تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة هشام وعبدالله الديني
———–
الصحيح المسند 1373 –
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق.
هذا حديث حسن.
الحديث أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ج3 ص157) فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن رزق الكوذائي، ثنا سعيد بن منصور … به
وشيخ البزار ترجمه الخطيب (ج5 ص277) وقال: وكان ثقة.
…………………………
وراجع حديث رقم 1327 من الصحيح المسند حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم أخلاقاً) حيث جمعت موضوع حسن الخلق من نضرة النعيم وموسوعة الأخلاق وذكرت جملة من الأحاديث. وذكرنا فوائد حسن الخلق.
ولخص صاحبنا هشام وعبدالله الديني: موضوع حسن الخلق من كتاب لابن عثيمين بعنوان مكارم الأخلاق وقالوا حديث الباب:
هو في الصحيحة 45 وذكر في رواية: مكارم الاخلاق.
وصححه محققو المسند 14/ 513
قوله: “لأتمم صالح الأخلاق” قال ابن عبد البر في “التمهيد” 24/ 332: ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كُله، والدين والفضل والمروءة والِإحسان والعدل، فبذلك بعث ليتممه، وقد قال بعض العلماء: إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) [النحل: 90].
1 قال ابن الأثير في النهاية 2/ 70 الخلق بضم اللام وسكونها: الدين والطبع والسجية. وحقيقته: أنه صورة الإنسان الباطنية وهي نفسه وأوصافه.
قال القسطلاني: أعلم أن الأخلاق جمع خلق, بضم الخاء واللام ويجوز إسكانها خلق. قال الراغب: الخلق والخلق بالفتح وبالضم في الأصل بمعنى واحد كالشراب والشرب ولكن خص الخَلق الذي بالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصر. وخص الذي بالضم بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. أ. هـ. شرح المواهب اللدنية 4/ 243.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه ” مكارم الأخلاق “:
والخلق: هو السجيةُ والطبع, وهو كما يقول أهل العلم: صورةُ الإنسان الباطنة, لأن الإنسان صورتين:
صورة ظاهرة: وهي شَكْل خِلْقَتِه التي جعل الله البدن عليه, وهذه الصورة الظاهرة منها جميل حسن, ومنها ما هو قبيح سيئ, منها ما بين ذلك.
وصورة باطنة: وهي حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر, من غير حاجة إلى فكر وروية.
وهذه الصورة أيضاً منها ما هو حسن إذا كان الصادر عنها خلقاً حسناً, ومنها ما هو قبيح إذا كان الصادر عنها خلقاً سيئاً, وهذا ما يُعبر عنه بالخلق, فالخلق إذن هو الصورة الباطنة التي طبع الإنسان عليها.
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من مقاصد بعثته إتمام محاسن الأخلاق, فقال عليه الصلاة والسلام: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
فالشرائع السابقة التي شرعها الله للعباد كلها تحث على الأخلاق الفاضلة, ولهذا ذكر أهل العلم أن الأخلاق الفاضلة مما طبقت الشرائع على طلبه, ولكن الشريعة الكاملة جاء النبي عليه الصلاة والسلام فيها بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال. ولنضرب مثلاً.
مسألة القصاص: ذكر أهل العلم في مسألة القصاص, أي: لو أن أحداً جنى على أحد فهل يقتص منه أم لا؟ ذكروا أن القصاص في شريعة اليهود حتميٌّ ولابد منه, ولا خيار للمجني عليهم فيه, وأن الأمر في شريعة النصارى العكس, وهو وجوب العفو, لكن شريعتنا جاءت كاملة من الوجهين, ففيها القصاصُ وفيها العفو, لأن في أخذ الجاني بجنايته حزماً وكفاً للشر, وفي العفو عنه إحساناً وجميلاً, وبذل معروف فيمن عفوت عنه, فجاءت شريعتنا والحمد لله مكملة, خيرت من له الحق بين العفو والأخذ, لأجل أن يعفو في مقام العفو, وأن يأخذ في مقام الأخذ. وهذا بلا شك أفضل من شريعة اليهود التي ضيعت حق المجني عليهم في العفو الذي يكون فيه مصلحة لهم, وأفضل من شريعة النصارى التي ضيعت حق المجني عليهم أيضاًً فأوجبت عليهم العفو وقد تكون المصلحة في الأخذ وإنزال العقوبة.
وكما يكون الخُلُقُ طبيعة, فإنه قد يكون كسباً, بمعنى أن الإنسان كما يكون مطبوعاً على الخُلق الحسن الجميل, فإنه أيضاً يمكن أن يتخلق بالأخلاق الحسنة عن طريق الكسب والمرونة.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: “إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة” قال يا رسول الله, أهما خلقان تخلقت بهما, أم جبلني الله عليهما, قال: “بل جبلك الله عليهما”. فقال: “الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله”.
فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا, ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع, لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له, لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف, ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة, ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء, ومن حُرم هذا – أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع – فإنه يمكنه أن يناله
عن سبيل التطبع, وذلك بالمرونة, والممارسة.
وإن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر, فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق, يكون أيضاً في معاملة الخالق, فموضوع حسن الخلق إذن: معاملة الخالق جلا وعلا, ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع.
أولاً: حسن الخلق في معاملة الخالق:
حسنُ الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور:
1 – تلقي أخبار الله بالتصديق.
2 – وتلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
3 – وتلقي أقداره بالصبر والرضا.
ثانياً: حسن الخلق في معاملة الخَلق:
أما حسن الخلق مع المخلوق فعرّفه بعضُهم بأنه كفُّ الأذى, وبذلُ النّدى، وطلاقة الوجه. ويذكر ذلك عن الحسن البصري رحمه الله.
أولاً: معنى كفى الأذى:
معنى كف الأذى أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن الخلق فليس بحسن الخلق، بل هو سيئ الخلق.
ثانياً: معنى بذل الندي:
الندى هو الكرم والجود، يعني: أن تبذل الكرم والجود. والكرم ليس كما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس، وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم.
ثالثاً: طلاقة الوجه:
وطلاقة الوجه: هو إشراقه حين مقابلة الخلق، وضدُّ ذلك عبوس الوجه. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن البر فقال: وجه طلق ولسان لين.
وقد نظمه بعض الشعراء فقال:
بني إن البر شيء هين … وجه طليق ولسان لين
فطلاقة الوجه هي أن تُدخل السرور على الناس، وتجذب المودة، والمحبة، وتوجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك.
لكن إذا كنت عبوساً, فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك، وربما تصاب بعُقدٍ نفسيه، وربما تصاب بالمرض الخطير وهو ما يسمى بالضغط، فإن انشراح الصدر
وطلاقة الوجه من أنجع العقاقير المانعة من هذا الداء ولهذا ينصح الأطباء من ابتلي بهذا الداء بأن يبتعد عما يثيره ويغضبه، لأن ذلك يزيد في مرضه، فانشراحُ الصدر، وطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض، ويكون بذلك الإنسان محبوباً إلى الخلق كريماً عليهم.
ومن علامات حسن الخلق مع الخلق: أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب, لا يضيق بهم ولا يضيق عليه, بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله, وهذا القيد لا بد منه, لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله والعياذ بالله فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه, لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: “خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي”1.
وكثير من الناس – مع الأسف الشديد – يحسن الخلق مع الناس, ولكنه لا يحسن الخُلُق مع أهله, وهذا خطأ عظيم.
ويستطيع الإنسان اكتساب مكارم الأخلاق, وذلك عن طريق الممارسة, والمجاهدة, والتمرين فيكون الإنسان حسن الخلق لأمور منها:
أولاً: أن ينظر في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم: ينظر النصوص الدالة على مدح ذلك الخلق العظيم الذي يريد أن يتخلق به. فالمؤمن إذا رأى النصوص تمدح شيئاً من الأخلاق أو الأفعال, فإنه سوف يقوم به.
والنبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى ذلك في قوله: “إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع1 منه وأما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافح الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة”.
ثانياً: أن يصاحب من عرفوا بحسن الأخلاق, والبعد عن مساوئ الأخلاق و سفاسف الأعمال حتى يجعل من هذه الصحبة مدرسة يستعينُ بها على حسن الخلق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
ثالثا ً: أن يتأمل الإنسان ماذا يترتب على سوء خلقه: فسيئ الخلق ممقوت، سيئ الخلق مهجور، سيئ الخلق مذكور بالذكر القبيح، فإذا علم الإنسان أن سوء الخلق يفضي به إلى هذا فإنه يبتعد عنه.
رابعاً: أن يستحضر الإنسان دائماً صورة خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أنه كان يتواضع للخلق, ويحلم عليهم, ويعفو عنهم ويصبر على أذاهم, فإذا استحضر الإنسان أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خير البشر وأفضل من عبد الله تعالى, هانت على الإنسان نفسه وانكسرت صولة الكبر فيها فكان ذلك داعياً إلى حسن الخلق.
يورد كثير من الناس أن أهل الغرب أحسن أخلاقاً منا في تعاملهم و وبيعهم وشرائهم بينما تجد الغش والكذب وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب منتشراً بين صفوفنا نحن المسلمين.
وللرد على هذه الفرية نقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام: “البينة على المدعي”1, وما كان مشهوراً بين الناس من أن الغرب عندهم حسن الخلق في المعاملة فهذا ليس بصحيح, فإن عندهم من سوء المعاملة ما يعرفه من ذهب إليهم ونظر إليهم بعين العدل والإنصاف دون النظر إليهم بعين الإجلال, والإكبار فقد قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ … كما أن عين السخط تبدي المساويا
ولقد حدثني كثير من الشباب الثقات الذين ذهبوا إلى الغرب عن أفعال من أسوأ الأخلاق, لكنهم هم إذا نصحوا فيما ينصحون فيه من البيع والشراء, فليس لأنهم ذوو أخلاق, وإنما لأنهم عباد مادة, والإنسان كلما كان أنصح في معاملة من هذه المعاملات الدنيوية كان
و الناس إليه أقبل وإلى شراء سلعته وترويجها أسرع.
فهم لا يفعلون ذلك لأنهم كاملوا الأخلاق, لكن لأنهم أصحاب مادة, ويرون من أكبر الدعايات لتنمية أموالهم أن يحسنوا المعاملة, من أجل أن يجذبوا إليهم الأعداد الكبيرة. وإلا فهم كما وصفهم الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} 1, ولا أظن أحداً أصدق وصفاً من الله عز وجل للكافرين, فإنهم شر البرية, وكيف يرجى خيرٌ مقصود لذاته من قوم وصفهم الله بأنهم شر البرية, لا أعتقد أن ذلك يكون أبداً, لكن ما يوجد فيهم من الصدق والبيان, والنصح في بعض المعاملات, إنما هو مقصود لغيره عندهم, وهو الحصول على المادة والكسب, وإلا فمن رأى ظلمهم وغُشمهم واستطالتهم على الخلق في مواطن كثيرة, عرف مصداق قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
وأما بالنسبة لما وقع من كثير من المسلمين, من الغش والكذب والخيانة في المعاملات فإن هؤلاء المسلمين نقصوا من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا الشريعة فيه من هذه المعاملات
فلا يعني أن مخالفة بعض المسلمين وخروجهم عن إطار الشريعة في مثل هذه الأمور, لا يعني ذلك النقص في الشريعة نفسها, فالشريعة كاملة, وهؤلاء الذين أساءوا إلى شريعة الإسلام, ثم إلى إخوانهم المسلمين, هؤلاء أساءوا إلى أنفسهم فقط, والعاقل لا يجعل إساءة العامل سوءاً في الشريعة التي ينتمي إليها هذا العامل.
غالبه اختصار لكتاب مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين