بيان الوسيلة في آيات الله الكريمة
سورة يونس:
قال تعالى:
{وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَة لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) }
جمع سيف بن دورة الكعبي
————
سورة يونس:
قال تعالى:
{وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَة لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَ مُوسى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ} أَيْ صَدَّقْتُمْ.
(بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) أَيِ اعْتَمِدُوا.
(إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) كَرَّرَ الشَّرْطَ تَاكِيدًا، وَبَيَّنَ أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ بِتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ.
(فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا) أَيْ أَسْلَمْنَا أُمُورَنَا إِلَيْهِ، وَرَضِينَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَانْتَهَيْنَا إِلَى أَمْرِهِ.
(رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أَيْ لَا تَنْصُرْهُمْ عَلَيْنَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةً لَنَا عَنِ الدِّينِ، أَوْ لَا تَمْتَحِنَّا بِأَنْ تُعَذِّبَنَا عَلَى أَيْدِيهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى لَا تُهْلِكْنَا بِأَيْدِي أَعْدَائِنَا، وَلَا تُعَذِّبْنَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَيَقُولُ أَعْدَاؤُنَا لَوْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ لَمْ نُسَلَّطْ عَلَيْهِمْ، فَيُفْتَنُوا. وقال أبو مجلز وأبو الضحى: يَعْنِي لَا تُظْهِرْهُمْ عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْرٌ منا فيزدادوا طغيانا.
قال الماوردي:
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: {فَقالُوا عَلى اللَّهِ تَوَكَّلْنا} يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: في الإسْلامِ إلَيْهِ.
الثّانِي: في الثِّقَةِ بِهِ.
قال مكي:
أي: به وثقنا”، وهذا يدل على أن التوكل على الله عز وجل في جميع الأمور واجب، وأنه من كمال الإيمان. وقد قال الله عز وجل: {لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: (36)]، وقال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: (3)]، أي: فهو كافيه.
قال القاسمي:
قالَ الحاكِمُ: دَلَّتْ عَلى حُسْنِ السُّؤالِ بِالنَّجاةِ مِنَ الظُّلْمَةِ.
قال الشوكاني:
ولَمّا قَدَّمُوا التَّضَرُّعَ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ في أنْ يَصُونَ دِينَهم عَنِ الفَسادِ أتْبَعُوهُ بِسُؤالِ عِصْمَةِ أنْفُسِهِمْ فَقالُوا: {ونَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكافِرِينَ} وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ كانَ لَهُمُ اهْتِمامٌ بِأمْرِ الدِّينِ فَوْقَ اهْتِمامِهِمْ بِسَلامَةِ أنْفُسِهِمْ.
قال البقاعي: {فَعَلَيْهِ} أيْ: وحْدَهُ لِما عَلِمْتُمْ مِن عَظَمَتِهِ الَّتِي لا يُدايِنُها شَيْءٌ سِواهُ {تَوَكَّلُوا} ولْيَظْهَرْ عَلَيْكم أثَرُ التَّوَكُّلِ مِنَ الطُّمَانِينَةِ والثَّباتِ والسَّكِينَةِ {إنْ كُنْتُمْ} أيْ: كَوْنًا ثابِتًا {مُسْلِمِينَ} جامِعِينَ إلى تَصْدِيقِ القَلْبِ إذْعانَ الجَوارِحِ؛ وجَوابُ هَذا الشَّرْطِ ما دَلَّ عَلَيْهِ الماضِي مِن قَوْلِهِ: {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا} {فَقالُوا} أيْ: عَلى الفَوْرِ كَما يَقْتَضِيهِ الفاءُ {عَلى اللَّهِ} أيِ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها وحْدَهُ {تَوَكَّلْنا} أيْ: فَوَّضْنا أُمُورَنا كُلَّها إلَيْهِ
قال الآلوسي:
(6) – {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ((85)) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
تقديم التوكل على الدعاء -وإن كان بياناً لامتثال أمر موسى عليه السلام لهم- به تلويح بأن الداعي حقه أن يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى؛ فإنه أرجى للإجابة، ولا يتوهمن أن التوكل مناف للدعاء؛ لأنه أحد الأسباب للمقصود. [الألوسي: (11) / (226)]
قال الرازي:
واعْلَمْ أنَّ هَذا التَّرْتِيبَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ اهْتِمامُ هَؤُلاءِ بِأمْرِ دِينِهِمْ فَوْقَ اهْتِمامِهِمْ بِأمْرِ دُنْياهم، وذَلِكَ لِأنّا إنْ حَمَلْنا قَوْلَهم: {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} عَلى أنَّهم إنْ سُلِّطُوا عَلى المُسْلِمِينَ صارَ ذَلِكَ شُبْهَةً لَهم في أنَّ هَذا الدِّينَ باطِلٌ فَتَضَرَّعُوا إلى اللَّهِ تَعالى في أنْ يَصُونَ أُولَئِكَ الكُفّارَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وقَدَّمُوا هَذا الدُّعاءَ عَلى طَلَبِ النَّجاةِ لِأنْفُسِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ عِنايَتَهم بِمَصالِحِ دِينِ أعْدائِهِمْ فَوْقَ عِنايَتِهِمْ بِمَصالِحِ أنْفُسِهِمْ، وإنْ حَمَلْناهُ عَلى أنْ لا يُمَكِّنَ اللَّهُ تَعالى أُولَئِكَ الكُفّارَ مِن أنْ يَحْمِلُوهم عَلى تَرْكِ هَذا الدِّينِ كانَ ذَلِكَ أيْضًا دَلِيلًا عَلى أنَّ اهْتِمامَهم بِمَصالِحِ أدْيانِهِمْ فَوْقَ اهْتِمامِهِمْ بِمَصالِحِ أبْدانِهِمْ، وعَلى جَمِيعِ التَّقْدِيراتِ فَهَذِهِ لَطِيفَةٌ شَرِيفَةٌ
التفسير الميسر:
فقال قوم موسى له: على الله وحده لا شريك له اعتمدنا، وإليه فوَّضنا أمرنا، ربنا لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، أو يُفتن الكفارُ بنصرهم، فيقولوا: لو كانوا على حق لما غُلبوا.
تفسير السعدي:
{فَقَالُوا} ممتثلين لذلك {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: لا تسلطهم علينا، فيفتنونا، أو يغلبونا، فيفتتنون بذلك، ويقولون: لو كانوا على حق لما غلبوا.