تهذيب تفسير ابن كثير [سورة الفتح (48): الايات 25 الى 26]
قام به سيف بن محمد بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وصاحبهما
[سورة الفتح (48): الايات 25 الى 26]
هـمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهـمْ أَنْ تَطَؤُهـمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهـلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهـلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26)
——
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكُفَّارِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَنْ مَالاهـمْ عَلَى نُصْرَتِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هـمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ هـمُ الْكُفَّارُ دُونَ غَيْرِهـمْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي أنتم أَحَقُّ بِهِ وَأَنْتُمْ أَهـلُهُ فِي نَفْسِ الامْرِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أَيْ وَصَدُّوا الْهَدْيَ أَنْ يَصِلَ إِلَى مَحَلِّهِ وَهـذَا مِنْ بَغْيِهِمْ وَعِنَادِهـمْ، وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وقوله عز وجل: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ أَيْ بَيْنَ أَظْهُرِهـمْ مِمَّنْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَيُخْفِيهِ مِنْهُمْ خِيفَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، لَكُنَّا سَلَّطْنَاكُمْ عَلَيْهِمْ فَقَتَلْتُمُوهـمْ وَأَبَدْتُمْ خَضْرَاءَهـمْ وَلَكِنْ بَيْنَ أَفْنَائِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَقْوَامٌ لا تَعْرِفُونَهُمْ حَالَةَ الْقَتْلِ، ولهذا قال تعالى:
لَمْ تَعْلَمُوهـمْ أَنْ تَطَؤُهـمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ أَيْ إِثْمٌ وَغَرَامَةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ أَيْ يُؤَخِّرُ عُقُوبَتَهُمْ لِيُخَلِّصَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهـمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَرْجِعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الاسْلامِ، ثُمَّ قال تبارك وتعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا أَيْ لَوْ تَمَيَّزَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهـمْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً أَيْ لَسَلَّطْنَاكُمْ عَلَيْهِمْ فَلَقَتَلْتُمُوهـمْ قَتْلا ذَرِيعًا.
وروى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: عن جُنَيْدَ بْنَ سَبُعٍ يَقُولُ: قَاتَلْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ النَّهَارِ كَافِرًا، وَقَاتَلْتُ مَعَهُ آخِرَ النَّهَارِ مُسْلِمًا، وَفِينَا نَزَلَتْ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ قَالَ: كُنَّا تِسْعَةَ نَفَرٍ سَبْعَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي جُمُعَةَ جُنَيْدِ بْنِ سَبُعٍ فَذَكَرَهُ، وَالصَّوَابُ أَبُو جَعْفَرٍ حَبِيبُ بْنُ سِبَاعٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُجْرِ بْنِ خَلَفٍ بِهِ: وَقَالَ: كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة، وَفِينَا نَزَلَتْ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ
وَقَوْلُهُ عز وجل: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهـلِيَّةِ وَذَلِكَ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَكْتُبُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبَوْا أَنْ يَكْتُبُوا هـذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَهـيَ قَوْلُ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الامَامِ أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثُوَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الطُّفَيْلِ، يَعْنِي ابْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عن أبيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى» قَالَ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ قَزْعَةَ، وَقَالَ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِهِ، وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلا مِنْ هـذَا الْوَجْهِ (1)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أن أبا هـريرة رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عز وجل» وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَ قَوْمًا فَقَالَ: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
[الصَّافَّاتِ: 35]
وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهـلَها وَهـيَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا، وَاسْتَكْبَرَ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ يوم الحديبية فكاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَكَذَا رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَاتِ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الزُّهـرِيِّ، وَالظَّاهـرُ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلامِ الزُّهـرِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (2)
وَقَالَ مُجَاهـدٌ: كَلِمَةَ التَّقْوَى الاخْلاصُ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ هـيَ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهـوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهـرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ: يَقُولُ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَهـيَ رَأْسُ كُلِّ تَقْوَى.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ» وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ هـيَ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عن الزُّهـرِيِّ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهـلَها كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَحَقَّ بِهَا وَكَانُوا أَهـلَهَا وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أَيْ هـوَ عَلِيمٌ بِمَنْ يستحق الخير ممن يَسْتَحِقُّ الشَّرَّ، وَقَدْ روى النَّسَائِيُّ: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهـلِيَّةِ وَلَوْ حَمَيْتُمْ كَمَا حَمُوا لَفَسَدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فَأَغْلَظَ لَهُ فَقَالَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيعلمني مما علمه الله تعالى، فقال عمر رضي الله عنه: بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ عِنْدَكَ عِلْمٌ وَقُرْآنٌ، فَاقْرَأْ وعلم مما علمك الله تعالى وَرَسُولُهُ.
وَهـذَا ذِكْرُ الاحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي قِصَّةِ الحديبية وقضية الصُّلْحِ
قَالَ الامَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هـارُونَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الزُّهـرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قَالا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ لا يُرِيدُ قِتَالا، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشْرَةٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعَسَفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هـذِهِ قُرَيْشٌ، قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ فَخَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسَتْ جُلُودَ النُّمُورِ يعاهـدون الله تعالى أن لا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَهـذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قَدَّمُوهُ إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! قَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ؟ فَإِنْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أظهرني الله تعالى دَخَلُوا فِي الاسْلامِ وَهـمْ وَافِرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ فو الله لا أَزَالُ أُجَاهـدُهـمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ تعالى به حتى يظهرني الله عز وجل أو تنفرد هـذه السالفة».
ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَسَلَكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحَمْضِ عَلَى طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ وَالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، قَالَ فَسَلَكَ بِالْجَيْشِ تِلْكَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، رَكَضُوا رَاجِعِينَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا سَلَكَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ خَلاتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما خَلاتْ وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ، وَاللَّهِ لا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرحم إلا أعطيتهم إياهـا».
ثم قال صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ: «انْزِلُوا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِالْوَادِي مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنَزَلَ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ فَغَرَزَهُ فِيهِ، فَجَاشَ بِالْمَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ. فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَقَالَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ، فَرَجَعُوا إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا:
يَا مَعْشَرَ قريش إنكم تعجلون على محمد صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظِّمًا لِحَقِّهِ، فَاتَّهَمُوهـمْ.
قَالَ محمد بن إسحاق: قال الزهـري: كَانَتْ خُزَاعَةُ فِي عَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُشْرِكُهَا وَمُسْلِمُهَا لا يُخْفُونَ على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كَانَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: وَإِنْ كان إنما جاء لذلك فو الله لا يَدْخُلُهَا أَبَدًا عَلَيْنَا عَنْوَةً، وَلا يَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هـذَا رَجُلٌ غَادِرٌ» فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَلَّمَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مما كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهـمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ الْكِنَانِيَّ، وَهـوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الاحَابِيشِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هـذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ فَابْعَثُوا الْهَدْيَ» فِي وَجْهِهِ فَبَعَثُوا الْهَدْيَ فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عُرْضِ الْوَادِي فِي قَلائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحَلِّهِ، رَجَعَ وَلَمْ يَصِلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْظَامًا لِمَا رَأَى فقال: يا معشر قريش لقد رَأَيْتُ مَا لا يَحِلُّ صَدُّهُ الْهَدْيُ فِي قَلائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحَلِّهِ، قَالُوا: اجْلِسْ إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لا عِلْمَ لَكَ.
فَبَعَثُوا إِلَيْهِ عُرْوَةَ بْنَ مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قَدْ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ تَبْعَثُونَ إِلَى مُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَكُمْ مِنَ التَّعْنِيفِ وَسُوءِ اللَّفْظِ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّكُمْ وَالِدٌ وَأَنِّي وَلَدٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالَّذِي نَابَكُمْ فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي. قَالُوا:
صَدَقْتَ مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ جَمَعْتَ أَوْبَاشَ النَّاسِ ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ لِبَيْضَتِكَ لِتَفُضَّهَا، إِنَّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ يُعَاهـدُونَ اللَّهَ تعالى أن لا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَايْمُ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِهَؤُلاءِ قَدِ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا، قَالَ وَأَبُو بكر رضي الله عنه قَاعِدٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: امْصُصْ بَظْرَ اللاتِ أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قَالَ مَنْ هـذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ صَلَّى الله عليه وسلم: «هـذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ «قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَكَافَأْتُكَ بِهَا، وَلَكِنْ هـذِهِ بِهَا.
ثُمَّ تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شعبة رضي الله عنه وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالحديد، قَالَ: فَقَرَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ أَمْسِكْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ والله أن لا تصل إليك قال ويحك ما أفظك وأغلظك! فتبسم رسول الله قَالَ: مَنْ هـذَا يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هـذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ» قَالَ: أَغُدَرُ، وَهـلْ غَسَلْتَ سَوْأَتَكَ إِلا بِالامْسِ؟
قَالَ: فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ أصحابه، وأخبره بأنه لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا. قَالَ فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ لا يَتَوَضَّأُ وَضُوءًا إِلا ابْتَدَرُوهُ، وَلا يَبْصُقُ بُصَاقًا إِلا ابْتَدَرُوهُ، وَلا يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ إِلا أَخَذُوهُ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّى جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ وَجِئْتُ قَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِمَا، وَاللَّهِ مَا رأيت ملكا قط مثل محمد صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لا يُسْلِمُونَهُ لِشَيْءٍ أَبَدًا فَرَوْا رَأْيَكُمْ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك بَعَثَ خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ إِلَى مَكَّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَقَرَتْ بِهِ قُرَيْشٌ وَأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ، فَمَنَعَتْهُمُ الاحَابِيشُ حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا عُمَرَ رضي الله عنه لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّى أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي وَلَيْسَ بِهَا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي. وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهـا وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَدُلُّكَ على رجل هـو أعز مني بها عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ: فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعثه يُخْبِرُهـمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عثمان رضي الله عنه حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَحَمَلَهُ بَيْنَ يديه أردفه خَلْفَهُ وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلق عثمان رضي الله عنه حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أرسله به، فقالوا لعثمان رضي الله عنه: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لافْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهـا قَالَ: وَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إن عثمان رضي الله عنه قَدْ قُتِلَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَحَدَّثَنِي الزُّهـرِيُّ أَنَّ قريشا بعثوا سهيل بْنَ عَمْرٍو وَقَالُوا: ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ وَلا تلن فِي صُلْحِهِ إِلا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هـذا، فو الله لا تُحَدِّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أبدا، فأتاه سهيل بْنُ عَمْرٍو فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هـذَا الرَّجُلَ». فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، تَكَلَّمَا وَأَطَالا الْكَلامَ وَتَرَاجَعَا حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ.
فَلَمَّا الْتَأَمَ الامْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتى أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر أو ليس بِرَسُولِ اللَّهِ؟ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟
قَالَ: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ فَإِنِّي أَشْهَدُ أنه رسول الله. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا أشهد، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: يا رسول الله أولسنا بالمسلمين؟ أو ليسوا بالمشركين؟ قال صلى الله عليه وسلم «بلى» قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ ولن يضيعني» ثم قال عمر رضي الله عنه: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأُصَلِّي وَأَتَصَدَّقُ وَأُعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا.
قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: اكْتُبْ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فقال سهيل بن عمرو: لا أَعْرِفُ هـذَا، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِاسْمِكِ اللَّهُمَّ. هـذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سهيل بن عمرو» فقال له سهيل بن عمرو: لو شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ هـذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله وسهيل بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، على أنه من أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنَّهُ لا إِسُلالَ وَلا إِغْلالَ.
وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ: أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عقد محمد صلى الله عليه وسلم وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهـمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا، نَحْنُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهـمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَنَا هـذَا فَلا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْكَ فَتَدْخُلُهَا بِأَصْحَابِكَ وَأَقَمْتَ بِهَا ثَلاثًا، مَعَكَ سِلاحُ الرَّاكِبِ لا تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ السُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بْنِ عَمْرٍو فِي الْحَدِيدِ قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وقد كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خَرَجُوا وَهـمْ لا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهـا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ وَمَا تَحَمَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، دَخَلَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا. فَلَمَّا رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه قال: يَا مُحَمَّدُ قَدْ لَجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هـذَا. قَالَ «صَدَقْتَ» فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِتَلابِيبِهِ قَالَ وَصَرَخَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَتَرُدُّونَنِي إِلَى أَهـلِ الشِّرْكِ فَيَفْتِنُونِي فِي دِينِي؟ قَالَ فَزَادَ النَّاسَ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَبَا جندل اصبر واحتسب فإن الله تعالى جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا. إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهـمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ».
قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجعل يمشي مع أبي جندل، وهـو يقول اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنَّمَا هـمُ الْمُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهـمْ دَمُ كَلْبٍ، قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ، قَالَ يَقُولُ: رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ. قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ، قَالَ وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنَ الْكِتَابِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ وَهـوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحَلِّ، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْحَرُوا وَاحْلِقُوا» قَالَ: فَمَا قَامَ أَحَدٌ، قَالَ ثُمَّ عَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهَا، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، حَتَّى عَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهَا فَمَا قَامَ رَجُلٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى أم سلمة رضي الله عنها فَقَالَ «يَا أُمَّ سَلَمَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ دَخَلَهُمْ مَا رَأَيْتَ، فَلا تُكَلِّمَنَّ مِنْهُمْ إِنْسَانًا وَاعْمِدْ إِلَى هـدْيِكَ حَيْثُ كَانَ فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ، فَلَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُكَلِّمُ أحدا حتى إذا أَتَى هـدْيَهُ فَنَحَرَهُ ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ، قَالَ: فَقَامَ النَّاسُ يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ، قَالَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ.
هـكَذَا سَاقَهُ أَحْمَدُ مِنْ هـذَا الْوَجْهِ، وَهـكَذَا رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَزِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِنَحْوِهِ وَفِيهِ إِغْرَابٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهـرِيِّ بِهِ نَحْوَهُ، وَخَالَفَهُ فِي أَشْيَاءَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ فَسَاقَهُ سِيَاقَةً حَسَنَةً مُطَوَّلَةً بِزِيَادَاتٍ جَيِّدَةٍ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ مِنْ صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق، عن مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهـرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ.
فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الاشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الاحَابِيشَ، وهـم مقاتلوك وصادوك ومانعوك. فقال صلى الله عليه وسلم: «أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِي هـؤُلاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يصدونا عَنِ الْبَيْتِ؟» وَفِي لَفْظٍ:
«أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِي هـؤُلاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهـمْ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ قَدْ قَطَعَ عُنُقًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلا تَرَكْنَاهـمْ مَحْزُونِينَ»، وَفِي لَفْظٍ «فَإِنْ قَعَدُوا قعدوا موتورين مجهودين مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ نَجَوْا يَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ عز وجل. أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ».
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا البيت لا تريد قَتْلَ أَحَدٍ وَلا حَرْبًا، فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ عِلِمَ إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرُوحُوا إِذَنْ» وَفِي لَفْظٍ «فَامْضُوا عَلَى اسم الله تعالى» حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ اليمين فو الله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هـمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ.
وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ:
حَلِّ حَلِّ فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلاتِ الْقَصْوَاءُ»
خَلاتِ الْقَصْوَاءُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَلاتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفيل، ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ تعالى إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهـا». ثُمَّ زَجَرَهـا فَوَثَبَتْ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع صلى الله عليه وسلم مِنْ كِنَانَتِهِ سَهْمًا ثُمَّ أَمَرَهـمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فيه فو الله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ.
فَبَيْنَمَا هـمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهـلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ وَهـمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إننا لم نجيء لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قد نهكتهم الحرب، فأضرت بهم، فإن شاؤوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أظهر، فإن شاؤوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وإلا فقد جمّوا، وإن هـم أبوا فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لاقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هـذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ». قَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ:
إِنَّا قَدْ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ هـذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نعرضه عليكم فعلنا، فقال سُفَهَاؤُهـمْ: لا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هـاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فحدثهم بما قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ:
أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بلى، قال: فهل تتهمونني؟ قَالُوا: لا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهـلَ عُكَاظَ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهـلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّ هـذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهـا وَدَعُونِي آتِهِ. قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ نَحَوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ، هـلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُ الاخْرَى فَإِنِّي وَاللَّهِ لارَى وُجُوهـا، وَإِنِّي لارَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ؟ قَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لاجَبْتُكَ. قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بلحيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهـوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بنعل السيف وقال له: أخر يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأَسَهُ وَقَالَ: مَنْ هـذا؟
قال: المغيرة بن شعبة. قال: أَيْ غُدَرُ أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهـلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَمَا الاسْلامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فلست منه في شيء».
ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فو الله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهـمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ. فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهـمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خطة رشد فاقبلوهـا.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هـذَا فُلانٌ وَهـوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهـا لَهُ».
فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فقام رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هـذا مكرز وَهـوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هـوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جاء سهيل بْنُ عَمْرٍو.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» قَالَ مُعْمَرٌ قَالَ الزُّهـرِيُّ فِي حَدِيثِهِ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هـاتِ أَكْتُبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كِتَابًا. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بعلي رضي الله عنه وقال: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» فقال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فو الله مَا أَدْرِي مَا هـوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لا نَكْتُبُهَا إِلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اكْتُبْ بِاسْمِكِ اللَّهُمَّ- ثُمَّ قَالَ- هـذَا مَا قَاضَى عليه محمد رسول الله» فقال سهيل: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكتب محمد بن عبد الله. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» قَالَ الزُّهـرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «وَاللَّهِ لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حرمات الله تعالى إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهـا» فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وبين البيت فنطوف به.
فقال سهيل: وَاللَّهِ لا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ فَقَالَ سهيل: وَعَلَى أَنْ لا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟.
فَبَيْنَمَا هـمْ كَذَلِكَ إِذْ جاء أبو جندل بن سهيل بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أظهر المسلمين فقال سهيل: هـذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ» قال: فو الله إِذًا لا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَجِزْهُ لِي» قال: مَا أَنَا بِمُجِيزٍ ذَلِكَ لَكَ قَالَ «بَلَى فَافْعَلْ» قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ. قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ عز وجل. قال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلَى» قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَلَى» قُلْتُ فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهـوَ نَاصِرِي» قلت: أو لست كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «بَلَى أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟». قُلْتُ: لا. قال صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ. قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هـذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ:
أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ:
أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ يعصي ربه، وهـو ناصره فاستمسك بغرزه، فو الله إنه على الحق.
قلت: أو ليس كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَإِنَّكَ تَأْتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ.
قال الزهـري قال عمر رضي الله عنه: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالا. قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا» قال: فو الله ما قام منهم رجل حتى قال صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أحد دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، قَالَتْ له أم سلمة رضي الله عنها: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ- حَتَّى بَلَغَ- بِعِصَمِ الْكَوافِرِ
[الْمُمْتَحِنَةِ: 10]
فَطَلَّقَ عمر رضي الله عنه يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهـمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالاخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ.
ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهـوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى إذا بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لاحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لارَى سَيْفَكَ هـذَا يَا فُلانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الاخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ مِنْهُ ثُمَّ جَرَّبْتُ. فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الاخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ «لَقَدْ رَأَى هـذَا ذُعْرًا» فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ. فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قد رددتني إليهم ثم نجاني الله تعالى مِنْهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلُ أُمِّهِ مُسَعِّرُ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ».
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ قَالَ وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلا لَحِقَ بِأَبِي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فو الله مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهـمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ. فَأَرْسَلَتْ قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: «فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهـوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ
– حَتَّى بَلَغَ- حَمِيَّةَ الْجاهـلِيَّةِ وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
هـكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ هـاهـنَا.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلاهـمَا عَنِ الزُّهـرِيِّ بِهِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الامَاكِنِ عَنِ الزُّهـرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مروان والمسور عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَهـذَا أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَسُقْهُ أَبْسَطَ مِنْ هـاهـنَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ تَبَايُنٌ فِي مَوَاضِعَ، وَهـنَاكَ فَوَائِدُ يَنْبَغِي إِضَافَتُهَا إِلَى مَا هـاهـنَا، وَلِذَلِكَ سُقْنَا تِلْكَ الرِّوَايَةَ وَهـذِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلانُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ، فَقَالَ كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَعَمْ، فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ نَرَى قِتَالا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهـمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ أَلَيْسَ قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاهـمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا» فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أبا بكر رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وهـم على الباطل؟ فقال: يا ابن الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ سُفْيَانَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ بِهِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأهـا عليه.
وَروىَ الامَامُ أَحْمَدُ: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفيهم سهيل بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» فقال سهيل: لا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ رَسُولِ اللَّهِ» قَالَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله لا تبعناك، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ» وَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لا نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فقال: يا رسول الله أنكتب هـذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذَهـبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي سِمَاكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فَقُلْتُ لَهُمْ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعلي رضي الله عنه: «اكْتُبْ يَا عَلِيُّ هـذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«امْحُ يَا عَلِيُّ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ امْحُ يَا عَلِيُّ وَاكْتُبْ هـذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ وَقَدْ مَحَا نفسه ولم يكن محوه ذلك يمحوه مِنَ النُّبُوَّةِ أَخَرَجْتُ مِنْ هـذِهِ؟ قَالُوا نَعَمْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْيَمَامِيِّ بِنَحْوِهِ. (4)
—–
(1) ثوير ضعيف جدا.
وذكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناده موقوفا على ابن عباس وقال وروينا ذلك عن مجاهد وسعيد بن جبير وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث ثوير
(2) أخرجه البخاري 2946 ومسلم 21 دون قوله (وأنزل الله في كتابه …. )
وصححه مع الزيادة جامع تفسير ابن سعد
فقال: وسند المؤلف فيه الواقدي, لكن قد أخرج الحديث ابن جرير في تفسيره (21/ 308 – 309) , والبيهقي في الأسماء والصفات (196) من طريق إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي, عن سليمان, عن يحيى بن سعيد, عن ابن شهاب به وزاد في آخره: وقال الله {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}: وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله استكبر عنها المشركون يوم الحديبية يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة.
وأخرجه مع هذه الزيادة: ابن حبان في “صحيحه” (218) بسند حسن, عن شعيب بن أبي حمزة, عن الزهري به.
ومن شعيب فما دونه ثقات.
فبهذا يكون قد توبع إسماعيل بن أبي أويس على روايته السابقة, وتقوى بهذه الطريق, وله أيضاً متابعة أخرى: أخرجها ابن أبي حاتم في “تفسيره” كما في “تفسير ابن كثير” سورة الصافات, والفتح, من طريقين عن الليث بن سعد, عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر , عن الزهري به.
ولكن استظهر ابن كثير أن الزيادة من قوله: أنزل الله … إلى آخره مدرجه من كلام الزهري.
حيث قال: (والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري) , وتابعهم أيضاً على هذه الزيادة كلها -أعني التي عند الطبري والبيهقي- إسحاق بن يحيى الكلبي: وهو صدوق فرواه عن الزهري به, وذلك عند البيهقي في “الأسماء والصفات” (195) وسنده حسن
وانظر للفائدة “العلل” للدارقطني (1/ 163 – 164) و (9/ 152 – 157).
(3) حسنه محققو المسند حيث صرح محمد بن إسحاق في أثناء سرد القصة بالتحديث في بعض فقرات القصة وهو على شرط المتمم على الذيل فراجعه حيث قارناه بروايات البخاري التي جمعها الألباني في مختصره للبخاري. وذكرنا أنه بعض العلماء من المحققين ذكر خطأ ابن إسحاق في قوله أن العدد كان سبعمائة.
(4) هو في الصحيح المسند 695 من طريق عمر بن يونس بن القاسم اليمامي أخبرنا عكرمة بن عمار أخبرنا أبو زميل حدثني عبدالله بن عباس وعزاه لأبي داود وإنما فيه إلى قوله (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل) ففي رواية أحمد زيادة وجعلناه على شرط الذيل على الصحيح المسند لهذه الزيادة
ورواه الحاكم وذكر عبدالله بن الدؤل بين أبي زميل وعبدالله بن عباس.