سورة غافر تفسير آيات 27 – 23 مختصر تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الأخوة بمجموعات؛ السلام والمدارسة والتخريج رقم 1، والاستفادة) اختصار سيف الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
——————–
يَقُولُ تَعَالَى مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهُ، وَمُبَشِّرًا لَهُ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ وَالنُّصْرَةَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا جَرَى لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} وَالسُّلْطَانُ هُوَ: الحُجة وَالْبُرْهَانُ.
{إِلَى فِرْعَوْنَ} هُوَ: مَلِكُ الْقِبْطِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، {وَهَامَانَ} وَهُوَ: وَزِيرُهُ فِي مَمْلَكَتِهِ {وَقَارُونَ} وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ مَالًا وَتِجَارَةً {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} أَيْ: كَذَّبُوهُ وَجَعَلُوهُ سَاحِرًا مُمَخْرِقًا مُمَوِّهًا كَذَّابًا فِي أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ [تَعَالَى]: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذَّارِيَاتِ 52، 53].
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا} أَيْ: بِالْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ، {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} وَهَذَا أَمْرٌ ثَانٍ مِنْ فِرْعَوْنَ بِقَتْلِ ذُكُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَكَانَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ وُجُودِ مُوسَى، أَوْ لِإِذْلَالِ هَذَا الشَّعْبِ وَتَقْلِيلِ عَدَدِهِمْ، أَوْ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَلِلْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، لِإِهَانَةِ هَذَا الشَّعْبِ، وَلِكَيْ يَتَشَاءَمُوا بِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَاتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الْأَعْرَافِ: 129].قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا أَمْرٌ بَعْدَ أَمْرٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} أَيْ: وَمَا مَكْرُهُمْ وَقَصْدُهُمُ الَّذِي هُوَ تَقْلِيلُ عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِئَلَّا يُنصروا عَلَيْهِمْ، إِلَّا ذَاهِبٌ وَهَالِكٌ فِي ضَلَالٍ.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} وَهَذَا عَزْمٌ مِنْ فِرْعَوْنَ -لَعَنَهُ اللَّهُ-عَلَى قَتْلِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَيْ: قَالَ لِقَوْمِهِ: دَعُونِي حَتَّى أَقْتُلَ لَكُمْ هَذَا، {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أَيْ: لَا أُبَالِي مِنْهُ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْجَحْدِ وَالتَّجَهْرُمِ وَالْعِنَادِ.
وَقَوْلُهُ -قَبَّحَهُ اللَّهُ-: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} يَعْنِي: مُوسَى، يَخْشَى فِرْعَوْنُ أَنْ يُضِلَّ مُوسَى النَّاسَ وَيُغَيِّرَ رُسُومَهُمْ وَعَادَاتِهُمْ. وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: “صَارَ فِرْعَوْنُ مُذَكِّرًا” يَعْنِي: وَاعِظًا، يُشْفِقُ عَلَى النَّاسِ مِنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَرَأَ الْأَكْثَرُونَ: “أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ وَأَنْ يُظهِر فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ” وَقَرَأَ آخَرُونَ: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: “يَظْهَر فِي الْأَرْضِ الفسادُ” بِالضَّمِّ.
وَقَالَ مُوسَى: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أَيْ: لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} قَالَ مُوسَى: استجرتُ بِاللَّهِ وعُذْتُ بِهِ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ أَمْثَالِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ، {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} أَيْ: عَنِ الْحَقِّ، مجرم، {لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}