( ب) و 174 و 175 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
18 – باب النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور
173 – عن عائشةَ، رَضِي اللَّه عنها، قَالَتْ قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ أَحْدثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فهُو رَدٌّ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلمٍ: “مَنْ عَمِلَ عمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو ردٌّ”.
قال النووي:” وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات. ” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده، فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه. ” (فتح الباري)
قال ابن رجب:” هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، كما أن حديث: “الأعمال بالنيات” ميزان للأعمال في باطنها، هو ميزان للأعمال في ظاهرها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فليس من الدين في شيء. (جامع العلوم والحكم)
قال الفيومي في المصباح المنير:” حدث الشيء حدوثا، من باب قعد: تجدد وجوده، فهو حادث، وحديث، ومنه يقال: حدث به عيب: إذا تجدد، وكان معدوما قبل ذلك، ويتعدى بالألف، فيقال: أحدثته، ومنه: “محدثات الأمور”، وهي التي ابتدعها أهل الأهواء. (المصباح المنير)
قوله (في أمرنا) قال ابن رجب:”هذا الحديث بمنطوقه يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره ههنا: دينه وشرعه، كالمراد بقوله في الرواية الأخرى: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد”، فالمعنى إذاً: أن من كان عمله خارجا عن الشرع، ليس متقيدا بالشرع، فهو مردود.” (جامع العلوم والحكم)
وقال أيضا:” قوله: “ليس عليه أمرنا” إشارة إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة، فتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها، بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة، موافقا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود، فأما العبادات فما كان منها خارجا عن حكم الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَن بِهِ اللَّه} [الشورى: 21]، فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – قربة إلى الله، فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية … ” (جامع العلوم والحكم)
قال الأتيوبي:” (في أمرنا)؛ أي: في شأننا، فالأمر واحد الأمور، أو فيما أمرنا به، فالأمر واحد الأوامر، أطلق على المأمور به، والمراد على الوجهين: الدين القيم، ووصف الأمر بقوله: (هذا) إشارة إلى أن أمر الإسلام كمل واشتهر، وشاع، وظهر ظهور المحسوس، بحيث لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة، كقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} الآية [المائدة: 3]، فمن رام الزيادة عليه فقد حاول أمرا غير مرضي؛ لأنه من قصور فهمه رآه ناقصا.” (البحر المحيط الثجاج و الطيبي في شرح المشكاة)
قال ابن عثيمين:” وقوله: (أمرنا) المراد به ديننا وشرعنا، قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) (الشورى: 52) (شرح رياض الصالحين)
قوله (ما ليس منه) قال الأتيوبي:” أشار إلى أن إحداث ما له أصل في الكتاب والسنة ليس بمردود، كأن يجدد سنة أميتت، وتناساها الناس، أو أحدث شيئا يشهد له الكتاب والسنة، مما لا يشمله تعريف البدعة الشرعية، كجمع الصديق – رضي الله عنه – القرآن، وجمع عمر – رضي الله عنه – الناس على إمام واحد في قيام رمضان.” (البحر المحيط الثجاج)
قوله (فهُو رَدٌّ) قال النووي” قال أهل العربية: ” الرد ” هنا بمعنى المردود، ومعناه: فهو باطل غير معتد به”. (شرح مسلم)
قال ابن حجر:”وقوله: (رد) معناه مردود من إطلاق المصدر على اسم المفعول، مثل خلق ومخلوق ونسخ ومنسوخ، وكأنه قال: فهو باطل غير معتد به،” (فتح الباري)
قال النووي:” وفي الرواية الثانية زيادة وهي أنه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق إليها، فإذا احتج عليه بالرواية الأولى يقول: أنا ما أحدثت شيئا فيحتج عليه بالثانية التي فيها التصريح برد كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سبق بإحداثها.” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” واللفظ الثاني وهو قوله: ” من عمل ” أعم من اللفظ الأول وهو قوله: ” من أحدث ” فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المرتبة عليها،” (فتح الباري)
قال النووي:” وفي هذا الحديث: دليل لمن يقول من الأصوليين: إن النهي يقتضي الفساد. ومن قال: لا يقتضي الفساد يقول: هذا خبر واحد، ولا يكفي في إثبات هذه القاعدة المهمة، وهذا جواب فاسد” (شرح مسلم).
قال أيضا” وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به.” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:”وفيه رد المحدثات وأن النهي يقتضي الفساد، لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها، ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر لقوله: ” ليس عليه أمرنا ” والمراد به أمر الدين، وفيه أن الصلح الفاسد منتقض، والمأخوذ عليه مستحق الرد.” (فتح الباري)
قال ابن باز:” قال عليه الصلاة والسلام:” كل بدعة ضلالة” لأن الناس إذا أحدثوا في الدين ضيعوا ما شرع الله لهم واختلط عليهم الأمر واشتبهت عليهم الأمور، هكذا اليهود والنصارى أحدثوا فاشتبهت عليهم الأمور وضيعوا دينهم، أعوذ بالله، الواجب على أهل الإسلام التمسك بما دل عليه كتاب الله وبما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام في العبادات والأحكام وفي كل شيء وألا يخرجوا عن ذلك لا قليلا ولا كثيرا قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (شرح رياض الصالحين)
174 – وعن جابرٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، إِذَا خَطَب احْمرَّتْ عيْنَاهُ، وعَلا صوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبهُ، حتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ:”صَبَّحَكُمْ ومَسَّاكُمْ”وَيقُولُ: “بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعةُ كَهَاتيْن”وَيَقْرنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، السبَابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: “أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيرَ الْحَديثَ كِتَابُ اللَّه، وخَيْرَ الْهَدْى هدْيُ مُحمِّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدثَاتُهَا وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ”ثُمَّ يقُولُ:”أَنَا أَوْلَى بُكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ. مَنْ تَرَك مَالا فَلأهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً، فَإِليَّ وعَلَيَّ “رواه مسلم.
-175وعنِ الْعِرْبَاض بن سَارِيَةَ، رضي اللَّه عنه، حَدِيثُهُ السَّابِقُ في بابِ الْمُحَافَظةِ عَلَى السُّنَّةِ.
قال النووي:”هذا الحديث جمل من الفوائد ومهمات من القواعد ” (شرح مسلم)
قوله: (إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش) قال النووي:” يستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة، ويرفع صوته، ويجزل كلامه، ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وتحديده خطبا جسيما.” (شرح مسلم)
قال القرطبي -رحمه الله-: كان هذا منه -صلى الله عليه وسلم- في أحوال، وهذا مشعر بأن الواعظ حقه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلم فيه ما يطابقه، حتى لا يأتي بالشيء وضده ظاهر عليه، وأما اشتداد غضبه -صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أن يكون عند نهيه عن أمر خولف فيه، أو يريد أن صفته صفة الغضبان. (المفهم)
قال ابن عثيمين:” (احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه) وإنما كان يفعل هذا لأنه أقوى في التأثير على السامع، فكان صلى الله عليه وسلم يكون على هذه الحال للمصلحة، وإلا فإنه من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً وألينهم عريكة، لكن لكل مقام مقال، فالخطبة ينبغي أن تحرك القلوب، وتؤثر في النفوس، وذلك في موضوعها، وفي كيفية أدائها.” (شرح الرياض)
قوله (كأنه منذر جيش) قال الأتيوبي:” هو الذي يجيء مخبرا للقوم بما دهمهم من عدو، أو غيره؛ أي: كمن ينذر قوما من قرب جيش عظيم قصد الإغارة عليهم.” (البحر المحيط الثجاج)
(بعثت أنا والساعة كهاتين) قال النووي:”قال القاضي: يحتمل أنه تمثيل لمقاربتها، وأنه ليس بينهما إصبع أخرى كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة، ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما من المدة، وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الإصبعين تقريبا لا تحديدا ” (شرح مسلم)
وقوله: ” السبابة ” قال النووي:” سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب” (شرح مسلم)
فيه بيان قرب الساعة، فإن بعثته -صلى الله عليه وسلم- إحدى علاماتها.
قال ابن عثيمين:” (بعثت أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين السبابة والوسطى، يعني بين الإصبعين، السبابة وهي التي بين الوسطى والإبهام، والوسطى، وأنت إذا قرنت بينهما وجدتهما متجاورين، ووجدت أنه ليس بينهما إلا فرق يسير، ليس بين الوسطى والسبابة إلا فرق يسير مقدار الظفر أو نصف الظفر، وتسمى السبابة لأن الإنسان إذا أراد أن يسب أحدا أشار إليه بها، وتسمى السبابه أيضاً لأن الإنسان عند الإشارة إلى تعظيم الله عز وجل يرفعها، ويشير بها إلى السماء، والمعنى أن أجل الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد، وهذا كما فعل صلى الله عليه وسلم ذات يوم حيث خطب الناس في آخر النهار، والشمس على رؤوس النخل، فقال: (إنه لم يبق من دنياكم إلا مثل ما بقي من هذا اليوم) (رواه أحمد والترمذي) (قال محققو المسند صحيح لغيره) (تحقيق الألباني: ضعيف، لكن بعض فقراته صحيح.) ” (شرح الرياض)
وقال أيضا:” فإذا كان الأمر كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم الآن مات له ألف وأربعمائة سنة ولم تقم القيامة دل هذا على أن الدنيا طويلة الأمد، ولكن ما يقدره بعض الجيولوجيين من عمر الدنيا الماضي بملايين الملايين فهذا خرص، لا يصدق ولا يكذب، فهو كأخبار بني إسرائيل؛ لأنه ليس لدينا علم من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في مقدار ما مضى من الدنيا، ولا في مقدار ما بقى منها على وجه التحديد، وإنما هو كما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمثال، والشيء الذي ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة وهو من أخبار ما مضى، فإنه ليس مقبولاً، وإنما ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما شهد الشرع بصدقه، فهذا يقبل لشهادة الشرع به.
القسم الثاني: ما شهد الشرع بكذبه، فهذا يرد لشهادة الشرع بكذبه.
القسم الثالث: ما ليس فيه هذا ولا هذا، فهذا يتوقف فيه، إما أن يكون حقاً، وإما أن يكون باطلاً، ويدل لهذا قوله تعالى: (أَلَمْ يَاتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) (إبراهيم: 9) فإذا حصر الله جل وعلا العلم في نفسه فإنه لا يتلقى علم هؤلاء إلا من وحيه عز وجل، لا يعلمهم إلا الله، فأي أحد يدعي شيئاً فيما مضى مما يتعلق بالبشرية أو بطبيعة الأرض أو الأفلاك أو غيرها فإننا لا نصدقه ولا نكذبه، بل نقسم ما أخبره به إلى الأقسام الثلاثة السابقة.” (شرح رياض الصالحين)
وكذلك قال –رحمه الله -:” أما المستقبل فالمستقبل ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما أخبر الشرع بوقوعه، فهذا لابد أن يقع مثل أخبار يأجوج ومأجوج، وأخبار الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أشبه ذلك، مما ثبت في الكتاب والسنة.
القسم الثاني: ما لم يرد به كتاب ولا سنة، فهذا القول فيه من التخمين والظن، بل لا يجوز لأحد أن يصدقه فيما يستقبل؛ لأنه من علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل.” (شرح الرياض)
قوله: (فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد) قال النووي:” قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان: أحدهما: بمعنى الدلالة والإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، وقال الله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}، {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، و {هدى للمتقين}، ومنه قوله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم} أي: بينا لهم الطريق، ومنه قوله تعالى: {إنا هديناه السبيل}، و {هديناه النجدين}. والثاني: بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد، وهو الذي تفرد الله به، ومنه قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}،” (شرح مسلم)
(وشر الأمور محدثاتها) قال في “الفتح”: “المحدثات” بفتح الدال جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع “بدعة”، وما كان له أصل يدل عليه الشرع، فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة، سواء كان محمودا، أو مذموما، وكذا القول في المحدثة، وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد”. (فتح الباري)
قال القرطبي:” يعني: المحدثات التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة والجواز، وهي المسماة بالبدع، ولذلك حكم عليها بأن كل بدعة ضلالة، وحقيقة البدعة: ما ابتدئ، وافتتح من غير أصل شرعي، وهي التي قال فيها -صلى الله عليه وسلم-: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد” متفق عليه.” (المفهم)
قال فيصل آل مبارك:” محدثات الأمور ما لم يكن معروفًا في الكتاب والسنة ولا أصل له فيهما.” (التطريز)
(وكل بدعة ضلالة”) قال الأتيوبي:” هذه الجملة معطوفة على محذوف كما بين في رواية أخرى؛ تقديره: فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعند النسائي بإسناد صحيح من حديث جابر -رضي الله عنه- مرفوعا: “إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”.” (البحر المحيط الثجاج)
قال النووي -رحمه الله-: قوله: “وكل بدعة ضلالة” هذا عام مخصوص، والمراد: غالب البدع، … ثم ذكر أن البدعة خمسة أقسام وضرب أمثلة لها.
قال الأتيوبي:”: قول النووي: “هذا عام مخصوص” فيه نظر لا يخفى؛ إذ ليس كذلك، بل الصواب أنه على عمومه، فإن كل بدعة شرعية ضلالة من دون استثناء شيء منها، وأما ما ظنه أنه مخصوص من العموم، فإنما هو في البدع اللغوية، فإن البدعة قسمان:
[إحداهما]: شرعية، وهي التي أحدثت بعد كمال الدين، وليس لها أصل في الكتاب، والسنة، والإجماع، فهذه ضلالة دون استثناء.
[والثانية]: لغوية وهي أعم من الشرعية، إذ هي تشمل كل ما أحدث بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء كان له أصل في الشرع أم لا، فكل ما أورده النووي من الأمثلة، وظن أنه مخصوص من عموم هذا الحديث، فإنه من اللغوية، لا من الشرعية.
والحاصل أن البدع التي ليس لها مستند من الأدلة الشرعية، فإنها بدعة شرعية ضلالة، وأن البدع التي لها أصل من الأدلة الشرعية، فهي من البدع اللغوية، وليست من الضلالة في شيء، ويدل على هذا التقسيم الحديث المتفق عليه: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد”، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: “ما ليس منه” يدل على أن من المحدث ما هو من الشرع، وهو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية، ومن ذلك قول عمر -رضي الله عنه-: “نعمت البدعة”، فإنه أراد به كونها بدعة لغوية، وذلك لأن قيام رمضان رغب فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل صلى بعض الليالي بأصحابه، ثم اعتذر إليهم بخشية أن يفرض عليهم، فلا يقومون به، فلما توفي -صلى الله عليه وسلم-، رأى عمر -رضي الله عنه- أن الخشية ارتفعت، فجمعهم على إمام واحد، واستحسن منه ذلك كثير من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومنهم عثمان وعلي -رضي الله عنهما-، فقد كان الناس يصلون جماعة في خلافتهما. وكذلك ما نقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- وغيره من تقسيم البدع إلى محمودة ومذمومة، فإنما أرادوا البدعة اللغوية، لا الشرعية، فافهم الفرق، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد. (البحر المحيط الثجاج)
قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) هو موافق لقول الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (شرح مسلم)
قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالا فلأهله) قال ابن عثيمين:” يعني من ترك من الأموات مالاً فلأهله؛ يرثونه حسب ما جاء في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.” (شرح الرياض)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي) قال الخطابي: الضياع: اسم لكل ما هو يفرض أن يضيع إن لم يتعهد كالذرية الصغار والأطفال والزمنى الذين لا يقومون بكل أنفسهم وسائر من يدخل في معناهم. (معالم السنن)
وقال أيضا: في قوله (فإليَّ وعليَّ): هذا فيمن ترك دينا لا وفاء له في ماله فإنه يقضى دينه من الفيء، فأما من ترك وفاء فإن دينه يقضى عنه ثم بقية ماله بعد ذلك مقسوم بين ورثته. (معالم السنن)
قال النووي:” هذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم: ” أنا أولى بكل مؤمن من نفسه “، قال أهل اللغة: الضياع – بفتح الضاد – العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يضيع ضياعا، المراد: من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع، فأوقع المصدر موضع الاسم، قال أصحابنا: وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من مات وعليه دين لم يخلف به وفاء ; لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء، فزجرهم على ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح الله على المسلمين مبادي الفتوح قال صلى الله عليه وسلم: ” من ترك دينا فعلي ” أي: قضاؤه، فكان يقضيه. (شرح مسلم)
قال ابن عثيمين:” (ومن ترك ديناً أو ضياعاً)، يعني أولاداً صغاراً يضيعون (فإليَّ وعليَّ)، يعني فأمرهم إليَّ، أنا وليهم، والدين عليَّ أنا أقضيه، هكذا كان صلى الله عليه وسلم حين فتح الله عليه، أما قبل ذلك فكان يُؤْتَي بالرجل ليصلي عليه فيسأل: (هل عليه دين؟) إن قالوا: نعم وليس له وفاء ترك الصلاة عليه، فجيء إليه في يوم من الأيام برجل من الأنصار فتقدم ليصلي عليه، ثم سأل؛ عليه دين؟ قالوا: نعم؛ ثلاثة دنانير، فتأخر وقال: (صلوا على صاحبكم) فعرف ذلك في وجوه القوم. ثم قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: (صل عليه يا رسول الله وعليّ دينه، فالتزمهما أبو قتادة رضي الله عنه، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى.
وفي هذا دليل على عظم الدين وأنه لا ينبغي للإنسان أن يستدين إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك …. يقول الله عز وجل (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور: 33)، هذا في النكاح فما بالك بما هو دونه بكثير.” (شرح رياض الصالحين)
أما التدين للزواج فقد سئل ابن باز – رحمه الله-
تزوجت عند عمي وشرط عليَّ مائة ألف ريال، فماذا أفعل؟ أأترك الزواج أم ماذا؟
فقال ابن باز -رحمه الله-: إذا شرط العم مائة ألف ريال إذا تيسر لك تحصيل المائة ولو بالقرض ولو بالدين فافعل، استدن أو اقترض واستعن بالله، وإن لم يتيسر لك فلا تكلف نفسك لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وإذا مات يوفي الله عنه.
يقول النبي : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه فمن يأخذ الأموال بالقرض أو بالدين ونيته الوفاء يريد الزواج والعفاف، أو يريد إقامة سكن له، أو ما أشبه ذلك من المصالح فلا حرج عليه والله يوفي عنه (موقع الشيخ ابن باز)