سُورَةِ الأحقاف تفسير آيات 20 – 17 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ((17)) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ((18)) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ((19)) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ((20))}.
———————-
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الدَّاعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ الْبَارِّينَ بِهِمَا وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ مِنَ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ، عَطَفَ بِحَالِ الْأَشْقِيَاءِ الْعَاقِّينَ لِلْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} -وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ قَالَ هَذَا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَإِنَّمَا هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ وَكَذَّبَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ لِوَالِدَيْهِ: {أُفٍّ لَكُمَا} عَقَّهُمَا.
وروى عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمَدِينِيُّ قَالَ: إِنِّي لَفِي الْمَسْجِدِ حِينَ خَطَبَ مَرْوان، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي يَزِيدَ رَايًا حَسَنًا، وَإِنْ يَسْتَخْلِفْهُ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَهِرْقِلِيَّةٌ؟! إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا جَعَلَهَا فِي أَحَدٍ من ولده، ولا أحدا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَا جَعَلَهَا مُعَاوِيَةُ فِي وَلَدِهِ إِلَّا رَحْمَةً وَكَرَامَةً لِوَلَدِهِ. فَقَالَ مَرْوَانُ: أَلَسْتَ الَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ: أُفٍّ لَكُمَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَلَسْتَ ابْنَ اللَّعِينِ الَّذِي لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاكَ؟ قَالَ: وَسَمِعَتْهُمَا عَائِشَةُ فَقَالَتْ: يَا مَرْوَانُ، أَنْتَ الْقَائِلُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَا وَكَذَا؟ كذبتَ، مَا فِيهِ نَزَلَتْ، وَلَكِنْ نَزَلَتْ فِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. ثُمَّ انْتَحَبَ مَرْوَانُ، ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى أَتَى بَابَ حُجْرَتِهَا، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهَا حَتَّى انْصَرَفَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ وَلَفْظٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانة، عَنْ أَبِي بِشْر، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَك قَالَ: كَانَ مَرْوان عَلَى الْحِجَازِ، اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَخَطَبَ وَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لِكَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: خُذُوهُ. فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذرِي.
وروى النَّسَائِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِهِ، قَالَ مَرْوَانُ: سُنَّة أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي بَكْرٍ: سُنَّة هِرَقْلَ وَقَيْصَرَ. فَقَالَ مَرْوَانُ: هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} الْآيَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: كَذَبَ مَرْوَانُ! وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهِ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ لَسَمَّيْتُهُ، وَلَكِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ أَبَا مَرْوَانَ ومروانُ فِي صُلْبِهِ، فَمَرْوَانُ فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. (1)
وَقَوْلُهُ: {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} أَيْ: [أَنْ] أُبْعَثَ {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} أَنْ قَدْ مَضَى النَّاسُ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} أَيْ: يَسْأَلَانِ اللَّهَ فِيهِ أَنْ يَهْدِيَهُ وَيَقُولَانِ لِوَلَدِهِمَا: {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} أَيْ: دَخَلُوا فِي زُمْرَةِ أَشْبَاهِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ الْخَاسِرِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَالَّذِي قَالَ} دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ الْكَافِرُ الْفَاجِرُ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، الْمُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} أَيْ: لِكُلٍّ عَذَابٌ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، {وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} أَيْ: لَا يَظْلِمُهُمْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَمَا دُونَهَا.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: دَرَجَاتُ النَّارِ تَذْهَبُ سَفَالًا وَدَرَجَاتُ الْجَنَّةِ تَذْهَبُ عُلُوًّا.
وَقَوْلُهُ: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا. وَقَدْ تَوَرَّعَ [أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ كَثِيرٍ مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ، وَتَنَزَّهَ عَنْهَا، وَيَقُولُ: [إِنِّي] أَخَافُ أَنْ أَكُونَ كَالَّذِينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ وقَرَّعهم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}
وَقَالَ أَبُو مِجْلَز: ليتفقَّدَنّ أقوامٌ حَسَنات كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}
وَقَوْلُهُ: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} فَجُوزُوا مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ، فَكَمَا نَعَّموا أَنْفُسَهُمْ وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَتَعَاطَوُا الْفِسْقَ وَالْمَعَاصِيَ، جَازَاهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِ الْهُونِ، وَهُوَ الْإِهَانَةُ وَالْخِزْيُ وَالْآلَامُ الْمُوجِعَةُ، وَالْحَسَرَاتُ الْمُتَتَابِعَةُ وَالْمُنَازِلُ فِي الدَّرَكَاتِ الْمُفْظِعَةِ، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
———-
(1) ورد في الصحيح المسند 780 من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعاً (ليدخلن عليكم رجل لعين) … حتى دخل فلان يعني الحكم. أخرجه أحمد وراجع الصحيحة 3240