سُورَةِ القتال تفسير آيات 9 – 4
تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهـمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ ?نْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهـوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}
————-
يَقُولُ تَعَالَى مُرْشِدًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حُرُوبِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}
أَيْ: إِذَا وَاجَهْتُمُوهـمْ فَاحْصُدُوهـمْ حَصْدًا بِالسُّيُوفِ، {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهـمْ فَشُدُّوا}
أَيْ: أَهـلَكْتُمُوهـمْ قَتْ?ً {فَشُدُّوا}
[وَثَاقَ] ا?ُْسَارَى الَّذِينَ تَأْسِرُونَهُمْ، ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَانْفِصَالِ الْمَعْرَكَةِ مُخَيَّرُونَ فِي أَمْرِهـمْ، إِنْ شِئْتُمْ مَنَنْتُمْ عَلَيْهِمْ فَأَطْلَقْتُمْ أُسَارَاهـمْ مَجَّانًا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهـمْ بِمَالٍ تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ وَتُشَاطِرُونَهُمْ عَلَيْهِ. وَالظَّاهـرُ أَنَّ هـذِهِ ا?ْيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، عَاتَبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ا?ِسْتِكْثَارِ مِنَ ا?ُْسَارَى يَوْمَئِذٍ لِيَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، وَالتَّقَلُّلِ مِنَ الْقَتْلِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي ا?رْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ ا?خِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ? كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ا?َْنْفَالِ: 67، 68]
ثُمَّ قَدِ ادَّعَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هـذِهِ ا?ْيَةَ -الْمُخَيِّرَةَ بَيْنَ مُفَادَاةِ ا?َْسِيرِ وَالْمَنِّ عَلَيْهِ-مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ ا?شْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهـمْ
[وَخُذُوهـمْ وَاحْصُرُوهـمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ]} ا?ْيَةَ [التَّوْبَةِ: 5]
، َقَالَهُ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْج.
وَقَالَ ا?ْخَرُونَ -وَهـمُ ا?َْكْثَرُونَ-: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَة (1).
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا ا?ِْمَامُ مُخَيَّر بَيْنَ الْمَنِّ عَلَى ا?َْسِيرِ وَمُفَادَاتِهِ فَقَطْ، وَ?َ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ شَاءَ، لِحَدِيثِ قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النضر بن الحارث وعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيط مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ، (2) وَقَالَ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ: “مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ” فَقَالَ: إِنْ تَقْتَلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَمْنُنْ تَمْنُنْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ (3).
وَزَادَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: ا?ِْمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِ، أَوْ مُفَادَاتِهِ أَوِ اسْتِرْقَاقِهِ أَيْضًا. وَهـذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحَرّرة فِي عِلْمِ الْفُرُوعِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا “ا?َْحْكَامِ”، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا}
قَالَ مُجَاهـدٌ: حَتَّى يَنْزِلَ عيسى ابن مريم
[عَلَيْهِ السَّ?َمُ] وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “?َ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهـرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهـمُ الدَّجَّالَ” (4).
وروى ا?ِْمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ جُبَير بْنِ نُفيَر؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفيَل أَخْبَرَهـمْ: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي سَيَّبْتُ الْخَيْلَ، وَأَلْقَيْتُ السِّ?َحَ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا، وَقُلْتُ: “?َ قِتَالَ” فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ا?ْنَ جَاءَ الْقِتَالُ، ?َ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهـرِينَ عَلَى النَّاسِ يُزيغ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فَيُقَاتِلُونَهُمْ: وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهـمْ عَلَى ذَلِكَ. أَ?َ إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، والخيلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.
وَهـكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ جُبَيْر بْنِ نُفَير، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْل السَّكُونِيِّ، بِهِ (5).
وَهـذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّسْخِ، كَأَنَّهُ شَرَّعَ هـذَا الْحُكْمَ فِي الْحَرْبِ إِلَى أَ?َّ يَبْقَى حَرْبٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا}
حَتَّى ?َ يَبْقَى شِرْكٌ. وَهـذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهـمْ حَتَّى ?َ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 193]
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا}
أَيْ: أَوْزَارَ الْمُحَارِبِينَ، وَهـمُ الْمُشْرِكُونَ، بِأَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَوْزَارُ أَهـلِهَا بِأَنْ يَبْذُلُوا الْوُسْعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ ?نْتَصَرَ مِنْهُمْ}
أَيْ: هـذَا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ?َنْتَقَمَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِعُقُوبَةٍ ونَكَال مِنْ عِنْدِهِ، {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} أَيْ: وَلَكِنْ شَرَعَ لَكُمُ الْجِهَادَ وَقِتَالَ ا?َْعْدَاءِ لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَيَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ. كَمَا ذَكَرَ حِكْمَتَهُ فِي شَرْعِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سُورَتَيْ “آلِ عِمْرَانَ” وَ “بَرَاءَةَ” فِي قَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهـدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آلِ عمران: 142]
وَقَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: {قَاتِلُوهـمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهـمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهـبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[التَّوْبَةِ: 14، 15]
ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْقِتَالِ أَنْ يُقتل كثيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}
أَيْ: لَنْ يُذْهـبَهَا بَلْ يُكَثِّرُهـا وَيُنَمِّيهَا وَيُضَاعِفُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ عَمَلُهُ فِي طُولِ بَرْزَخه، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ا?ِْمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، حَيْثُ قَالَ:
روى أَحْمَدُ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتَّ خِصَالٍ: أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَة مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّة ا?ِْيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ويَأمَن مِنَ الْفَزَعِ ا?َْكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ويُشَفَّع فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ”.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وابْنُ مَاجَهْ (6).
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: “يُغفر لِلشَّهِيدِ كُلُّ شَيْءٍ إِ?َّ الدَّيْن”. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهـلِ بَيْتِهِ”. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَا?َْحَادِيثُ فِي فَضْلِ الشَّهِيدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ: {سَيَهْدِيهِمْ} أَيْ: إِلَى الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ ا?نْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9]
وَقَوْلُهُ: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أَيْ: أَمْرَهـمْ وَحَالَهُمْ، {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أَيْ: عَرَّفَهُمْ بِهَا وَهـدَاهـمْ إِلَيْهَا.
قَالَ مُجَاهـدٌ: يَهْتَدِي أَهـلُهَا إِلَى بُيُوتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِم … وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَ هـذَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نحوه
وقد روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
[رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: “إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَتَقَاصُّونَ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هـذّبوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهـمْ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَهـدَى مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا”.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
، كَقَوْلِهِ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}
[الْحَجِّ: 40]، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ}
، عَكْسُ تَثْبِيتِ ا?َْقْدَامِ لِلْمُؤْمِنِينَ النَّاصِرِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “تَعِس عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهـمِ، تَعِسَ عَبْدُ القَطِيفة -[وَفِي رِوَايَةٍ: تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ]-تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَ?َ انْتَقَشَ”، أَيْ: فَ?َ شَفَاهُ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أَيْ: أَحْبَطَهَا وَأَبْطَلَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهـوا مَا أَنزلَ اللَّهُ}
أَيْ: ?َ يُرِيدُونَهُ وَ?َ يحبونه، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي ا?رْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ ?َ مَوْلَى لَهُمْ}
———-
(1) ومن القائلين بذلك ابن عباس وابن عمر والحسن وعطاء، وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والاوزاعي وأبي عبيد وغيرهم.
(2) قال الألباني في الإرواء 1214عن قصة قتل النضر بن الحارث: معضل، وقال في قصة قتل عقبة بن أبي معيط: أصلها في أبي داود 2682 وإسنادها جيد. انتهى
وفيها اعتراض عمارة بن عقبة على استعمال مسروق فقال مسروق سمعت ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل ابيك، قال من للصبية، قال (النار) وإبراهيم لم يسمع أحدا من الصحابة، لكن له شاهد عن ابن عباس لكنه من طريق الدبري عن عبدالرزاق، فإن صلح كشاهد وإلا القصة ضعيفة.
(3) أخرجه البخاري 4372، ومسلم 1765
(4) أخرجه أبوداود 2481، وهو في الصحيح المسند 1025
(5) أخرجه النسائي وهو في الصحيح المسند 450. وصححه الألباني في تخريج مناقب الشام، والصحيحة 1935.
(6) وذكر ابن كثير قبل هذا الحديث، حديث قيس الجذامي بمعناه، وفي حديث قيس رجل ضعيف. وهو عبدالرحمن بن ثوبان أنكروا عليه ما يرويه عن أبيه عن مكحول، حيث أنه يجعلها مسندة، … ومرة محققو المسند حسنوا حديث قيس ومرة قالوا فيه عبدالرحمن بن ثوبان لا يحتمل تفرده، وحديث المقدام؛ إسماعيل اضطرب فيه وبقية عنعن، وأبو حاتم قال في اختلاف بقية وإسماعيل وذكر له أن إسماعيل يجعله من مسند نعيم بن همار: بقية احب أما الحديث فلا يضبط أيهما الصحيح. (العلل)
وحديث بقية بن الوليد ذكره الشيخ مقبل في الشفاعة وعلله بأن خالد بن معدان يرسل كثيراً؛ وقال: لكنه في الشواهد، وقال باحث: وفيه نعيم بن حماد الراوي عن بقية، وبقية يدلس تدليس التسوية.
وورد عن أبي هريرة موقوفا كما في التاريخ الكبير 96/ 6، وجاءت عن الحسن قوله في الزهد لهناد وفيه أشعث بن سوار.
تنبيه: ذكر بعضهم أن حديث عبادة يشهد لحديث المقدام، وإنما هو أحد أوجه الاختلاف على ابن عياش بل أورده الإمام أحمد بعد حديث المقدام فكأنه يشير للاختلاف، وكذلك ذكروا شاهد عن عقبة موقوفا في مسند الشاميين وهو كذلك احد أوجه الاختلاف على ابن عياش.
تنبيه: طريق بقية بن الوليد هي عن بحير عن خالد بن معدان عن المقدام بن معديكرب أخرجه الترمذي 1663.