70 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة –
_-_-_-_-_-
مسندأحمد 5998- حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبد الله بن وهب قال: قال حيوة، أخبرني أبو عثمان، أن عبد الله بن دينار، أخبره، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أفرى الفرى من ادعى إلى غير أبيه، وأفرى الفرى من أرى عينيه في النوم ما لم ترى ، ومن غير تخوم الأرض ”
قلت على شرط الذيل على الصحيح المسند وراجع الصحيحة 3063
—————-
قوله (إِنَّ أَفْرَى الفِرَى أن يُرِي الرَّجُلُ عَيْنَيْه مَا لَمْ تَرَيَا ) الفِرَى جَمْعُ فِرْيَةٍ والفِرْيةُ الكِذْبَةُ باب الفاء مع الزَّاي . غريب الحديث لابن الجوزي ( 2/ 192).
قوله (أَفْرَى) الفرى ضبط بكسر ففتح: جمع فرية، أي: أكذب الأكاذيب (وَمَنْ غَيَّرَ) يحتمل أنه عطف على (مَنْ أَرَى) وذلك لأن من غير الأمارات الدالة على الطرق فقد بين بهذا الفعل أن هذه الطرق ليست بطرق، وهذا منه كذب عظيم، فظهر بهذا صحة العطف، والله تعالى أعلم و (تُخُومَ الْأَرْضِ): معالمها وحدودها، وقد سبق تحقيقه في مسند علي.
مسند الامام أحمد بحاشية السندي
قال الحافظ في الفتح ( 12/ 430): قوله( أن من أفرى الفرى ) أفرى أفعل تفضيل أي أعظم الكذبات والفرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية قال بن بطال: الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها وقال الطيبي :فأرى الرجل عينيه وصفهما بما ليس فيهما قال: ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة نحو قولهم: ليل أليل
قوله: أن يرى بضم أوله وكسر الراء قوله عينه ما لم تر كذا فيه بحذف الفاعل وإفراد العين ووقع في بعض النسخ ما لم يريا بالتثنية ومعنى نسبة الرؤيا إلى عينيه مع أنهما لم يريا شيئا أنه أخبر عنهما بالرؤية وهو كاذب وقد تقدم بيان كون هذا الكذب أعظم الأكاذيب.
قلت سيف : تعرضنا لمسألة الكذب في الرؤيا في الفوائد المنتقاة على شرح صحيح مسلم. ووما قلنا : – الكذب في الرؤيا :
الكذب عموماً محرم وهو من الكبائر، وأعظمه الكذب على الله عز وجل، وكذلك الكذب في الرؤيا محرم فأخرج البخاري 7043 – عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ 🙁 إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ)
وأخرج أيضاً 7042 – عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ 🙁 مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ).
وقال الطبري فيما نقله عنه الحافظ في “الفتح” 12/428: إنما اشتد فيه الوعيد ُمع أن الكذبَ في اليقظة قد يكون أشد مفسدةً منه، إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، لقوله تعالى: (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) الآية، وإنما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث: “الرؤيا جزء من النبوة”، وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى. انتهى وعزاه إليه محققو المسند
كذلك الكذب على رسول الله شديد ففي الحديث (…من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) والتبوء يعني السكن وهذا الحديث أما بمعنى الخبر أو التهديد أو الدعاء على فاعل ذلك.
بل ورد ( إن من أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام أو بصر عينيه في المنام ما لم تبصر )أحمد 4/32، والطبري 22/191، لكن أعله أبوحاتم كما في العلل 1340 وصوب أنه عن الزهري عن مسلم بن يزيد عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أعله البخاري كما في التاريخ الكبير 7/277.
ورواية مسلم بن يزيد تحتاج بحث في متابعاتها وشواهدها، وليس في روايته( أو بصر عينيه في المنام ما لم تبصر )
وورد حديث في تغليظ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا فقال( من كذب علي في حلمه كلف عقد شعيرة يوم القيامة ) أخرجه أحمد 2/105 وإسناده ضعيف فيه عبدالأعلى الثعلبي، والمشهور( من كذب في حلمه… )، لكن من المعلوم أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الكذب على غيره فقد ورد( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) وهذا عام
[ الوعيد فيمن ادعى الى غير أبيه ]
عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ – رضى الله عنه – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». رواه البخاري
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فقد كفر)). متفق عليه.
قال النووي على مسلم ( 9 / 144 ):
( ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ) هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الانسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الارث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم.
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري ( 8/ 383 – 384 ):
قال الطبرى: فإن قال قائل: ما وجه هذا الحديث وقد كان من خيار الناس من ينسب إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود الذى نسب إليه، وإنما هو المقداد بن عمرو ، ومنهم من يدعى إلى غير مولاه الذى أعتقه كسالم مولى أبى حذيفة، وإنما هو مولى امرأة من الأنصار وهؤلاء خيار الأمة؟ قيل: لا يدخل أحد منهم فى معنى هذه الأحاديث، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يستنكرون ذلك أن يتبنى الرجل منهم غير ابنه الذى خرج من صلبه فنسب إليه، ولا أن يتولى من أعتقه غيره فينسب ولاؤه إليه، ولم يزل ذلك أيضا فى أول الإسلام حتى أنزل الله: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) [الأحزاب: 4] ونزلت) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [الأحزاب: 5] الآية فنسب كل واحد منهم إلى أبيه ومن لم يعرف له أب ولا نسب عرف مولاه الذى أعتقه وألحق بولائه عنه غير أنه غلب على بعضهم النسب الذى كان يدعى به قبل الإسلام، فكان المعروف لأحدهم إذا أراد تعريفه بأشهر نسبه عرفه به من غير انتحال المعروف به، ولا تحول به عن نسبه وأبيه الذى هو أبوه على الحقيقة رغبة عنه فلم تلحقهم بذلك نقيصة، وإنما لعن النبى (صلى الله عليه وسلم) المتبرئ من أبيه والمدعى غير نسبه، فمن فعل ذلك فقد ركب من الإثم عظيما وتحمل من الوزر جسيما، وكذلك المنتمى إلى غير مواليه. فإن قيل: فتقول للراغب فى الانتماء إلى غير أبيه ومواليه كافر بالله كما روى عن أبى بكر الصديق أنه قال: كفر بالله ادعاء نسب لا يعرف. وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: كان مما يقرأ فى القرآن: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) . قيل: ليس معناه الكفر الذى يستحق عليه التخليد فى النار وإنما هو كفر لحق أبيه ولحق مواليه، كقوله فى النساء: (يكفرن العشير) والكفر فى لغة العرب: التغطية للشىء والستر له، فكأنه تغطية منه على حق الله عز وجل فيمن جعله له والدا، لا أن من فعل ذلك كافرا بالله حلال الدم. والله الموفق.
قال الطيبي : قوله: ((من ادعى)) : الدعوة بالكسر في النسب، وهو أن ينسب الإنسان إلي غير أبيه وعشيرته، وقد كانوا يفعلونه، فنهي عنه، والادعاء إلى غير الأب مع العلم به حرام، فمن اعتقد إباحته كفر لمخالفة الإجماع، ومن لم يعتقد إباحته، فمعنى كفره وجهان: أحدهما أنه أشبه فعله فعل الكفار، والثاني: أنه كافر نعمة الإسلام. أقول: ومعنى قوله: ((فالجنة عليه حرام)) على الأول ظاهر، وعلى الثاني تغليظ. [ شرح المشكاة ]
قال العلامة العثيمين : ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس بأبيه فمثلا إذا كان أبوه من القبيلة الفلانية ورأى أن هذه القبيلة فيها نقص عن القبيلة الأخرى فانتمى إلى قبيلة ثانية أعلى حسبا لأجل أن يزيل عن نفسه عيب قبيلته فإن هذا والعياذ بالله ملعون عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وأما إذا انتمى الإنسان إلى جده وأبي جده وهو مشهور ومعروف دون أن ينتفي من أبيه فلا بأس بهذا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا ابن عبد المطلب أنا النبي ولا كذب ) مع أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فعبد المطلب جده ولكنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في غزوة حنين لأن عبد المطلب أشهر من أبيه عبد الله وهو عند قريش في المكانة العليا فلهذا قال أنا ابن عبد المطلب لكنه من المعلوم أنه محمد بن عبد الله ولم ينتف من أبيه وكذلك أيضا الناس ينتسبون إلى اسم القبيلة فيقول مثلا أحمد بن تيمية وما أشبه ذلك مما ينتسب إلى القبيلة
لكن المهم الذي عليه الوعيد هو الذي ينتمي إلى غير أبيه لأنه غير راض بحسبه ونسبه فيريد أن يرفع نفسه ويدفع خسيسته بالإنتماء إلى غير أبيه فهذا هو الذي عليه اللعنة والعياذ بالله. يوجد والعياذ بالله من يفعل ذلك للدنيا ينتسبون إلى أعمامهم دون آبائهم للدنيا مثل ما يوجد الآن أناس لديهم جنسيتان ينتسب إلى عمه أو إلى خاله أو ما أشبه ذلك لينال بذلك شيئا من الدنيا هذا أيضا حرام عليه ولا يحل عليه ذلك والواجب على من كان كذلك أن يعدل تبعيته وجنسيته وكذلك بطاقته ولا يبقيها على ما هي عليه ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرا ورزقه من حيث لا يحتسب والله الموفق. شرح رياض الصالحين ( 6 / 592 – 593).
قال العلامة العباد : أولاً: فيه عقوق لوالده؛ لأنه ترك الانتساب إليه. ثانياً: فيه كذب؛ وذلك لأن انتسابه إلى شخص وهو ليس بأبيه يوهم أنه أبوه. فكل هذه الأمور موجودة في مثل هذا العمل، ولهذا جاء فيه الوعيد الدال على أنه من الكبائر حيث قال: (فإن الجنة عليه حرام) وهذا من أحاديث الوعيد، وأحاديث الوعيد كما هو معلوم لا يعني أن صاحبها يكون كافراً، ولكنه أتى بأمر خطير وأتى بمعصية كبيرة يستحق عليها دخول النار وعدم دخول الجنة من أول وهلة، وقد يتجاوز الله عز وجل عن العبد الذي حصل منه ارتكاب كبيرة فلا يدخل النار وإنما يدخل الجنة من أول وهلة، وقد يعذب في النار ويدخلها، ولكنه يخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين ويكون من أهل الجنة. فالحاصل أن هذا من الكبائر وأن فيه عقوقاً وفيه كذباً. [ شرح سنن أبي داود ]