عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——–
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سعد مَوْلَى بَنِي هـاشِمٍ، حَدَّثَنَا حُجْرُ بْنُ خَلَفٍ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جُنَيْدَ بْنَ سَبُعٍ يَقُولُ: قَاتَلْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ النَّهَارِ كَافِرًا، وَقَاتَلْتُ مَعَهُ آخِرَ النَّهَارِ مُسْلِمًا، وَفِينَا نَزَلَتْ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ قَالَ: كُنَّا تِسْعَةَ نَفَرٍ سَبْعَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي جُمُعَةَ جُنَيْدِ بْنِ سَبُعٍ فَذَكَرَهُ، وَالصَّوَابُ أَبُو جَعْفَرٍ حَبِيبُ بْنُ سِبَاعٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُجْرِ بْنِ خَلَفٍ بِهِ: وَقَالَ: كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة، وَفِينَا نَزَلَتْ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ
قال سيف وصاحبه: على شرط المتمم على الذيل
وعبدالله بن عوف الشامي ولي خراج فلسطين لعمر بن عبد العزيز
ووثقه ابن شاهين والعجلي.
والحديث ذكره ابن كثير في تفسير سورة الفتح.
-_-_-_-_-
يرفع الله – تعالى – العذاب عن بعض الناس بسبب بعض، وذلك انتفاع بعمل الغير
قال الطبري في التفسير (22/ 249): وقوله (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يقول تعالى ذكره: ولولا رجال من أهل الإيمان ونساء منهم أيها المؤمنون بالله أن تطئوهم بخيلكم ورجلكم لم تعلموهم بمكة، وقد حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم فتقتلوهم.
قال ابن كثير في التفسير (7/ 344): وقوله: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} أي: بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل؛ ولهذا قال: {لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة} أي: إثم وغرامة {بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء} أي: يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام.
ثم قال: {لو تزيلوا} أي: لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم {لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} أي: لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلا ذريعا.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/ 285): والتقدير: ولو أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم لأذن الله لكم في دخول مكة، ولسلطكم عليهم، ولكنا صنا من كان فيها يكتم إيمانه. وقال الضحاك: لولا من في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا أن تطؤوا آباءهم فتهلك أبناؤهم.
قال العلامة الشنقيطي: {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: لو يتميز بعضهم عن بعض، فتميز المشركون عن ضعفاء المسلمين الكائنين فيهم لعذبناهم عذابًا شديدًا، فرفع الله عنهم العذاب لوجود ضعفاء المسلمين الكائنين بين أظهرهم. العذب النمير (4/ 586).
قال ابن تيمية: أن الله – تعالى – قال لنبيه: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} وقال – تعالى -: {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ. .} فقد رفع الله – تعالى – العذاب عن بعض الناس بسبب بعض، وذلك انتفاع بعمل الغير. اسباب رفع العقوبة 47
قال ابن تيمية كما في المجموع (11/ 114): فلولا الضعفاء المؤمنون الذين كانوا بمكة بين ظهراني الكفار عذب الله الكفار: وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم {لولا ما في البيوت من النساء والذراري لأمرت بالصلاة فتقام ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم} وكذلك ترك رجم الحامل حتى تضع جنينها. وقد قال المسيح عليه السلام {وجعلني مباركا أين ما كنت} فبركات أولياء الله الصالحين باعتبار نفعهم للخلق بدعائهم إلى طاعة الله وبدعائهم للخلق وبما ينزل الله من الرحمة ويدفع من العذاب بسببهم حق موجود فمن أراد بالبركة هذا وكان صادقا فقوله حق.
قال أبو عمر ذفي التمهيد (16/ 144 – 146): من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الغارة على المشركين صباحا وليلا وبه عمل الخلفاء الراشدون وروى جندب بن مكيث الجهني قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي ثم أحد بني خالد بن عوف في سرية كنت فيهم وأمرهم أن تشن الغارة على بني الملوح بالكديد قال فشننا عليهم الغارة ليلا ومعلوم أن الغارة يتلف فيها من دنا أجله مسلما كان أو مشركا وطفلا وامرأة ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) الآية ونهيه عن قتل النساء والولدان من الغارة وهذا عندي محمول على أن الغارة إنما كانت والله أعلم في حصن ببلد لا مسلم فيه في الأغلب، وأما الأطفال من المشركين في الغارة فقد جاء فيهم حديث الصعب بن جثامة وهو حديث ثابت صحيح حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم منهم) قال وكان عمرو بن دينار يقول: هم من آبائهم. قال الزهري: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان.
قال أبو عمر جعل الزهري حديث الصعب بن جثامة منوسخا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان وغيره يجعله محكما غير منسوخ ولكنه مخصوص بالغارة وترك القصد إلى قتلهم فيكون النهي حينئذ يتوجه إلى من قصد قتلهم وأما من قصد قتل آبائهم على ما أمر به من ذلك فأصابهم وهو لا يريدهم فليس ممن توجه إليه الخطاب بالنهي عن قتلهم على مثل تلك الحال ومن جهة النظر لا يجب أن يتوجه النهي إلا إلى القاصد لأن الفاعل لا يستحق اسم الفعل حقيقة دون مجاز إلا بالقصد والنية والإرادة ألا ترى أنه لو وجب عليه فعل شيء ففعله وهو لا يريده ولا ينويه ولا يقصده ولا يذكره هل كان ذلك يجزي عنه من فعله أو يسمى فاعلا له وهذا أصل جسيم في الفقه فافهمه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (من آبائهم) فمعناه حكمهم حكم آبائهم لا دية فيهم ولا كفارة ولا إثم فيهم أيضا لمن لم يقصد إلى قتلهم وأما أحكام أطفال المشركين في الآخرة فليس من هذا الباب في شيء وقد اختلف العلماء في حكم أطفال المشركين في الآخرة وقد ذكرنا اختلافهم واختلاف الآثار في ذلك في باب أبي الزناد من كتابنا هذا والحمد لله.