حاشية على أحاديث معلة ظاهرها الصحة
جمع عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-‘——–‘——–
29 – قال الإمام أبو عبد الله الحاكم رحمه الله (ج4ص200): حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الفضل بن محمد الشعراني، ثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة، ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ” إذا حم أحدكم فليشن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر “.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وإنما اتفقا على الأسانيد في أن الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء).
وقال الحاكم رحمه الله (ج4ص403): أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمد بن غالب بن حرب، والحسين بن يسار الخياط، قالا: ثنا عبيد الله بن محمد ابن عائشة، ثنا حماد بن سلمة، به وقال أيضا صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
هكذا قال الحاكم وسكت عليه الذهبي، وإليك ما قاله ابن أبي حاتم رحمه الله في كتاب “العلل” (ج2ض337) قال رحمه الله: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه روح بن عبادة وابن عائشة عن حماد عن حميد عن انس – فذكره- قال أبي: رواه موسى ابن اسماعيل وغيره عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهو أشبه. قال أبو زرعة هذا خطأ إنما هو حميد عن الحسن عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهو الصحيح. اهـ
هذا قول الحافظين الناقدين ولسنا نعارض قولهما بكلام عصري باحث ليس بحافظ فإن وجدنا من يعارضهما من العلماء الحفاظ نظرنا في حجة كل واحد منهما ثم نرجح إن تيسر الترجيح وإلا توقفنا والحمد لله.
…………………….
قال الضياء في المختارة: إسناده صحيح.
قال الحافظ في الفتح (10/ 177): أخرجه الطحاوي وأبو نعيم في الطب والطبراني في الأوسط وصححه الحاكم وسنده قوي وله شاهد من حديث أم خالد بنت سعيد أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وأبو نعيم في الطب من طريقه وقال عبد الرحمن بن المرقع رفعه الحمى رائد الموت وهي سجن الله في الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوه عليكم فيما بين الأذانين المغرب والعشاء قال ففعلوا فذهب عنهم أخرجه الطبراني.
فصل: فى هَدْيه فى علاج الحُمَّى
ثبت فى “الصحيحين”: عن نافع، عن ابن عمرَ، أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “إنَّمَا الحُمَّى أو شِدَّةُ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهنمَ، فَأبْرِدُوُهَا بِالْمَاءِ”.
وقد أشكل هذا الحديثُ على كثير من جهلة الأطباء، ورأوه منافياً لدواء الحُمَّى وعلاجِها، ونحن نُبيِّنُ بحَوْل الله وقوته وجهَه وفقهه فنقول:
خطابُ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نوعان: عامٌ لأهل الأرض، وخاصٌ ببعضهم، فالأول: كعامة خطابه، والثانى: كقوله: “لاَ تَسْتَقْبلُوا القِبلَةَ بغائطٍ ولاَ بَولٍ، ولاَ تَسْتَدْبِروهَا، ولكنْ شرِّقوا، أوْ غَرِّبُوا “. فهذا ليس بخطاب لأهل المشرق والمغرب ولا العراق، ولكن لأهل المدينة وما على سَمْتِها، كالشام وغيرها. وكذلك قوله: “مَا بينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قبلَةٌ”.
وإذا عُرف هذا، فخطابُه فى هذا الحديث خاصٌ بأهل الحجاز، وما والاهم، إذ كان أكثرُ الحُمَّياتِ التى تَعرض لهم من نوع الحُمَّى اليومية العَرَضية الحادثةِ عن شدة حرارة الشمس، وهذه ينفعُها الماء البارد شُرباً واغتسالاً، فإن الحُمَّى حرارةٌ غريبة تشتعل فى القلب، وتنبثُّ منه بتوسط الروح والدم فى الشرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية.
وهى تنقسم إلى قسمين:
عَرَضية: وهى الحادثةُ إما عن الورم، أو الحركة، أو إصابةِ حرارة الشمس، أو القَيْظ الشديد … ونحو ذلك.
ومرضية: وهى ثلاثةُ أنواع، وهى لا تكون إلا فى مادة أُولى، ثم منها يسخن جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حُمَّى يوم، لأنها فى الغالب تزول فى يوم، ونهايتُها ثلاثة أيام، وإن كان مبدأُ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية، وهى أربعة أصناف: صفراوية، وسوداوية، وبلغمية، ودموية. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت حُمَّى دِق، وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرة.
وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء، وكثيراً ما يكون حُمَّى يوم وحُمَّى العفن سبباً لإنضاج موادَّ غليظة لم تكن تنضِجُ بدونها، وسبباً لتفتح سُدَدٍ لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة.
وأما الرَّمدُ الحديثُ والمتقادمُ، فإنها تُبرئ أكثَر أنواعه بُرءًا عجيباً سريعاً، وتنفع من الفالج، واللَّقْوَة، والتشنج الامتلائى، وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة.
وقال لى بعض فضلاء الأطباء: إنَّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحُمَّى، كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحُمَّى فيه أنفَع من شرب الدواء بكثير، فإنها تُنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضُرُّ بالبدن، فإذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئةً للخروج بنضاجها، فأخرجها، فكانت سبباً للشفاء.
وإذا عُرِفَ هذا، فيجوز أن يكون مرادُ الحديثِ من أقسام الحُمَّيات العرضية، فإنها تسكن على المكان بالانغماس فى الماء البارد، وسقى الماء البارد المثلوج، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر، فإنها مجردُ كيفية حارة متعلقة بالرَّوح، فيكفى فى زوالها مجردُ وصول كيفية باردة تُسكنها، وتُخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة، أو انتظار نضج.
ويجوز أن يُراد به جميعُ أنواع الحُمَّيات، وقد اعترف فاضل الأطباء “جالينوس”: بأنَّ الماء البارد ينفع فيها، قال فى المقالة العاشرة من كتاب “حيلة البرء”: “ولو أنَّ رجلاً شاباً حسنَ اللَّحم، خِصَب البدن فى وقت القَيْظ، وفى وقت منتهى الحُمَّى، وليس فى أحشائه ورم، استحمَّ بماءٍ بارد، أو سبح فيه، لانتفع بذلك”. وقال: “ونحن نأمر بذلك بلا توقف”.
وقال الرازىُّ فى كتابه الكبير: “إذا كانت القوة قوية، والحُمَّى حادة جداً، والنضجُ بَيِّنٌ ولا وَرَمَ فى الجوف، ولا فَتْقَ، ينفع الماء البارد شرباً، وإن كان العليل خِصَب البدن والزمان حارٌ، وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج، فليؤذَنْ فيه”.
وقوله: “الحُمَّى مِن فَيْحِ جهنَم”، هو شدة لهبها، وانتشارُها، ونظيرُه قوله: “شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيْحِ جَهنمَ”، وفيه وجهان.
أحدهما: أنَّ ذلك أَنموذَجٌ ورقيقةٌ اشتُقَتْ من جهنم ليستدلَّ بها العبادُ عليها، ويعتبروا بها، ثم إنَّ الله سبحانه قدَّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها، كما أنَّ الروحَ والفرح والسرور واللَّذة من نعيم الجنَّة أظهرها الله فى هذه الدار عِبرةً ودلالةً، وقدَّر ظهورَها بأسباب توجبها.
والثانى: أن يكون المراد التشبيه، فشَبَّه شدة الحُمَّى ولهبها بفَيْح جهنم وشبَّه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة عذاب النار، وأنَّ هذه الحرارة العظيمة مشبهةٌ بفَيْحها، وهو ما يصيب مَن قَرُب منها من حَرِّها.
وقوله: “فَابْرِدُوُها”، رُوى بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها، رُباعىّ: من “أبْرَدَ الشاءَ”: إذا صَيَّرَه بارداً، مثل “أَسْخَنَه”: إذا صيَّره سخناً.
والثانى: بهمزة الوصل مضمومةً من “بَرَدَ الشاءَ يَبْرُدُه”، وهو أفصحُ لغةً واستعمالاً، والرباعى لغةٌ رديئة عندهم، قال:
إذا وَجدْتُ لَهِيبَ الْحُبِّ فى كَبِدِى … أقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ القَوْمِ أَبْتَرِدُ
هَبْنِى بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظَاهِرَهُ … فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الأحْشَاءِ تَتَّقِدُ
وقوله: “بالماء” فيه قولان، أحدهما: أنه كل ماء، وهو الصحيح.
والثانى: أنه ماء زمزمَ، واحتج أصحابُ هذا القول بما رواه البخارىُّ فى “صحيحه”، عن أبى جَمْرَةَ نَصْرِ بن عمرانَ الضُّبَعىِّ قال: كُنْتُ أُجَالِسُ ابن عباسٍ بمكةَ، فأخَذَتْنى الْحُمَّى فقال: أبردها عنك بماءِ زمزمَ، فإنَّ رَسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “إن الحُمَّى من فَيْحِ جَهَنَّم، فأبْردوها بالماء” أو قال: “بماءِ زَمْزَمَ “. وراوى هذا قد شك فيه، ولو جَزَم به لكان أمراً لأهل مكةَ بماء زمزمَ، إذ هو متيسر عندهم، ولغيرهم بما عندهم من الماء.
ثم اختلفَ مَن قال: إنه على عمومه، هل المراد به الصدقة بالماء، أو استعماله؟ على قولين. والصحيح أنه استعمال، وأظن أنَّ الذى حمل مَن قال: المرادُ الصدقةُ به أنه أشكلَ عليه استعمالُ الماء البارد فى الحُمَّى ولم يَفهمْ وجهه مع أنَّ لقوله وجهاً حسناً، وهو أنَّ الجزاءَ مِن جنس العمل، فكما أُخْمِد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد، أخمَدَ اللهُ لهيبَ الحُمَّى عنه جزاءً وِفاقاً، ولكن هذا يُؤخد مِن فِقْه الحديث وإشارته، وأما المراد به فاستعماله.
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنَسٍ يَرفعه: “إذَا حُمَّ أَحَدُكُم، فَلْيُرَشَّ عليهِ الماءَ البارِدَ ثلاثَ ليالٍ مِنَ السَّحَرِ”.
وأما تصفيتها القلبَ من وسخه ودَرَنه، وإخراجها خبائثَه، فأمرٌ يعلمه أطباءُ القلوب، ويجدونه كما أخبرهم به نبيُّهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن مرض القلب إذا صار مأيُوساً من برئه، لم ينفع فيه هذا العلاج.
فالحُمَّى تنفع البدنَ والقلبَ، وما كان بهذه المَثابة فسَبُّه ظلم وعدوان.
وذكرتُ مرة وأنا محمومٌ قولَ بعض الشعراء يسبُّها:
زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ وَوَدَّعَتْ … تبّاً لها مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِها … مَاذَا تريدُ؟ فقُلتُ: أن لا تَرْجِعِى
فقلتُ: تبّاً له إذ سَبَّ ما نهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سَبِّه. ولو قال:
زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ لِصَبِّها … أَهْلاً بها مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِها … ماذا تريدُ؟ فقلتُ: أن لا تُقْلِعى
لكان أولى به، ولأقلعت عنه. فأقلعت عَنِّى سريعاً.
وقد روى فى أثر لا أعرف حاله:”حُمَّى يَوْمٍ كَفَّارَةُ سَنَةٍ”، وفيه قولان؛ أحدهما: أنَّ الحُمَّى تدخل فى كل الأعضاء والمفاصِل، وعدتُها ثلاثمائة وستون مَفْصِلاً، فتكفِّرُ عنه بعدد كل مفصل ذنوبَ يوم.
والثانى: أنها تؤثر فى البدن تأثيراً لا يزول بالكلية إلى سنة، كما قيل فى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لمْ تُقْبَلْ لهُ صَلاةٌ أَربعينَ يوْماً”: إنَّ أثر الخمر يَبقى فى جوف العبد،
وعروقه، وأعضائه أربعين يوماً .. والله أعلم. قال أبو هريرةَ مَا منْ مَرَضٍ يُصيبنى أَحَبُّ إلىَّ من الحُمَّى، لأنها تدخل فى كلِّ عضوٍ منِّى، وإنَّ الله سبحَانهُ يُعْطى كلَّ عضوٍ حظَّه مِن الأجرِ.
وقد روى الترمذىُّ فى “جامعه” من حديث رافِع بن خَدِيجٍ يرفعُه: “إذا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ الحُمَّى وَإنَّ الحُمَّى قِطْعةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطفئهَا بالمَاءِ البَارِدِ، ويَسْتَقبِلْ نَهْراً جارياً، فَلْيستقبلْ جَرْيَةَ المَاءِ بعدَ الفَجْرِ وقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وليقلْ: بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ، وصَدِّقْ رَسُولَك. وينغمِسُ فيهِ ثلاثَ غَمَسَاتٍ ثلاثةَ أيامٍ، فإنْ بَرِاءَ، وإلا ففِى خمسٍ، فإن لمْ يبرَا فى خمس، فسبع، فإن لم يبرأ فى سبع فتسع، فإنها لا تكادُ تُجاوز تسعاً بإذنِ اللهِ”.
قلت: وهو ينفع فعله فى فصل الصيف فى البلاد الحارة على الشرائط التى تقدَّمت، فإنَّ الماء فى ذلك الوقت أبردُ ما يكون لبُعْدِه عن ملاقاة الشمس، ووفور القُوَى فى ذلك الوقت لما أفادها النوم، والسكون، وبرد الهواء، فتجتمع فيه قوةُ القُوَى، وقوةُ الدواء، وهو الماء البارد على حرارة الحُمَّى العَرَضية، أو الغِبِّ الخالصة، أعنى التى لا ورم معها، ولا شاء من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة، فيُطفئها بإذن الله، لا سيما فى أحد الأيام المذكورة فى الحديث، وهى الأيام التى يقع فيها بُحرَان الأمراضُ الحادةُ كثيراً، سيما فى البلاد المذكورة، لرِّقةِ أخلاط سكانها، وسُرعة انفعالهم عن الدواء النافع. اهـ
—–
قلت سيف بن دورة الكعبي: تتمات من تعليقنا على صحيح مسلم: المسمى بالفوائد المنتقاه:
– قال ابن القيم أن هذا شك من الراوي، فالإبراد يحصل بكل المياه ولا يختص بماء زمزم أو قال: يختص بأهل مكة لأنهم هم الذين يجدون ماء زمزم.
وتعقبه ابن حجر أن الراوي لم يشك في طرق أخرى.
قلت: ممكن أن يقال: أن الإبراد عام لكل ماء، وماء زمزم أفضلها أو ماء زمزم لإبراد الداخل بشربها أو غير ذلك من أوجه الجمع.
قرر بعض أهل العلم أن منافع الماء لنوع معين من الحمى، لا لكل حمى، لأن بعض أنواع الحرارة يناسبها أنواع أخرى من العلاجات، ونقل ابن القيم في الزاد؛ أنه يحتمل العموم. قلت: فعلى هذا فلابد من معرفة طريقة الإبراد بالماء لكل نوع، فقد نقل الخطابي أن أحد العلماء أصابته حمى فانغمس في الماء فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه فأصابته علة صعبة كادت تهلكه، فلما خرج من علته قال قولاً لا يحسن ذكره، وإنما أوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث، فمن أين حملت الأمر على الإغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية.
حتى أسماء رضي الله عنها إنما (كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها، أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء). أخرجه البخاري 5724 وورد عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة (بالماء البارد) ومثله عن سمرة عند أحمد (انتهى ملخصا من الفتح)
قلت وحديث سمرة لم أجده في مسند أحمد وهو عند البزار كما في الكشف 3027 وعزاه الهيثمي للطبراني فقط والحديث ذكره العقيلي فيما أنكر على إسماعيل بن مسلم وهو متروك.
أما حديث أبي هريرة فالحسن مختلف هل سمع من أبي هريرة أم لا.
المهم في العصر الحديث يستعملون ضمادة من ثلج. وأحياناً يأمرون المحموم بالإغتسال فلكل نوع من الحمى طريقة للتبريد.
ونقل النووي أن بعض أنواع الحمى يأمر المريض ببلع ثلج.
ولعل الحمى الذي أصيب بها ذاك الرجل لا ينفعها التبريد بطريق الإنغماس إنما ينفعها الرش، وإلا قد نقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أن يصب عليه من سبع قرب.
فإذا لم تعرف الطريقة المناسبة للتبريد ولم تجد طبيب يرشدك فاستعمل أسهل طريقة وهي التضميد خاصة في منطقة الجبهة.
وقد رد النووي وابن حجر وابن القيم على الذي أنكر نفع الماء للحمى، حيث قرر ابن القيم ….. ثم لخصت ما نقل من كلام ابن القيم
– تنبيه: وردت أحاديث في طريقة استعمال الماء لم يصح منها شئ إلا ما سبق أن ذكرناه سابقاً؛ منها حديث (إذا حم أحدكم فليشن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر) أعله أبوحاتم وأبو زرعة بأن الصواب أنه من مراسيل الحسن.
وكذلك حديث ثوبان وفيه (يستنقع في نهر جار … ) قال الترمذي غريب، وقال ابن حجر: فيه سعيد بن زرعة مختلف فيه، والحديث ضعفه الشيخ الألباني.
وهناك أحاديث أيضاً أرسلها لي بعض الأخوة في فضل الحمى لا تصح راجع لها ضعيف الجامع للألباني يبدأ أولها بكلمة (الحمى … )
بقي أنه من حديث جابر رضي الله عنه (أستاذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها إلى أهل قباء، فشكوا ذلك فقال: ما شئتم إن شئتم دعوت الله لكم فكشفها عنكم وإن شئتم أن تكون لكم طهورا. قالوا فدعها) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه وفيه (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل دارا دارا وبيتا بيتاً يدعو لهم … ) وهو في الصحيح المسند 1410، ولا يعارض حديث عائشة رضي الله عنها الذي في البخاري بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أن تنتقل حمى المدينة للجحفه) فيحتمل هذا آخر الأمرين أو يكون نوع من الحمى الشديدة هي التي دعا بانتقالها إلى خارج المدينة