تحضير سنن أبي داود 2231 ‘ 2232 ‘ 2233 ‘ 2234 ‘ 2235
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
19 – بَابٌ فِي الْمَمْلُوكَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ
2231 – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مُغِيثًا كَانَ عَبْدًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْفَعْ لِي إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا بَرِيرَةُ اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ»، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَامُرُنِي بِذَلِكَ، قَالَ: «لَا، إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ فَكَانَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ: «أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَبُغْضِهَا إِيَّاهُ»
[حكم الألباني]: صحيح
2232 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثًا» فَخَيَّرَهَا – يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ”
[حكم الألباني]: صحيح
2233 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ، قَالَتْ: «كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا»
[حكم الألباني]: صحيح م لكن قوله ولو كان حرا مدرج من قول عروة
2234 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا»
[حكم الألباني]: صحيح
(20) – باب من قال: كان حرًا
2235 – حدَّثنا ابنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن الأسودِ
عن عائشة: أن زوجَ بريرةَ كان حُرًّا حين أُعْتِقَتْ، وأنها خُيِّرَتْ، فقالت: ما أُحبُّ أن أكونَ مَعَه وإنَّ لي كذا وكذا
——–
قال البخاري في حديث الأسود انه كان حرا ان هذا مقطوع من قول الأسود
وحديث ابن عباس أنه كان عبدا أصح. وراجع ارواء الغليل حيث توسع الألباني فب بيان شذوذ لفظة وكان حرا.
قال الخطابي:
كان الشافعي يقول حديث بريرة هو الأصل في باب المكافأة في النكاح ولا أعلم خلافاً أن الأمة إذا كانت تحت عبد فعتقت أن لها الخيار وإنما اختلفوا فيها إذا كانت تحت حر، فقال مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد واسحاق لا خيار لها. وقال الشعبي والنخعي وحماد وأصحاب الرأي وسفيان الثوري لها الخيار وأصل هذا الباب حديث بريرة.
وقد اختلفت الروايات فيه عن عائشة رضي الله عنها فروى عنها أهل الحجاز أنها قالت كان زوج بريرة عبداً كذلك رواه عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وروى أهل الكوفة أن زوجها كان حراً كذلك رواه الأسود بن يزيد عنها وقد ذكر أبو داود هذه الأحاديث في هذا الباب فكانت رواية أهل الحجاز أولى لأن عائشة رضي الله عنها عمة القاسم وخالة عروة وكانا يدخلان عليها بلا حجاب والأسود يسمع كلامها من وراء حجاب.
وقد قيل أن قوله كان زوجها حراً إنما هو من كلام الأسود لا من قول عائشة وحديث ابن عباس هذا لم يعارضه شيء وهو يخبر أنه كان عبداً وقد ذكر اسمه وأثبت صفته فدل ذلك على صحة رواية أهل الحجاز. وفي قولها تأمرني بذلك دليل على أن أصل أمره صلى الله عليه وسلم على الحتم والوجوب.
[معالم السنن 3/ 256]
قال البغوي:
لا خلاف بين أهل العلم أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد، أن لها الخيار بين المقام تحته، وبين الخروج عن نكاحه، واختلفوا فيما إذا عتقت وزوجها حر، فذهب جماعة إلى أنه لا خيار لها، وهو قول مالك، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وذهب قوم إلى أن لها الخيار، وهو قول الشعبي، والنخعي، وحماد، وإليه ذهب سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، واحتجوا بما روي عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان زوج بريرة حرا، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هكذا روى أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، ورواه أيضا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، وروى أبو عوانة، عن منصور، والأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قصة بريرة، وقال: قال الأسود: كان زوجها حرا.
قال محمد بن إسماعيل: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبدا أصح.
وروى القاسم، وعروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان زوج بريرة عبدا، وروايتهما أولى من رواية الأسود إن ثبتت مسندة، لأن عائشة عمة القاسم، وخالة عروة، فكانا يدخلان عليها، ويسمعان كلامها بلا حجاب، والأسود يسمع كلامها من وراء حجاب، ولئن تعارضت الرواية عن عائشة، فحديث ابن عباس أنه كان عبدا، لا معارض له، فكان أولى.
وروى عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن زوج بريرة كان عبدا، وروي عن عائشة، أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها زوجين، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة، ففيه دليل على أنها إذا عتقت تحت حر لا خيار لها، إذ لو كان يثبت لها الخيار لم يكن للبداية بعتق الزوج معنى، ولا فائدة، وكذلك لو عتقا معا لا خيار لها، ولو عتقت قبله، فلم تعلم بعتقها حتى عتق الزوج، ففي ثبوت الخيار قولان: أظهرهما: لا خيار لها، وخيار العتق على الفور بعد العلم بالعتق على أحد قولي الشافعي، فإن أخرت الفسخ مع الإمكان، بطل حقها، وذهب جماعة إلى أن لها الخيار ما لم يصبها الزوج، وهو قول ابن عمر، وحفصة، ويروى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قصة بريرة: خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها: «إن قربك فلا خيار لك».
قال الإمام: متى صح الحديث، فالمصير إليه هو الواجب، وقد قال الشافعي: كان لها الخيار ما لم يصبها بعد العتق، ولا أعلم في تأقيت الخيار شيئا يتبع إلا قول حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ما لم يمسها، وإذا اختارت فراقه، فلا صداق لها إن كان قبل الدخول، وإن كان بعد الدخول، فالمهر واجب.
[شرح السنة للبغوي 9/ 110]
قال ابن قدامة:
1183 – مسألة؛ قال: (وإذا عَتَقَتِ الأَمَةُ، وزَوْجُها عَبْدٌ، فَلَهَا الْخِيارُ فى فَسْخِ النِّكَاحِ)
أجْمَعَ أهلُ العلمِ على هذا، ذَكَره ابنُ المُنْذِرِ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وغيرُهما. والأصْلُ فيه خَبَرُ بَرِيرةَ، قالت عائشةُ: كاتَبَت بَرِيرَةُ، فخَيَّرها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى زَوْجِها، وكان عَبْدًا، فاخْتارَتْ نَفْسَها. قال عُرْوَةُ: ولو كان حُرًّا ما خَيَّرَهَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. رواه مالكٌ، [فى “المُوَطَّأِ”]، وأبو داودَ، والنَّسَائِىُّ. ولأنَّ عليها ضَرَرًا فى كَوْنِها حُرَّةً تحت عَبْدٍ، فكان لها الخِيارُ كما لو تزوَّج حُرَّةً على أنَّه حُرٌّ، فبانَ عَبْدًا، فإن اختارَتِ الفَسْخَ فلها فِرَاقُه، وإن رَضِيَتِ المُقامَ معه لم يَكُنْ لها فِراقُه بعدَ ذلك؛ لأنَّها أسْقَطَتْ حَقَّها. وهذا ممَّا لا خِلافَ فيه، بحَمْدِ اللَّه تعالى.
فصل: وإن عَتَقَتْ تحت حُرٍّ، فلا خِيارَ لها. وهذا قولُ ابنِ عمرَ، وابنِ عباسٍ، وسعيدِ بن المُسَيَّبِ، والحسنِ، وعَطاءٍ، وسليمانَ بن يسارٍ، وأبى قِلَابةَ، وابنِ أبى لَيْلَى، ومالكٍ، والأَوْزاعىِّ، والشافعىِّ، وإسحاقَ. وقال طاوُس، وابنُ سِيرِينَ، ومُجاهدٌ، والنَّخَعِىُّ، وحمَّادُ بن أبى سُلَيمانَ، والثَّوْرِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ: لها الخِيارُ؛ لما رَوَى الأسْوَدُ، عن عائشةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ بَرِيرَةَ، وكان زَوْجُها حُرًّا. روَاه النَّسائىُّ. ولأنها كَمَلَتْ بالحُرِّيّةِ، فكان لها الخِيارُ، كما لو كان زَوْجُها عَبْدًا. ولَنا، أنَّها كافَأَتْ زَوْجَها فى الكَمالِ، فلم يَثْبُتْ لها الخِيارُ، كما لو أسْلَمَتِ الكِتَابِيَّةُ تحتَ مُسْلِمٍ. فأمَّا خبرُ الأسْوَدِ عن عائشةَ، فقد رَوَى عنها القاسِمُ بن محمدٍ وعُرْوةَ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان عَبْدًا. وهما أخَصُّ بها من الأسْوَدِ؛ لأنَّهما ابنُ أخِيها وابنُ أُخْتِها. وقد رَوَى الأعْمَشُ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ، عن عائشةَ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان عبدًا. فتَعارَضَتْ رِوَايتاه. وقال ابنُ عباسٍ: كان زَوْجُ بَرِيرَةَ عبدًا أسْوَدَ لبَنِى المُغِيرَةِ، يقال له: مُغِيثٌ. روَاه البُخارىُّ، وغيرُه. وقالت صَفِيَّةُ بنت أبى عُبَيْدٍ: كان زوجُ بريرةَ عبدًا أسْودَ. قال أحمدُ: هذا ابنُ عباسٍ وعائشةُ قالا فى زَوْجِ بَرِيرةَ: إنَّه عَبْدٌ. رِوَايةُ علماءِ المَدِينةِ وعَمَلُهم، وإذا رَوَى أهْلُ المدينةِ حَدِيثًا وعَمِلُوا به، فهو أصَحُّ شاءٍ، وإنَّما يَصِحُّ أنَّه حُرٌّ عن الأسْوَدِ وَحْدَه، فأمَّا غيرُه فليس بذاك.
قال: والعَقْدُ صحيحٌ، فلا يُفْسَخُ بالمُخْتَلَفِ فيه، والحُرُّ فيه اخْتِلافٌ، والعَبْدُ لا اخْتِلافَ فيه، ويُخالِفُ الحُرُّ العَبْدَ؛ لأنَّ العَبْدَ ناقِصٌ، فإذا كَمَلَتْ تحتَه تَضَرَّرَتْ ببقَائِها عندَه، بخِلافِ الحُرِّ.
فصل: وفُرْقةُ الخِيارِ فَسْخٌ، لا يَنْقُصُ بها عَدَدُ الطَّلاقِ. نصَّ عليه أحمدُ. ولا أعلمُ فيه خلافًا. قيل لأحمدَ: لِمَ لا يكونُ طَلاقًا؟ قال: لأنَّ الطَّلاقَ ما تكَلَّمَ به الرجلُ. ولأنَّها فُرْقةٌ لِاخْتِيارِ المرأةِ، فكانت فَسْخًا، كالفَسْخِ [لِعُنَّتِه أو عَتَهِهِ] (11).
[المغني لابن قدامة 10/ 68]
قال ابن رسلان:
فيه جواز الاستشفاع بأهل الخير والصلاح ومن له وجاهة (فقال رسول الله: يا بريرة اتقي الله)
فيه وعظ المشفوع عنده بقوله: اتق الله، أو راقبه، أو ارحم هذا المسكين، ونحو ذلك؛ لأنه أبلغ من الشفاعة مجردة (فإنه) فيه حذف تقديره: لو راجعتيه (فإنه زوجك) وهكذا كالتعليل للمراجعة؛ لأن له عليها حق وفضل، فهو أولى من غيره لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (1) أي في ذلك الأجل الذي أمرت أن تتربص فيه وهو زمن العدة، وعلى هذا ففي الحديث دليل على أن العبد البالغ العاقل له أن يراجع زوجته من غير إذن سيده، وهو المذهب، وفيه وجه.
وفيه دليل على أن الرجعية زوجة. وعند الشافعي الرجعية زوجة في خمس آيات. قال البلقيني: الرجعية زوجية في ستة عشر آية، ثم بينها، ويحتمل أن يكون سماه زوجًا باعتبار ما كان، ولا يكون الطلاق بائنًا (وأبو ولدك) الولد بفتحتين يطلق على الذكر والأنثى والمثنى والمجموع فعيل بمعنى مفعول، وفي مراجعة أم الأولاد مصلحة من جهات.
(قالت: يا رسول الله، تأمرني) حذف همزة الاستفهام يعني: أتأمرني بمراجعته (بذلك؟ قال: لا إنما أنا شافع) زاد البخاري: قالت: لا حاجة لي.
فيه. دليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم مخالف لشفاعته وأمره صلى الله عليه وسلم أبلغ، فإنه على الوجوب عند أكثر الفقهاء، وفيه شفاعة الإمام إلى الرعية، وهو من مكارم الأخلاق.
وفيه دليل على أن هذِه المراجعة غير الرجعية التي تكون بين الزوجين في الطلاق الرجعي، ولهذا احتاج إلى الشفاعة (فكان) زاد البخاري: يطوف خلفها يبكي، و (دموعه تسيل على خده)
(فقال رسول الله للعباس) بن عبد المطلب: يا عباس (ألا تعجب من حب مغيث) فيه جواز تسمية الرجل مغيثًا وإن كان اسمًا من أسماء الله تعالى المشتركة، وكنت أتوقف في تسمية بعض جماعتنا وأقول: قولوا عبد المغيث، فإن المغيث هو اللهُ حتى ظفِرتُ بهذِه التسمية.
وفي الحديث جواز إظهار الزوج محبة زوجته، وجواز الرغبة والبكاء بسبب ذلك؛ إذ لم ينكر النبي على مغيثٍ شيئًا من ذلك، ولم ينهه عنه.
وفيه فقه بريرة حيث فرقت بين الأمر والإشفاع. (ولو كان) الزوج (حرًّا لم يخيرها) قال الطحاوي: يحتمل أن يكون هذا من كلام عروة. يعني: مدرجًا في آخر الحديث، وقد صرح بذلك النسائي فقال: قال عروة: فلو كان زوجها حرًّا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حزم: يحتمل أن يكون ذلك من كلام عائشة، أو من دونها.
وفي “الطبقات” لابن سعد عن عبد الوهاب بن عطاء، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما أعتقت: “قد عتق بضعك معك فاختاري”. وهذا مرسل وصله الدارقطني من طريق أبان بن صالح، عن هشام، عن أبيه.
[عن أبيه، عن عائشة أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم]) (7) بأن تختار ما ترضى في البقاء مع زوجها أو مفارقته لشرف الحرية التي حصلت لها دون زوجها، ولمنع مضرة المعيرة اللاحقة لها بملك العبد لها. (وكان زوجها عبدًا) وألحقنا بالعبد المُبعَّضَ لبقاء حكم الرق عليه.
قال الروياني في “البحر” وغيره: وليس على أصلنا أنه لا خيار لها بالعتق تحت عبد إلا في مسألة الدور، ويؤخذ من الحديث أنها لا تحتاج في هذا الفسخ إلى الحاكم، وهو كذلك؛ لثبوت النص، لكن في “التلقين” لابن سراقة ما يقتضي اعتباره حيث قال: فإن اختارت فراقه فسخ الحاكِمُ نكاحها، وهو غريب.
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 10/ 15]
قال ابن القيم:
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هَكَذَا الرِّوَايَة وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ عِدَّة الْحُرَّة وَلَعَلَّهُ مُدْرَج مِنْ تَفْسِير بعض الرواة
وقد روى بن مَاجَةَ فِي سُنَنه أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ سُفْيَان عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة قَالَتْ أُمِرَتْ بريرة أن تعتد بِثَلَاثِ حَيْض وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ إِسْنَاد الصَّحِيحَيْنِ فَلَمْ يَرَوْهُ أَحَد مِنْ أَهْل الْكُتُب السِّتَّة إلا بن مَاجَةَ وَيَبْعُد أَنْ تَكُون الثَّلَاث حِيَض مَحْفُوظَة
فَإِنَّ مَذْهَب عَائِشَة أَنَّ الْأَقْرَاء الْأَطْهَار وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْمُخْتَلِعَة أن تستبراء بِحَيْضَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْأَقْرَاء الثَّلَاث إِنَّمَا جُعِلَتْ فِي حَقّ الْمُطَلَّقَة لِيَطُولَ زَمَن الرَّجْعَة فَيَتَمَكَّن زَوْجهَا مِنْ رَجْعَتهَا مَتَى شَاءَ ثُمَّ أَجْرَى الطَّلَاق كُلّه مُجْرًى وَاحِدًا
وَطَرْد هَذَا أَنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا تُسْتَبْرَأ بِحَيْضَةٍ وقد نص عليه أحمد
وبالجملة فالأمر بالتربص ثَلَاثَة قُرُوء إِنَّمَا هُوَ لِلْمُطَلَّقَةِ.
وَالْمُعْتَقَة إِذَا فُسِخَتْ فَهِيَ بِالْمُخْتَلِعَةِ وَالْأَمَة الْمُسْتَبْرَأَة أَشْبَهَ إِذْ الْمَقْصُود بَرَاءَة رَحِمهَا فَالِاسْتِدْلَال عَلَى تَعَدُّد الْأَقْرَاء فِي حَقّهَا بِالْآيَةِ غَيْر صَحِيح لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُطَلَّقَة وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَة لَثَبَتَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَة
وَأَمَّا الْأَحَادِيث فِي هَذِهِ اللَّفْظَة فَفِي صِحَّتهَا نَظَر وَحَدِيث الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَعْرُوف أَنَّ الْحَسَن رَوَاهُ مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بَرِيرَة أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّة الْحُرَّة وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سننه من حديث عكرمة عن بن عَبَّاس
وَفِيهِ وَجْه رَابِع وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ عِدَّتهَا عِدَّة الْمُطَلَّقَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي مَعْشَر عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ عَنْ مُحَمَّد بْن بَكَّارٍ عَنْ أَبِي مَعْشَر
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَوْجُه أَحَدهَا أَنْ تَعْتَدّ
الثَّانِي عِدَّة الْحُرَّة
الثَّالِث عِدَّة الْمُطَلَّقَة
الرَّابِع بِثَلَاثِ حيض
[عون المعبود وحاشية ابن القيم 6/ 224]
قال العباد:
شرح حديث: (يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك)
فإن كان زوجها حراً فإنها تساوت معه في الحرية؛ لأنها ارتفعت من حالتها الناقصة إلى أن صارت مساوية له، وعلى هذا لا تخيير لها، أما إذا كانت أمة تحت عبد كقصة بريرة فإنها تخيَّر: إن أرادت تستمر معه استمرت، وإن أرادت الفراق فإن لها ذلك، وهذا في استدامة النكاح، وإلا فإن ابتداء عقد جديد لا يجوز، إذ ليس للعبد أن يتزوج بالحرة؛ لأن الزوج يجب أن يكون أعلى من المرأة ليكون قواماً عليها، ولا يكون ناقصاً بالعبودية وهي عندها الحرية، فلا يجوز ابتداءً عقد الزواج، وهذه من صور القاعدة المشهورة: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء) مثل الطيب في الإحرام: فالإنسان لا يتطيب وهو محرم، ولكن الطيب الذي كان موجوداً قبل الإحرام يستديمه، ولا بأس بذلك، وكذلك إذا أذن المؤذن في رمضان والإنسان يشرب فإنه يواصل؛ لأنه يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، لكن ليس له أن يشرب بعدما يسمع المؤذن، ولكن إذا أذن وهو يشرب فله أن يكمل الشرب، وهكذا ليس للعبد أن يعقد على الحرة، ولكن الأمة إذا عتقت فصارت حرة وزوجها لا يزال في العبودية فإن لها أن تبقى معه ولها أن تتركه، وإذا بقيت معه فهو من قبيل: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء).
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى.
والمسألة التي أشرنا إليها أن العبد ليس له أن يتزوج الأمة يقابلها أن الحر له يتزوج الأمة، عند الضرورة للآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء:25]، فدلت على أنه عند الضرورة له أن يتزوج الأمة؛ ولكنها إذا أعتقت فإنها تكون مساوية له في الحرية، فلا يترتب على ذلك شيء وليس لها خيار.
[شرح سنن أبي داود للعباد 256/ 3 بترقيم الشاملة آليا]
—-
أدلة السنة على أن الأمر المطلق للوجوب، فكثيرة:
منها:
(1). قصة بريرة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنما قالت: (أتأمرني؟) لما استقر عند المسلمين أن طاعة أمره واجبة اهـ الفتاوى ((1) / (317))
—
ومن الاستذكار:
(1145) – مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنْ مُوَلَّاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قَالَتْ فَأَرْسَلَتْ إِلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ? فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ إِنِّي مُخْبِرَتُكِ خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إِنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ يَمْسَسْكِ زَوْجُكِ فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَكِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا لِعَبْدِ اللَّهِ وَحَفْصَةَ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا مَا لَمْ يَمَسَّهَا زَوْجُهَا
وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ مَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِمَا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ ذَلِكَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَعَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ وَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهَا «إِنْ قَرُبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ»
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ وَبِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَخِيَارُهَا عَلَى الْمَجْلِسِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ حَتَّى غَشِيَهَا زَوْجُهَا فَلَهَا الْخِيَارُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ سليمان
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَقَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يَوْمَ أُعْتِقَتْ فَكَأَنِّي – وَاللَّهِ – أَنْظُرُ لَهُ فِي طرق المدينة يوجهها وأن دموعه لتنحدر على لحيته يتبعها يتراضيها لِتَخْتَارَهُ فَلَمْ تَفْعَلْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ خِيَارُهَا عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ مَشْيَهَا فِي الْمَدِينَةِ لَمْ يُبْطِلْ خِيَارَهَا
وَفِيهِ أَيْضًا حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا خِيَارَ لَهَا تَحْتَ الْحُرِّ لِأَنَّ خِيَارَهَا إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا زَوْجَهَا عَبْدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ مَا يُعَضِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا وَهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْمَغْرِبِ وَالشَّامِ
وَرَوَاهُ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ قَالَ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا
قَالَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ الْحُرِّ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَصْحَابُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَلَا خِيَارَ لَهَا
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وإسحاق
وهو قول بن أَبِي لَيْلَى
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهَا لَمْ يَحْدُثْ لَهَا حَالٌ تَرْتَفِعُ بِهَا عَنِ الْحُرِّ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَزَالَا حُرَّيْنِ وَلَمَّا لَمْ يَنْقُصْ حَالُ الزَّوْجِ عَنْ حَالِهَا وَلَمْ يَحْدُثْ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لَا خِيَارَ لِزَوْجَةِ الْعِنِّينِ إِذَا ذَهَبَتِ الْعُنَّةُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهَا بِفِرَاقِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُيُوبِ زَوَالُهَا يَنْفِي الْخِيَارَ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْأَمَةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي إِنْكَاحِ مَوْلَاهَا إِيَّاهَا رَايٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً فَلَمَّا عُتِقَتْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ
أَلَا تَرَى إِلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَإِذَا كَانَتْ حُرَّةً كَانَ لَهَا الْخِيَارُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي حَالِ أُمُوَّتِهَا
قَالُوا وَقَدْ وَرَدَ تَخْيِيرُ بَرِيرَةَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا إِنَّمَا وَجَبَ لَكِ الْخِيَارُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ زَوْجِكِ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
قَالُوا وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا «قَدْ مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارِي»
قَالُوا فَكُلُّ مَنْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا اخْتَارَتْ تَحْتَ حُرٍّ كَانَتْ أَوْ عَبْدٍ
وَرَوَوْا عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ فَعَتَقَتْهَا فَخَيَّرَهَا رَسُولِ اللَّهِ ? وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ
وَرَوَوْا عَنْ سَعِيدِ بن المسيب مثله
وهو قول مجاهد وبن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ
وَقَالُوا مَنْ قَالَ إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا فَقَوْلُهُ أَوْلَى لِأَنَّ الرِّقَّ ظَاهِرٌ وَالْحُرِّيَّةَ طَارِئَةٌ وَمَنْ أَنْبَأَ عَنِ الْبَاطِنِ كَانَ الشَّاهِدُ دُونَ غَيْرِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَرِيرَةَ «قَدْ مَلَكْتِ نَفْسَكِ فاختاري» فإنه خطاب ورد في من كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ
فَأَمَّا مَنْ أُعْتِقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَمْ تَمْلِكْ بِذَلِكَ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُرِّيَّتِهَا شَيْءٌ يُوجِبُ مِلْكَهَا لِنَفْسِهَا
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا فَقَدْ عَارَضَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ بَلْ هُوَ أَلْصَقُ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ بِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخِيهَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بن أُخْتِهَا رَوَيَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ
وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ زَبْرَاءَ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ عَبْدًا وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ رِوَايَتِهَا عَنْ عائشة الحديث عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثًا لِبَعْضِ بَنِي مَخْزُومٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثًا فَقَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِ قَضِيَّاتٍ أَنَّ مَوَالِيَهَا اشْتَرَطُوا الْوَلَاءَ فَقَضَى أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ وَخَيَّرَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ فَأَهْدَتْ مِنْهَا إِلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ»
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فُرْقَةِ الْمُعَتَقَةِ إِذَا اخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا
فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ اخْتِيَارَهَا لِنَفْسِهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَتَادَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
قَالَ مَالِكٌ هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ إِلَّا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَذَلِكَ لَهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ مِنَ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنَةٌ
وَفِي «الْمُوَطَّإِ» فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ تُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا إِنَّهَا إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا مَعْنَى لِلثَّلَاثِ فِي طَلَاقِ الزَّوْجَةِ وَلَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ لِأَنَّ طَلَاقَ الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ تَطْلِيقَتَانِ وَطَلَاقَ الْعَبْدِ تَطْلِيقَتَانِ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ مَالِكًا لَا يُجِيزُ لَهَا أَنْ تُوقِعَ إِلَّا وَاحِدَةً فَتَكُونُ بَائِنَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زوج وهو أصل مذهب مالك
وروى بن نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْعَبْدِ الرَّجْعَةَ إِنْ عتق
قال بن نَافِعٍ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَإِنْ عَتَقَهَا
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَوْ أُعْتِقَ زَوْجُهَا فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّ بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ هُوَ أَمْلَكُ بِهَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هِيَ بَائِنَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ زَوْجَهَا لَوْ مَلَكَ رَجْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مَعْنًى وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يُفِيدُهَا اخْتِيَارُهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا رجعتها
وروي عن بن الْقَاسِمِ أَنَّ زَوْجَهَا إِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ
وَهَذَا أَيْضًا لَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْحِجَازِيِّينَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ قَدِ ارْتَفَعَتْ كَالْعِنِّينِ تَزُولُ عُنَّتُهُ قَبْلَ فِرَاقِ امْرَأَتِهِ لَهُ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ إِنِ اخْتَارَتِ الْمُعْتِقَةُ نَفْسَهَا فَفُرْقَتُهَا فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
وَفِي تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ مِنْ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ لَهَا
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
الاستذكار (6) / (68) – (69)
—
قال ابن القيم في زاد المعاد:
اختلفت الروايةُ في زوج بَريرة، هل كان عبداً أو حراً؟ فقال القاسم، عن عائشة رضى الله عنها: كان عبداً ولو كان حراً لم يُخيَّرها. وقال عروة عنها: كان حراً. وقال ابنُ عباس: كان عبداً أسودَ يقال له: مغيث، عبداً لبنى فلان، كأنى أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة، وكل هذا في الصحيح. وفى سنن أبى داود عن عروة عن عائشة: كان عبداً لآل أبى أحمد، فخيَّرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: (إنْ قَرُبَكِ، فَلاَ خيارَ لَكِ).
وفى مسند أحمد، عن عائشة رضى الله عنها، أن بَريرة كانت تحتَ عبد، فلما أعتقها، قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (اخْتارِى فَإنْ شِئْتِ أَنْ تَمْكُثِى تَحْتَ هذا العَبْدِ، وإن شِئْتِ أنْ تُفَارِقِيهِ).
وقد روى في (الصحيح): أنه كان حراً.
وأصحُّ الروايات، وأكثرُها: أنه كانَ عبداً، وهذا الخبرُ رواه عن عائشة رضى الله عنها ثلاثة: الأسود، وعروةُ، والقاسمُ، أما الأسود، فلم يختلفْ عنه عن عائشة أنه كان حراً، وأما عروة، فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان، إحداها: أنه كان حراً؛ والثانية: أنه كان عبداً، وأما عبد الرحمن بن القاسم، فعنه روايتان صحيحتان، إحداها: أنه كان حراً، والثانية: الشك. قال داود بن مقاتل: ولم تختلِفِ الروايةُ عن ابن عباس أنه كان عبداً.
واتفق الفقهاءُ على تخيير الأمةِ إذا أُعتِقَت وزوجُها عبد، واختلفوا إذا كان حراً؛ فقال الشافعىُّ ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه: لا يخيرَ، وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الثانية: تُخيَّر.
وليست الروايتان مبنيتين على كون زوجها عبداً أو حراً، بل على تحقيق المناط في إثبات الخيار لها، وفيه ثلاثةُ مآخذ للفقهاء؛ أحدها: زوالُ الكفاءة، وهو المعبَّرُ عنه بقولهم: كملت تحتَ ناقص، الثانى: أن عتقها أوجبَ للزوج ملكَ طلقة ثالثة عليها لم تكن مملوكة له بالعقد، وهذا مأخذُ أصحابِ أبى حنيفة، وبنوا على أصلهم أن الطلاقَ معتبرٌ بالنساء لا بالرجال، الثالث: ملكُها نفسها، ونحن نبين ما في هذه.
المأخذ الأول: وهو كمالُها تحت ناقص، فهذا يرجع إلى أن الكفاءَة معتبرةٌ في الدوام، كما هي معتبرة في الابتداء، فإذا زالت، خُيِّرتِ المرأةُ، كما تخيَّر إذا بان الزوجُ غيرَ كفءٍ لها، وهذا ضعيف من وجهين.
أحدهما: أن شروطَ النكاح لا يُعتبر دوامُها واستمرارها، وكذلك توابعه المقارِنَةُ لعقدة لا يُشترط أن تكون توابعَ في الدوام، فإن رضى الزوجة غير المجبَرة شرط في الابتداء دونَ الدوامِ، وكذلك الولىُّ والشاهدانِ، وكذلك مانعُ الإحرام والعدة والزنى عند من يمنع نكاحَ الزانية، إنما يمنع ابتداء العقد دون استدامته، فلا يلزم مِن اشتراط الكفاءة ابتداءُ اشتراط استمرارها ودوامها. .
الثانى: أنه لو زالت الكفاءة في أثناء النكاح بفسقِ الزوج، أو حدوثِ عيب موجبٍ للفسخ، لم يَثْبُت الخيارُ على ظاهر المذهب، وهو اختيارُ قدماء الأصحاب، ومذهب مالك. وأثبت القاضى الخيارَ بالعيب الحادِثَ، ويلزم إثباتُه بحدوث فسق الزوج، وقال الشافعى: إن حدث بالزوج، ثبت الخيار، وإن حدث بالزوجة، فعلى قولين.
وأما المأخذُ الثانى وهو أن عتقها أوجب للزوج عليها مِلكَ طلقة ثالثة، فمأخذٌ ضعيف جداً، فأىُّ مناسبة بين ثبوت طلقة ثالثة، وبينَ ثبوت الخيارِ لها؟ وهل نصبَ الشارعُ مِلك الطلقة الثالثة سبباً لملك الفسخ، وما يُتوهم من أنها كانت تَبينُ منه باثنتين فصارت لا تَبينُ إلا بثلاث، وهو زيادةُ إمساك وحبس لم يقتضِهِ العقدُ فَاسِدٌ، فإنه يَمْلِكُ ألاَّ يُفارِقَها ألبتة، ويُمسكها حتى يُفرِّق الموتُ بينهما، والنكاحُ عقد على مدة العمر، فهو يَمْلِكُ استدامة إمساكِها، وعتقها لا يسلُبُه هذا الملك، فكيف يسلبه إياه ملكه عليها طلقةً ثالثة، وهذا لو كان الطلاق معتبراً بالنساء، فكيف والصحيحُ أنه معتبر بمن هو بيده وإليه، ومشروع في جانبه.
وأما المأخذُ الثالث: وهو ملكُها نفسهَا، فهو أرجح المآخذِ وأقربُها إلى أصول الشرع، وأبعدُها من التناقض، وسر هذا المأخذ أن السيد عقدَ عليها بحكم الملك حيث كان مالكاً لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضى تمليكَ الرقبة والمنافع للمعتق، وهذا مقصوده وحكمته، فإذا ملكت رقبتها، ملكت بُضعها ومنافعها، ومن جملتها منافِع البُضع، فلا يملك عليها إلا باختيارها، فخيَّرها الشارعُ بين أن تُقيم مع زوجها، وبين أن تفسخَ نكاحه، إذ قد ملكت منافع بُضعها، وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة، أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: (مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارى).
فإن قيل: هذا ينتقِضُ بما لو زوّجها ثم باعها، فإن المشترى قد ملك رقبتها وبُضعها ومنافِعَه، ولا تسلِّطُونه على فسخ النكاح. قلنا لا يَرِدُ هذا نقضاً، فإن البائع نقل إلى المشترى ما كان مملوكاً له، فصار المشترى خليفته، هو لما زوَّجها، أخرج منفعة البُضع عن ملكه إلى الزوج، ثم نقلها إلى المشترى مسلوبةً منفعة البُضع، فصار كما لو آجر عبده مدة، ثم باعه. فإن قيل: فهب أن هذا يستقيم لكم فيما إذا باعها، فهلا قلتم ذلك إذا أعتقها، وأنها ملكت نفسَها مسلوبة البُضع، كما لو آجرها، ثم أعتقها، ولهذا ينتقِضُ عليكم هذا المأخذ؟
قيل: الفرقُ بينهما: أن العتق في تمليك العتيق رقبتَه ومنافعه أقوى من البيع، ولهذا ينفذ فيما لم يعتقه ويسرى في حصة الشريك، بخلاف البيع، فالعتق إسقاطُ ما كان السيد يملِكهُ من عتيقه، وجعله له محرراً، وذلك يقتضى إسقاط مُلكِ نفسه ومنافِعها كُلِّها. وإذا كان العتق يسرى في ملك الغير المحض الذي لا حق له فيه البتة، فكيف لا يسري إلى مُلكه الذي تعلَّق به حقُّ الزوج، فإذا سرى إلى نصيب الشريكِ الذي لا حقَّ للمعتق فيه، فسريانُه إلى مُلك الذي يتعلق به حقُّ الزوج أولى وأحرى، فهذا محضُ العدل والقياس الصحيح.
فإن قيل: فهذا فيه إبطال حقِّ الزوج من هذه المنفعة بخلاف الشريك، فإنه يرجِعُ إلى القيمة.
قيل: الزوج قد استوفى المنفعة بالوطء، فطريانُ ما يُزيل دوامَها لا يُسقط له حقاً، كما لو طرأ ما يُفسِدُ أو يفسخُه برضاع أو حدوث عيب، أو زوالِ كفاءة عند من يفسخُ به.
فإن قيل: فما تقولون فيما رواه النسائى، من حديث ابن مَوْهَب، عن القاسم بن محمد، قال: كان لعائشة رضى الله عنها غلام وجارية، قالت: فأردت أن أعتِقَهما، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (ابدَئى بالغُلاَم قَبْلَ الجَارِيَةَ). ولولا أن التخيير يمنع إذا كان الزوج حراً لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة، فإذا بدات به، عتقت تحت حر، فلا يكون لها اختيار.
وفى سنن النسائى أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّمَا أَمَةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعُتِقَتْ، فَهِىَ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَطَاهَا زَوْجُها).
قيل: أما الحديث الأول: فقال أبو جعفر العقيلى وقد رواه: هذا خبرٌ لا يعرف إلا بعبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوْهَب وهوضعيف. وقال ابن حزم: هو خبر لا يصح. ثم لو صحَّ لم يكن فيه حجة، لأنه ليس فيه أنهما كانا زوجين، بل قال: كان لها عبدٌ وجارية. ثم لو كانا زوجين لم يكن في أمره لها بعتق العبد أولاً ما يُسقط خيارَ المعتقة تحتَ الحر، وليس في الخبر أنه أمرها بالابتداء بالزوج لهذا المعنى، بل الظاهر أنه أمرها بأن تبتداء بالذَّكَرِ لفضل عتقه على الأنثى، وأن عتق أنثيين يقومُ مقامَ عتق ذَكَرٍ، كما في الحديث الصحيح مبيناً.
وأما الحديث الثانى: فضُعِّف، لأنه من رواية الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمرى وهو مجهول. فإذا تقرر هذا، وظهر حكمُ الشرع في إثبات الخيار لها، فقد روى الإمام أحمد بإسناده، عن النبى صلى الله عليه وسلم (إِذَا أُعْتِقَتِ الأَمَةُ فهى بِالخِيارِ مَا لَمْ يَطَاهَا، إن شَاءتْ فَارَقَتْهُ، وإِنْ وَطِئَها فَلاَ خَيارَ لَها وَلاَ تَسْتَطِيعُ فِرَاقَهُ). ويُستفاد من هذا قضيتان:
إحداهما: أن خيارَها على التراخى ما لم تُمَكِّنْهُ مِن وَطئها، وهذا مذهب مالك وأبى حنيفة. وللشافعى ثلاثةُ أقوال. هذا أحدُها. والثانى: أنه على الفور؛ والثالث: أنه إلى ثلاثة أيام.
الثانية: أنها إذا مكَّنته من نفسها، فوطئها، سقط خيارُها، وهذا إذا علمت بالعتق وثبوتِ الخيار به، فلو جهلتهما، لم يسقط خيارُها بالتمكين من الوطء. وعن أحمد رواية ثانية: أنها لا تُعذر بجهلها بملك الفسخ، بل إذا علمت بالعتق، ومكَّنته مِن وطئها، سقط خيارها ولو لم تعلم أن لها الفسخ، والرواية الأولى أصح فإن عتق الزوج قبل أن تختار وقلنا: إنه لا خيار للمعتقة تحت حر بطلَ خيارُها لمساواة الزوج لها، وحصول الكفاءة قبل الفسخ. قال الشافعى في أحد قوليه وليس هو المنصور عند أصحابه: لها الفسخ لتقدُّم ملك الخيار على العتق فلا يبطله، والأوّل أقيسُ لزوال سبب الفسخ بالعتق، وكما لو زال العيبُ في البيع والنكاح قبل الفسخ به، وكما لو زال الإعسار في زمن ملك الزوجة الفسخَ به. وإذا قلنا: العلة ملكها نفسها، فلا أثر لذلك، فإن طلقها طلاقاً رجعياً، فعتقت في عدتها، فاختارت الفسخَ، بطلت الرجعةُ، وإن اختارت المقام معه، صح، وسقط اختيارُها للفسخ، لأن الرجعية كالزوجة.
وقال الشافعى وبعضُ أصحاب أحمد: لا يسقُط خيارُها إذا رضيت بالمقام دون الرجعة، ولها أن تختار نفسها بعد الارتجاع، ولا يَصِحُّ اختيارُها في زمن الطلاق فإن الاختيارَ في زمن هي فيه صائرة إلى بينوتة، ممتنع فإذا راجعها، صحَّ حينئذ أن تختارَه وتُقيم معه، لأنها صارت زوجة، وعمل الاختيار عمله، وترتَّبَ أثرُه عليه. ونظيرُ هذا إذا ارتدَّ زوجُ الأمة بعد الدخول، ثم عتقت في زمن الرِّدَّة، فعلى القول الأول لها الخيار قبل إسلامه، فإن اختارته، ثم أسلم، سقط ملكُها للفسخ، وعلى قول الشافعى: لا يَصِحُّ لها خيار قبل إسلامه، لأن العقد صائر إلى البطلان فإذا أسلم، صحَّ خِيارُها.
فإن قيل: فما تقولون إذا طلقها قبل أن تفسخ، هل يقع الطلاق أم لا؟
قيل: نعم يقع، لأنها زوجة؛ وقال بعضُ أصحاب أحمد وغيرهم: يُوقف الطلاق، فإن فسخت، تبينّا أنه لم يقع، وإن اختارت زوجها تبينّا وقوعه. فإن قيل: فما حكم المهر إذا اختارت الفسخ؟
قيل: إما أن تفسخ قبل الدخول أو بعده. فإن فسخت بعدَه، لم يسقط المهر، وهو لِسيدها سواء فسخت أو أقامت، وإن فسخت قبله ففيه قولان، هما روايتان عن أحمد إحداهما: لا مهر، لأن الفرقة من جهتها، والثانية، يجب نصفُه، ويكون لسيدها لا لها.
فإن قيل: فما تقولون في المعتَق نِصفُها، هل لها خيار؟ قيل: فيه قولان، وهما روايتان عن أحمد، فإن قلنا: لا خيارَ لها كزوج مدبَّرة له لا يمِلك غيرها وقيمُتها مائة، فعقد على مائتين مهراً، ثم مات، عتقت، وَلم تمِلك الفسخَ قبل الدخول، لأنها لو ملكت، سقطَ المهرُ، أو انتصف، فلم تخرُجْ مِن الثلث، فيرق بعضُها، فيمتنِعُ الفسخُ قبل الدخول، بخلاف ما إذا لم تملكه، فإنها تخرُج من الثلث، فيعتق جميعُها.
(1295) – إن قربك فلا خيار لك
(د) عن عائشة.
[حكم الألباني] (ضعيف)
ضعيف الجامع الصغير وزيادته (1) / (186)
(2827) – حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تُعْتِقَ مَمْلُوكِينَ زَوْجًا، فَسَأَلْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «فَأَمَرَهَا أَنْ تَبْدَأَ بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ”
[التعليق – من تلخيص الذهبي] (2827) – عبيد الله هذا اختلف في توثيقه ولم يخرجا له
المستدرك على الصحيحين للحاكم – ط العلمية (2) / (224) – أبو عبد الله الحاكم (ت
وأخرجه ابوداود 2237
قال الارنؤوط: إسناده ضعيف، لضعف عُبيد الله بن عَبد الرحمن بن عَبد الله بن مَوهب
قال الألباني في ضعيف أبي داود:
قلت: إسناده ضعيف. قال البيهقيّ: «تفرّد به ابن موْهب». قال الحافظ:
«ليس بالقوى». وبه أعله المنذري).
قال البيهقي:
(14191) – وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ لِيَكُونَ عِتْقُهَا، وَهُوَ حُرٌّ، فَلَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ