تتمة سورة الأحقاف آيات 35 – 33 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ((33)) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ((34)) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ((35))}.
————-
يَقُولُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا} أَيْ: هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُسْتَبْعِدُونَ لِقِيَامِ الْأَجْسَادِ يَوْمَ الْمَعَادِ {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} أَيْ: وَلَمْ يَكْرثهُ خَلْقُهن، بَلْ قَالَ لَهَا: “كُونِي” فَكَانَتْ، بِلَا مُمَانَعَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ، بَلْ طَائِعَةٌ مُجِيبَةٌ خَائِفَةٌ وَجِلَةٌ، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى؟ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غَافِرٍ: (57)]، وَلِهَذَا قَالَ: {بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ثُمَّ قَالَ مُتَهَدِّدًا وَمُتَوَعِّدًا لِمَنْ كَفَرَ بِهِ: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: أَمَا هَذَا حَقٌّ؟ أَفَسِحْرٌ هَذَا؟ أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ؟ {قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} أَيْ: لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الِاعْتِرَافُ، {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} ثُمَّ قَالَ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهِ، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} أَيْ: عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِهِمْ لَهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْدَادِ أُولِي الْعَزْمِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَأَشْهَرُهَا أَنَّهُمْ: نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ نَصَّ اللَّهُ عَلَى أَسْمَائِهِمْ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ فِي آيَتَيْنِ مِنْ سُورَتَي “الْأَحْزَابِ” وَ “الشُّورَى”، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأُولِي الْعَزْمِ جَمِيعُ الرّسُل، وَتَكُونَ {مِنَ} فِي قَوْلِهِ: {مِنَ الرُّسُلِ} لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} أَيْ: لَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ حُلُولَ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ، كَقَوْلِهِ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا} [الْمُزَّمِّلِ: (11)]، وَكَقَوْلِهِ {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطَّارِقِ: (17)].
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}، كَقَوْلِهِ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النَّازِعَاتِ: (46)]، وَكَقَوْلِهِ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يُونُسَ: (45)]، [وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمِ اسْتَقْصَرُوا مُدَّةَ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْبَرْزَخِ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشَدَائِدَهَا وَطُولَهَا].
وَقَوْلُهُ: {بَلاغٌ} قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ: وَذَلِكَ لَبثَ بَلَاغٌ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ: هَذَا الْقُرْآنُ بَلَاغٌ.
وَقَوْلُهُ: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} أَيْ: لَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ إِلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ.
آخِرُ تفسير سورة الأحقاف