أربع ركعات بعد العِشاء يعدلن بمثلهن من ليلة القدر (التي هي خير من ألف شهر):
1. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
«مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ كُنَّ كَقَدْرِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».
2. عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
«أَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ يَعْدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».
3. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
«مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ، عَدَلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».
4. عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
«أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ يَكُنَّ بِمَنْزِلَتِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».
5. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ:
«مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، عَدَلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».
وهل يعمل بها؟؟
ن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، منْ يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
ثم اما بعد:
فلقد حفظ الله تبارك وتعالى لنا في مصنف بن أبي شيبة حديث الترغيب في اربع ركعات بعد صلاة العشاء وهذا الحديث لا مناص من تصحيحه لإنه ورد بأسانيد صحيحة كالجبال عند أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه العظيم “المصنف” لذا صحح هذا الحديث محدث العصر الشيخ الألباني.
وقد منّ الله عليّ بجمع ما تناثر في كتب أئمة السنة فيما يتعلق بهذه السنة المهجورة في هذه الرسالة بما لا تجده في مكان آخر وقسمت رسالتي على فصول راجيا من الله التوفيق والسداد.
فصل تخريج حديث فضل أربع ركعات بعد العشاء:
قال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (7273) حدثنا بن إدريس عن حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال:” من صلى أربعا بعد العشاء كن كقدرهن من ليلة القدر”.
قلت: وهذا إسناد صحيح جدا وهو على شرط الشيخين وهو وإن كان موقوفا لكن حكمه كحكم المرفوع قطعا لانه لا يقال بالرأي والاجتهاد وانما هو من الاخبار الغيبية التي لاتقال الا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه سبحانه وتعالى.
وقال بن ابي شيبة في مصنفه ايضا (7274) حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت:” أربع بعد العشاء يعدلن بمثلهن من ليلة القدر”
قلت: اسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وقال بن ابي شيبة (7275) حدثنا وكيع عن عبد الجبار بن عباس عن قيس بن وهب عن مرة عن عبد الله قال:” من صلى أربعا بعد العشاء لا يفصل بينهن بتسليم عدلن بمثلهن من ليلة القدر”.
قلت: وهذا سند صحيح الى عبد الله بن مسعود وحكمه حكم المرفوع وهو نص على انها تصلى بتسليمة واحدة.
ولا شك ان هذه الآثار فيها ترغيب عما يحصل بفعله ثواب مخصوص فهي في حكم المرفوع قطعا وهذا الترغيب كما يشمل الرجال يشمل النساء سواءا بسواء إلا أن الرجال تجب عليهم الجماعة بما فيها صلاة العشاء.
فصل: ذكر بعض من عمل بهذه السنة من السلف:-
قال امام اهل خراسان محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة (114) حدثنا يحيى ثنا عباد بن العوام عن حصين عن القاسم بن أبي أيوب قال كان سعيد بن جبير يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات فأكلمه وأنا معه في البيت فما يراجعني الكلام
قلت: هذا اسناد صحيح الى سعيد بن جبير وهو أجلّ اصحاب عبد الله بن عباس. وهذا الاثر رواه محمد بن نصر المروزي ايضا في كتابه قيام الليل محتجا به على سنية الاربع ركعات بعد العشاء. وصح عند بن ابي شيبة (6684) ان القاسم بن أبي أيوب كان يصليها ايضا كيف لا وشيخه سعيد بن جبير كان يصليها.
وروي ايضا عن الخليفة الراشد علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه كان يعمل بها فقال الامام بن ابي شيبة في مصنفه (5969) – حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن ميسرة وزاذان قالا كان علي يصلي من التطوع أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب واربعا بعد العشاء وركعتين قبل الفجر
قلت: وهذا اسناد رجاله ثقات لكن عطاء بن السائب كان قد اختلط وساء حفظه في آخر عمره وابو الاحوص روى عنه بعد اختلاطه ولولا ذلك لكان الاسناد صحيحا.
فصل: ماذا يقرأ في هذه الأربع ركعات؟
قال الشيخ الالباني في السلسلة الضعيفة (5060): (وروي الحديث بلفظ
“من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة، قرأ في الركعتين الأوليين: (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو الله أحد)، وفي الأخريين: (تبارك الذي بيده الملك) و (آلم تنزيل)؛ كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر”.
أخرجه ابن نصر في “قيام الليل” (ص 60 – المكتبة الأثرية) من طريق أبي فروة عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: أبو فروة؛ اسمه يزيد بن سنان بن يزيد الجزري الرهاوي.
وهو ضعيف، وتركه النسائي. ومن طريقه أخرجه الطبراني في “الكبير”).
قلت: فالحديث المذكور ضعيف ولا يصح في تعيين القراءة في هذه الأربع ركعات شئ والصواب أنه يقرأ فيها ما تيسر من القرآن ولله الحمد والمنة.
فصل: هل يجلس في هذه الاربع للتشهد الاول؟
الجواب انه يجلس للتشهد الاول لان هذا هو الاصل في الصلاة الرباعية ومما يقوي هذا القول ان بن ابي شيبة قال في مصنفه (5945) حدثنا عباد بن العوام عن حصين عن إبراهيم قال قال عبد الله:” أربع قبل الظهر لا يسلم بينهن إلا أن يتشهد”.
قلت: اسناد صحيح رجاله رجال الشيخين ومراسيل ابراهيم بن يزيد النخعي عن بن مسعود صحاح كما تقرر عند اهل الحديث وصحح جماعة من الأئمة مراسيل إبراهيم وخص ذلك البيهقي بما أرسله عن ابن مسعود كما في ” مراسيل العلائي ” (168) وأقره الحافظ في ” التهذيب “.وهذا الذي اعتمده الشيخ الالباني في مؤلفاته لما روى الأعمش قال: قلت: لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود، فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله، فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله). رواه أبو زرعة الدمشقي في ” تاريخ دمشق ” (121/ 2) بسند صحيح عنه. فما دام ثبت ان سنة الظهر الرباعية القبلية تصلى بتشهدين فسنة العشاء البعدية كذلك تكون ومن ادعى الفرق فعليه بالدليل ودون ذلك خرط القتاد.
ثم وجدت دليلا قاطعا على انها بتشهدين فقال النسائي في سننه (4955) أخبرنا عبد الحميد بن محمد قال حدثنا مخلد قال حدثنا بن جريج عن عطاء عن ايمن مولى بن عمر عن تبيع عن كعب
“من توضأ فأحسن وضوءه، ثم شهد صلاة العتمة في جماعة، ثم صلى إليها [أربعاً مثلها]، يقرأ فيها، ويتم ركوعها وسجودها؛ كان له من الأجر مثل ليلة القدر “.
قال الشيخ الالباني في السلسلة الضعيفة تحت حديث رقم (5053): “وهذا إسناد لا بأس به؛ إن كان أيمن هذا هو ابن عبيد الحبشي “.
قلت: رضي الله عنك ايمن هذا ليس هو ابن عبيد الحبشي وانما هو ايمن الحبشي والد عبد الواحد بن ايمن وكلاهما من رجال البخاري كما رجح ذلك البخاري وابو حاتم الرازي والدارقطني والحافظ بن حجر وانظر لذلك في تهذيب التهذيب (1/ 395) فثبت بذلك هذا الأثر عن كعب بن ماتع المشهور بكعب الأحبار وهو من كبار التابعين ادرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومما يؤكد قولهم ان هذا الاثر رواه الامام بن ابي شيبة في مصنفه (7276) – حدثنا وكيع عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن تبيع عن كعب بن ماتع قال من صلى أربعا بعد العشاء يحسن فيهن الركوع والسجود عدلن مثلهن من ليلة القدر
قلت: وهذا اسناد جيد رجاله رجال البخاري غير تبيع بن أمراة كعب الأحبار وهو صدوق كما قال الحافظ بن حجر في تقريب التهذيب (794)
وروى اثر كعب الاحبار هذا الامام الدارقطني في سننه بلفظ:” من صلى أربع ركعات بعد العشاء فقرأ فيهن وأحسن ركوعهن وسجودهن كان أجره كأجر من صلاهن في ليلة القدر”
ورواه النسائي والبيهقي وبن نصر المروزي والدارقطني ايضا بلفظ:
“من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء الآخرة وصلى بعدها أربع ركعات فأتم ركوعهن وسجودهن ويعلم ما يقترئ فيهن كن له بمنزلة ليلة القدر”
وهذه الروايات كلها ثابتة عن كعب وانما أطلت في تخريج اثر كعب لما فيه من الحث على احسان الوضوء وشهود صلاة العشاء في جماعة والترغيب في اربع بعدها مثلها بتدبر قراءتها واتمام ركوعها وسجودها بالطمأنينة والخشوع وعدم النقر. ومما يستفاد من اثر كعب ايضا إثبات ان اجر من صلى اربعا بعد العشاء هو كأجر من صلاهن في ليلة القدر ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فصل: ايها أفضل ان تصلى هذه الاربع في المسجد ام في البيت؟
لا شك ان أداء النوافل في البيت افضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). رواه مسلم
وقد قال بن ابي شيبة في مصنفه (6455) – حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده
قال الشيخ الالباني في السلسلة الصحيحة (3149): وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ضمرة هذا، وهو الزُّبَيدِي الحمصي، وهو تابعي ثقة، وظاهر إسناده الوقف، ولكنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي والاجتهاد؛ كما هو بَيِّن لا يخفى على العلماء).
واما ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (5239) من حديث بن عمر مرفوعا: (من صلى العشاء في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد؛ كان كعدل ليلة القدر).
فهو حديث ضعيف ضعفه الشيخ الالباني في السلسة الضعيفة (5060) وضعفه ايضا الحافظ العراقي والحافظ الهيثمي.
قال الحافظ العراقي في طرح التثريب (4/ 155): (وروى الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد فيه ضعف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر مقتضاه تحصيل فضيلة ليلة القدر وإن لم يكن ذلك في ليلة القدر).
قلت: وهذا الحديث كما قال الحافظ العراقي اسناده فيه ضعف بل ضعف شديد وبيان ذلك يطول لكن يغني عنه الآثار التي رواها بن ابي شيبة على أن الحافظ العراقي هذه الاربع ركعات في كتابه المذكور (3/ 29). وعلى فرض ثبوت حديث عبد الله بن عمر فذلك من باب اثبات الأجر لمن صلى هذه الأربع في المسجد وان كان أداؤها في البيت أفضل لكنه لم يصح عن بن عمر كما عرفت على ان أداء النوافل في المسجد جائز وإن كان هذا هو خلاف الأولى.
فصل: اقوال بعض اهل العلم في سنة العشاء البعدية:-
قال الشيخ الالباني في السلسلة الضعيفة تحت حديث رقم (5060):
(لكن الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة؛ دون قوله: “قبل أن يخرج من المسجد”؛ فأخرجه ابن أبي شيبة في “المصنف (2/ 72/ 1) “، وابن نصر أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال:
من صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات؛ كن كعدلهن من ليلة القدر.
قلت: وإسناده صحيح. ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن عائشة، وابن مسعود، وكعب بن ماتع، ومجاهد، وعبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم. والأسانيد إليهم كلهم صحيحة – باستثناء كعب -، وهي وإن كانت موقوفة؛ فلها حكم الرفع؛ لأنها لا تقال بالرأي؛ كما هو ظاهر).ا. ه
قلت: لعل الشيخ الالباني يقصد ان اثر كعب اسناده حسن ليس كباقي الأسانيد الصحيحة والا فاثر كعب ثابت ايضا و الإسناد حسن حجة كالصحيح كما هو معروف عند أهل الحديث.
وقال السرخسي في المبسوط (1/ 157): – (واما التطوع بعد العشاء فركعتان فيما روينا من الآثار و إن صلى أربعا فهو أفضل لحديث ” ابن عمر ” رضي الله تعالى عنه موقوفا عليه و مرفوعا من صلى بعد العشاء أربع ركعات كن له كمثلهن من ليلة القدر).
وقال برهان الدين بن مازه في المحيط البرهاني (1/ 445) -: (والتطوع بعدها ركعتان كما روى عمر وعائشة رضي الله عنهما، وإن تطوع بأربع بعدها، فهو أفضل لحديث ابن عمر موقوفاً عليه ومرفوعاً إلى رسول الله عليه السلام من صلى بعد العشاء أربع ركعات كن كمثلهن من ليلة القدر).
وسئل الشيخ بن باز كما في مجلة البحوث الاسلامية (46/ 197) ما هي فضيلة أربع ركعات بعد العشاء؟
فاجاب رحمه الله: (الراتبة ركعتان، وإن صلى أربع ركعات فلا بأس، فقد جاء في الحديث: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً قبل أن ينام ” وإذا فعلها الإنسان فلا بأس، وإن اقتصر على ركعتين فهي الراتبة، والراتبة التي كان يحافظ عليها: بعد العشاء ركعتان، ثم ينام، ويقوم في آخر الليل يتهجد عليه الصلاة والسلام).
قلت: يشير الشيخ بن باز الى ما رواه البخاري وأبو داود والنسائي وبن نصر المروزي من حديث ابن عباس قال: (بت في بيت خالتي ميمونة) الحديث. وفيه: (فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام … ) قال الحافظ بن حجر في فتح الباري (484/ 2):-” وَقَدْ حَمَلَ مُحَمَّد بْن نَصْر هَذِهِ الْأَرْبَع عَلَى أَنَّهَا سُنَّة الْعِشَاء لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ قَبْل النَّوْم”.
وقال شمس الحق العظيم آبادى في عون المعبود (9/ 201) في شرحه لحديث بن عباس المتقدم: (- فصلى أربعا – هي راتبة العشاء)
وممن استحب هذه الأربع الإمام بن قدامه المقدسي في المغني (1/ 779) وتلميذ شيخ الإسلام الإمام بن مفلح في كتابه الفروع وتصحيح الفروع (1/ 487) والحافظ الزيعلي في كتابه نصب الراية (2/ 145) والامام الشوكاني كما في نيل الأوطار (3/ 21).
و الذي يظهر من كلام أهل العلم الذي اوردناه أن هذه الاربع ركعات تصلى بدلا من الركعتين فالحديث يقول “من صلى اربعا بعد العشاء” أي بعد الفريضة ولم يقل من صلى اربعا بعد سنة العشاء ولو كانت هذه الاربع ركعات تصلى مضافة الى الركعتين لكان هذا منصوص عليه فليس هناك ما يدل على سنية ست ركعات ويدل على هذا حديث بن عباس الذي رواه البخاري وفيه (فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام) فلم يذكر بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى غير الأربع ركعات بعد العشاء وتقدم أيضا أن سعيد بن خبير كان يصلي أربع ركعات فلو كان يصلي ستا لذكر هذا القاسم بن أبي أيوب وأزيد الأمر وضوحا فأقول نحن نعلم أن السنة البعدية للظهر هي ركعتان استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة لكن روى الإمام احمد و النسائي عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: “من ركع أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها حرم الله عز و جل لحمه على النار”
قال الشيخ الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين ذكر هذا في كتابه صحيح أبي داود (1152)
فلو فرضنا جدلا أننا وجدنا دليلا على أن هذه الأربع ركعات التي بعد الظهر تصلى بتسليمة واحدة فلا يقال عندها أن السنة البعدية للظهر هي ست ركعات.
وأما ما رواه أبو داود عن مقاتل بن بشير العجلي عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَ سَأَلْتُهَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَىَّ إِلاَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ …”
فهذا حديث ضعيف لجهالة مقاتل بن بشير العجلي من اجل ذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود فلا يصح الاستدلال به على سنية ست ركعات بعد العشاء.
فصل هل يداوم على الأربع ركعات ويترك الركعتين؟:-
إن السنة البعدية للعشاء مع انه جاء ما يدل على أفضلية الأربع ركعات إلا أننا لا نرى هجر الركعتان بل لو أقتصر الانسان على بعد ركعتين العشاء احيانا لكان ذلك حسن لكن لو داوم على اربع بعد العشاء فليس هذا بمذموم إن شاء الله تعالى ومثله مثل من يداوم على ركعتين بعد العشاء أو مثل من يداوم على ربع ركعات بعد الظهر وقد وجدت كلاما نفيسا لشيخ الإسلام في العبادات التي ترد على وجوه متنوعة
يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (24/ 249):
(هنا مسألة تابعة وهو أنه مع التساوي أو الفضل أيما أفضل للإنسان المداومة على نوع واحد من ذلك أو أن يفعل هذا تارة وهذا تارة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. فمن الناس من يداوم على نوع من ذلك مختارا له أو معتقدا أنه أفضل ويرى أن مداومته على ذلك النوع أفضل. وأما أكثرهم فمداومته عادة ومراعاة لعادة أصحابه وأهل طريقته لا لاعتقاد الفضل. والصواب أن يقال: التنوع في ذلك متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم – فإن في هذا إتباعا للسنة والجماعة وإحياء لسنته وجمعا بين قلوب الأمة وأخذا بما في كل واحد من الخاصة – أفضل من المداومة على نوع معين لم يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم لوجوه:
أحدها: أن هذا هو إتباع السنة والشريعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قد فعل هذا تارة وهذا تارة ولم يداوم على أحدهما كان موافقته في ذلك هو التأسي والاتباع المشروع وهو أن يفعل ما فعل على الوجه الذي فعل لأنه فعله. الثاني: أن ذلك يوجب اجتماع قلوب الأمة وائتلافها وزوال كثرة التفرق والاختلاف والأهواء بينها وهذه مصلحة عظيمة ودفع مفسدة عظيمة ندب الكتاب والسنة إلى جلب هذه ودرء هذه قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}. الثالث: أن ذلك يخرج الجائز المسنون عن أن يشبه بالواجب فإن المداومة على المستحب أو الجائز مشبهة بالواجب ولهذا أكثر هؤلاء المداومين على بعض الأنواع الجائزة أو المستحبة لو انتقل عنه لنفر عنه قلبه وقلب غيره أكثر مما ينفر عن ترك كثير من الواجبات؛ لأجل العادة التي جعلت الجائز كالواجب. الرابع: أن في ذلك تحصيل مصلحة كل واحد من تلك الأنواع فإن كل نوع لا بد له من خاصة وإن كان مرجوحا فكيف إذا كان
مساويا وقد قدمنا أن المرجوح يكون راجحا في مواضع. الخامس: أن في ذلك وضعا لكثير من الآصار والأغلال التي وضعها الشيطان على الأمة بلا كتاب من الله ولا أثارة من علم فإن مداومة الإنسان على أمر جائز مرجحا له على غيره ترجيحا يحب من يوافقه عليه ولا يحب من لم يوافقه عليه بل ربما أبغضه بحيث ينكر عليه تركه له ويكون ذلك سببا لترك حقوق له وعليه يوجب أن ذلك يصير إصرا عليه لا يمكنه تركه وغلا في عنقه يمنعه أن يفعل بعض ما أمر به وقد يوقعه في بعض ما نهي عنه).المرفوع الضعيف يسنده الموقوف الصحيح بإطلاق؟ هذا إذا صح الموقوف.
الموقوف الأصل فيه أن يكون موقوفا وليس بمرفوع، أما توسع بعضهم في عبارة (ومثله لا يقال بالرأي أو بالاجتهاد) حتى أصبحت عمدة لهم في تصحيح الموقوفات عن الصحابة فهي عبارة لا يؤخذ بها بإطلاق، ويكفي على سبيل المثال في أثر عبدالله بن عمرو بن العاص أن يقال: إنه يكثر من الأخذ عن أهل الكتاب لبيان أن ليس كل موقوف حتى ولو كان خبرا يؤخذ به.
كما أن في متن الحديث نكارة من ناحية صلاتها أربع ركعات بتسليمة واحدة، فضلا عن هذا الأجر العظيم الذي يصل إلى أجر صلاتها في ليلة القدر، فأين حفاظ الحديث عنه؟
ثم من فعلها من السلف؟ وهل صلاة سعيد ابن جبير أربعا بعد العشاء يدل على أنه يقصد هذا الحديث؟ ثم هل صلاته أربعا تقتضي أنها بتسليمة واحدة؟
ولي وقفة أخرى عند قولك على شرط البخاري ومسلم لا يتسع الوقت للتطرق لها.