سورة فصلت تفسير آيات 1 – 5 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام، والمدارسة، والاستفادة) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سورة فصلت
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{حم (1) تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}
————————
يقول تعالى: {حم تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعني: القرآن منزل من الرحمن الرحيم، كقوله تعالى: {قُلْ نزلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102]، وقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192 – 194].
وقوله: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي: بُينت معانيه وأحكمت أحكامه، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أي: في حال كونه لفظا عربيا، بينا واضحا، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة غير مشكلة، كقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] أي: هو معجز من حيث لفظه ومعناه، {لا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
وقوله: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي: إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماءُ الراسخون، {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي: تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} أي: أكثر قريش، فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه.
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} أي: في غلف مغطاة {مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} أي: صمم عما جئتنا به، {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فلا يصل إلينا شيء مما تقول، {فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} أي: اعمل أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا لا نتابعك.
ونقل ابن كثير هنا من سيرة ابن اسحاق قصة عتبة مع النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة …. فذكره مطولا وفيه
(يا ابن أخي، إن كنت إنما تريدُ بما جئتَ به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموالا. وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك: رَئِيّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُدَاوَى منه -أو كما قال له-حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: “أفرغت يا أبا الوليد؟ ” قال: نعم. قال: “فاستمع مني” قال: أفعل. قال: {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: “قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: أقسم -يحلف بالله-لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُهُ ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وهذا السياق أشبه من الذي قبله، والله أعلم. (1)
—————-
- كذا قال ابن كثير، وساقه قبل ذلك من عند عبد حميد وأبي يعلى ثم من عند البغوي ثم قال وأورد ابن إسحاق في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط، فذكره مطولا واقتصرنا على بعضه، واسناد ابن إسحاق فيه ضعف.