التحفة المختصرة المرضيّة في مكانة الحاكم وواجب الرعية ..
جمع وإعداد بعض طلبة العلم
بإشراف الدكتور سيف بن دورة الكعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن من حكمة الله ورحمته، وفضل هذا الدين وزهرته؛ ما جاء فيه من تعزيز لمكانة الحاكم وولي الأمر، والتأكيد على هيبته وتعظيم قدره، وضرورة بيعته والاجتماع تحت ولايته وحكمه؛ لأن في ذلك حفظ للدين والدنيا، وإقامة لمصالح العباد والبلاد، بخلاف التحزب والتفرق والجماعات، فهي من أعظم أسباب الضعف والشتات، وتسلط الأعداء وحصول النكبات، وما أمر المظاهرات والثورات عنا ببعيد، فقد كان من أعظم أسباب حصولها التحزبات والجماعات، ومخالفة أمر الحاكم والولاة، وعدم معرفة الهدي النبوي في التعامل مع تلك الحالات؛ فجرَّت بذلك المجتمعات إلى الفتن، وعدم الأمن، والفوضى، وضياع الدين قبل الدنيا.
وهذه تحفة مختصرة، وخلاصة معتصرة من كتب أهل العلم ومقالاتهم في أهمية الحاكم وحقوقه، وما يتعلق به من المسائل والأحكام المهمة، على سبيل السؤال والجواب، ليكون هاديًا لأولي الألباب.
1. مَنْ هو الحَاكم أو وليّ الأمر؟
ج: هو من أُعطي البيعة على السمع والطاعة والحكم من أهل الحل والعقد وأُقر له بذلك، وكذلك من أخذ الحكم بالغلبة واستقر له الأمر.
أو: هو من تقلد الحكم في البلاد، واستقر له الأمر.
2. ما مَعْنى البَيْعةَ للحاكم؟
ج: معناه التعهدُ له بالسَّمع والطاعة بالمعروف، وعدمِ المنازعة وإحداث الفتن.
3. هل تجبُ البَيعة للحاكمِ على كلِّ مسلم؟
ج: نعم؛ وذلك بمُباشرة الحاكم من أهل الحَلِّ والعَقْد في البلاد ومشافهته، وأمَّا عامة الناس فباعتقادِ البيعةِ له؛ والدليل قوله r: « من خلع يدًا من طاعة لقيَ الله يوم القيامة ولا حُجَّة له، ومن ماتَ وليس في عُنقه بيعة ماتَ ميتة جاهلية» [مسلم برقم1851].
4. ما موقفنا ممن غَدَر ونقضَ البيعة وفسخها؟ وما هو جزاؤه يوم القيامة؟
ج: عن نافع قال لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِة اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. [أخرجه البخاري برقم7111].
ويقول النبي r: « ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» ثم ذكر منهم؛ فقال: «ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا للدنيا؛ فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يفِ له». [أخرجه البخاري برقم7212، ومسلم برقم108].
5. هل يجوزُ إعطاء البيعة لأشخاصٍ آخرين، سواء كانوا حكامًا أم أحزابًا؟
ج: لا يجوز؛ والدليل قول النبي r: « من بايع إمامًا فأعطاهُ صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع؛ فإن جاء أحدٌ ينازعه فاضربوا عنق الآخر» [أخرجه مسلم برقم1844]، وإعطاء البيعة لغير الحاكم المستقر من أعظمِ المنازعةِ له.
6. ما هي مكانةُ الحاكمِ وولاة الأمر في الإسلام؟
ج: قد جُعلت لهم المكانة العليَّة، والمنزلة الجليَّة، منحهم الإسلام إياها ليتناسب قدرهم مع علو وظيفتهم، وعظم مسؤوليتهم؛ فمنصبهم وُضع ليكون خلفا للنبوة في حِراسة الدِّين وسياسة الدنيا. فمن ذلك أن الله U أمر بطاعة الولاة، وقرن طاعته وطاعة رسوله بطاعتهم، فدل ذلك على رفيع شأنهم وعظيم قدرهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
وكذلك؛ قول النبي r: « السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَ اللَّهَ، وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ الله» [أخرجه ابن أبي عاصم في “كتاب السنة”، برقم 1024]. وقال أبو بكرة t: « مَنْ أَجَلَّ سُلْطَانَ اللَّهِ أَجَّلَهُ الله يوم القيامة» [السنة لابن أبي عاصم برقم1025]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ: نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r فقَالَوا: «لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ، وَلَا تَغِشُّوهُمْ، وَلَا تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ». [أخرجه ابن أبي عاصم في “كتاب السنة”، برقم 1015].
7.ما هي الحقوق التي تجب علينا تجاه الحاكم؟
ج: تلك حقوق أملتها علينا الشريعة القويمة، وقرائح الفطر السليمة، ومن أهمها ثمانية حقوق؛ كما يلي:
الحق الأول: بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كلِّ ما يأمر به أو ينهى عنه، إلا أن يكون معصية، قال الله – تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]. وعن عبد الله بن عمر t، عن رسول الله r، قال: “السمعُ والطاعةُ على المرء المسلمِ فيما أَحبَّ وكَرِهَ، ما لم يُؤمَر بمعصيةٍ”. [أخرجه البخاري برقم 2955، ومسلم برقم 1839].
الحق الثاني: بذلُ النصيحة؛ فعن تميم الدَّاريّ t قال: قال رسولُ الله r: ” الدِّين النَّصيحة”، قالوا: لِمَنْ يا رسولَ الله؟ قال: “لله ولكتابِه ولرسوله، ولأئمةِ المسلمين وعامَّتهم” [أخرجه مسلم برقم55].
الحق الثالث: القيامُ بنصرتِهم باطناً وظاهراً؛ ببذلِ المجهود في ذلك، لما فيه من نصرِ المسلمين، وإقامةِ حُرْمَة الدَّين، وكَفِّ أيدي المُعْتدين.
الحق الرابع: أن يُعْرَف له حقه، وما يَجِبُ من تعظيم قَدْره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعلَ اللهُ -تعالى- له من الإعْظَام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حُرْمَتَهُم، ويحفظون لهم قَدْرَهم.
الحق الخامس: تحذيرُه من عدوٍّ يَقْصِدُه بسُوء، وحاسدٍ يرومُه بأَذَى، أو خَارِجِيٍّ يُخَافُ عليه منه، ومِنْ كُلِّ شيءٍ يُخَاف عليه منه – على اختلاف أنواع ذلك وأجْنَاسه – فإنَّ ذلك من آكدِ حقوقِه وأوْجَبِها.
الحق السادس: إعانتُه على ما تحمَّلَه من أعباء الرعيَّة، ومساعدته على ذلك بقدر الاستطاعة، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، وأحق من أُعين على ذلك ولاة الأمر.
الحق السابع: ردُّ القلوبِ النَّافرة عنه إليه، وجمعُ محبةِ الناس عليه، لما في ذلك من مصالح العباد، وانتظام أمر البلاد.
الحق الثامن: الذبُّ عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن، والسر والعلانية.
وإذا وَفَتِ الرَّعِيَّة بهذه الحقوق الواجبة، وأحسنت القيام بمَجَامِعِهَا، والمراعاة لمواقعها، صَفِتِ القلوبُ وأَخْلصت، واجتمعتِ الكلمةُ وانتصَرَت، وحَازُوا بذلك السَّبْقَ المُبين، على اختلافِ المَيَادين.
8. ألا يعيشُ الناسُ بغيرِ حاكم؟ وما هي فائدةُ وُجُودِه؟
ج: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: “لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا أَمِيرٌ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ” قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا الْبَرُّ فَكَيْفَ بِالْفَاجِرِ؟ قَالَ: ” إِنَّ الْفَاجِرَ يُؤَمِّنُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ السُّبُلَ، وَيُجَاهِدُ بِهِ الْعَدُوَّ، وَيَجْبِي بِهِ الْفَيْءَ، وَتُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيُحَجُّ بِهِ الْبَيْتُ، وَيَعْبُدُ اللهَ فِيهِ الْمُسْلِمُ آمِنًا حَتَّى يَاتِيَهُ أَجَلُهُ”. [شعب الإيمان للبيهقي برقم7102].
وقد قيل:
تُهْدَى الأُمُورُ بِأَهْلِ الرَّايِ مَا صَلَحَتْ … فَإِنْ تَولَّتْ فَبِالأَشْرَارِ تَنْقَادُ
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ … وَلا سَرَاةَ إِذَا أَشْرَارُهُمْ سَادُوا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
“يُقال: {سِتونَ سنةً من إمامٍ جائر؛ أصلحُ من ليلةٍ واحدةٍ بلا سُلطان}. ثم قال: “والتَّجْرِبة تبيِّنُ ذلك”. [السياسة الشرعية ص120].
إنَّ وجود ولي الأمر من فضل الله علينا، وفيه صلاح للدين والدنيا؛ فبهم تدار الأمور السياسية على الوجه الأكمل؛ فتصان البلاد ويأمن العباد، وينتشر الاطمئنان والاستقرار في الأوطان، وبهم تصلح الأمور الاجتماعية؛ فتنظم دور القضاء والمحاكم لحل النزاع والخلاف، وتهيأ أماكن المناصحة والرعاية الاجتماعية، والإصلاح الأسري، وغير ذلك.
وبهم -أيضًا- تسهل الأوضاع الاقتصادية؛ فتضبط السلع بما ينفع الناس، وتحضر عنهم ما فيه شر وسوء. وغيرها من المصالح التي لا يعلمها إلا من أوجب علينا نصب الحاكم وولي الأمر؛ لذلك يقول الماوردي -رحمه الله-: “وعَقْدُها – أي البيعة والإمامة والحُكْم- لمن يقومُ بِهَا في الأُمَّة واجبٌ بالإجماع”. [الأحكام السُّلطانية ص5].
9.كيف لو كانَ الحاكمُ ظالمًا -لا قدَّر الله- … ماذا نفعل؟
ج: علينا الصبرُ والاحتسابُ ومحاولةُ الإصلاح ببذلِ النَّصيحة، والكلمة الطيبة، ونشر الخير بين الناس، والبُعْد عن المعاصي والذنوب؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: “اعلم- عافاك الله- أن جَوْر الملوكِ نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تُتقى وتُستَدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لُقِيَت بالسَّيْف كانت هي أقطع”. [آداب الحسن البصري ” لابن الجوزي، ص119].
وقد قال النبي r: « مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» [أخرجه البخاري برقم7054، ومسلم برقم1849].
وقال r: « إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَامُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ». [أخرجه مسلم برقم1843]. قال النووي -رحمه الله-: “وفيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالمًا عَسُوفًا، فيُعطى حقه من الطاعة، ولا يُخرج عليه ولا يُخلع، بل يُتَضرع إلى الله -تعالى- في كشفِ أذاه، ودفعِ شره وإصلاحه”. [شرح مسلم (12/ 232)].
10. ما حكمُ المظَاهراتِ والثَّورات؟ وكيفَ تعالجُ الأوضاعُ السيِّئة في البلاد؟
ج: لا تجوزُ المظاهرات ولا الثورات؛ وليست الفوضى من عمل المسلمين، بل هي مأخوذةٌ من غيرهم، وهي من الفتن التي عصفت بالبلاد، وأول ذلك عندهم يَسُرْ، وأوسطهُ يغُرْ، وآخره علْقمٌ مُرْ، والواقعُ أعظم شاهد!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “وقلَّ من خرج على إِمام ذي سلطان؛ إِلا كانَ ما تولَّد على فعله من الشرِّ أعظم مما تولدَ من الخير”. [منهاج السنة (2/ 241)].
بل تعالجُ تلكَ الأوضاع على توجيه القرآن والسنة؛ لأن الذي خلقَ الخلقَ أعلمُ بما يُصلحهم، وسنَّ لهم من الشرائع ما يحفظهم به من كل شر = فبالنصيحة والكلمة الحسنة، والدعاء بالصلاح للبلاد والعباد، وسؤال الله ? التوفيق والسداد لولاة الأمر، وأن يعينهم على ما فيه الخير والرشاد، وحماية المجتمع من الشر والفساد؛ لذلك يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: “لو كان لي دعوةٌ مستجابةٌ ما جعلتها إلا للسلطان، قيل له: يا أبا علي فَسِّر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتُها في نفسي لم تعْدُني، وإذا جعلتُها في السلطان صَلُح، فصَلُح بصلاحه العباد والبلاد، فأُمرنا أن ندعوَ لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأنَّ جَوْرهم وظلمهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين”. [شرح السنة للبربهاري ص116، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (1/ 172 – 176)]. وقال الإمام الحسن بن علي البربهاري -رحمه الله-: “إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله تعالى-“. [شرح السنة ص51].
11. ما الموقفُ مِمَّن يطعنُ في وليّ الأمر، ويَدْعو للخروجِ على الحُكومةِ ويسبُّها، ويسعى لبثِّ الشائعات في المُجْتمع؟
ج: هؤلاء هم دعاةُ الفتنة والشَّر، والواجب الأخذ على أيديهم وزجرهم؛ لذلك قرر المالكية -رحمهم الله- “أنَّ من تكلم بكلمة لغير مُوجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ويُسجن شهرًا” [تبصرة الحكام لابن فرحون (2/ 302)، ومواهب الجليل للحطاب (6/ 303)]. وقد قال أبو الدرداء ?: “إنَّ أولَ نفاق المرء طعنُه على إمامه” [شعب الإيمان برقم8959]. وقال أبو إدريس الخولاني -رحمه الله-: “إياكم والطعن على الأئمة؛ فإن الطعن عليهم هي الحالقة، حالقة الدين ليس حالقة الشعر، ألا إنَّ الطعَّانين هم الخائبون، وشرار الأشرار” [الأموال لابن زنجويه برقم38].
فيجبُ الحذر من هؤلاء، ومناصحتهم، وتبليغ الجهات المعنيَّة عنهم لكفِّ شرهم، وتوعيةِ المجتمع من ضررهم وخطرهم.
12. كيفَ نتحصنُ من هؤلاء، ونحفظُ أنفسَنا وأهلَنا من الفتن والأفكار المُضلَّة؟
ج: ذلك يكون بتعلم الأحكام الشرعية المبنيَّة على القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، بفهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين من أهل العلم الرَّاسخين؛ والرجوع لأهل الاختصاص من ولاة الأمر والعلماء الأكابر في جميع الأمور والمُدْلَهِمَّات، ولزوم جماعة المسلمين وولي أمرهم؛ لذلك يقول النبي ?: «عليكم بالجماعة وإياكم والفُرقة؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بَحْبُوحة الجنة فليلزم الجماعة» [سنن الترمذي برقم2165]، ولا بدَّ من البُعد عن السماع لأهل الشر والفتن، وإن لَبِسُوا لباسَ الدين وتكلموا بلسان أهل اليقين، أو ادَّعوا التحرر والانفتاح والتجديد للمسلمين أو غير ذلك من الدَّعاوى البرَّاقة، التي ظاهِرُها الرَّحمة، وباطنُها العذابُ والسُّم الناقع الزُّعاف!
13. كيف نعرفُ أصحابَ الأفكار الهدَّامة، والدعواتِ المَشْبُوهة -هؤلاء؟
ج: يكونُ ذلك بتعلم العلم الشرعي والتَّزود منه، وطلبه من أهل العلم المشهود لهم بذلك، ومن كتبهم الموثوقة الصافية النقية، وبالالتفاف حول ولاة الأمر ولزوم الجماعة؛ فبذلك تحصن نفسك من الانحراف وتعرف المنحرف والمخالف لك. وإن أردتَ علاماتٍ لهؤلاء -أصحاب الفتن والأهواء-؛ فهي كالتالي:
أ – الجهل والتخبط والتقلب من حال إلى حال، لا سيَّما عند الفتن.
ب – التعصُّب المذموم للحزب ونحوه، والتَّمسك بالأفكار الضَّالة.
ت – اتباع المتشابه وغير الواضح من الأمور، ونشر الشُّبهات المُضلة.
ث – الغلو والتطرف سواء كان للانحلال عن دين الإسلام، أو الشدة ومجاوزة الحدود الشرعية.
ج – الجدال بغير حق، والتلبيس على الناس والمجتمع.
ح – التحزُّب والتفرق، وتقسيم المجتمع الواحد إلى طوائف متعددة؛ تارة باسم “الديمقراطية”، وتارة باسم “الحرية”، وتارة باسم “المجتمعات الجاهلية”!
خ – التهوين من أهل العلم الراسخين والطعن فيهم، وتنفير الناس عنهم.
د – الطعن في ولي الأمر والحكومة، ونشر الشائعات والأراجيف الخاطئة.
ذ – سبُّ ولاة الأمر والتشكيك في صدقهم وإخلاصهم، واتهامهم بالفساد.
ر – التسرُّع في التكفير، واستباحة دماء المسلمين وأعراضهم.
ز – سبُّ الصحابة -رضوان الله عليهم-، والتنقص من قدرهم، والطعن فيمن اتبعهم، وتمسك بكتاب الله وسنة نبيه ? ودينه القويم.
س – الدعوة إلى المظاهرات والاعتصامات والثورات، والإفتاء بشرعيتها.
ش – الحرص على الاجتماعات السرية والخفاء، والتكتم بينهم والدعوة إلى ذلك.
ص – إعطاء البيعة لرئيس الحزب أو غيره، والدعوة لمبايعة غير ولي الأمر -الحاكم-.
ض – مدح الأحزاب الضالة، والفرق المنحرفة؛ كـ”الإخوان المسلمين”، و”القاعدة”، و “جبهة النصرة” و”الحوثيين” و”حزب الله”، و”داعش” وغيرها.
ط – الثناء على رؤوس تلك الجماعات والأحزاب ومدحهم، وبثِّ أفكارهم؛ من أمثال “حسن البنا”، و”سيد قطب”، و”أسامة بن لادن”، و”أيمن الظواهري”، و”أبو بكر البغدادي”، و”حسن نصر الله”، و”بدر الدين الحوثي”، وغيرهم.
ظ – إشاعة ما يخلخل المجتمع، ويعين على تمزقه من الأفكار الضالة، أو الأفعال الإجرامية الخبيثة.
نسأل الله U أن يحفظ علينا بلادنا وولاة أمرنا، وأن يديم علينا أمنه ونعمه، وأن يعيننا على شكره وذكره، ويوفقنا لطاعته وطاعة من أمرنا بطاعته، فإنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.