عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
20 – باب في الدلالة على خيروالدعاء إلى هدى أو ضلال.
قَالَ تَعَالَى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [القصص: 87] وَقالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] وَقالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران:104].
178 – وعن أَبِي مسعودٍ عُقبَةَ بْن عمْرٍو الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلهُ مثلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ” رواه مسلم.
——–
قوله (باب في الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلال.) قال ابن علان:” الدلالة: بتثليث الدال المهملة والأفصح الفتح” (دليل الفالحين)
قال ابن عثيمين:” الدلالة على الخير هي أن يبين الإنسان للناس الخير الذي ينتفعون به في أمور دينهم ودنياهم، ومن دل على خير فهو كفاعله، أما الدعوة إليه فهي أخص من الدلالة؛ لأن الإنسان قد يدل فيبين ولا يدعو، فإذا دعا كان هذا أكمل وأفضل، والإنسان مأمور بالدعوة إلى الخير أي: الدعوة إلى الله عز وجل” (شرح رياض الصالحين)
الآية الأولى: قَالَ تَعَالَى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [القصص: 87] قال البغوي: أي ” إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ،” (تفسير البغوي)
قال ابن كثير ْ: إِلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،” (تفسير ابن كثير)
قال الشوكاني:” أيِ: ادْعُ النّاسَ إلى اللَّهِ وإلى تَوْحِيدِهِ، والعَمَلِ بِفَرائِضِهِ واجْتِنابِ مَعاصِيهِ ” (فتح القدير)
قال بن علان:” أي: ادع الناس إلى ربك بتوحيده وعبادته. وفيها الأمر بالدعاء سواء أسمع أم لا. ” (دليل الفالحين)
قال السعدي:” أي اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك، فكل ما خالف ذلك فارفضه، من رياء، أو سمعة، أو موافقة أغراض أهل الباطل، فإن ذلك داع إلى الكون معهم، ومساعدتهم على أمرهم” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” الإنسان ينبغي له أن يكون داعياً إلى الله ولكن لا يمكن أن تتم الدعوة إلا بعلم الإنسان بما يدعو … ليس بشرط أن يكون الإنسان عالماً متبحراً في كل شيء، بل لنفرض أنك تريد أن تدعو الناس إلى أقام الصلاة، فإذا فقهت أحكام الصلاة وعرفتها جيداً فادع إليها ولو كنت لا تعرف غيرها من أبواب العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية). (شرح الرياض الصالحين)
الآية الثانية: وَقالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]
قال الطبري:” يقول تعالى ذكره لنبيه محمد {ادْعُ} يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته {إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام {بِالْحِكْمَةِ} يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك وكتابه الذي ينزله عليك {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} يقول: وبالعبر الجميلة التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه، وذكّرهم بها في تنزيله، كالتي عدّد عليهم في هذه السورة من حججه، وذكّرهم فيها ما ذكرهم من آلائه. (تفسير الطبري)
قال القرطبي:” فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ- هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فِي وَقْتِ الْأَمْرِ بِمُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ بِتَلَطُّفٍ وَلِينٍ دُونَ مُخَاشَنَةٍ وَتَعْنِيفٍ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُوعَظَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (تفسير القرطبي)
قال السعدي: {بِالْحِكْمَةِ} أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.
ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.
إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به.
وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان [المدعو] يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.
ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” سبيل الله هي دينه وشريعته التي شرعها الله لعباده، وأضافها إلى نفسه لسببين:
السبب الأول: أنه هو الذي وضعها عز وجل للعباد، ودلهم عليها.
السبب الثاني: أنها موصلة إليه، فلا شيء يوصل إلى الله إلا سبيل الله التي شرعها لعباده على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم.
قال أيضا:” الحكمة أن تضع الأشياء في مواضعها، وتنزل الناس في منازلهم، فلا تخاطب الناس بخطاب واحد، ولا تدعوهم بكيفية واحدة، بل أجعل لكل إنسان ما يليق به.
فلابد أن يكون الإنسان على علم بحال من يدعوه؛ لأن المدعو له حالات: إما أن يكون جاهلاً، أو معانداً مستكبراً، أو يكون قابلاً للحق ولكنه قد خفي عليه مجتهداً متأولاً، فلكل إنسان ما يليق به.” (شرح الرياض)
الآية الثالثة: وَقالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]
قال ابن كثير:” وَقَوْلُهُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} يَامُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَهُوَ الْبَرُّ، وَتَرْكِ الْمُنْكِرَاتِ وَهُوَ التَّقْوَى، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التناصر على الباطل، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ.” (تفسير ابن كثير)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:” نَدَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى التَّعَاوُنِ بِالْبِرِّ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ، لِأَنَّ فِي التَّقْوَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْبِرِّ رِضَا النَّاسِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَا النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ.” (تفسير القرطبي)
الآية الرابعة: وَقالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران:104].
قال السعدي:” أي: وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله {أمة} أي: جماعة {يدعون إلى الخير} وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه” (تفسير السعدي)
قال ابن علان:” فيه إشارة إلى أن الدعاة إلى الحق والخير أفضل للأمة ولذا ميزهم بالذكر، وفي قوله: و «منكم» إشارة إلى أنه لا يكون سائر الناس في رتبة بل يتفاوتون، إذ يكون العالم والأعلم والفاضل والأفضل.” (دليل الفالحين)
وقال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) (آل عمران: 104).
قال ابن عثيمين:” الأمة بمعنى الطائفة، وترد الأمة في القرآن الكريم على أربعة معان: أمة بمعنى الطائفة، وأمة بمعنى الملة، أمة بمعنى السنين، وأمة بمعنى القدوة، فمن الطائفة هذه الآية (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي طائفة (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ….. ) (آل عمران: 104) إلى آخره.
والأمة بمعنى الملة مثل قوله تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) (المؤمنون: 52) أي دينكم دين واحد.
والأمة بمعنى السنين مثل قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (يوسف: 45) أي بعد زمن.
والأمة بمعنى القدوة والإمام مثل قوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً) (النحل: 120)
فقوله هنا (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) اللام في قوله (وَلْتَكُنْ) للأمر، ” ومن” في قوله: (مِنْكُمْ) فيها قولان لأهل العلم: منهم من قال إنها للتبعيض، ومنهم من قال إنها لبيان الجنس، فعلى القول الأول يكون الأمر هنا أمراً كفائياً، أي أنه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين؛ لأنه قال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) يعني بعض منكم يدعون إلى الخير، وقوله: (وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: 104)، المعروف: ما عرفه الشرع وأقره، المنكر: ما أنكره ونهى عنه، فإذاً يكون الأمر بالمعروف هو الأمر بطاعة الله، والنهي عن المنكر هو النهي عن معصية الله، فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
لكن لابد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شروط هي:
الشرط الأول: أن يكون الآمر أنه الناهي عالماً بأن هذا معروف يأمر به، وهذا منكر ينهى عنه، … والطريق إلى معرفة ذلك الكتاب والسنة فقط، وإجماع الأمة، أو القياس الصحيح، وإجماع الأمة والقياس الصحيح كلاهما مستند إلى الكتاب والسنة.
الشرط الثاني: أن يعلم بوقوع المنكر من الشخص المدعو، أو بتركه للمعروف، فإن كان لا يعلم فإنه يرجم الناس بالغيب، مثلا ذلك: لو أن رجلاً دخل المسجد وجلس، فإن الذي تقتضيه الحكمة أن يسأله: لماذا جلس ولم يصل؟ ولا ينهاه أو يزجره، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فجلس، فقال له: ” أصليت” قال: لا، قال: ” قم فصل ركعتين”، فلم يزجره حين ترك الصلاة؛ لأنه يحتمل أن يكون صلى والنبي عليه الصلاة والسلام لم يره.
الشرط الثالث: أن لا يتحول المنكر إذا نهى عنه إلى ما هو أنكر منه وأعظم، إن سب آلهة المشركين وشعائر المشركين وغيرهم من الكفار الكتابيين أمر مطلوب شرعاً، ولكن إذا كان يؤدى إلى شيء أعظم منه نُكْراً فإنه يُنهى عنه، يقول الله عزّ وجلّ (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني الأصنام لا تسبوها (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: 108) يعني عدواناً منهم بغير علم.
وقال آيضا:” ومن آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وليس من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- أن يكون الإنسان أول فاعل للمعروف وأول منته عن المنكر، بمعنى أنه لا يأمر بالمعروف ثم لا يفعله، أو لا ينه عن المنكر ثم يقع فيه لأن هذا داخل في قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ { } كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ { } وفي الحديث الصحيح: ” إنه يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه”، يعني أمعاءه، وتندلق: ينعى تتفجر: ” فيدور عليها كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع إليه أهل النار ويقولون له: ما لك يا فلان ألست تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر. فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه ”
ذكر أن ابن الجوزي- رحمه الله- الواعظ المشهور: جاءه ذات يوم عبد رقيق، فقال له: يا سيدي، إن سيدي يتعبني، ويشق علي ويأمرني بأشياء ما أطيقها، فلعلك تعظ الناس وتحثهم على العتق فيُعتقني، فقال: نعم أفعل فبقي جمعة أو جمعتين أو ما شاء الله ولم يتكلم عن العتق بشيء، فجاء إليه العبد، وقال له: يا سيدي أنا قلت لك تكلم عن العتق منذ زمن، ولم تتكلم إلى الآن، قال: نعم، لأني لست أملك عبداً فأعتقه، ولا أحب أن أحث على العتق وأنا لم أعتق- سبحان الله- فلما منّ الله عليّ بعبد وأعتقته صار لي مجال أن أتكلم في العتق، ثم تكلم يوماً من الأيام عن العتق فأثر ذلك نفوس الناس فأعتق الرجل عبده.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
178 – وعن أَبِي مسعودٍ عُقبَةَ بْن عمْرٍو الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلهُ مثلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ” رواه مسلم.
قال النووي:” والمراد بمثل أجر فاعله: أن له ثوابا بذلك الفعل كما أن لفاعله ثوابا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء.” (شرح النووي)
قال الأتيوبي:” ما قاله النووي من عدم تساوي ثوابهما فيه نظر لا يخفى؛ إذ لا دليل على ذلك، بل ظواهر النصوص تدل على التساوي” (البحر المحيط الثجاج)
قال القرطبي:” قال – رحمه الله -: ظاهر هذا اللفظ: أن للدال من الأجر ما يساوي أجر الفاعل المنفق، وقد ورد مثل هذا في الشرع كثيرا، كقوله: “من قال مثل ما يقول المؤذن، كان له مثل أجره”، وكقوله فيمن توضأ، وخرج إلى الصلاة، فوجد الناس قد صلوا: “أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها، وصلاها”، وهو ظاهر قوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100]، وهذا المعنى يمكن أن يقال به، ويصار إليه بدليل أن الثواب على الأعمال إنما هو تفضل من الله تعالى، فيهبه لمن يشاء على أي شيء صدر عنه، وبدليل أن النية هي أصل الأعمال، فإذا صحت في فعل طاعة، فعجز عنها لمانع منع منها فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل، أو يزيد عليه … ” (المفهم)
قال النووي:” فيه: فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله، وفيه: فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات، لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم ” (شرح مسلم)
قال المناوي رحمه الله:
” إن جميع حسناتنا وأعمالنا الصالحة، وعبادات كل مسلم: مسطرة في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم، زيادةَ على ما له من الأجر، ويحصل له من الأجور بعدد أمته أضعافا مضاعفة لا تحصى، يقصر العقل عن إدراكها؛ لأن كل مُهْدٍ ودالٍّ وعالمٍ: يحصل له أجر إلى يوم القيامة، يتجدد لشيخه في الهداية مثل ذلك الأجر، ولشيخ شيخه مثلاه، وللشيخ الثالث أربعة، والرابع ثمانية، وهكذا تُضَعَّف في كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة قبله إلى أن ينتهي إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إذا فرضت المراتب عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الأجر ألف وأربعة وعشرون، فإذا اهتدى بالعاشر حادي عشر صار أجر النبي صلى الله عليه وسلم ألفين وثمانية وأربعين، وهكذا، كلما زاد واحدا يتضاعف ما كان قبله أبدا إلى يوم القيامة، وهذا أمر لا يحصره إلا الله، فكيف إذا أخذ مع كثرة الصحابة والتابعين والمسلمين في كل عصر؟
وكل واحد من الصحابة يحصل له بعدد الأجور التي ترتبت على فعله إلى يوم القيامة، وكل ما يحصل لجميع الصحابة حاصل بجملته للنبي صلى الله عليه وسلم، وبه يظهر رجحان السلف على الخلف، وأنه كلما ازداد الخلف، ازداد أجر السلف وتضاعف، ومن تأمل هذا المعنى ورزق التوفيق، انبعثت همته إلى التعليم ورغب في نشر العلم، ليتضاعف أجره في الحياة وبعد الممات على الدوام، ويكف عن إحداث البدع والمظالم من المكوس [الإتاوة] وغيرها، فإنها تضاعف عليه السيئات بالطريق المذكور ما دام يعمل بها عامل، فليتأمل المسلم هذا المعنى، وسعادة الدال على الخير، وشقاوة الدال على الشر ” انتهى من ” فيض القدير ”
قال ابن باز:” قول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلهُ مثلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ” هذا خير عظيم وفضل كبير إذا أرشدت إنسانا جاهلا إلى الصلاة والمحافظة عليها في الجماعة وأجاب دعوتك وانتفع بكلامك صار لك مثل أجره إلى يوم القيامة … ” (شرح رياض الصالحين لاباز)
قال ابن عثيمين:” الدعوة إلى الله عز وجل هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وطريقة من تبعهم بإحسان، فإذا عرف الإنسان معبوده، ونبيه، ودينه ومن الله عليه بالتوفيق لذلك فإن عليه السعي في إنقاذ إخوانه بدعوتهم إلى الله عز وجل وليبشر بالخير، «قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر: “انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم» متفق على صحته. ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه مسلم: «” من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا”». وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه مسلم أيضا: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» (فتاوى ابن عثيمين)