سُورَةِ الجاثية تفسير آيات 37 – 30 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هـوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ ?َ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِ? ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هـذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هـزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ ?َ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَ? هـمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ ا?رْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السمواتِ وَا?رْضِ وَهـوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}
——————–
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ فِي خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمُ ا?َْعْمَالَ الصَّالِحَاتِ، وَهـيَ الْخَالِصَةُ الْمُوَافِقَةُ لِلشَّرْعِ، {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ}، وَهـيَ الْجَنَّةُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِلْجَنَّةِ: “أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ”.
{ذَلِكَ هـوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أَيِ: الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا: أَمَا قُرِئَتْ عَلَيْكُمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ فَاسْتَكْبَرْتُمْ عَنِ اتِّبَاعِهَا، وَأَعْرَضْتُمْ عِنْدَ سَمَاعِهَا، {وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ}
أَيْ: فِي أَفْعَالِكُمْ، مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ مِنَ التَّكْذِيبِ؟
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ ?َ رَيْبَ فِيهَا}
أَيْ: إِذَا قَالَ لَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، {قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} أَيْ: ?َ نَعْرِفُهَا، {إِنْ نَظُنُّ إِ? ظَنًّا}
أَيْ: إِنْ نَتَوَهـمُ وُقُوعَهَا إِ?َّ تَوَهـمًا، أَيْ مَرْجُوحًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أَيْ: بِمُتَحَقِّقِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} أَيْ: وَظَهَرَ لَهُمْ عُقُوبَةُ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ، {وَحَاقَ بِهِمْ} أَيْ: أَحَاطَ بِهِمْ {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ: مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} أَيْ: نُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ النَّاسِي لَكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هـذَا} أَيْ: فَلَمْ تَعْمَلُوا لَهُ ?َِنَّكُمْ لَمْ تُصَدِّقُوا بِهِ، {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِبَعْضِ الْعَبِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: “أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟
أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَا?ِْبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَع؟ فَيَقُولُ: بَلَى، يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُ?قيّ؟ فَيَقُولُ: ?َ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي”.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هـزُوًا}
أَيْ: إِنَّمَا جَازَيْنَاكُمْ هـذَا الْجَزَاءَ ?َِنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ سُخْرِيًّا، تَسْخَرُونَ وَتَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
أَيْ: خَدَعَتْكُمْ فَاطْمَأْنَنْتُمْ إِلَيْهَا، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَالْيَوْمَ ?َ يُخْرَجُونَ مِنْهَا}
أَيْ: مِنَ النَّارِ {وَ? هـمْ يُسْتَعْتَبُونَ}
أَيْ: ?َ يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعُتْبَى، بَلْ يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَ?َ عِتَابٍ، كَمَا تَدْخُلُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ وَ?َ حِسَابٍ.
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السمواتِ وَرَبِّ ا?رْضِ} أَيِ: الْمَالِكِ لَهُمَا وَمَا فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}
ثُمَّ قَالَ: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السمواتِ وَا?رْضِ}
قَالَ مُجَاهـدٌ: يَعْنِي السُّلْطَانَ. أَيْ: هـوَ الْعَظِيمُ الْمُمَجَّدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ خَاضِعٌ لَدَيْهِ فَقِيرٌ إِلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَظَمَةُ إِزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَسْكَنْتُهُ نَارِي”. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ا?َْعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ا?َْغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هـرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَهـوَ الْعَزِيزُ} أَيِ: الَّذِي ?َ يُغَالَبُ وَ?َ يُمَانَعُ، {الْحَكِيمُ}
فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، ?َ إِلَهَ إِ?َّ هـوَ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ
[وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ]