التعليق على الصحيح المسند
مجموعة رامي و مجموعة فيصل البلوشي وفيصل الشامسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-
الصحيح المسند
985 – قال الإمام أحمد رحمه الله:
حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال صلى الله عليه وسلم جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة قال معاوية وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر رضي الله عنه فقال جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل فقال ومن هو ويحك قال عبد الله بن مسعود فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ثم قال ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يزال يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة بن أم عبد قال ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له سل تعطه سل تعطه قال عمر رضي الله عنه قلت والله لأغدون إليه فلأبشرنه قال فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر رضي الله عنه قد سبقني إليه فبشره ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا وسبقني إليه.
——-
وصححه محققو المسند، وأورد الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة 2301
قوله (يُمْلِي) بضم الياء من الإملاء، أي: يلقي على الكاتب (يَمْلَأُ) بفتح ياء آخره همزة (مَا بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرَّحْلِ) الشعبة بضم شين وسكون مهملة: الطرف (يُطْفَأُ) كيفرح، أي: يذهب لهب غضبه وفيه تشبيه الغضب بالنار وفاعل يطفأ الغضب على التنازع (وَيُسَيَّر) على بناء المفعول من سيَّر مشددًا أي: يتفل عنه الغضب ويبعد وفي بعض النسخ (يُسَرَّى) على بناء المفعول مخففًا أو مشددًا: أي يزال ويكشف (يَسْمُرُ) كينصر، أي: يحدث بالليلة.
حاشية السندي على مسند أحمد
و هذه نبذة عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
عبدُ الله بنُ مسعُود
مَنْ سَرّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْانَ رَطْبًا كَمَا نَزَلَ،
فَلْيَقْرَأ عَلَى قِرَاءَةِ اِبْنِ أُمِّ عَبْدٍ
كان الناسُ يُنادونَه: “ابنَ أمِّ عَبْدٍ” أمَّا اسمهُ فهو عبدُ اللّهِ وأمَّا اسمُ أبيه “فَمَسْعُود”.
كان الْغُلامُ يَسْمَعُ بِأخْبَارِ النبَّي الذي ظَهَرَ في قومِه فلا يأبَه لها لِصِغَرِ سِنِّهِ من جِهَةٍ، وَلِبُعْدِهِ عنِ المجتَمَع المكِّي من جهةٍ أخْرَ ى، فقد دأب على أنْ يخرجَ بغنم عُقْبَةَ مُنْذُ البُكورِ ثُمَّ لا يعودُ بها إِلاَّ إِذا أقْبَلَ اللَّيْلُ.
ووقف عليه مرة النبي صلى الله عليه وسلم وابوبكر وقالا:
يا غلامُ، احْلِبْ لنا من هذِهِ الشِّياهِ ما نُطْفِئُ به ظَمَأنا ونَبُلُّ عُروقَنا. وكان يرعاها لعقبة بن أبي معيط
فقال الغلامُ:
لا أفعَلُ، فالْغَنَمُ لَيْسَتْ لي، وأنا عليها مُؤتَمنٌ …
ثم قال له أحَدُهُما:
دُلَّني على شاةٍ لم ينْزُ عليها فَحْلٌ، فأشارَ الغُلامُ إِلى شاةٍ صغيرَةٍ قريبَةٍ منه، فتقدَّمَ منها الرجلُ واعْتَقَلَهَا، وجعلَ يَمْسَح ضَرْعَهَا بِيَدِه وهو يَذْكُرُ عليها اسمَ اللّهِ، فما لبث ضرْعَ الشَاة أن انْتَفَخَ، وطَفِق اللَّبنُ يَنْبَثِقُ منه ثَرّاً غزيراً.
فقال:
عَلِّمْني مِن هذا القولِ الذي قلتَه.
فقال لي: إنَّك غلام مُعَلَّم.
لم يمضِ غيرُ قليل حتَّى أسلمَ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ وعَرَضَ نَفْسَهُ على رسولِ اللّهِ ليخدِمَه، فَوَضَعه الرسولُ صلوات اللّهِ عليه في خِدْمَتِهِ.
ومُنْذُ ذلك اليومِ انْتَقَلَ الغلامُ المَحْظُوظُ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ من رعاية الغَنم إِلى خِدْمَةِ سَيِّدِ الخَلقَ والأممَ.
***
لزمَ عبدُ اللّه بنُ مسعودِ رسولَ اللّهِ صلواتُ اللّهِ عليه مُلاَزَمَةَ الظِّلِّ لصاحبه، فكَان يُرافِقُه في حِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، ويصاحِبهُ داخِلَ بيتهِ وخارجَه … إذْ كان يوقِظُه إِذا نام، وَيَسْتُرُهُ إِذا اغْتَسَلَ، ويُلْبِسُهُ نَعْلَيْهِ إِذا أرادَ الخروجَ، ويَخْلَعُهُما من قَدَمَيْه إذا هَمَّ بالدخولِ، ويحمِلُ له عصاه وَسِوَاكَه، وَيَلجُ الحُجْرَةَ بَيْنَ يَدَيْه إذا أوى إِلى حُجْرَتِه …
بلْ إنَّ الرسولَ عليه الصلاةُ والسَّلامُ أذِنَ له بالدُّخولِ عليه مَتى شاءَ، والوقوف على سِرّهِ من غيرِ تَحَرُّج وَلا تأثم، حتَّى دُعِيَ بِصَاحبِ سِرِّ رسولِ اللّهِ.
***
رُبِّيَ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ في بيتِ رسولِ اللّهِ، فاهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَتَخَلَّقَ بِشَمَائلهِ، وَتَابَعهُ في كل خَصْلَةٍ من خِصالِه حتَّى قيل عنه: إنَّهُ أقربُ النَّاسِ إلى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هَدْياً وَسَمْتا
***
ولقد بَلَغ من عِلْمِ عبدِ اللّهِ بنِ مسعودٍ بكتابِ اللّهِ أنهُ كان يقولُ: واللّهِ الذي لا إلهَ غَيْرُه، ما نَزَلَتْ آيَة من كِتابِ الله إلاَّ وأنا أعلم أينَ نَزَلَتْ وأعلمُ فيما نَزَلَتْ، ولو أعْلَمُ أن أحَداً أعلَمُ مِنى بِكِتَابِ اللّهِ تَنَالُه الَمطِيُّ لأتيْتُه.
ولطالما كان يطيب لرسول الله عليه السلام أن يستمع للقرآن من فم ابن مسعود .. دعاه يوما الرسول، وقال له: اقرأ عليّ يا عبد الله قال عبد الله: أقرأ عليك، وعليك أنزل يا رسول الله؟ فقال له الرسول: إني أحب أن أسمعه من غيري فأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حتى وصل الى قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً فغلب البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاضت عيناه بالدموع، وأشار بيده الى ابن مسعود أن حسبك .. حسبك يا ابن مسعود
وتحدث هو بنعمة الله فقال: والله ما نزل من القرآن شيء الا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، ولو أعلم أحدا تمتطى اليه الإبل أعلم مني بكتاب الله لأتيته وما أنا بخيركم
ولقد شهد له بهذا السبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: لقد ملئ فقهاً
وقال أبو موسى الأشعري: لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم
ولم يكن سبقه في القرآن والفقه موضع الثناء فحسب .. بل كان كذلك أيضا سبقه في الورع والتقى يقول عنه حذيفة: ما رأيت أحداً أشبه برسول الله في هديه، ودلّه، وسمته من ابن مسعود
يقول عمرو بن ميمون: اختلفت الى عبدالله بن مسعود سنة، ما سمعه يتحدث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله، فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدّر عن جبهته، ثم قال مستدركا قريبا من هذا قال الرسول
ويحدثنا مسروق عن عبدالله: حدّث ابن مسعود يوما حديثا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرعد وأرعدت ثيابه .. ثم قال: أو نحو ذا .. أو شبه ذا
ولقد شهد المشاهد كلها جميعها .. فهاجر الهجرتين الى الحبشة و الى المدينة و صلى القبلتين وكان له يوم بدر شأن مذكور مع أبي جهل.
ولاه أمير المؤمنين عمر على بيت المال في الكوفة. وقال لأهلها حين أرسله اليهم: اني والله الذي لا اله الا هو، قد آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه وتعلموا ولقد أحبه أهل الكوفة حباً جماً لم يظفر بمثله أحد قبله، ولا أحد مثله
لم يَكُنْ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ مُبَالِغاً فيما قالَه عَنْ نفسِه، فهذا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضىَ اللّهُ عنه يَلْقَى رَكْباً في سَفَرٍ من أسْفَارِهِ، والليلُ مُخَيِّم يحجُبُ الرَّكْبَ بِظلامِهِ.
وكان في الرَّكْبِ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ، فَأمَرَ عُمَرُ رجلاً أن يُنَادِيَهُمْ:
من أينَ القومُ؟ فأجابَه عبدُ اللّهِ: من الفجِّ العَمِيِق.
فقال عمرُ: أينَ تريدونَ؟ فقال عَبْدُ اللّهِ: البيتَ العَتيقَ.
فقال عمرُ: إنَّ فيهم عالماً … وأمرَ رجلاً فناداهُمْ:
أيّ القرآنِ أعظمُ؟ فأجابه عبدُ اللّهِ: {اللّهُ لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأخُذُهُ سِنَة وَلاَ نَوْمٌ}.
قال:
نَادِهِمْ أيُّ الْقُرآنِ أحْكَمُ؟
فقال عبدُ اللّه: {إن اللّهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}.
فقال عمر: نادِهم أي القرَانِ أجمَعُ؟
فقال عبدُ اللّهِ:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَه}.
فقال عمر: نادِهم أيُّ القرَأَىن أخوفُ؟
فقال عبدُ اللّهِ:
{لَيْسَ بِأمَانِيِّكُمْ وَلا أمَانيّ أهل الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً}.
فقال عمرُ:
نادِهم أيُّ القرَان أرْجَى؟
فقال عبدُ اللّهِ:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلَى أنفُسِهمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إنَّ اللّه يَغْفِرُ الذُّنوبَ جَمِيعاً، إنَّهُ هُوَ الْغفُورُ الرَّجِمُ}.
فقال عمرُ:
نَادِهِمْ، أفيكُمْ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ؟!
قالوا: اللَّهُمَّ نعم.
قال سيف وصاحبه: ضعيف من بلاغات معمر قال معمر بلغني ان عمر
تفسير عبد الرزاق – سورة إذا زلزلت
حديث: 3578
–
ومرة قال الصحابة:
واللّهِ ما سَمِعَتْ قريشٌ هذا القُرآن يُجْهَرُ لها به قَطّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُم إيَاه؟!
فقال عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ: أنا أسمعهم إِيَّاه.
فقالوا:
إنَّا نَخْشَاهُم عليكَ، إنَّما نُرِيدُ رَجُلاً له عَشيرة، تَحْميه وَتَمْنَعُهُ منهم إِذا أرادوه بشَر، فقال: دَعُونِي فإنَّ اللّهَ سَيَمْنَعُني ويَحْميني …
ثم غدا إلى الْمَسْجِدِ حَتَّى أتَى مَقامَ إِبْراهِيمَ في الضُّحَى وقريشٌ جلوسٌ حَوْل الكَعْبَةِ، فَوَقَفَ عِنْدَ المقام وقرأ:
{بِسمِ اللّهِ الرحمنَ الرحيمِ- رافِعاً بها صَوْتَهُ- الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرآنَ، خَلَقَ الانْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ … }.
وَمَضىَ يَقْرأها، فَتَأملَتْهُ قريشٌ وقالت: ماذا قال ابنُ أمِّ عَبْدٍ؟!
تَبّاً له … إنَّهُ يَتْلو بَعْضَ ما جاءَ به محمدٌ … وقاموا إليه وجَعَلوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ وهو يَقْرأ حَتَّى بَلَغ منها ما شاءَ اللّهُ أَنْ يبلُغ، ثم انْصَرَفَ إِلى أصحَابِه والدَّمُ يسيلُ منه، فقالوا له:
هذا الذي خَشِينا عليك.
فقال:
واللّهِ ما كان أعداءُ اللّهِ أهوَنَ في عيني منهم الآنَ، وإنْ شِئْتُم لأُغَادينّهم، بِمِثْلها غداً، قالوا:
لا، حَسْبُكَ، لقد أسْمَعْتَهم ما يَكْرَهون.
قلت سيف: يذكر بعض أهل التفسير أنه رواه عروة بن الزبير فذكره مرسلا.
***
وحين ترامى الى مسمعه محاولات اغتيال عثمان، قال كلمته المأثورة: لئن قتلوه، لا يستخلفون بعده مثله ويقول بعض أصحاب ابن مسعود: ما سمعت ابن مسعود يقول في عثمان سبّة قط
شهادة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإيمان و العمل الصالح
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآيه لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: قيل لي أنت منهم
أخرجه مسلم 2459 وجعل أصحاب نضرة النعيم الصحابي عبدالله بن عمر وهو خطأ مطبعي.
وراجع الصحيحة 3486
أمنيته رضي الله عنه
قال: قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فأتبعتها أنظر اليها، فاذا رسول الله، وأبوبكر وعمر، واذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات واذا هم قد حفروا له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه اليه، والرسول يقول: ادنيا اليّ أخاكما .. فدلياه اليه، فلما هيأه للحده قال: اللهم اني أمسيت عنه راضيا فارض عنه .. فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة
تلك أمنيته الوحيد التي كان يرجوها في دنياه وهي لا تمت بسبب الى ما يتهافت الناس عليه من مجد وثراء، ومنصب وجاه .. ذلك أنها أمنية رجل كبير القلب، عظيم النفس، وثيق اليقين .. رجل هداه الله، وربّاه الرسول، وقاده القرآن
قلت سيف: عزاه صاحب عرف العود في سيرة ابن مسعود لابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي أن عبدالله بن مسعود كان يحدث …. وهو منقطع بين التيمي وابن مسعود
وأخرجه البزار بدون امنيت ابن مسعود وفيه عباد بن احمد العرزمي متروك.
وورد في سنن أبي داود وهو في الصحيح المسند 212 من حديث جابر لكن فيه (فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) وليس فيه تسميته.
وذكره الألباني في الصحيحة 1709 وعزاه لاحمد من حديث زيد بن اسلم ابن الادرع أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يجهر فقال: عسى أن يكون مرائيا ثم مرَّ بآخر وهو يجهر بالقرآن فقال: إنه أواه.
قال ابن حجر وذكر طريق أخرى فيها موسى بن عبيدة حدثني سعيد بن أبي سعيد عن الادرع السلمي. والربذي ضعيف وقد رويت القصة من طريق زيد بن أسلم عن ابن الادرع فالله أعلم.
وقد ضعف محققو المسند 18971 طريق زيد بن أسلم بالراوي عنه هشام بن سعد. وقالوا يشهد لقوله إنه أواه حديث عقبة 17453 وفيه ابن لهيعة وحديث ابن عباس وإسناده ضعيف ومرسل محمد بن إبراهيم التيمي.
وصح عنه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه قال «رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد».
قلت سيف: أعله الدارقطني بالإرسال. العلل 820 وكذلك ذكر هذه العلة الحاكم.
عاشَ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ إلى زَمَنِ خِلافَةِ عُثمانَ رَضِيَ اللّهُ عنه، فلمّا مَرِضَ مَرَضَ الموتِ جاءَه عثمانُ عائِداً، فقال له:
ما تشتَكي؟
قال: ذنوبي.
قال: فما تشْتَهي؟
قال: رحمةَ ربى.
قال: ألا آمُرُ لك بِعَطائِك الذي امْتَنَعْتَ عَنْ أخْذِهِ منذُ سنين؟!
قال: لا حاجَةَ لي به.
قال: يكون لِبَناتِكَ من بَعْدِك.
قال: أتَخْشَى على بناتي الفقْرَ؟
إني أمرْتُهُنَّ أن يَقْرَأنَ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةَ الْوَاقِعَة …
وإنِّي سمعتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:
“مَنْ قَرَا الْواقِعَةَ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَة (21) أبداً”.
قلت سيف: هو في الضعيفة 1/ 457
***
ولما أقبَلَ الليلُ لَحِقَ عبدُ اللّهِ بنُ مسعودٍ بالرفيقِ الأعلى ولِسَانهُ رَطْب بِذِكْرِ اللّهِ، نَدِيُّ بآياتِه الْبَيِّنات. (*)
من أقواله رحمه الله:
قال أم عبد رضي الله عنه [الاقتصاد في السنة خير من اجتهاد في بدعة]
فهو الذي يقول: إذا سمعت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك، فإنها خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.
وهو الذي يقول في أهل القرآن: ينبغي لصاحب القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفترون.
وهو الذي أوصى في القرآن بقوله: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهزوه هز الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب.
ويقول لأصحابه (لو تعلمون ذنوبي ما وطئ عقبي اثنان) وفي رواية أخرى قال: لو تعلمون -يقسم ويقول- والله الذي لا إله غيره لو علمي لحثيتم التراب على رأسي.
ولقد آتاه الله الحكمة مثلما أعطاه التقوى وكان يملك القدرة على رؤية الأعماق، والتعبير عنها في أناقة وسداد
لنستمع له مثلا وهو يلخص حياة عمر العظيمة في تركيز باهر فيقول: كان اسلامه فتحا .. وكانت هجرته نصراً .. وكانت امارته رحمة
ويتحدث عما نسميه اليوم نسبية الزمان فيقول: ان ربكم ليس عنده ليل ولا نهار .. نور السموات والأرض من نور وجهه
ويتحدث عن العمل وأهميته في رفع المستوى الأدبي لصاحبه، فيقول: اني لأمقت الرجل، اذ أراه فارغاً .. ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة
ومن كلماته الجامعة: خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وشر العمى عمى القلب، وأعظم الخطايا الكذب، وشرّ المكاسب الربا، وشرّ المأكل مال اليتيم، ومن يعف الله عنه، ومن يغفر الله له
وهذه خلاصة لسيرته وبعض فوائد الحديث: قال ابن عثيمين في تفسير سورة الفاتحة و البقرة:
هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، وأُمه أُمُّ عَبْدٍ كان ينسب إليها أحياناً، وكان من السابقين الأولين في الإِسلام، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وما بعدها من المشاهد
تلقى من النبي صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة من القرآن، وقال له
النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإِسلام: “إنك لغلام مُعَلَّم”، وقال: “من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أُم عَبْد”، وفي “صحيح البخاري” أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد علم أصحاب رسول الله أني من أعلمهم بكتاب الله، وقال: والله الذي لا إله غيره ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أُنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإِبل لركبتُ إليه، وكان ممن خَدَم النبي صلى الله عليه وسلم فكان صاحبُ نعليه وطهوره ووساده حتى قال أبو موسى الأشعري: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حيناً ما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم تأثر به وبهديه، حتى قال فيه حذيفة: ما أَعرف أحداً أقرب هدياً وسمتاً ودلّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أُم عَبْد.
بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة؛ ليعلمهم أُمور دينهم، وبعث عماراً أميراً وقال: إنهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فاقتدوا بهما، ثم أمَّرهُ عثمان على الكوفة، ثم عزله، وأَمَرَهُ بالرجوع إلى المدينة، فتوفي فيها سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وسبعين سنة.
في هذا الحديث مسائل منها
– الغضب لدين الله حيث أن عمر ابن الخطاب غضب لما سمع أن رجلا يملي القرآن عن ظهر قلب و لم يعرف من الذي يملي بداية خشية منه على كتاب الله من التحريف و المسلمين من التخليط عليهم.
– فيه فضيلة عبد الله بن مسعود و درجة علمه في كتاب الله عز وجل.
– فيه مشروعية السمر ليلا في حاجة و من باب أولى إن كانت في واجب.
-في اظهار لمكانة الماهر بالقرآن و من قام على تعليم الناس كتاب الله.
-فيه أن القيام على تعلم القرآن و حفظه و تعليمه سبب في الرفعة في الدنيا و الآخره لمن أخلص في ذلك.
– فيه فضيلة قيام الليل و فضيلة الدعاء فيه.
– فيه استحباب المسارعة في نقل الخبر الطيب أو البشارة لإدخال السرور على نفس أخيك المسلم.
و غيرها من فوائد.
(*) للاستزادة من أخبار عبد الله بن مسعود انظر:
ا- الإصابة (ط. السعادة): 4/ 129 – 130.
2 – الاستيعاب (ط. حيدر آباد): 1/ 359 – 362.
3 – أسد الغابة:3/ 256 – 260 7 – شذرات الذهب ت1/ 38 – 39.
4 – تذكرة الحفاظ: 1/ 12 – 15 8 – تاريخ الإسلام الذهبي: 2/ 100 – 154.
5 – البداية والنهاية: 7/ 162 – 163 9 – سير أعلام النبلاء: 1/ 331 – 357