ومن هنا يتبين وجه دلالة الحديث على زيادة الأيمان ونقصانه.
وفي الحديث وجه آخر يدل على زيادة الإيمان ونقصانه، في قوله صلى الله عليه وسلم:”سباب المسلم فسوق”، حيث أن سب المسلم جرم يفسق به صاحبه، والفسق نقص في الإيمان.
ولهذا قال المناوي في شرحه للحديث.”وفيه.. أن الإيمان ينقص ويزيد لأن الساب إذا فسق نقص إيمانه وخرج عن الطاعة فضره ذنبه..”.
18- حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:”أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله” .
فهذا الحديث يدل على أن الإيمان مراتب بعضها أوثق من بعض وأن أوثق مراتبه الحب في الله والبغض في الله.
قال ابن عبد البر بعد أن ساق هذا الحديث”.. وهو يدل على أن بعض الإيمان أوثق عروة وأكمل من بعض.
19- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه”.
قد يتوهم بعض من قرأ هذا الحديث أن فيه دلالة على أن مرتكب الكبيرة يكفر، ويخرج من الدين، ويسلب الإيمان بالكلية، ويظن أن هذا هو الظاهر والمتبادر من الحديث. فينحى بفهمه هذا منحى الخوارج والمعتزلة في إخراجهم مرتكب الكبيرة من الدين، وتخليده في النار.
مع أن الحديث لا دلالة فيه على هذا بل إن ظاهر الحديث المتبادر لا يدل عليه قال شيخ الإسلام:”.. ولا هو أيضاً ظاهر الحديث، لأن قوله:”خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة”دليل على أن الإيمان لا يفارقه بالكلية فإن الظلة تظلل صاحبها وهي متعلقة ومرتبطة به نوع ارتباط.
وقال صاحب مرعاة المفاتيح:”وفيه إشارة إلى أنه وإن خالف حكم الإيمان فإنه تحت ظله، لا يزول عنه حكم الإيمان ولا يرتفع عنه اسمه”.
ولهذا فإن من الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة والجماعة أن من زنى أو ارتكب أي كبيرة من الكبائر لا يسلب منه اسم الإيمان المطلق، ولا يعطى أيضاً اسم الإيمان المطلق، بل يقال: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن عاص، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ويقال: ليس بمؤمن حقاً، أوليس بصادق الإيمان. أما تكفير مرتكب الكبيرة وإخراجه من الدين فهذا ليس من عقيدة أهل السنة والجماعة في شيء، بل ليس في ظواهر نصوص الكتاب والسنة ما يدل على هذا القول ويؤيده، ومن فهم من النصوص شيئاً من ذلك فقد أتي من سوء فهمه وجهله.
فالحديث ليس فيه أي دليل لما ذهب إليه هؤلاء، بل هو دليل لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن المعاصي تنقص الإيمان وتضعفه، فالزاني لم يعدم الإيمان الذي به يستحق ألا يخلد في النار، وبه ترجى له الشفاعة والمغفرة، وبه يستحق المناكحة والموارثة، لكن عَدِم الإيمان الذي به يستحق النجاة من العذاب ويستحق به تكفير السيئات وقبول الطاعات وكرامة الله ومثوبته، وبه يستحق أن يكون محموداً مرضياً”1 وهذا هو ظاهر الحديث الذي يليق به.
ولهذا أخرجه أبو داود في باب زيادة الإيمان ونقصانه من سننه، محتجاً به على ذلك، والحجة فيه ظاهرة.
20- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم”.
فهدا من أوضح الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف في قلب المرء المسلم، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، أي: يبلى ويضعف ويدخله النقص من جراء ما قد يقع فيه المرء من معاص وآثام تذهب جدة الإيمان وحيويته وقوته، لهذا أرشد عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلى تعاهد الإيمان والعمل على تقويته وسؤال الله تعالى دائماً الإيمان والثبات عليه، قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.
ففي هدا أببن دلالة على أن الإيمان الذي في القلب يقبل التفاوت ويزيد تارة ويقص أخرى، والأعمال الظاهرة تبع له فإن زاد زادت وإن نقص نقصت، فهل يقال- بعد هذا- إن الإيمان على هيئة واحدة لا يقبل زيادة ولا نقصاناً.
انتهى تلخيص لكتاب الشيخ عبدالرزاق البدر :زيادة الإيمان ونقصانة .( سيف بن غدير )
وردت كذلك آثار عن السلف تدل على نقص الإيمان:
منها
ما أخرجه عبدالرزاق في مصنفه
30352 – حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال لغلمانه: «من أراد منكم الباءة زوجناه، فلا يزني منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان، فإن شاء أن يرده، وإن شاء أن يمنعه إياه منعه»
ومنها ما أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى:
971 – حدثنا محمد بن بكر , قال: نا أبو داود , قال: نا عبد الوهاب بن نجدة , ومحمد بن مهران , قالا: نا بقية , عن صفوان بن عمرو , عن شريح بن عبيد الحضرمي , أن عمر بن الخطاب , قال: ” إنما الإيمان بمنزلة القميص يتقمصه مرة , وينزعه أخرى
===
===
42 – شبهه وردها :
قالوا مما يدل على أن العمل خارج عن مسمى الإيمان حديث (لم يعمل خيرا قط) وحديث البطاقة
والجواب على هذا من أوجه:
1_ قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار:
وأما قوله لم يعمل حسنة قط وقد روي لم يعمل خيرا قط أنه لم يعذبه إلا
ما عدا التوحيد من الحسنات والخير بدليل حديث أبي رافع المذكور وهذا شائع في لسان العرب أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض وقد يقول العرب لم يفعل كذا قط يريد الأكثر من فعله ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لا يضع عصاه عن عاتقه يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه وقد فسرنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا اهـ.
2 – وقال الإمام القاسم بن سلام في كتابه الإيمان: فإن قال قائل : كيف يجوز أن يقال : ليس بمؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه ؟ قيل : هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله ، إذا كان عمله على غير حقيقته ، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله : ما صنعت شيئا ولا عملت عملا ، وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد ، لا على الصنعة نفسها ، فهو عندهم عامل بالاسم ، وغير عامل في الإتقان حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا ، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى ، فيقال : ما هو بولد ، وهم يعلمون أنه ابن صلبه ثم يقال مثله في الأخ ، والزوجة ، والمملوك (33)
3 – قال إمام أهل السنة ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد: ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل : لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال ، لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي ” انتهى (2/732)
4 _ قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: وأما ما جاء في الحديث أن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط ، فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه ، وإنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل ، أو لغير ذلك من المعاني التي تتفق مع مقاصد الشريعة…
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ اهـ (2/133)
5 _ قال الوالد العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله:
فهذا الذي جاء في بعض الأحاديث: أنه ما عمل خيراً قط قد يكون عمل أشياء ولكنها ذهبت لمن يستحقها من الدائنين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ ثم قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم وطرح عليه، ثم طرح في النار)، فتكون عنده أعمال ولكنها ذهبت لغيره اهـ. (شرح سنن أبي داود)
6- قال ابن تيمية : ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها ، وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحتج في ذلك إلى الإستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم. …..وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل ، لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق ، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها إما في دلالة الألفاظ وإما في المعاني المعقولة ولا يتأملون بيان الله ورسوله .
فإنها يعني – هذه المقدمات – تكون ضلالا ومثَّل لذلك بالمرجئة وأنهم قالوا الإيمان في اللغة التصديق وقالوا والتصديق إنما يكون بالقلب واللسان أو بالقلب فالأعمال ليست من الإيمان .
ثم بين أن الإيمان ليس مرادفا للتصديق .
وقولهم أن التصديق لا يكون إلا بالقلب او اللسان عنه جوابان :
المنع ، بل الأفعال تسمى تصديقا وذكر حديث العينان تزنيان وزناهما النظر. … والفرج يصدق ذلك أو يكذبه
ولو قلنا أصله التصديق فهو تصديق مخصوص . وهذا التصديق له لوازم في مسماه عند الإطلاق فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم ….. مجموع الفتاوى 7/118
7 – قال حرب الكرماني : وسمعت إسحاق أيضًا يقول: أول من تكلم بالإرجاء زعموا أن الحسن بن محمد بن الحنفية، ثم غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قومًا يقولون: من ترك المكتوبات، صوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها إنا لا نكفره يرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم، ثم هم أصناف، منهم من يقول: نحن مؤمنون البتة، ولا يقول عند الله، ويرون الإيمان قولًا وعملًا، وهؤلاء أمثلهم، وقوم يقولون: الإيمان قول ويصدقه العمل، وليس العمل من الإيمان، ولكن العمل فريضة والإيمان هو القول، ويقولون: حسناتنا متقبلة، ونحن مؤمنون عند الله، وإيماننا وإيمان جبريل واحد. فهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث أنهم المرجئة التي لعنت على لسان الأنبياء. مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ؛ رواية حرب الكرماني ص 377
8 – نقولات لأهل العلم غير ما سبق : .
:
قال الإمام الطبري عند تفسير قوله تعالى في أول البقرة (الذين يؤمنون بالغيب)
ومعنى الإيمان عند العرب التصديق، فيدعى المصدق بالشيء قولا مؤمنا به، ويدعى المصدق قوله بفعله مؤمنا ، ومن ذلك قول الله جل ثناؤه (وما أنت بمؤمن لنا واو كنّا صادقين) يعني وما أنت بمصدق لنا في قولنا، وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل، وإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بنأويل الآية وأشبه بصفة القوم أن يكونوا موصوفين بالتصديق بالغيب، قولا، واعتقادا، وعملا. تفسير الطبري ١٠١/١ عند تفسير الآية الثالثة من سورة البقرة
العلامة الالباني في الصحيحة ٣٠٥٤ ذكر أن المصر على ترك الصلاة حتى يعرض على السيف ويبقى مصرا فإنه يقتل ردة
9 – نُقِلَت إجماعات للأئمة أن العمل جزء لا يصح الإيمان إلا به : الإمام الشافعي قال : وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر. شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللاكائي 5/956 . ومجموع الفتاوى 7/209 . وعزوه للشافعي في الأم.
الإمام الحميدي، ت: 219هـ، حيث قال: (وأخبرت أن قوما يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه، إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر بالله الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين، قال الله عز وجل: وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] قال حنبل: قال أبو عبدالله أو سمعته يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به) .
– الإمام الآجري، ت: 360هـ، حيث قال: (بل نقول– والحمد لله– قولا يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم، وقد تقدم ذكرنا لهم: إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة، لا يجزئ بعضها عن بعض، والحمد لله على ذلك) .
أبو طالب المكي، ت: 386هـ، حيث قال: وأيضا: فإن الأمة مجمعة أن العبد لو آمن بجميع ما ذكرناه من عقود القلب في حديث جبريل عليه السلام من وصف الإيمان، ولم يعمل بما ذكرناه من وصف الإسلام بأعمال الجوارح، لا يسمى مؤمنا، وأنه إن عمل بجميع ما وصف به الإسلام ثم لم يعتقد ما وصفه من الإيمان، أنه لا يكون مسلما. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة) .
وقال قبل هذا، يوضح مراده- وسيأتي نقل أكثره- ومن ذلك قوله: (ومن كان ظاهره أعمال الإسلام، (و)لا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة. ومن كان عقده الإيمان بالغيب، (و)لا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام، فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد) .
– الإمام ابن بطة العكبري، ت: 387هـ، حيث قال: (باب بيان الإيمان وفرضه وأنه: تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات، لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث.
قال الشيخ: اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه وبكل ما جاءت به السنة، وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا، وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال، لا تجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها.
شيخ الإسلام ابن تيمية، ت: 728هـ، : (وأيضا فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، كما دل عليه الكتاب والسنة و أجمع عليه السلف، وعلى ما هو مقرر في موضعه، فالقول تصديق الرسول، والعمل تصديق القول، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا…..
تنبيه 1 :
و ابن حجر لما قال في العمل شرط كمال : فكأنه يريد بقوله شرط كمال ؛ أفراد العمل حتى لا يوافقوا مذهب الخوارج في جعل فرد العمل ركن او شرط صحة ؛
بزوال بعض الأفراد يذهب الإيمان كله.
وراجع ما سبق نقله عن ابن رجب وابن كثير
والعلماء لا يريدون بكلمة الشرط هنا ، الشرط المعروف الذي يكون خارج عن ماهية الشيء
ومن أهل العلم من قد يطلق أن العمل ركن ويريدون بذلك لابد من وجود أصل العمل لصحة الإيمان.
ولا يريدون بذلك كل عمل ركن والا كان موافقا لعقيدة الخوارج
وكذلك حديث حذيفة : فيمن لا يعرف ما صلاة ولا زكاة وتنفعهم لا إله إلا الله.
فيمكن توجيهه بكلام للشيخ صالح الفوزان أن العمل من الإيمان إلا المعذور أو من ضاق عليه الوقت .
فهؤلاء يعذرون لأن هذا الذي بلغهم
تنبيه 2 :
لكن لا نبدع أهل السنة ونرميهم بالارجاء :
7 – سأل الشيخ الفوزان : هل من لا يكفر تارك الصلاة مرجئ؟
الـســـــؤال
س: هل من يقول بإن الإيمان يزيد وينقص ويرى الإستثناء في الإيمان ويرى أن الأعمال داخله في مُسمَّى الإيمان لكنه لا يرى تكفير تارك الصلاة فهل يُقال أنّه مُرجئ؟؟
ج: لا ما يُقال أنّه مُرجئ
لإنَّ تارك الصلاة إن كان جاحداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع
أمّا إن كان متكاسلاً وهو يعترف بوجوبها قد اختلف العلماء في تكفيره
لكن لا يُعدُّ هذا من المرجئة ، لا يُعدُّ من المرجئة،
لإن هذه المسألة خلافية . انتهى باختصار
وقد رد العلماء على الحدادية الذين يبدعون العلماء مستغلين زلاتهم أو ما كان محتملا من كلامهم .
تنبيه 3 : لو التزمنا بالالفاظ المعروفة الواردة عن السلف أولى وأدق