43 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند ومتممه
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة، والمدارسة.
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
——
مسند أحمد : قال الإمام أحمد :
7168 – حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من رآني في المنام، فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي – وقال ابن فضيل مرة: يتخيل بي -، وإن رؤيا العبد المؤمن الصادقة الصالحة، جزء من سبعين جزءا من النبوة ”
قال محققو المسند :إسناده قوي، عاصم بن كليب من رجال مسلم، وأبوه كليب بن شهاب، من رجال أصحاب السنن، وهما صدوقان.
وسيأتي الشطر الأول منه برقم (8508) من طريق عبد الواحد بن زياد، عن عاصم بن كليب، وذكر في آخره قصة.
وأخرجه ابن ماجه (3901)، وأبو يعلى (6488) من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وسيأتي بنحوه برقم (7553) و (9316) و (9324) من طرق عن أبي هريرة.
وفي الباب عن ابن عباس، سلف برقم (2525)، وهناك ذكرنا ما ورد في هذا الباب من غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
والشطر الثاني منه -وهو قوله: “رؤيا العبد … الخ”- أخرجه بنحوه ابن حبان (6044) من طريق عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن جده يزيد بن عبد الرحمن الأودي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا جزء من سبعين جزءا من النبوة”.
وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة 11/ 54 عن أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفا.
وسيأتي برقم (8506) من طريق عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب، وسيأتي بلفظ: “جزء من ستة وأربعين جزءا” من طرق عن أبي هريرة برقم (7183) و (7642) و (8161) و (8819) و (10430). وانظر (8313).
وفي الباب عن ابن عباس، سلف برقم (2895) بلفظ: “الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة”، وذكرت شواهده هناك.
قلت سيف : الحديث على شرط الذيل على الصحيح المسند
———-
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
قال الحافظ في الفتح ( 12/ 389): من رآني فقد رأى الحق أي المنام الحق أي الصدق ومثله في الحديث الخامس قال الطيبي الحق هنا مصدر مؤكد أي فقد رأى رؤية الحق وقوله فان الشيطان لا يتمثل بي لتتميم المعنى والتعليل للحكم.
قال العيني : قال أبو عبد الله قال ابن سيرين إذا رآه في صورته
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها أن رؤية النبي في المنام صحيحة لا تنكر وليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان يؤيده قوله فقد رأى الحق أي الرؤيا الصحيحة. [ عمدة القاري ]
قال السندي في حاشيته على سن ابن ماجه ( 2/ 449) : قوله: (فقد رآني في اليقظة) أي: فرؤياه حق بحيث كان رؤيته تلك رؤية في اليقظة (لا يتمثل) أي: لا يظهر بحيث يظن الرائي أنه النبي – صلى الله عليه وسلم -، قيل: هذا يختص بصورته المعهودة فيعرض على الشمائل الشريفة المعروفة فإن طابقت الصورة المرئية تلك الشمائل فهي رؤيا حق، وإلا فالله أعلم بذلك، وقيل: بل في أي صورة كانت وقد رجحه كثير بأن الاختلاف إنما يجيء من أحوال الرائي وغيره والله أعلم، قيل: وجه ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مظهر الاسم الهادي؛ ولذلك قال تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] والشيطان مظهر المضل، والهداية والإضلال ضدان فمنع الشيطان عن ظهور صورته صلى الله عليه وسلم.
قال الطيبي في شرح المشكاة : وما كان من النبوة فإنه لا يكذب، فحينئذ لا يفتقر إلى تلك التكلفات والتمحلات
قال الألباني : إن كان الرائي رأى الرسول عليه السلام حقيقة فهي رؤية حقيقة، أي: إن رأى الرسول عليه السلام بأوصافه الثابتة في كتب السنة فقد رآه حقاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي ).
أما إن رأى صورة وقيل له: إن هذا رسول الله، كأن رآه مثلاً شيخاً فانياً، لحيته بيضاء كالقطن، فهذه ليست صفة الرسول عليه السلام، ونحو ذلك من الصفات، فمن رأى الرسول بأوصافه المطابقة للشمائل النبوية؛ فقد رآه حقاً وإلا فلا. [ دروس الشيخ الألباني ]
قال العباد في [شرح سنن أبي داود] : أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) ] هذا يحمل على أمرين: إن كان الشخص في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يكن قد رآه ثم رآه في المنام، فإنه قد ييسر الله له أن يراه، وأن يهاجر إليه، ثم يرى أن ما رآه في المنام مطابق لما رآه في اليقظة. قوله: [ (أو لكأنما رآني) ] يعني: أنه بمثابة من رآني. قوله: [ (ولا يتمثل الشيطان بي) ] أي: لا يتمثل به على هيئته التي يعرفها أصحابه، وإلا فقد يأتي الشيطان ويقول: إنه رسول الله ويكون على هيئة ليست هي هيئته، فهذا ليس رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلو أن إنساناً رأى في المنام قزماً، أو رأى شخصاً عملاقاً، أو رأى شخصاً ليس له لحية، أو رآه على هيئة خبيثة قبيحة لا تليق بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما تكون الرؤيا مطابقة إذا كانت على الهيئة التي يعرفها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنى [ رؤيا العبد المؤمن الصادقة الصالحة، جزء من سبعين من النبوة ]
قال الحافظ في الفتح ( 12/ 375): أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أن الرؤيا نبوة وليس كذلك لما تقدم أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة أو لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعا صوته لا يسمى مؤذنا ولا يقال أنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو قرأ شيئا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قالت سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وبن ماجة وصححه بن خزيمة وبن حبان.
قال السندي في حاشيته على المسند : (جُزْءٌ … إلخ)، أي: لها مناسبة قوية بالنبوة من حيث الاطلاع على المغيبات بلا مداخلة للكسب المؤدي إلى الإثم، كما في الكهان مثلًا، وإلا فالنبوة لا تتجزأ والله تعالى أعلم.
[ آداب الرؤيا الحسنة و المكروهة ]
عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه * ( صحيح ) وأخرجه مسلم ، صحيح ابن ماحه .
قال أبو عمر في هذا الحديث نص في معنى الرؤيا ودليل فالنص منها أن من رأى في منامه ما يكره فنفث عن يساره ثلاث مرات وتعوذ بالله من شر ما رأى لم تضره تلك الرؤيا والدليل منه أن كل ما يكره من أنواع الرؤيا فهو حلم وليس برؤيا بل هي أضغاث لا تضره إذا استعاذ بالله الذي رآها من شرها ونفث كما أتى في الحديث – والله أعلم . الاستذكار ( 8/ 459)
ومحصله أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة حمد الله عليها وأن يستبشر بها، وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وإن آداب الحلم أربعة التعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن يتفل حين يستيقظ من نومه ولا يذكرها لأحد أصلاً . شرح القسطلاني ( 10 / 126) .
وقد ذكر العلماء حكمة هذه الأمور فأما الاستعاذة بالله من شرها فواضح وهي مشروعة عند كل أمر يكره وأما الاستعاذة من الشيطان فلما وقع في بعض طرق الحديث أنها منه وأنه يخيل بها لقصد تحزين الآدمي والتهويل عليه كما تقدم وأما التفل فقال عياض أمر به طردا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرا له واستقذارا وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها قلت والتثليث للتأكيد. انظر [ فتح الباري ، ج 12 / 371] .
قلت سيف : يقصد بالتثليث : التفل ثلاثاً.
قال النووي على مسلم ( 15/ 18): فإنها لا تضره معناه أن الله تعالى جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء.
[ سئل العلامة العثيمين: الفرق بين الرؤيا و الحلم ]
الشيخ: الرؤيا جزءٌ من ستة وأربعين جزءً من النبوة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والحلم من الشيطان يضرب للنائم أمثالاً يراها في منامه والضابط الغالب أن ما يكرهه الإنسان فيما يراه في منامه أنه من الشيطان فإن الشيطان يضرب الأمثال للنائم في أمورٍ تزعجه ويكرهها من أجل أن يدخل عليه الحزن والغم حيث إن الشيطان عدو والعدو يحب ما يؤذي عدوه ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى (إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً) وقول الله تعالى (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحلم من الشيطان وأمر من رأى ما يكره أن يتفل عن يساره ثلاثة مرات وأن يستعيذ بالله من شر ما رأى ومن شر الشيطان وأن ينقلب إلى الجنب الآخر وأن لا يحدث بذلك أحداً وأخبر أنه إذا فعل ذلك فإنه لا يضره ما رآه في منامه فإذا رأيت الحلم ورأيت أنه ليس له أساس وليس له أصل وهدف أو رأيت أنه يحزنك فاعلم أنه من الشيطان وقد ذكر رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه رأى في منامه أن رأسه قد قطع وأنه ذهب يشتد سعياً وراء رأسه يعني رأسه مقطوع وهرب الرأس وهذا يركض وراءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحدث الناس بتلاعب الشيطان بك في منامك لأن هذا غير معقول وليس له هدف. [فتاوى نور على الدرب]
[لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح ]
«الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي»
(صحيح) … [د هـ] عن أبي رزين. الصحيحة 120
إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجليه فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا.
(صحيح) (ك) عن أنس. (الصحيحة 120)
قال القاضي أبو بكر بن العربي أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشد إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فإن عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت
قلت والأولى الجمع بين الروايتين فإن اللبيب عبر به عن العالم والحبيب عبر به من الناصح [ فتح الباري : 12/ 369]
تنبيه: تعبير الرؤى من الفتوى ، فلا يجوز تعبير الرؤى بلا علم ، و دليله( أفتوني في رؤياي )
فائدة : [ لاينبغي للانسان أن يشغل نفسه بالرؤى ]
لا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بالرؤى، لكن إذا حصلت له رؤيا وأمكنه تعبيرها فإنه يعبرها، وإن لم يعبرها ووثق في أحد وسأله عبرها له، وإن كان فيها شيء لا يعجبه فيأخذ بالآداب التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يشغل نفسه بالرؤى وتعبيرها، فإنه قد يشتغل بذلك عما هو أهم منه. والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى، ولكن يمكن للإنسان أن يستنتج ويفهم مثل ما عمل ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) فإنه عندما جاء عند ذكر التشبيه والقياس، ذكر أن الرؤى تعرف عن طريق التشبيه وعن طريق القياس، ثم ذكر جملة من الرؤى، بناء على إلحاق الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير، وذلك عند ما شرح كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ؛ لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري كتاباً في القضاء يتكون من صفحة واحدة، وشرحه ابن القيم في مجلد من إعلام الموقعين، وكان من جملة ما جاء فيه أنه أتى بالأمثال التي ضربت في القرآن من أوله إلى آخره، وتكلم على تلك الأمثال، ثم تكلم على الرؤى والاستنتاج، وأن تعبير الرؤى يمكن أن يعرف عن طريق ضرب الأمثال، وذكر كلاماً كثيراً حول تعبير الرؤى في ذلك الموضع. لكن كون الإنسان يشتغل بالرؤى وتعبير الرؤى فهذا يحتاج إلى وقت ليبحث ويقرأ عن فلان وعن فلان؛ ولهذا نجد الآن بعض المعبرين الذين تصدوا للتعبير سوقهم رائجة، والناس يشغلونه أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين وفي مسائل الفقه والأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم، وما أكثر من يسأل عن الرؤيا، يتصل بالهاتف يريد أن يسأل عن رؤيا، أما أنا فليس عندي سوى جواب واحد: أني لا أعرف تعبير الرؤيا، فإذا سألني أحد وقال: أريد أن أقص عليك رؤيا، أقول له: لا تقص علي، فأنا لا أعرف تعبير الرؤى، ولا أريد أن أبحث ولا أريد أن أشغل نفسي بتعبير الرؤيا.
وأذكر أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى سمعته مرة من المرات في الإذاعة في سؤال في برنامج نور على الدرب، سألته امرأة فقالت: رأيت أن لي لسانين، قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا، لكن قد يكون عندك لغتان؛ لأن اللسان يطلق على اللغة، فهذا كتاب لسان العرب لابن منظور يعني: لغة العرب، والله تعالى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] يعني: بلغة قومه، فاللسان يأتي بمعنى اللغة. فهو رحمه الله قال: قد يكون عندك لغتان أو ستحصلين على لغتين، ولم يحدد، بل قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا؛ لأنه لا يريد أن يشغل نفسه في هذه الأمور، لأنها تشغله عما هو أهم منها، مثل الذي ينشغل بالشعر ويهتم به ويصير هو ديدنه فإنه ينشغل عما هو أهم منه. شرح سنن ابي داود للعباد حفظه الله
[الأحكام الشرعية لا تؤخذ الرؤى المنامية ]
ليس هناك تشريع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشريعة مستقرة، ولا تؤخذ الأحكام الشرعية من الرؤى المنامية، لكن كونه يأمر بشيء طيب لا يخالف الشريعة بل هو مطابق لما جاء عنه وبما جاء في شرعه، كأن يأمره بصدقة، أو يأمره بعمل مطابق لما يمكن أن يأتي به؛ فلا بأس، ولكن هذا كما هو معلوم إذا كان على الهيئة التي كان عليها صلى الله عليه وسلم، والتي يعرفها أصحابه، والتي دونت في كتب الحديث. أما إذا أتى بشيء يخالف الشريعة أو يأمر بشيء مخالف للشريعة؛ فهذا الذي رآه ليس هو رسول الله عليه الصلاة والسلام. شرح سنن أبي داود للعباد
قلت سيف : وتوسعنا في أحكام الرؤى في مباحث مطولة وحكمنا على الأحاديث في كتابنا الذي يتعاون معنا الأصحاب في جمعه وهو كتاب الفوائد على صحيح مسلم