سُورَةِ القتال تفسير آيات 9 4 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهـمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهـوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}
يَقُولُ تَعَالَى مُرْشِدًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حُرُوبِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}
أَيْ: إِذَا وَاجَهْتُمُوهـمْ فَاحْصُدُوهـمْ حَصْدًا بِالسُّيُوفِ، {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهـمْ فَشُدُّوا}
أَيْ: أَهـلَكْتُمُوهـمْ قَتْل {فَشُدُّوا}
[وَثَاقَ] السَارَى الَّذِينَ تَأْسِرُونَهُمْ، ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَانْفِصَالِ الْمَعْرَكَةِ مُخَيَّرُونَ فِي أَمْرِهـمْ، إِنْ شِئْتُمْ مَنَنْتُمْ عَلَيْهِمْ فَأَطْلَقْتُمْ أُسَارَاهـمْ مَجَّانًا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهـمْ بِمَالٍ تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ وَتُشَاطِرُونَهُمْ عَلَيْهِ. وَالظَّاهـرُ أَنَّ هـذِهِ اليَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، عَاتَبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى السْتِكْثَارِ مِنَ السَارَى يَوْمَئِذٍ لِيَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، وَالتَّقَلُّلِ مِنَ الْقَتْلِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْل كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ا صلى الله عليه وسلم نْفَالِ: 67، 68]
ثُمَّ قَدِ ادَّعَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هـذِهِ اليَةَ الْمُخَيِّرَةَ بَيْنَ مُفَادَاةِ ا صلى الله عليه وسلم سِيرِ وَالْمَنِّ عَلَيْهِمَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهـمْ
[وَخُذُوهـمْ وَاحْصُرُوهـمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ]} اليَةَ [التَّوْبَةِ: 5]
، َقَالَهُ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْج.
وَقَالَ الخَرُونَ وَهـمُ ا صلى الله عليه وسلم كْثَرُونَ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَة (1).
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا المَامُ مُخَيَّر بَيْنَ الْمَنِّ عَلَى ا صلى الله عليه وسلم سِيرِ وَمُفَادَاتِهِ فَقَطْ، وَ صلى الله عليه وسلم يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ شَاءَ، لِحَدِيثِ قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النضر بن الحارث وعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيط مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ، (2) وَقَالَ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ: “مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ” فَقَالَ: إِنْ تَقْتَلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَمْنُنْ تَمْنُنْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ (3).
وَزَادَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: المَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِ، أَوْ مُفَادَاتِهِ أَوِ اسْتِرْقَاقِهِ أَيْضًا. وَهـذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحَرّرة فِي عِلْمِ الْفُرُوعِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا “ا صلى الله عليه وسلم حْكَامِ”، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا}
قَالَ مُجَاهـدٌ: حَتَّى يَنْزِلَ عيسى ابن مريم
[عَلَيْهِ السَّ صلى الله عليه وسلم مُ] وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” صلى الله عليه وسلم تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهـرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهـمُ الدَّجَّالَ” (4).
وروى المَامُ أَحْمَدُ: عَنْ جُبَير بْنِ نُفيَر؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفيَل أَخْبَرَهـمْ: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي سَيَّبْتُ الْخَيْلَ، وَأَلْقَيْتُ السِّ صلى الله عليه وسلم حَ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا، وَقُلْتُ: ” صلى الله عليه وسلم قِتَالَ” فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “النَ جَاءَ الْقِتَالُ، صلى الله عليه وسلم تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهـرِينَ عَلَى النَّاسِ يُزيغ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فَيُقَاتِلُونَهُمْ: وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهـمْ عَلَى ذَلِكَ. أَ صلى الله عليه وسلم إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، والخيلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.
وَهـكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ جُبَيْر بْنِ نُفَير، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْل السَّكُونِيِّ، بِهِ (5).
وَهـذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّسْخِ، كَأَنَّهُ شَرَّعَ هـذَا الْحُكْمَ فِي الْحَرْبِ إِلَى أَ صلى الله عليه وسلم يَبْقَى حَرْبٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا}
حَتَّى صلى الله عليه وسلم يَبْقَى شِرْكٌ. وَهـذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهـمْ حَتَّى صلى الله عليه وسلم تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 193]
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهـا}
أَيْ: أَوْزَارَ الْمُحَارِبِينَ، وَهـمُ الْمُشْرِكُونَ، بِأَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَوْزَارُ أَهـلِهَا بِأَنْ يَبْذُلُوا الْوُسْعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لنْتَصَرَ مِنْهُمْ}
أَيْ: هـذَا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم نْتَقَمَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِعُقُوبَةٍ ونَكَال مِنْ عِنْدِهِ، {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} أَيْ: وَلَكِنْ شَرَعَ لَكُمُ الْجِهَادَ وَقِتَالَ ا صلى الله عليه وسلم عْدَاءِ لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَيَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ. كَمَا ذَكَرَ حِكْمَتَهُ فِي شَرْعِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سُورَتَيْ “آلِ عِمْرَانَ” وَ “بَرَاءَةَ” فِي قَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهـدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آلِ عمران: 142]
وَقَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: {قَاتِلُوهـمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهـمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهـبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[التَّوْبَةِ: 14، 15]
ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْقِتَالِ أَنْ يُقتل كثيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}
أَيْ: لَنْ يُذْهـبَهَا بَلْ يُكَثِّرُهـا وَيُنَمِّيهَا وَيُضَاعِفُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ عَمَلُهُ فِي طُولِ بَرْزَخه، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ المَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، حَيْثُ قَالَ:
روى أَحْمَدُ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتَّ خِصَالٍ: أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَة مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّة اليمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ويَأمَن مِنَ الْفَزَعِ ا صلى الله عليه وسلم كْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ويُشَفَّع فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ”.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وابْنُ مَاجَهْ (6).
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: “يُغفر لِلشَّهِيدِ كُلُّ شَيْءٍ إِ صلى الله عليه وسلم الدَّيْن”. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهـلِ بَيْتِهِ”. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَا صلى الله عليه وسلم حَادِيثُ فِي فَضْلِ الشَّهِيدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ: {سَيَهْدِيهِمْ} أَيْ: إِلَى الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ النْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9]
وَقَوْلُهُ: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أَيْ: أَمْرَهـمْ وَحَالَهُمْ، {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أَيْ: عَرَّفَهُمْ بِهَا وَهـدَاهـمْ إِلَيْهَا.
قَالَ مُجَاهـدٌ: يَهْتَدِي أَهـلُهَا إِلَى بُيُوتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِم … وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَ هـذَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نحوه
وقد روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
[رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: “إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَتَقَاصُّونَ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هـذّبوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهـمْ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَهـدَى مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا”.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
، كَقَوْلِهِ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}
[الْحَجِّ: 40]، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ}
، عَكْسُ تَثْبِيتِ ا صلى الله عليه وسلم قْدَامِ لِلْمُؤْمِنِينَ النَّاصِرِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “تَعِس عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهـمِ، تَعِسَ عَبْدُ القَطِيفة [وَفِي رِوَايَةٍ: تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ]تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَ صلى الله عليه وسلم انْتَقَشَ”، أَيْ: فَ صلى الله عليه وسلم شَفَاهُ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أَيْ: أَحْبَطَهَا وَأَبْطَلَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهـوا مَا أَنزلَ اللَّهُ}
أَيْ: صلى الله عليه وسلم يُرِيدُونَهُ وَ صلى الله عليه وسلم يحبونه، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ صلى الله عليه وسلم مَوْلَى لَهُمْ}
(1) ومن القائلين بذلك ابن عباس وابن عمر والحسن وعطاء، وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والاوزاعي وأبي عبيد وغيرهم.
(2) قال الألباني في الإرواء 1214عن قصة قتل النضر بن الحارث: معضل، وقال في قصة قتل عقبة بن أبي معيط: أصلها في أبي داود 2682 وإسنادها جيد. انتهى
وفيها اعتراض عمارة بن عقبة على استعمال مسروق فقال مسروق سمعت ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل ابيك، قال من للصبية، قال (النار) وإبراهيم لم يسمع أحدا من الصحابة، لكن له شاهد عن ابن عباس لكنه من طريق الدبري عن عبدالرزاق، فإن صلح كشاهد وإلا القصة ضعيفة.
(3) أخرجه البخاري 4372، ومسلم 1765
(4) أخرجه أبوداود 2481، وهو في الصحيح المسند 1025
(5) أخرجه النسائي وهو في الصحيح المسند 450. وصححه الألباني في تخريج مناقب الشام، والصحيحة 1935.
(6) وذكر ابن كثير قبل هذا الحديث، حديث قيس الجذامي بمعناه، وفي حديث قيس رجل ضعيف. وهو عبدالرحمن بن ثوبان أنكروا عليه ما يرويه عن أبيه عن مكحول، حيث أنه يجعلها مسندة، … ومرة محققو المسند حسنوا حديث قيس ومرة قالوا فيه عبدالرحمن بن ثوبان لا يحتمل تفرده، وحديث المقدام؛ إسماعيل اضطرب فيه وبقية عنعن، وأبو حاتم قال في اختلاف بقية وإسماعيل وذكر له أن إسماعيل يجعله من مسند نعيم بن همار: بقية احب أما الحديث فلا يضبط أيهما الصحيح. (العلل)
وحديث بقية بن الوليد ذكره الشيخ مقبل في الشفاعة وعلله بأن خالد بن معدان يرسل كثيراً؛ وقال: لكنه في الشواهد، وقال باحث: وفيه نعيم بن حماد الراوي عن بقية، وبقية يدلس تدليس التسوية.
وورد عن أبي هريرة موقوفا كما في التاريخ الكبير 96/ 6، وجاءت عن الحسن قوله في الزهد لهناد وفيه أشعث بن سوار.
تنبيه: ذكر بعضهم أن حديث عبادة يشهد لحديث المقدام، وإنما هو أحد أوجه الاختلاف على ابن عياش بل أورده الإمام أحمد بعد حديث المقدام فكأنه يشير للاختلاف، وكذلك ذكروا شاهد عن عقبة موقوفا في مسند الشاميين وهو كذلك احد أوجه الاختلاف على ابن عياش.
تنبيه: طريق بقية بن الوليد هي عن بحير عن خالد بن معدان عن المقدام بن معديكرب أخرجه الترمذي 1663.
(2016) / (1) / (31)، (9): (32) ص سيف الكعبي: 1375 قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا محمد بن عبيد عن يزيد يعني بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على قبر فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فقيل يا نبي الله أينفعه ذلك قال لن يزال ان يخفف عنه بعض عذاب القبر ما كان فيهما ندو.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
وقال أبو حاتم رحمه الله كما في الإحسان: اخبرنا أبو عروبة قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة قال: حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم قال حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة قال: كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه فقلنا: ما لك يا نبي الله؟ قال: (ما تسمعون ما أسمع)؟ قلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: (هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين) قلنا: مم ذلك يا نبي الله؟ قال: (كان أحدهما لا يستنزه من البول وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة) فدعا بجريدتين من جرائد النخل فجعل في كل قبر واحدة قلنا: وهل ينفعهما ذلك يا رسول الله؟ قال: (نعم يخفف عنهما ما داما رطبين).
هذا حديث حسن.
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فوقف عليه، فقال: ائتوني بجريدتين , فجعل إحداهما عند رأسه , والأخرى عند رجليه , فقيل له: يا رسول الله أينفعه ذلك؟ فقال: لعله يخفف عنه بعض عذاب القبر ما فيه ندوة.