سُورَةِ الزُّخْرُفِ تفسير آيات 80 – 74 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، والسلف الصالح، وأهل الحديث همو أهل النبي) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
————-
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}
…………………..
لَمَّا ذَكَرَ [تَعَالَى] حَالَ السُّعَدَاءِ، ثَنَّى بِذِكْرِ الْأَشْقِيَاءِ، فَقَالَ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أَيْ: سَاعَةً وَاحِدَةً {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}
أَيْ: آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} أَيْ: بِأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، فَكَذَّبُوا وَعَصَوْا، فَجُوزُوا بِذَلِكَ جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
{وَنَادَوْا يَامَالِكُ} وَهُوَ: خَازِنُ النَّارِ.
روى الْبُخَارِيُّ: عن يعلى قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}. أَيْ: لِيَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا فَيُرِيحَنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فَاطِرٍ: 36] وَقَالَ: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى. ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى}
[الْأَعْلَى: 11 – 13]، فَلَمَّا سَأَلُوا أَنْ يَمُوتُوا أَجَابَهُمْ مَالِكٌ، {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} أَيْ: لَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ لَكُمْ عَنْهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ شِقْوَتِهِمْ وَهُوَ مُخَالَفَتُهُمْ لِلْحَقِّ وَمُعَانَدَتُهُمْ لَهُ فَقَالَ: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} أَيْ: بَيَّنَّاهُ لَكُمْ وَوَضَّحْنَاهُ وَفَسَّرْنَاهُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} أَيْ: وَلَكِنْ كَانَتْ سَجَايَاكُمْ لَا تَقْبَلُهُ وَلَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَنْقَادُ لِلْبَاطِلِ وَتُعَظِّمُهُ، وَتَصِدُّ عَنِ الْحَقِّ وَتَابَاهُ، وَتُبْغِضُ أَهْلَهُ، فَعُودُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالْمَلَامَةِ، وَانْدَمُوا حَيْثُ لَا تَنْفَعُكُمُ النَّدَامَةُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}
قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادُوا كَيْدَ شَرٍّ فَكِدْنَاهُمْ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النَّمْلِ:50]،
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَتَحَيَّلُونَ فِي رَدِّ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ بِحِيَلٍ وَمَكْرٍ يَسْلُكُونَهُ، فَكَادَهُمُ اللَّهُ، وَرَدَّ وَبَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} أَيْ: سَرَّهُمْ وَعَلَانِيَتَهُمْ، {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أَيْ: نَحْنُ نَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَالْمَلَائِكَةُ أَيْضًا يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا.