60 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند :
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة –
——-
مسند أحمد
2874 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمَاعِزٍ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: ” اذْهَبُوا بِهِ ” ثُمَّ قَالَ: ” رُدُّوهُ ” فَاعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى اعْتَرَفَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ ”
قلت سيف : الحديث على شرط الذيل على الصحيح المسند
وأخرجه ابوداد 4426 والنسائي 7173 وغيرهما .
_-_-_-_-_-_-
الحديث يبين مسألتان :
المسألة الأولى : هل يكفي الاقرار مرة واحدة أم مرتين ؟
المسألة الثانية : هل الثيب يرجم مع الجلد ؟
قال الحافظ في الفتح ( 12 / 119) : قال الحازمي ذهب أحمد وإسحاق وداود وبن المنذر إلى أن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم وقال الجمهور وهي رواية عن أحمد أيضا لا يجمع بينهما وذكروا أن حديث عبادة منسوخ يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ الثيب بالثيب جلد مائة والرجم والبكر بالبكر جلد مائة والنفي والناسخ له ما ثبت في قصة ماعز أن النبي صلى الله عليه و سلم رجمه ولم يذكر الجلد قال الشافعي فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة أن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولا من حبس الزاني في البيوت فنسخ الحبس بالجلد وزيد الثيب الرجم وذلك صريح في حديث عبادة ثم نسخ الجلد في حق الثيب وذلك مأخوذ من الاقتصار في قصة ماعز على الرجم وذلك في قصة الغامدية والجهنية واليهوديين لم يذكر الجلد مع الرجم.
[الإقرار المعتبر في الزنا مرة واحدة اتفاقا ]
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «أتى رجل من المسلمين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في المسجد – فناداه – فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا به فارجموه» متفق عليه.
قال ابن بطال ( 8/ 448) وقد أجمع العلماء أن سائر الإقرارات فى الشرع يكتفى فيها مرة واحدة.
قال الصنعاني في سبل السلام ( 2/ 410): الحديث اشتمل على مسائل
” الأولى “: أنه وقع منه إقرار أربع مرات فاختلف العلماء هل يشترط تكرار الإقرار بالزنى أربعا أو لا؛ ذهب من قدمنا ذكرهم وهم الحسن ومالك والشافعي وداود وآخرون إلى عدم اشتراط التكرار مستدلين بأن الأصل عدم اشتراطه في سائر الأقارير كالقتل والسرقة، وبأنه – صلى الله عليه وسلم – قال لأنيس: ” فإن اعترفت فارجمها ” ولم يذكر له تكرار الاعتراف فلو كان شرطا معتبرا لذكره – صلى الله عليه وسلم – لأنه في مقام البيان ولا يؤخر عن وقت الحاجة وذهب الجماهير إلى أنه يشترط في الإقرار بالزنى أربع مرات مستدلين بحديث ماعز هذا.
وأجيب عنهم بأن حديث ماعز هذا اضطربت فيه الروايات في عدد الإقرارات فجاء فيها أربع مرات، ومثله في حديث جابر بن سمرة عند مسلم، ووقع في طريق أخرى عند مسلم أيضا( مرتين أو ثلاثا)، ووقع في حديث عنده أيضا في طريق أخرى( فاعترفت بالزنى ثلاث مرات). وقوله – صلى الله عليه وسلم – في بعض الروايات (قد شهدت على نفسك أربع مرات) حكاية لما وقع منه فالمفهوم غير معتبر وما كان ذلك إلا زيادة في الإستثبات والتبين ولذلك سأله – صلى الله عليه وسلم – هل به جنون أو هو شارب خمر وأمر من يشم رائحته وجعل يستفسره عن الزنى كما سيأتي بألفاظ عديدة كل ذلك لأجل الشبهة التي عرضت في أمره، ولأنها قالت الجهنية: أتريد أن تردني كما رددت ماعزا فعلم أن الترديد ليس بشرط في الإقرار.
وبعد فلو سلمنا أنه لا اضطراب وأنه أقر أربع مرات فهذا فعل منه من غير أمره – صلى الله عليه وسلم – ولا طلبه لتكرار إقراره، بل فعله من تلقاء نفسه وتقريره عليه دليل على جوازه لا على شرطيته واستدل الجمهور بالقياس على أنه قد اعتبر في الشهادة على الزنى أربعة ورد بأنه استدلال واضح البطلان لأنه قد اعتبر في المال عدلان والإقرار به يكفي مرة واحدة اتفاقا.
[ ايات الرجم من المنسوخ لفظه المحكم معناه ]
آيات الرجم من المنسوخ لفظه المحكم معناه، كما هو معروف في علم الأصول، أخرج البخاري ومسلم في (الصحيحين) ، أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد أيها الناس، فإن الله تعالى بعث محمدا – صلى الله عليه وسلم – بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان إلى أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو الحبل، أو الاعتراف) ، وليس كل ما شرع الله يكتب في القرآن، بل ذلك أمره لله يحكم فيه بما يشاء. ( اللجنة الدائمة / ج ٢٢ / ٥١ ) .
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -، أن اليهود جاءوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم». فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: إرفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرجما، قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة».
اخرجه مسلم كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى، برقم ١٦٩٩،
(عن ابن عمر أن «اليهود أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – برجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال: ما تجدون في كتابكم؟ فقالوا: تسخم وجوههما ويخزيان، قال: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاءوا بالتوراة وجاءوا بقارئ لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له: ارفع يدك، فرفع يده فإذا هي تلوح، فقال أو قالوا: يا محمد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرجما، قال: رأيته يجنأ عليها يقيها الحجارة بنفسه» . متفق عليه، وفي رواية أحمد بقار لهم أعور يقال له ابن صوريا) .
٣٠٩٩ – (وعن جابر بن عبد الله قال: «رجم النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة» . رواه أحمد ومسلم) .
٣١٠٠ – (وعن البراء بن عازب قال: «مر على النبي – صلى الله عليه وسلم – بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر في أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا} [المائدة: ٤١] إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه} [المائدة: ٤١] ، يقولون: ائتوا محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون – ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون – ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة:
٤٤ – ٤٧] قال: هي في الكفار كلها» . رواه أحمد ومسلم وأبو داود) .
(وعن ابن عباس «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لماعز بن مالك: ما بلغني عنك قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان، قال: نعم، فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم» . ورواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه، وفي رواية قال: «جاء ماعز بن مالك إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فاعترف بالزنا مرتين فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين، فقال: شهدت على نفسك أربع مرات، اذهبوا به فارجموه» . رواه أبو داود)
و هذه الأحاديث تدل على أن الحد يقام على الكافر كما يقام على المسلم . و به قال الشوكاني في النيل
قال ابن قدامة – في فصل وجوب الرجم على الزاني المحصن , رجلاً كان أو امرأة – : ” وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة , والتابعين , ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار , ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج ” .
وقال :
” ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” المغني ” ( 9 / 39 ) .
قال ابن بطال :
فالرجم ثابت بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبفعل الخلفاء الراشدين وباتفاق أئمة أهل العلم، منهم مالك بن أنس فى أهل المدينة، والأوزاعى فى أهل الشام، والثورى وجماعة أهل العراق، والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور. ودفع الخوارج الرجم والمعتزلة واعتلوا بأن الرجم ليس فى كتاب الله تعالى وما يلزمهم من اتباع كتاب الله مثله يلزمهم من اتباع سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: ٧] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق أئمة الفتوى ولا يعدون خلافا. وقد روى حماد بن زيد وحماد بن سلمة وهشيم، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: سمعت عمر ابن الخطاب يقول: أيها الناس إن الرجم حق فلا يحد عنه فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد رجم. ورجم أبو بكر، ورجمنا بعدهما، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم والدجال، وبطلوع الشمس من مغربها، وبعذاب القبر، والشفاعة، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا.
شرح صحيح البخاري ( ٨ / ٤٣١ – ٤٣٢ )
قال ابن عبد البر في الاستذكار ( ٥ / ٤٦٩ ) :
قال أبو عمر معلوم أن الرجم إنما يجب على الزاني والزاني من وطىء فرجا لا شبهة له في وطئه .
قال ابن عبد البر في التمهيد ( ج ٩ / ٧٨ ) :
وأهل السنة والجماعة مجمعون على أن الرجم من حكم الله عز وجل على من أحصن.
و قال بعد ذلك أيضا : وأجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا أن المحصن حده الرجم.
قال النووي : أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى وهو محصن. شرح النووي على مسلم ( ١١ / ١٩٢ )
قال ابن دقيق العيد : وقوله: “الثيب الزاني” هو المحصن ويدخل فيه الذكر والأنثى وهو حجة على ما اتفق عليه المسلمون من أن حكم الزاني الرجم بشروطه المذكورة في أبواب الفقه. شرح الأربعين النووية ص 66
قال ابن تيمية في دقائق التفسير ( ج ٢ / ٥٤ – ٥٥ ) :
فقد أخبر الله عز وجل أن في التوراة الموجودة بعد المسيح عليه السلام حكم الله وأن أهل الكتاب اليهود تركوا حكم الله الذي في التوراة مع كفرهم بالمسيح وهذا ذم من الله لهم على ما تركوه من حكمه الذي جاء به الكتاب الأول ولم ينسخه الرسول الثاني
وهذا من التبديل الثاني الذي ذموا عليه ودل على أن في التوراة الموجودة بعد مبعث المسيح حكما أنزله الله أمروا أن يحكموا به وهكذا يمكن أن يقال في الإنجيل ومعلوم أن الحكم الذي أمروا أن يحكموا به من أحكام التوراة لم ينسخه الإنجيل ولا القرآن فكذلك ما أمروا أن يحكموا به من أحكام الإنجيل هو مما لم ينسخه القرآن وذلك أن الدين الجامع أن يعبد الله وحده ويأمر بما أمر الله به ويحكم بما أنزله الله في أي كتاب أنزله ولم ينسخه فإنه يحكم به
ولهذا كان مذهب جماهير السلف والأئمة أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه ومن حكم بالشرع المنسوخ فلم يحكم بما أنزل الله كما أن الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكموا بما أنزل الله في القرآن وفيه الناسخ والمنسوخ فهكذا القول في جنس الكتب المنزلة .
فائدة :
قال الشوكاني في النيل ( ج ٧ / ١٣٠ ) : ولهذا حكى صاحب البحر عن العترة والشافعي أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم وهو الحق لعدم دليل يدل على الوجوب، ولما تقدم في حديث ماعز «أنه – صلى الله عليه وسلم – أمر برجم ماعز، ولم يخرج معهم» والزنا منه ثبت بإقراره كما سلف، وكذلك لم يحضر في رجم الغامدية كما زعم البعض. قال في التلخيص: لم يقع في طرق الحديثين أنه حضر، بل في بعض الطرق ما يدل على أنه لم يحضر، وقد جزم بذلك الشافعي، قال: وأما الغامدية ففي سنن أبي داود وغيره ما يدل على ذلك.
وإذا تقرر هذا تبين عدم الوجوب على الشهود ولا على الإمام، وأما الاستحباب فقد حكى ابن دقيق العيد أن الفقهاء استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة.
قال العثيمين : بل دل عليه القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه، ودل عليه صريح السنة.
فالزاني المحصن الذي تزوج وجامع زوجته، إذا زنا والعياذ بالله فإنه يؤتى به، وتؤخذ حجارة صغيرة أقل من البيضة ومثل التمرة تقريبا أو أكبر قليلا يضرب ويرجم حتى يموت، ويتقى المقاتل يعني لا يضرب في موضع يموت به سريعا؛ بل يضرب علي ظهره وبطنه وما أشبه ذلك حتى يموت؛ لأن هذا هو الواجب.
والحكمة من هذا أن البدن الذي تلذذ بالشهوة المحرمة، عمت الشهوة جميع بدنه، فمن الحكمة أن تعم العقوبة جميع بدنه، وهذا من حكمة الله عز وجل . شرح رياض الصالحين ( ٣ / ٥٩٨ )
قال العباد في شرح سَنَن أبي دَاوُدَ :
فالرجم جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاء في الحديث الذي فيه إضافة الجلد إلى الرجم، من حديث عبادة بن الصامت: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم والجلد)، وجاء في القرآن مما بقي حكمه ونسخت تلاوته، ومعلوم أنه قد ينسخ الحكم والتلاوة، وينسخ الحكم دون التلاوة، وتنسخ التلاوة دون الحكم، والذي معنا هو شاهد لنسخ التلاوة دون الحكم، فالحكم موجود والرجم ثابت ومستقر، والتلاوة منسوخة.
الخلاصة :
جاء في كتاب الاعلام بفوائد عمدة الاحكام لابن الملقن ( 9 / 179 – 183 ):
الوجه الخامس: في أحكامه:
الأول: جواز الإقرار بالزنا عند الأئمة لإِقامة الحد عليه.
الثاني: أن الحدود إذا وصلت إلى الإِمام يقيمها ولا يهملها.
الثالث: جواز الإِقرار بالحقوق عند الحكام في المساجد.
الرابع: نداء الكبار من العلماء وأهل الدين بأعلى نعوتهم [التي شرفهم الله تعالى بها، فإنه نادى رسول الله – صلي الله عليه وسلم – بيا رسول وهي أعظم نعوتة] .
الخامس: إعراض الإِمام عن من أقر بما يوجب عليه حدًا ليرجع عن إقراره أو يثبت عليه.
السادس: أن الإِمام يسأل عن شروط الرجم من الإِحصان وغيره سواء ثبت بالإِقرار أم بالبينة لترتيب الحكم عليه.
السابع: أن إقرار المجنون باطل فإن الحدود لا تجب عليه، وأنه يحتاط للدماء أكثر من غيرها وكل ذلك إجماع.
الثامن: التعريض للمقر بالزنا بأن يرجع ويقبل رجوعه بلا خلاف.
التاسع: اعتبار الإِقرار بالزنا أربع مرات وهو مذهب أبي حنيفة والكوفيين وأحمد قالوا: لأنه -عليه الصلاة والسلام- إنما أخر تمام الحد إلى تمام الأربع مرات لكونه لم يجب قبل ذلك لأنه لو وجب قبله لما أخره فدل على أنه لا يجب إلا بعدها ويقوى ذلك بقول الراوي: “فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه -عليه الصلاة والسلام-” إلى آخره، ففيه إشعار بأن الشهادة أربعًا هي العلة في الحكم وقاسوه على شهود الزنا.
وخالف في ذلك مالك والشافعي ومن وافقهما فقالوا: لا يعتبر تكرره بل يثبت مرة واحدة ويرجمه قياسًا على سائر الحقوق. وبأنهم رووا أن تأخير الحد إلى تمام الإِقرار أربعًا ليس للوجوب كما ذكره الأولون بل للاستثبات والتحقيق لوجوب السبب لأن مبنى الحد على الاحتياط في درئه بالشبهات.
واحتجوا أيضًا بالحديث السالف: “واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها” فلم يشترط عدد. وحديث الغامدية في “صحيح مسلم” ليس فيه أيضًا إقرارها أربع مرات ولأنه اعتراف بما يوجب القتل فلا يشترط فيه التكرار قياسًا على شهود الاعتراف بالقتل فإنه لا خلاف كما قال القاضي عياض أن الاعتراف بالقتل لا يعتبر فيه التكرار كالشهادة، فكذا في الرجم، ولا يحسن قياسهم الإِقرار على الشهادة لأن إقرار الفاسق على نفسه مقبول بخلاف شهادته.
واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس. ونقل القرطبي هذا عن أصحاب الرأي، ونقل عن ابن أبي ليلى وأحمد اشتراط كونها في مجلس واحد، وما قدمناه
أولًا هو ما حكاه النووي.
العاشر: تفويض الإِمام الرجم إلى غيره. فإن قوله -عليه الصلاة والسلام-: “اذهبوا به فارجموه” يشعر بعدم حضوره إياه. قال العلماء: لا يستوفي الحد إلَّا الإِمام أو من فوض إليه الإِمام.
واستحب الفقهاء: أن يبدأ الإِمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإِقرار ويبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة. وكأن الإِمام لما كان عليه التثبت والاحتياط قيل له أبدأ، ليكون ذلك زاجرًا عن التساهل في الحكم بالحدود، داعيًا إلى غاية التثبت. وبدأة الشهود لأن قتله بقولهم .
الحادي عشر: عدم الحفر للمرجوم فإنه هرب لما أذلقته الحجارة، فلو حفر له ما تمكن منه. ويؤيده رواية أبي سعيد في صحيح مسلم “فما أوثقناه ولا حفرنا له” نعم فيه أيضًا من حديث بريدة “فلما كان الرابعة حفر له حفرة”.
واختلف العلماء في الحفر للمرجوم على أقوال:
أحدها: لا يحفر له وكذا للمرأة أيضًا، قاله مالك وأحمد وأبو حنيفة في المشهور عنهم.
ثانيها: يحفر لها، قاله قتادة وأبو داود وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية عنه.
ثالثها: يحفر لمن يرجم بالبينة لا لمن يرجم بالإِقرار، قاله بعض المالكية.
رابعها: لا يحفر للرجل مطلقًا سواء ثبت بالبينة أم بالإِقرار، قاله أصحابنا.
حكوا في المرأة ثلاثة أوجه:
أحدها: يستحب الحفر لها إلى صدرها ليكون أستر لها.
ثانيها: لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإِمام. وأصحها: إن ثبت زناها بالبينة استحب، وإن ثبت بالإِقرار فلا لتمكينها من الهرب إذا رجمت، فمن قال: بالحفر احتج بأنه حفر للغامدية وكذا لماعز في رواية أسلفناها.
وأجاب عن الرواية الأخرى في ماعز أنه لم يحفر له، أن المراد حفيرة عظيمة كما يحفر للمرأة.
ومن قال: لا يحفر احتج بالحديث الآتي فإن فيه إن “الرجل يَجْنَأُ على المرأة يقيها الحجارة” ولو حفر لهما لم يجنأ عليها. وبالرواية الأخرى في قصة ماعز لكنها معارضة بالرواية الأخرى وبحديث الغامدية، ومن قال بالتخيير فهو ظاهر ومن فرق بين الرجل والمرأة حمل الحفر لماعز في إحدى الروايتين عنه على الجواز.
الثاني عشر: أن الزاني المحصن إذا أقر بالزنا وشرع في رجمه وهرب ترك ولا يتبع لقيام الحد عليه، وهي مسألة خلافية. وممن قال بذلك الشافعي وأحمد قالا: ويقال له بعد ذلك فإن رجع عن الإِقرار ترك وإن أعاد رجم.
وقال مالك: في رواية وغيره يتبع ويرجم.
وقال بعض أصحاب مالك: إن وجد على الفور كمل رجمه، وإن وجد بعد زمان ترك حكاه القرطبي وحكي عن أشهب عن مالك: أنه إن جاء بعذر قبل منه وإلا فلا.
واحتج الشافعي ومن وافقه: بما جاء في “سنن أبي داود” و”صحيح الحاكم” من حديث نعيم بن يزيد بن هزال عن أبيه أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: “هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه” .
واحتج الآخرون: بأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يلزمهم ديته مع أنهم قتلوه بعد هربه.
وأجاب الأولون: عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع، قالوا: وإنما قلنا لا يتبع في هربه لعله يريد الرجوع ولم يقل إنه يسقط الرجم بمجرد الهرب .
الثالث عشر: أنه يكفي الرجم ولا يجلد. وقد سلف الخلاف فيه.
الرابع عشر: أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن وقف مسجدًا لا يثبت له حكم المسجد، إذ لو كان له حكمه لجنب الرجم فيه وتلطيخه بالدماء والميتة.