سورة الشورى تفسير آيات 35 – 32 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
————————–
{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَار فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ (32) إِنْ يَشَا يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}
……………..
يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، تَسْخِيرُهُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ فِيهِ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ، وَهِيَ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ، أَيْ: كَالْجِبَالِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ، أَيْ: هِيَ فِي الْبَحْرِ كَالْجِبَالِ فِي الْبَرِّ،.
{إِنْ يَشَا يُسْكِنِ الرِّيحَ} أَيِ: الَّتِي تَسِيرُ بِالسُّفُنِ، لَوْ شَاءَ لَسَكَّنَهَا حَتَّى لَا تَتَحَرَّكَ السُّفُنُ، بَلْ تَظَلَّ رَاكِدَةً لَا تَجِيءُ وَلَا تَذْهَبُ، بَلْ وَاقِفَةً عَلَى ظَهْرِهِ، أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ} أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ {شَكُورٍ} أَيْ: إِنَّ فِي تَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ وَإِجْرَائِهِ الْهَوَى بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِسَيْرِهِمْ، لَدَلَالَاتٍ عَلَى نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ {لِكُلِّ صَبَّارٍ} أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ، {شَكُورٍ} فِي الرَّخَاءِ. (1)
وَقَوْلُهُ: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} أَيْ: وَلَوْ شَاءَ لَأَهْلَكَ السُّفُنَ وَغَرَّقَهَا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ رَاكِبُونَ عَلَيْهَا {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} أَيْ: مِنْ ذُنُوبِهِمْ. وَلَوْ أَخَذَهُمْ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ لِأَهْلَكَ كُلَّ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ.
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} أَيْ: لَوْ شَاءَ لَأَرْسَلَ الرِّيحَ قَوِيَّةً عَاتِيَةً، فَأَخَذَتِ السُّفُنَ وَأَحَالَتْهَا عَنْ سَيْرِهَا الْمُسْتَقِيمِ، فَصَرَفَتْهَا ذَاتَ الْيَمِينِ أَوْ ذَاتَ الشِّمَالِ، آبِقَةً لَا تَسِيرُ عَلَى طَرِيقٍ، وَلَا إِلَى جِهَةِ مَقْصِدٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ يَتَضَمَّنُ هَلَاكَهَا، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَسَكَّنَ الرِّيحَ فَوَقَفَتْ، أَوْ لَقَوَّاهُ فَشَرَدَتْ وَأَبْقَتْ وَهَلَكَتْ. وَلَكِنْ مِنْ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنَّهُ يُرْسِلُهُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، كَمَا يُرْسِلُ الْمَطَرَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَلَوْ أَنْزَلَهُ كَثِيرًا جِدًّا لَهَدَمَ الْبُنْيَانَ، أَوْ قَلِيلًا لَمَا أَنْبَتَ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ، حَتَّى إِنَّهُ يُرْسِلُ إِلَى مِثْلِ بِلَادِ مِصْرَ سَيْحًا مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مَطَرٍ، وَلَوْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ لَهَدَمَ بُنْيَانَهُمْ، وَأَسْقَطَ جُدْرَانَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أَيْ: لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْ بَاسِنَا وَنِقْمَتِنَا، فَإِنَّهُمْ مَقْهُورُونَ بِقُدْرَتِنَا.
———————
(1) كذا وقع فيما اطلعت عليه من المطبوع، ولعل الصواب:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} أَيْ: إِنَّ فِي تَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ وَإِجْرَائِهِ الْهَوَى بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِسَيْرِهِمْ، لَدَلَالَاتٍ عَلَى نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ {لِكُلِّ صَبَّارٍ} أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ، {شَكُورٍ} فِي الرَّخَاءِ.