شرح قوله تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }
(بحث مجموع من أجوبة الأخوة وممن شارك الأخ أحمد بن علي وسعيد الجابري)
ﺷﺮﺡ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻌﺜﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻣﺔ ﺭﺳﻮﻻ ﺃﻥ اﻋﺒﺪﻭا اﻟﻠﻪ ﻭاﺟﺘﻨﺒﻮا اﻟﻄﺎﻏﻮﺕ}
[اﻟﻨﺤﻞ: من الآية 36]
قوله﴿ أمة ﴾ الطائفة من الناس.
ﻗﻮﻟﻪ: ﴿ﺃﻥ اﻋﺒﺪﻭا اﻟﻠﻪ﴾ أن : ﻗﻴﻞ: ﺗﻔﺴﻴﺮﻳﺔ،
قوله ﴿ الطاغوت﴾ﻗﺎﻝ ﺟﺎﺑﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ اﻟﻄﻮاﻏﻴﺖ: ﻛﻬﺎﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ. ﺭﻭاه اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ .
ﻭﻗﺎﻝ ﻣﺠﺎﻫﺪ: اﻟﻄﺎﻏﻮﺕ: اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ اﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻳﺘﺤﺎﻛﻤﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﺃﻣﺮﻫﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ: اﻟﻄﺎﻏﻮﺕ: ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ اﻟﻠﻪ.
قلت: وﺃﺟﻤﻊ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻩ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺄﻧﻪ: ﻣﺎ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺑﻪ اﻟﻌﺒﺪ ﺣﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﺘﺒﻮﻉ، ﺃﻭ ﻣﻌﺒﻮﺩ، ﺃﻭ ﻣﻄﺎﻉ.
ﻭﻣﺮاﺩﻩ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺭاﺿﻴﺎ ﺑﺬﻟﻚ، ﺃﻭ ﻳﻘﺎﻝ: ﻫﻮ ﻃﺎﻏﻮﺕ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻋﺎﺑﺪﻩ، ﻭﺗﺎﺑﻌﻪ، ﻭﻣﻄﻴﻌﻪ، ﻷﻧﻪ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺑﻪ ﺣﺪﻩ.
ﻓﺎﻟﻤﺘﺒﻮﻉ ﻣﺜﻞ: اﻟﻜﻬﺎﻥ، ﻭاﻟﺴﺤﺮﺓ، ﻭﻋﻠﻤﺎء اﻟﺴﻮء.
ﻭاﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﻣﺜﻞ: اﻷﺻﻨﺎﻡ. ﻭاﻟﻤﻄﺎﻉ ﻣﺜﻞ: اﻷﻣﺮاء اﻟﺨﺎﺭﺟﻴﻦ ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ.
معنى الآية: قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين، { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ }
فاتبعوا المرسلين علما وعملا { وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } فاتبع سبيل الغي.انتهى
تنبيه : لم يذكر لفظ الجلالة في الإضلال من باب ( والشر ليس إليك)
وليس فيه حجة للقدرية : حيث نفوا المشيئة بحجة أن الله لا يحب المعاصي ولا يشاؤها‘ وأن العبد يخلق فعل نفسه ‘ وكذلك قوله تعالى ﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ﴾ التكوير‘ ليس فيه حجة للجبرية الذين نفوا عن العبد المشيئة والإختيار وكلا القولين باطل.
وحججهم باطلة شبيهه بحجج المشركين على الشرك ﴿ وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ﴾ وهذا علي سبيل المجادلة ‘ وإلا هي حجة كاسدة.
قال البغوي في تفسيره:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا } أي: كما بعثنا فيكم، { أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وهو كل معبود من دون الله ، { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ } أي: هداه الله إلى دينه، { وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ }
أي: وجبت بالقضاء السابق حتى مات على كفره، { فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } أي: مآل أمرهم، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك.انتهى
كما قال الله تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [الأنبياء: 25] ،
ﻭﺩﻻﻟﺔ اﻵﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ: التحذير من كل ما يعبد من دون الله .
ﻭاﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺇﻻ ﺑﺮﻛﻨﻴﻦ، ﻫﻤﺎ:
1_ اﻹﺛﺒﺎﺕ.
2_ اﻟﻨﻔﻲ.
ﺇﺫ اﻟﻨﻔﻲ اﻟﻤﺤﺾ:
ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻣﺤﺾ.
ﻭاﻹﺛﺒﺎﺕ اﻟﻤﺤﺾ: ﻻ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ
والآية ﺩاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺟﻤﺎﻉ اﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﺃﻧﻬﻢ ﺃﺭﺳﻠﻮا ﺑﻪ والتحذير من الشرك ‘ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺃﻥ اﻋﺒﺪﻭا اﻟﻠﻪ ﻭاﺟﺘﻨﺒﻮا اﻟﻄﺎﻏﻮﺕ} وهو معنى لا إله إلا الله.
جوهرة: قال الشنقيطي في أضواء البيان :
معنى لا إله إلا الله ذكر كثيرا في القرآن عن طريق العموم والخصوص
فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قوله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [21 \ 25] ، وقوله: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [43 \ 45] ، ونحو ذلك من الآيات.
ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في إفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى: لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [7 \ 59] ، وقوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [7 \ 65] ، وقوله تعالى: وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [7 \ 73] ، وقوله: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [7 \ 85] ، إلى غير ذلك من الآيات.انتهى.