فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا ) .
———-”———”——–”
المطلب الخامس : النهي عن أعمال تتعلق بالقبور :
الكلام عن منع زيارة القبور ثم نسخ ذلك والإذن
ثم الكلام على
1. النهي عن قول الهجر
2 . الذبح والنحر عند القبور
3.4.5.6.7. رفعها زيادة على التراب الخارج منها ، وتجصيصها ، والكتابة عليها ، والبناء عليها ، والقعود عليها .
8. الصلاة إلى القبور وعندها .
9. بناء المساجد عليها.
10. اتخاذها عيدا .
11. شد الرحال اليها.
“””””””””””””””””””””””””
زيارة القبور
[ الزيارة في أول الأمر كانت منهية ]
زيارة القبور نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر دفعاً للشرك، فلما رسخ الإيمان في قلوب الناس أمر بها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) وفي لفظٍ: (تذكر الموت) فإذا زار الإنسان القبور فليزرها متعظاً لا عاطفة، فبعض الناس يزور قبر أبيه أو قبر أمه عاطفة وحناناً ومحبة، وهذا وإن كان من طبيعة البشر، لكن الأولى أن تزورها للعلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام وهي تذكر الآخرة وتذكر الموت، هؤلاء الذين في القبور الآن هم كانوا بالأمس مثلك على ظهر الأرض والآن أصبحوا ببطنها مرتهنين بأعمالهم، لا يملكون زيادة حسنة ولا إزالة سيئة، فتذكر، وهل بينك وبين هذه الحال مدى معلوم؟ هل بينك وبين أن تكون في القبر مدى معلوم؟ لا. لأنك لا تدري متى يفجئوك الموت، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يوشك أن يأتيني داع الله فأجيب). الإنسان لا يدري متى يموت، فإذاً: تذكر يا أخي! تذكر، أليس من الناس من خرج لعمل حاملاً حقيبته، ورجع محمولاً ميتاً؟! أليس كذلك؟ فنقول: تذكر الموت وتذكر الآخرة فهذا هو المطلوب من زيارة القبور. [ جلسات وفتاوى ].
تُسَنُّ زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ بِدُونِ سَفَرٍ , لِخَبَرِ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا } رواه مسلم . [ الموسوعة الفقهية الكويتية] .
وفي رواية لأبي داود: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة) قال الشيخ الألباني: صحيح .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) رواه مسلم .
[ الحكمة من الزيارة ]
قال العلامة ابن باز رحمه الله : والمقصود من الزيارة الدعاء لهم، الدعاء للميتين بالمغفرة والرحمة، وذكر الآخرة وذكر الموت، والتأهب لذلك، هذا المقصود، ومن آدابها أنه لا يصلي عند القبور ولا يجلس عندها للدعاء والقراءة، وإنما يسلم بخشوع ورغبة في الآخرة، وخوف من عذاب الله، وقصد علاج قلبه حتى لا يموت، إذا تذكر الموت والقبور صار هذا أدعى لاستعداده للآخرة، وألين للقلب، يذكر الموت ويذكر الآخرة، ويذكر جمع الناس يوم القيامة، فيلين قلبه، فزيارة القبور تلين القلوب، وتذكرها بالآخرة وبالموت، فيكون ذلك من أسباب الاستعداد والحذر من الركون إلى الدنيا.
فصل: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيارة القبور
كان إذا زار قبور أصحابه يزورُها للدعاء لهم، والترحُّم عليهم، والاستغفارِ لهم، وهذه هي الزيارةُ التي سنها لأمته، وشرعَها لهم، وأمرهم أن يقُولوا إذا زارُوها: “السَّلامُ عَليكُم أَهْلَ الدِّيار مِنَ المُؤمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وإنَّا إن شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُون، نَسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُم العَافِيَةَ”.
وكان هديُه أن يقولَ ويفعلَ عند زيارتها، مِن جنس ما يقولُه عند الصلاة على الميت، من الدِعاءِ والترحُّمِ، والاستغفار. فَأبَى المشركون إلا دعاءَ الميت والإِشراك به، والإِقسامَ على الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجُّهَ إليه، بعكس هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهديُ هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجبَ وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هديَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابِه، تبيَّن له الفرقُ بين الأمرين وبالله التوفيق. [ زاد المعاد ( 1/ 526-527)].
[المقصود الشرعي من زيارة القبور ]
فالزيارة للقبور التي شرعها الرسول هي من جنس الصلاة على الجنائز، سواء كان الداعي فاضلا أو مفضولا.
فليس المقصود بها الخضوع للميت والتواضع له كما يقصد بتصديق الأنبياء وطاعتهم، ولا شرعت لكون المزور ذا جاه عند الله ومنزلة، بل هي مشروعة في حق كل مؤمن. وجائز أيضا زيارة قبر الكافر لتذكر الموت. [ الإخنائية ( 60) ]
أقسام الزيارة:
قال ابن تيمية رحمه الله: أما زيارة القبور: فهي على وجهين: شرعية، وبدعية.
فالشرعية: مثل الصلاة على الجنازة، والمقصود بها الدعاء للميت كما يقصد بذلك الصلاة على جنازته. كما {كان النبي صلى الله عليهوسلم يزور أهل البقيع، ويزور شهداء أحد، ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم}. وهكذا كل ما فيه دعاء للمؤمنين من الأنبياء وغيرهم: كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام. كما في الصحيح عنه أنه قال: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا: مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة. وما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام}.
وأما الزيارة البدعية: وهي زيارة أهل الشرك، من جنس زيارة النصارى الذي يقصدون دعاء الميت، والاستعانة به، وطلب الحوائج عنده، فيصلون عند قبره، ويدعون به، فهذا ونحوه لم يفعله أحد من الصحابة، ولا أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا استحبه أحد من سلف الأمة، وأئمتها، بل قد سد النبي صلى الله عليه وسلم باب الشرك. في الصحيح أنه قال في مرض موته: {لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما فعلوا}. قالت عائشة – رضي الله عنها – ولولا ذلك لأبرز قبره لكن كره أن يتخذ مسجدا. وقال قبل أن يموت بخمس: {إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك}.
فالزيارة الأولى من جنس عبادة الله، والإحسان إلى خلق الله، وذلك من جنس الزكاة التي أمر الله بها. والثاني: من جنس الإشراك بالله، والظلم في حق الله، وحق عباده. [ الفتاوى الكبرى ( 3/ 39-40)].
[ هذا الظن واقع عند كثير من العوام ]
قال ابن تيمية رحمه الله : ومن هؤلاء من يظن أن القبر إذا كان في مدينة أو قرية فإنهم ببركته يرزقون وينصرون، وأنه يندفع عنهم الأعداء والبلاء بسببه. ويقولون عمن يعظّمونه: إنه خفير البلد الفلاني، كما يقولون: السيدة نفيسة خفيرة مصر القاهرة، وفلان وفلان خفراء دمشق أو غيرها، وفلان خفير حرّان أو غيرها، وفلان وفلان خفراء بغداد أو غيرها.
ويظنون أن البلاء يندفع عن هذه المدائن والقرى بمن عندهم من قبور الصالحين أو الأنبياء. ثم قد يكون في البلد من قبور الصحابة والتابعين من هو أفضل من ذلك الذي جعلوه خفيرا، كما أن فيهم من الصحابة والتابعين وغيرهم من هو أفضل من نفيسة بكثير. [ الإخنائية ( 62) ].
[ ضابط الزيارة ]
فكل زيارة تتضمن فعل ما نهى عنه وترك ما أمر به – كالتي تتضمن الجزع وقول الهجر وترك الصبر أو تتضمن الشرك ودعاء غير الله وترك إخلاص الدين لله – فهي منهي عنها . [ مجموع الفتاوى ( 27/ 380) ].
هل للدعاء عند القبور مزية على الدعاء في غير ذلك المكان؟
الجواب: لا. ومن قصد القبور ليدعو الله عندها فقد ابتدع وأخطأ؛ لأن أقرب مكانٍ يجاب فيه الدعاء هو المساجد، بيوت الله، أما القبور فلا. [ جلسات وفتاوى للعلامة ابن عثيمين رحمه الله ].
قال النووي رحمه الله في (المجموع) (5/ 310): والهجر: الكلام الباطل، وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الاسلام، وتمهدت أحكامه، واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة، واحتاط صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولا تقولوا هجرا).
قلت: ولا يخفي أن ما يفعله العامة وغيرهم عند الزيارة من دعاء الميت والاستغاثة به وسوال الله بحقه.
لهو من أكبر الهجر والقول الباطل، فعلى العلماء أن يبينوا لهم حكم الله في ذلك، ويفهموهم الزيارة المشروعة والغاية منها. [ احكام الجنائز ( 179) ].
[ قراءة القرآن على القبر ]
قال في (الاختيارات العملية) (ص 53) (والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر فإنها تستحب ب (ياسين)).
قلت ( الألباني): لكن حديث قراءة ياسين ضعيف كما تقدم (ص 11) والاستحباب حكم شرعي، ولا يثبت بالحديث الضعيف كما هو معلوم من كلام ابن تيمية نفسه في بعض مصناته وغيرها. [ أحكام الجنائز ( ص 192)].
الذبح عند القبور :
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}1.
أمره الله تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله, ويذبحون له. أي: أنه أخلص لله صلاته وذبيحته, لأن المشركين يعبدون الأصنام ويذبحون لها, فأمر الله تعالى بمخالفتهم, والانحراف عما هم فيه والانقياد بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى, فمن تقرب لغير الله تعالى ليدفع عنه ضيرا, أو يجلب له خيرا, تعظيما له, من الكفر الاعتقادي والشرك الذي كان عليه الأولون.
وسبب مشروعية التسمية وتخصيص مثل هذه الأمور العظام بالإله الحق المعبود العلام, فإذا قصد بالذبح غيره كان أولى بالمنع. [المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية للامام محمد بن عبدالوهاب ( 224)].
ومن اعتقد أن الذبح عند القبر أفضل أو الصلاة أو الصدقة فهو ضال مخالف لإجماع المسلمين . [ المستدرك على مجموع الفتاوى ( 3/ 201)].
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/ 266): وأما الذبح ( عند القبر) هناك فمنهي عنه مطلقا، ذكره أصحابنا وغيرهم. لما روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عقر في الإسلام» . رواه أحمد وأبو داود، وزاد: قال عبد الرزاق: ” كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة ” قال أحمد في رواية المروزي: ” قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا عقر في الإسلام» كانوا إذا مات لهم الميت نحروا جزورا على قبره، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكره أبو عبد الله أكل لحمه.
قال أصحابنا: وفي معنى هذا ما يفعله كثير من أهل زماننا في التصدق عند القبر بخبز أو نحوه. فهذه أنواع العبادات البدنية، أو المالية، أو المركبة منهما.
بناء المساجد على القبور:
قال رسول الله صلى الله عليه : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » متفق على صحته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى ( 27/ 160) : قد ذكر الشافعي وغيره النهي عن اتخاذ المساجد على القبور وعلل ذلك بخشية التشبه بذلك. وقد نص على النهي عن بناء المساجد على القبور غير واحد من علماء المذاهب؛ من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ومن فقهاء الكوفة أيضا وصرح غير واحد منهم بتحريم ذلك وهذا لا ريب فيه بعد لعن النبي صلى الله عليه وسلم ومبالغته في النهي عن ذلك. واتخاذها مساجد يتناول شيئين: أن يبني عليها مسجدا أو يصلي عندها من غير بناء وهو الذي خافه هو وخافته الصحابة إذا دفنوه بارزا: خافوا أن يصلى عنده فيتخذ قبره مسجدا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإخنائية ( 160): فمقابر الأنبياء والصالحين لا يجوز اتخاذها مساجد بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفاق أئمة المسلمين على ذلك.
للحافظ ابن رجب توجيه جيد، وتوفيق سديد بين معنى هذه الآية، والأحاديث التي فيها لعن اليهود والنصارى، بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. قال رحمه الله: “وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث – يعني حديث لعن اليهود – وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} . فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى” فتح الباري في شرح صحيح البخاري. (65/280) ، من الكواكب الدراري – نقلاً عن المحدث الكبير الشيخ ناصر الدين الألباني. تحذير الساجد (ص 71)
مسألة : هل يهدم القبر في المسجد أم العكس ؟
قال العلامة ابن باز رحمه الله : أما إن كان القبر جديدا ودفن في المسجد، والمسجد قبله قديم فإنه ينبش القبر ويخرج ويدفن مع المقابر، ولا يكون في المسجد بل يجب أن ينبش وأن ينقل رفاته إلى المقابر العامة، ويبقى المسجد سليما يصلى فيه، أما إن كان القبر هو القديم، وبني المسجد عليه فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بقاؤه، يجب على رؤساء الدول الإسلامية المسؤولين أن يقوموا بهذا الواجب، وأن يمنعوا الناس من الشرك، من دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، هذا شرك أكبر، وبناء المساجد على القبور بدعة، ومن أسباب الشرك. [ نور على الدرب ( 14/ 89)].
[البناء علي القبور وتجصيصها و القعود عليها و الكتابة عليه ]
عن جابر «نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» رواه مسلم الحديث دليل على تحريم الثلاثة المذكورة؛ لأنه الأصل في النهي. سبل السلام للصنعاني.
قال النووي على شرح مسلم ( 7/ 27): وفي هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عيه وتحريم القعود والمراد بالقعود الجلوس عليه هذا مذهب الشافعي وجمهور العلماء وقال مالك في الموطأ المراد بالقعود الجلوس ومما يوضحه الرواية المذكورة بعد هذا لا تجلسوا على القبور وفي الرواية الأخرى (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) قال أصحابنا تجصيص القبر مكروه والقعود عليه حرام.
قلت ( الألباني) : وهذا خلاف ظاهر النهي فإن الاصل فيه التحريم، فالحق ما قاله ابن حزم في (المحلى) (5/ 33):
(ولا يحل أن يبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يزاد على ترابه شئ ويهدم كل ذلك). [ أحكام الجنائز ( 204)].
قال العلامة ابن باز رحمه الله : البناء على القبور لا يجوز مطلقا، بل ذلك من أسباب الشرك، ومن فظائع الشرك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » وثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه » فلا يجوز البناء عليه، لا قبة ولا حجرة ولا مسجد، ولا غير ذلك، ولا يقعد عليه ولا يجصص، ولا يجعل عليه الستور والأطياب، كل هذا منكر ومن وسائل الشرك، فالواجب الحذر من ذلك، والواجب على المسلمين في كل مكان أن يحذروا هذا العمل السيئ الذي انتشر في بلاد كثيرة وفي مدن كثيرة. [ فتاوى نور على الدرب ( 14/ 88) بعناية الشويعر ].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : وكذلك البناء عليه فالتجصيص حرام والبناء أشد حرمة والكتابة عليه فيها تفصيل
الكتابة التي لا يرد بها إلا إثبات الاسم للدلالة على القبر فهذه لا بأس بها وأما الكتابة التي تشبه ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب اسم الشخص ويكتب الثناء عليه وأنه فعل كذا وكذا وغيره من المديح أو تكتب الأبيات..
فهذا حرام ومن هذا ما يفعله بعض الجهال أنه يكتب على الحجر الموضوع على القبر سورة الفاتحة مثلا..
أو غيرها من الآيات فكل هذا حرام وعلى من رآه في المقبرة أن يزيل هذا الحجر لأن هذا من المنكر الذي يجب تغييره والله الموفق. [ شرح رياض الصالحين ( 6/ 521-522)]
المشي على القبور
قال ابن عثيمين رحمه الله : المشي على القبور لا يجوز؛ لأن فيه إهانة للميت. [ مجمع فتاوى ورسائل العثيمين ( 17/ 202)].
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم خلع الحذاء عند الدخول إلى المقبرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشي بين القبور بالنعال خلاف السنة، والأفضل للإنسان أن يخلع نعليه إذا مشى بين القبور إلا لحاجة، إما أن يكون في المقبرة شوك، أو شدة حرارة، أو حصى يؤذي الرجل فلا بأس به، أي يلبس الحذاء ويمشي به بين القبور. [ مجمع فتاوى ورسائل العثيمين ( 17/ 202)].
[رفع القبر شبرا ]
قَال: كُنَّا مَعَ فَضَالةَ بْنِ عُبَيدِ بِأرْضِ الرُّومِ. بِرُودِسَ. فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا. فَأَمَرَ فَضَالةُ بْنُ عُبَيدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ. ثُمَّ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَأْمُرُ بِتَسْويَتِهَا. رواه داود
قال النووي فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذه الآثار لا تضاد بينها والأمر بتسوية القبور إنما هو تسويتها بالأرض وأن لا ترفع مشرفة عالية وهذا لا يناقض تسنيمها شيئا يسيرا عن الأرض.
قال العلامة الألباني رحمه الله: ثم إن الظاهر من حديث فضالة (كان يأمرنا بتسوية القبور) تسويتها بالارض بحيث لا ترفع إطلاقا، وهذا الظاهر غير مراد قطعا، بدليل أن السنة الرفع قدر شبر كما مرت الاشارة إليه سابقا، ويؤيد هذا من الحديث نفسه قول فضالة (خففوا) أي التراب، فلم يأمر بإزالة التراب عنه بالكلية، وبهذا فسره العلماء انظر (المرقاة) (2/ 372). أحكام الجنائز ( 209).
اتخاذها عيدا
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني).
أخرجه أبو داود (1/ 319) وأحمد (2/ 367) بإسناد حسن، وهو على شرط مسلم، وهو صحيح مما له من طرق وشواهد. [ الالباني ].
قال الطيبي في شرح المشكاة : وأقول: بيان نظم الحديث أن يقال: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، معناه لا تجعلوا بيوتكم كالقبور الخالية عن ذكر الله تعالي وعبادته، لأنها غير صالحة لها، وكذلك لا تجعلوا القبور كالبيوت محلا للاعتياد لحوائجكم، ومكاناً للعبادة والصلاة، أو مرجعاً للسرور والزينة كالعيد.
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ( 323): ووجه الدلالة أن قبر النبي صلى الله عليه و سلم أفضل قبر على وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيدا فقبر غيره أولى النهي كائنا من كان ثم قرن ذلك بقوله صلى الله عليه و سلم ولا تتخذوا بيوتكم قبورا أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور فأمر بتحري العبادة في البيوت ونهى عن تحريها عند القبور وهذا عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم.
ثم قال : والعيد إذا جعل اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة عنده أو لغير العبادة كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها الله عيدا مثابة للناس يجتمعون فيها وينتابونها للدعاء والذكر والنسك وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها فلما جاء الإسلام محا الله ذلك كله
وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبورا لهم بتقدير كونها قبورا لهم بل وسائر القبور أيضا داخلة في هذا.
[ شد الرحال ]
قال ابن تيمية في الاقتضاء ( 339-340): وأصل هذا: أن المساجد التي تشد إليها الرحال، هي المساجد الثلاثة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» وقد روي هذا من وجوه أخرى، وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم، فتُلُقِّي بالقبول عنه.
فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف، من الأعمال الصالحة. وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم، حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة، ولا يشرع شد الرحال إليه.
و قال ابن تيمية في الإخنائية ( 460): فمن قال إنه يستحب شد الرحال إلى غير الثلاثة -كزيارة القبور- فهذا هو الذي خالف الإجماع بلا ريب مع مخالفته للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ممن خالف الرسول والمؤمنين واتبع غير سبيلهم، لكن إذا لم يكن قد تبين له الهدى وعرف ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون لم يكفر، فإن الله إنما ألحق الوعيد بمن شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين، فقد توعده بأنه يوليه ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرًا.
ومن قال إن السفر إلى غير الثلاثة -كزيارة القبور- مستحب، فقد خالف الرسول صلى الله عليه وسلم وخالف علماء أمته.
والخلاصة: إن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة، هو الذي يجب المصير إليه، فلا جرم اختاره كبار العلماء المحققين المعروفين باستقلالهم في الفهم، وتعمقهم في الفقه عن الله ورسوله أمثال شيخي الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى، فإن لهم البحوث والكثيرة النافعة في هذه المسألة الهامة، ومن هؤلاء الافاضل الشيخ ولي الله الدهلوي، ومن كلامه في ذلك ما قال في (الحجة البالغة) (1/ 192): (كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها، وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فسد صلى الله عليه وسلم الفساد، لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله، والحق عندي أن القبر، ومحل عبادة ولي من الأولياء والطور كل ذلك سواء في النهي).
ومما يحسن التنبيه عليه في خاتمة هذا البحث أنه لا يدخل في النهي السفر للتجارة وطلب العلم، فإن السفر إنما هو لطلب تلك الحاجة حيث كانت لا لخصوص المكان، وكذلك السفر لزيارة الاخ في الله فإنه هو المقصود كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية في (الفتاوي) (2/ 186). [ احكام الجنائز للعلامة الالباني رحمه الله ( 231) ].
الصلاة الى القبور و عندها
عن أنس(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور).
قال في (المجمع) (2/ 27) (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح).
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا).
أخرجه البخاري (1/ 420) ومسلم (2/ 187) وأحمد (رقم 4511، 4653، 6045)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة). أخرجه مسلم.
قال العلامة الألباني رحمه الله: وقد دل الحديث وما ذكر معه على كراهة الصلاة في المقبرة، وهي للتحريم لظاهر النهي في بعضها، وذهب بعض العلماء إلى بطلان الصلاة فيها لان النهي يدل على فساد النهي عنه، وهو قول ابن حزم، واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية، والشوكاني في (نيل الاوطار) (2/ 112)، وروى ابن حزم (4/ 27 – 28) عن الامام أحمد أنه قال: (من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا) ثم إن كراهة الصلاة في المقبرة تشمل كل مكان منها سواء كان القبر أمام المصلي أو خلفه أو عن يمينه، أو عن يساره، لان النهي مطلق، ومن المقرر في علم الاصول أن المطلق يجرى على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده، ولم يرد هنا شئ من ذلك، وقد صرح بما ذكرنا بعض فقهاء الحنفية وغيرهم كما يأتي، فقال شيخ الاسلام ابن تيمية في (الاختبارات العلمية) (ص 25): (ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة، لانه لا يتناوله اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا.
وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر. [ أحكام الجنائز ( 214- 215)].
قال ابن رجب في الفتح ( 2/ 404): واستدل من رخص في صلاة الجنازة في المقبرة : بان الصلاة على القبر جائزة بالسنة الصحيحة ، فعلم أن الصلاة على الميت في القبور غير منهي عنها .
قال المناوي في فيض القدير: (نهى عن الصلاة إلى القبور) تحذيرا لأمته أن يعظموا قبره أو قبر غيره من الأولياء فربما تغالوا فعبدوه فنهى أمته عنه غيرة عليهم من ركونهم إلى غير الله فيتأكد الحذر لما فيه من المفاسد التي منها إيذاء أصحابها فإنهم يتأذون بالفعل عند قبورهم من اتخاذها مساجد وإيقاد السرج فيها ويكرهونه غاية الكراهة كما كان المسيح يكره ما يفعله النصارى معه.
الصلاة عندها
قال ابن تيمية : ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور الصدقة وغيرها.. ” الفتاوى الكبرى ” ( ج ٥/ ٣٦٢-٣٦٤).